حرب جنرالات السودان .. جيش أم جنجويد؟ «8»
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
حرب جنرالات السودان.. «8»
جيش أم جنجويد؟
مهدي رابح
(( الدعم السريع جزء اصيل من القوات المسلحة وأدوار حميدتي لا ينكرها الا مكابر )).
الجنرال البرهان 20 مارس 2021م.
وجدد البرهان لدى مخاطبته قوات متحرك درع الصحراء بمعسكر كرري للتدريب ،الثقة في قوات الدعم السريع وقال “أمشوا واعملوا بهمة عالية لتحقيق الهدف الأسمى لبناء سودان ما بعد التغيير” وأضاف إن قوات الدعم السريع وقائدها قدمت عمل جليل ونماذج مشرفة للوطن.
وأبان أن العمل العسكري والميداني وحد وجدان القوات المسلحة وهي تعمل جنب إلى جنب معا، وقال “سيروا مرفوعي الرأس والجباه ولا يهزكم شيء ولا مؤامرة المتآمرين، وان الواجب الوطني كبير يتطلب مزيدا من الصبر والعزم” وأشار إلى أن الكفاءة العالية التي تمتلكها الدعم السريع ستنفذ في خدمة البلاد واستقرارها، وقال “كان فضلها كبيرا في إسناد القوات المسلحة في الأدوار الوطنية وهذه المهمة تعد الأصعب من أجل حماية السودان وترابه وهي تعمل دائما للوطن وأمنه واستقراره وحماية الثورة السودانية المجيدة”
……………………………………………………………………..
قبل استعراض ظاهرة المليشيات المسلحة المتفاقمة التي ظلت تتناسل تحت اشراف وتمويل وتسليح الحكومة والمؤسسة العسكرية السودانية منذ القرن الماضي وتدرجت في الحالة الدارفورية بالتحديد من الجنجويد الي حرس الحدود حتي تحولت في مرحلة ما الي قوات الدعم السريع, والذي تحور بدوره وفي وقت قياسي وبدعم واشراف وتواطؤ جنرالات الجيش – بما فيهم الجنرال البرهان شخصيا كما سنري لاحقا – الي جيش مواز لدي قياداته من عائلة دقلو تطلعات للانفراد بالسلطة وعلي استعداد لتحدي الدولة وتحدي المؤسسة الام التي خرج من رحمها, من المهم الرجوع الي منعرج تاريخي ذو دلالات كبيرة انعكست بصورة مباشرة فيما يعيشه السودان اليوم من فوضي قد تؤدي الي انهياره وتفككه, وبهذا اقصد القاء ضوء خاطف علي مأساة إقليم دارفور التي دارت اهم احداثها ما بين عامي 2003م و 2006م , حيث قدر العدد الكلي للذين قضوا نتيجة العنف المباشر للحرب وما نجم عنها من نزوح ومجاعات وعجز في الخدمات الصحية ب 300,000 ضحية، وملايين النازحين.
علي عكس مأساة حرب الجنوب وما تواتر عنها من اخبار مشتتة هنا وهناك وغير موثقة عن انتهاكات مروعة ارتكبت في حق المدنيين العزل طوال نصف القرن الذي استغرقته 1955م-2005م (حوالي المليون ونصف ضحية) من قبل الجيش مباشرة او المليشيات المدعومة من طرفه او حتي حركات التمرد المسلح المعارضة, فان وحشية ما حدث في دارفور وجد اهتماما دوليا اكبر وتغطية إعلامية مكثفة , بل يري بعد المطلعين علي القضية, كالمفكر محمود ممداني في كتابه القيم ( دارفور , منقذون وناجون) أن بعض المنظمات والشبكات (كحركة انقذوا درافور نموذجا) ربما اتخذت من القضية مطية لتحقيق مكتسبات مادية وسياسية خاصة وهو ما قد يفسر تناولها خارج سياقاتها الواقعية في أحيان كثيرة ومحاولة تصويرها كعملية إبادة جماعية والضغط علي الحكومة الامريكية لتبني سياسة تدخلية نحو السودان, وهو ما لا ينفي في كل الأحوال حقيقة ثبوت ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية من قبل الحكومة السودانية ممثلة في جيشها وأجهزتها الأمنية والإدارية مباشرة او عبر شركائها من مليشيات الجنجويد, وهو أيضا ما لا يقلل من حقيقة كونها واحدة من ابشع النزاعات واخطر المعضلات الاخلاقية التي تعرضت لها الإنسانية في الفترة التي تلت الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994م.
