لماذا تشكل القرم "البقعة الحاسمة" في حرب أوكرانيا؟

لا تزال شبه جزيرة القرم "الجائزة الكبرى" في إطار جهود أوكرانيا الرامية لإلحاق الهزيمة بروسيا، إذ تواصِل قواتها الزحف البطيء جنوباً والذي يمكن أن يكون محوريّاً في إنهاء صراع استمر تسع سنوات ويُعتقد أنه أودى بحياة مئات الآلاف.

فور إسقاط جسر كيرتش مرةً أخرى، ستتغير قواعد اللعبة

ويقول القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا بن هودجز لمجلة "نيوزويك": "من الواضح أن الجزء البريّ من الهجوم الأوكرانيّ المضاد يهدف إلى تدمير ما يُسمى بالجسر البري، سواء عن طريق الاحتلاال أو بالقوة النارية"، في إشارة إلى البقعة المحتلة في جنوب أوكرانيا التي تربط الآن بين شبه جزيرة القرم وغرب روسيا.

ويشار إلى أن تدمير الجسر البري وجسر مضيق كيرتش سيعزل الوحدات الروسية في شبه جزيرة القرم وجنوب أوكرانيا ويعرضها للخطر.

قواعد اللعبة

ويرى هودجز أنه "فور إسقاط جسر كيرتش مرةً أخرى، ستتغير قواعد اللعبة تماماً لشبه جزيرة القرم، وهذا هو أهم عنصر على الإطلاق".
ويتابع: "نريد ألّا نلتفت عن الهدف النهائي للهجوم الأوكراني المُضاد. أسمع بين الفينة والأخرى من البنتاغون أننا نود مد يد العون لإرغام روسيا على التقهقر. لكن الأمر لا يتعلق بدفعهم إلى التقهقر. وإنما جوهر المسألة يكمن في الجغرافيا الحاسمة، وعزل شبه جزيرة القرم، ومن ثم القدرة على جلب ما يكفي من الأسلحة بعيدة المدى بحيث يستعصي على البحرية الروسية وسلاج الجو الروسي الدفاع عن الجزيرة والانطلاق منها".

 

"I'm surprised how many people glibly say, 'Let them have Crimea for the sake of peace'. How naive to think that would actually satisfy Russia or that Russia would honor any agreement, or that it would not disrupt shipping to damage Ukraine's economy."https://t.co/2oDfBZYSpK

— Ben Hodges (@general_ben) August 31, 2023

تُقاتل القوات الأوكرانية حاليّاً وتشق طريقها عبر شبكة الخطوط الدفاعية المُحصنة الروسية في جنوب أوكرانيا. ولا يتعين على القوات الأوكرانية بالضرورة أن تتقدم على طول الطريق إلى ساحل بحر آزوف لتقض مضجع الروس هناك.
فضلاً عن ذلك، فتحرير مستوطنات مثل توكماك وميليتوبول التي تعمل عمل المراكز اللوجستية سيقوض إلى حدٍ كبير الدفاعات الروسية في المنطقة، إذا تمكن الأوكرانيون من الوصول إليها.
وقال هودجز إن الذخائر التقليدية المُحسَّنَة ثنائية الغرض التي تنطلق من ماسورة عيار 155 ملم ويستخدمها الآن المدفعيون الأوكرانيون تُصعِّب بالفعل الأمور على الوحدات الروسية.
وأضاف هودجز أنّ توسيع نطاق الدعم الغربي ليشمل صواريخ الذخائر العنقودية طويلة المدى التي تُطلق من أنظمة إطلاق الصورايخ المتعددة M270 التابعة لحلف شمال الأطلسي وراجمة الصواريخ الأمريكية  إم 142 هيمارس "سيُحدْث فارقاً كبيراً".

 

حجر الزاوية في روسيا

تعتبر شبه جزيرة القرم حجر الزاوية بالنسبة إلى بوتين، سيطرته الدموية عليها رمزاً لجرأة موسكو وعجز الغرب. وعندما يُقدِّر المسؤولون الغربيون خطر التصعيد الروسي، ستُعطى شبه جزيرة القرم أهمية خاصة.