اعتقد ان أفضل معين لادراك حجم هذه الكارثة الإنسانية المؤلمة والفاجعة وعلي مدي تداخل دور كل من الجيش ومليشيات الجنجويد ومدي تعاونهما معا في ارتكاب مختلف أنواع الجرائم وفق سياسة منهجية تم التخطيط لها والاشراف عليها من العاصمة الخرطوم هو انتقاء مقتطفات من التقرير الوافي الذي قدمته اللجنة الخاصة للأمم المتحدة بدارفور في جنيفا بتاريخ 5 يناير 2005م والذي تم علي اثره تحريك الإجراءات القانونية التي أدت الي المطالبة بمثول الجنرال البشير وعدد من رموز نظامه امام محكمة الجنايات الدولية ICC.
وهي لجنة كونها السيد كوفي انان, الأمين العام للأمم المتحدة حينها بناء علي قرار مجلس الأمن رقم 1564 الصادر يوم 18 سبتمبر عام 2004م والتي تراسها السيد أنطونيو كاسيس وعضوية كل من محمد فايق, هينا جيلاني, دوميسا نسيبيزا وتيريزا سترينغر سكوت. بدأن اللجنة عملها في أكتوبر من نفس العام مدعومة بفريق كبير من المحققين و القانونيين وخبراء الطب الشرعي والتحليل العسكري وغيرهم. توصلت اللجنة الي استنتاجاتها خلال التحقيق والتقصي على أرض الواقع في السودان وبالأخص في إقليم دارفور.
من المهم الإشارة الي ان اللجنة توصلت الي ارتكاب الحكومة ومليشيا الجنجويد وبعض الحركات المسلحة أيضا لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لكنها وصفت ما قامت به الحكومة بانه لم يثبت انتهاجها لسياسة الابادة الجماعية بل كان الدافع الأساس وراء افعالها – الوحشية والمخالفة للقانون الدولي- هو محاولة القضاء علي التمرد.
الفقرة رقم 186- صفحة 54
” سُجّل تكراراً لنمط من الاعتداءات علي القري والمستوطنات، مصحوبا احيانا بهجوم جوي تُستخدم فيه طائرات الهيليكوبتر الحربية او الطائرات ذوات الاجنحة الثابتة ( انتينوف او ميج)، ويشمل ذلك القصف و اطلاق زخات الرصاص الكثيف من أسلحة اتوماتيكية. لكن غالب حوادث الهجوم المسجل تتمثل في هجمات أرضية يقودها اما عسكريون رسميون او جنجويد او الاثنين معا.
مئات الأحداث المسجلة تضمنت قتل للمدنيين، مجازر، اعدام خارج نطاق القانون، اغتصاب وأشكال اخري من الاعتداء الجنسي، تعذيب، اختطاف، نهب الممتلكات والماشية، كما تضمنت ايضا التدمير المتعمّد واحراق القري.
هذه الأفعال تسببت في النزوح الجماعي لشرائح واسعة من السكان داخل دارفور كما في المناطق المجاورة من تشاد. التقارير تشير إلى ان كثافة الهجوم وفظاعة الانتهاكات التي ترتكب في اي واحدة من القري تنشر درجة من الرعب تدفع بسكان كل القري المجاورة للهروب والنزوح الي مناطق أكثر امانا. ”
الفقرة رقم 242 – صفحة 64
” في عديد الحالات فإن الهجوم الأرضي يبدأ عادة بظهور عساكر الجيش علي ظهر سيارات لاندكروزر (يقصد تاتشرات) ومركبات اخري، تتبعها جموع من الجنجويد علي ظهر احصنة او جمال، كلهم مزودين باسلحة AK47، G3, وقاذفات قنابل RPG. كثير من الهجمات تضمنت قتل المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال، حرق المنازل والمدارس والبني المدنية، كما تدميرا لابار مياه الشرب، المستشفيات والمحلات التجارية.