العقيدة النووية

كثيراً ما وجَّه المسؤولون الروس، بِمَن فيهم بوتين، تهديدات نووية ضد أوكرانيا وشركائها الغربيين.
وتشير العقيدة النووية الروسية إلى أن روسيا يمكن أن تلجأ لأسلحة الدمار الشامل عندما "يكون وجود الدولة ذاته في خطر". في وقت سابق من العام الجاري، قال الرئيس الروسي الأسبق ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، الذي تعرَّض للتهميش إلى حدٍ كبير داخل الكرملين، إن أي "هجمات خطيرة تنطوي على محاولة استعادة شبه جزيرة القرم" ستكون "بمنزلة أساس يُستُنَد إليه لاستخدام جميع سبل الحماية، بما في ذلك المنصوص عليها في العقيدة الأساسية للردع النووي".
ورغم التهديدات الروسية، تقول كييف إنها تعتزم تحرير جميع الأراضي الأوكرانيّة وفقاً لحدودها عام 1991، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وبحسب تصريح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "لقد بدأ الغزو بشبه جزيرة القرم، وسينتهي من حيث بدأ".

 

A tale of two bridges....Crimea is Ukraine.

Why Crimea Is 'Decisive Terrain' for Russia-Ukraine War https://t.co/NanAijF9N1

— Ben the angel medic (@Ben_mutxasteg1) August 31, 2023

ولا شك في أن شبه جزيرة القرم بالنسبة للمسؤولين الأوكرانيين هي جزء كبير من ساحة المعركة.
وقال هودجز الذي كان مدافعاً بارزاً عن تحرير أوكرانيا المُقترح لشبه جزيرة القرم: "يعرف الأوكرانيون تمام العلم أنّ شبه جزيرة القرم هي البقعة الحاسمة من الأرض، وأنهم لن يكونوا في مأمن أبداً ما دامت روسيا تحتل شبه الجزيرة. وبوسع الأوكرانيين شن هجمات بقواتهم البحرية والجوية من شبه جزيرة القرم، وإطلاق صواريخ على جميع الموانئ البحرية الأوكرانية المُحتلة".

القرم وإعادة بناء الاقتصاد الأوكراني

وأضاف هودجز: "لا أعتقد أن الأوكرانيين سيكون بوسعهم إعادة بناء اقتصادهم ما دامت روسيا تحتل شبه جزيرة القرم، وطالما استطاعت عرقلة أي شيء يدخل ويخرج من أوديسا أو خيرسون أو ميكولايف. وبطبيعة الحال، فالميناءان البحريان الرئيسان الآخران بيرديانسك وماريوبول سيكونا عديمي الفائدة، حتى بعد تحريرهما. وذلك لأن روسيا ستواصل إغلاق بحر آزوف من شبه جزيرة القرم".
ورفض المسؤولون الأوكرانيون أيضاً الحديث عن المفاوضات ووصفوه بأنه مُضلل، مشيرين إلى انعدام الثقة بالالتزامات الروسية.
وأعرب هودجز عن دهشته ممن يقولون "فلندع روسيا تحصل على شبه جزيرة القرم ثمناً لإقرار السلام".
وأضاف: "أولاً من الجهل الظن أن هذا سيرضي الروس بالفعل، أو الاعتقاد بأن روسيا ستحترم أي اتفاق، أو أنها لن تُعطِّل طرق الشحن أو تضيِّق الخناق على أوكرانيا لتُلحق ضرراً باقتصادها. لماذا يتعين علينا أن نُكافئ روسيا على كل ما اقترفته؟ من المؤكد أن الصينيين سيراقبون الموقف. وسيرون أننا مستعدون للتخلي عن أراضي بلد آخر. هل يمكن لأحد أن يتخيل أن يُملي أي طرف على ألمانيا التخلي عن ولايات ألمانيا الشرقية ثمناً لإقرار السلام؟ أو يُطالب الولايات المتحدة بإعادة ألاسكا إلى روسيا طمعاً في السلام؟ إن هذا لأمر عبثي. ورغم ذلك، ما برح البعض يطالبون أوكرانيا بالتخلي عن شبه جزيرة القرم".
 
 
 
 

المصدر: موقع 24