نهب ممتلكات المدنيين وبالتحديد الماشية كان يلي تلك الهجمات، وفي كثير من الأحيان فإن اي ممتلكات قابلة للنقل كانت تسرق او تدمر من قبل المعتدين. في الغالب كان المدنيون مضطرون الي النزوح قسرا نتيجة للهجوم.
الفقرة رقم 273 – صفحة 74
” كمثال واضح للقتل الجماعي (الذي مارسته قوي مشتركة من الجيش والجنجويد) الذي تعرض له المدنيون ووثق من قبل اللجنة، ذلك الهجوم على سرة، وهي قرية يقطن فيها حوالي 1700 من السكان، شرقي مدينة زالنجي، جنوب دارفور في يناير 2004م.
شهود عيان من مجموعات مختلفة لديهم رواية ذات مصداقية، متماسكة ومفصلة للهجوم المذكور، والذي قتل فيه 250 شخص، بمن فيهم نساء وعدد كبير من الأطفال. إضافة الي 30 من المفقودين. الجنجويد وقوات الجيش هاجموا سويا في الصباح الباكر. العسكريون أطلقوا قذائف مورتر علي المدنيين العزل. الجنجويد كانوا يلبسون زيا موحدا مموها ويطلقون الرصاص من البنادق والاسلحة الاوتوماتيكية. دخلوا البيوت وقتلوا الرجال. وجمعوا النساء في المسجد. اجبروا النساء علي خلع عبائاتهن وان وجدوا ان احداهن تخبئ طفلها الذكر تحته يقتلونه علي الفور. الأحياء فروا من القرية دون دفن موتاهم. ”
الفقرة رقم 340 – صفحة 89.
” هوجمت قرية تيرجا، غرب دارفور في يناير 2003م. قصفت اولا بطائرة ثم دخلت 40 سيارة رباعية الدفع، خلفها رجال يركبون الحصين. المهاجمين كانوا يطلقون الرصاص علي السكان من فوق السيارات والحصين. كانوا ينهبون المنازل. اربعة صبيان يافعين تم اعدامهم علي مرئي من السكان. الهجوم كان يقوده بصورة أساسية عساكر الجيش ، اما العربان فقاموا بالنهب. العسكريين والجنجويد قاموا بعمليات الاغتصاب سوية.
عندما بدأ الهجوم هربت النساء نحو الوادي حيث تم حصارهن بواسطة الجيش. الشاهدة ذكرت انها تعرف اسماء تسعة عشر من المغتصبات لكن هنالك المزيد. هي تعتقد أن عددهن الكلي في حدود الخمسين . البنات اليافعات تم اغتصابهن اولا. الشاهدة تم اغتصابها من قبل تسعة رجال. نساء اخريات تم اغتصابهن ايضا من قبل عدد كبير من الرجال. تم احتجاز النساء لمدة ستة أيام في الوادي. ”
الفقرة رقم 349 – صفحة 92
دراسة حالة: الهروب من كالوكيتينق، جنوب دارفور
” اللجنة راجعت افادات عدد من الشهود فيما يتعلق بقضية اغتصاب ثلاثة نساء، احداهن قتلت، بينما كن يحاولن الهرب خارج قريتهن، كالوكيتينق، جنوب دارفور، في مارس 2004م. اللجنة تحصلت علي المعلومات التالية والخاصة بالحادثة:
القرية هوجمت حوالي الساعة الرابعة فجرا. رجال مسلحون يلبسون الزي الموحد المموه ويغطون وجوههم. كان هنالك عديد انواع الأسلحة بما فيها الكلاشنكوف، الدوشكة، الجي ام، كما السيارات ذات اللون الأخضر. الجيش كان هنالك والجميع كان يلبس الكاكي. كان هنالك ما بين طائرتين الي ثلاث، باللون الأخضر والأبيض، وكانت تحلق علي ارتفاع منخفض جدا. احدي الطائرات البيضاء كانت تهاجم.
احدي الضحايا ذكرت الرواية التالية :
(كانت الساعة 4 ص حينما سمعت اطلاق الرصاص. ثلاثة منا هربن سوية. كنا جارات. و انتبهنا اننا لم نحمل معنا حلينا الذهبية. حينما رجعنا رأينا جنودا. قالوا لنا توقفوا توقفوا. كانوا عدة جنود. الأول اعطي سلاحه لزميله وقال لي استلقي هنا. جرني ودفعني أرضا. خلع بنطاله. مزق فستاني بينما امسك أحدهم بيدي. بعدها (دخل). وبعده الثاني (دخل) والثالث (دخل). لم استطع الوقوف علي ارجلي بعد ذلك. كان هنالك فتاة اخري. حينما قال لها استلقي قالت لا، اقتلني. كانت يافعة. كانت عذراء. كانت مخطوبة… قتلها.)، المرأة الثالثة ذكرت ايضا انه تم اغتصابها بنفس الطريقة. ”
……………………………………………………………………..
” المليشيا او التنظيم او الجماعة المسلحة هي جيش تشكله قوات غير نظامية من مواطنين يعملون عادة بأسلوب حرب العصابات بعكس مقاتلي الجيوش النظامية, الجنود المحترفون.”
تعريف المليشيا على موقع ويكيبيديا.
يتبع….
الوسومالجنجويد جيش حرب جنرالات دعم سريع مهدي رابحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجنجويد جيش حرب جنرالات دعم سريع
إقرأ أيضاً:
WP: الفاشر تعيش كارثة إنسانية وصمت العالم يفتح الباب لأسوأ مأساة في السودان
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً قالت فيه إن العالم يتعرّف على أهوال مدينة الفاشر من خلال الصمت والغياب، لا من خلال أدلة ملموسة، إذ لم تتمكن أي وسيلة إعلامية مستقلة من الوصول إلى المدينة السودانية الواقعة في ولاية شمال دارفور، والتي سقطت في أواخر تشرين الأول/أكتوبر بعد أكثر من 500 يوم من الحصار.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية أحياء مدمرة، وأراضي ملطخة بالدماء، وآثار مقابر جماعية.
واختفى المرضى الذين كانوا يعالجون في المستشفيات والعيادات التي استهدفها المقاتلون، فيما وصل الأطفال الفارون من الفاشر إلى مخيمات النازحين من دون آبائهم أو ذويهم.
وروى عمال الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة شهادات عن مجازر وعمليات اغتصاب واسعة النطاق ارتكبتها ميليشيات قوات الدعم السريع، إحدى الفصيلين الرئيسيين في الحرب الأهلية المدمرة في السودان.
ومنذ اندلاع الصراع في نيسان/أبريل 2023، عززت قوات الدعم السريع سيطرتها على إقليم دارفور الشاسع غرب البلاد، وجسد استيلاؤها على الفاشر عملية تقسيم فعلي بين الشرق والغرب، في حين استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم في وسط البلاد.
وأدت الحرب الأهلية إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، بعدما نزح نحو 14 مليون شخص، نصفهم من الأطفال، وتفشت المجاعة والأمراض، ومنها الكوليرا، في مناطق واسعة، خصوصا الفاشر ومحيطها، حيث وصف شهود عيان كيف عاش السكان المحاصرون على علف الحيوانات والأعشاب الضارة.
كما ترافقت الأزمة مع العنف الممنهج الذي تمارسه قوات الدعم السريع ضد جماعات عرقية وقبلية غير عربية في دارفور، ويقدر عدد المفقودين من الفاشر بنحو 150,000 شخص، فيما يشير باحثون إلى أنّ نحو 60,000 منهم قتلوا على يد قوات الدعم السريع وحلفائها خلال الشهر الماضي فقط.
وفي أعقاب سقوط الفاشر، قال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر ييل للأبحاث الإنسانية، لشبكة "سي إن إن" الشهر الماضي: "نشهد وتيرة قتل لا يضاهيها إلا الإبادة الجماعية في رواندا".
ويتابع المختبر تداعيات ما يجري، مضيفا: "نحن بصدد كارثة بشرية قد تتجاوز في غضون أسبوع عدد ضحايا غزة خلال عامين. هذه هي سرعة القتل التي نشهدها بناء على ما نراه من أكوام الجثث على الأرض".
وقالت الصحيفة إن المنطقة لا تزال تعاني أيضا من صدمات سابقة، ففي لاهاي، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية الثلاثاء حكماً بالسجن 20 عاما على علي محمد علي عبد الرحمن، قائد ميليشيا الجنجويد السودانية سيئة السمعة، بعد إدانته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت تحت إشرافه قبل أكثر من عقدين خلال حملة مكافحة التمرد في دارفور.
وتعد الجنجويد النواة الأولى لقوات الدعم السريع، لكنها كانت آنذاك تنفذ أوامر الحكومة المركزية في الخرطوم بقيادة الرئيس عمر البشير.
وذكر الكاتب إشارات متكررة إلى العنف الإبادي الحالي، قائلاً إن مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بمقاطع مصورة لمقاتلين وقادة في قوات الدعم السريع وهم يتباهون بجرائمهم ويتفاخرون بقتل واغتصاب المدنيين من مختلف القبائل.
وسابقةً لسقوط الفاشر، شهدت مدينة الجنينة في غرب دارفور أيضا مجزرة واسعة، حيث قتلت قوات الدعم السريع وحلفاؤها نحو 15,000 شخص، وارتكبت عملية تطهير عرقي بحق شعب المساليت من أصول أفريقية سوداء.
وأشار المقال إلى أنّ الفاشر تحتل مكانة محورية في سجل الإبادة الجماعية في دارفور قبل عقدين، إذ سبق أن شنّت قوات المتمردين في نيسان/أبريل 2003 غارة على منشأة عسكرية رئيسية في المدينة، ما مهّد لحملة القمع الوحشية التي دعمتها الحكومة وما تلاها من فظائع.
وأكد الكاتب أن أوجه التشابه واضحة، فنقل عن توم فليتشر، كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة، قوله في إحاطة لسفراء الأمم المتحدة نهاية تشرين الأول/أكتوبر: "إن ما يحدث في الفاشر يُذكّرنا بالأهوال التي عانت منها دارفور قبل عشرين عاماً. لكننا نشهد اليوم رد فعل عالمي مختلفا تماما، رد فعل استسلام. إنها أيضاً أزمة لامبالاة".
وأضاف أن محللين شددوا مراراً على أنّ المأساة الحالية كانت متوقعة، ففي بيان صدر عام 2023 عند اندلاع الحرب الأهلية، قال تيغيري شاغوتا، المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية لشرق وجنوب أفريقيا: "لا يزال المدنيون في دارفور اليوم تحت رحمة قوات الأمن نفسها التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور ومناطق أخرى من السودان، من المخزي أن يعيش الناس في السودان في خوف كل يوم".
ولفت إلى أن الجيش السوداني أيضاً متهم بارتكاب فظائع، لا سيما بالقصف العشوائي للمناطق المدنية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، كما يُزعم أنّ قوات الدعم السريع قتلت عشرات المدنيين بطائرات مسيرة في منطقة كردفان جنوب وسط البلاد، التي أصبحت أحدث بؤرة توتر في حرب فشلت القوى الخارجية في كبحها.
وأضافت مجموعة الأزمات الدولية في موجزها السياسي أن السودان يقف اليوم أمام مأزق سياسي لا يستطيع أي من الطرفين كسره عسكريا، في ظل تزايد جرأة قوات الدعم السريع وترسخ وجود الجيش، وبعد أن اشترط الجيش وحلفاؤه انسحاب قوات الدعم السريع من الفاشر كشرط مسبق للمفاوضات، بات أقل استعداداً للدخول في محادثات بعد الهزيمة.
وشددت المجموعة على أنّ تجنب تقسيم دائم بين الشرق والغرب يتطلب دبلوماسية عاجلة ومبتكرة من جانب "الرباعية" بقيادة الولايات المتحدة، والتي تضم مصر والسعودية والإمارات.
وختم المقال بالإشارة إلى أن المسار الدبلوماسي لا يزال ضعيفاً رغم تدخل الرئيس دونالد ترامب مؤخرا، في ظل اعتقاد العديد من الدول بأن لها نفوذا ومصالح مهمة في الصراع، وأشار إلى أنّ الإمارات، على سبيل المثال، يُعتقد أنها دعمت ومكّنت قوات الدعم السريع عبر قنوات مختلفة، رغم نفي المسؤولين الإماراتيين بشدة.
واختتم بما كتبه جاويد عبد المنعم، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود: "يتم تمكين الموت والدمار بسبب امتناع العديد من الحكومات عن استخدام نفوذها للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف قتل الناس أو منع وصول المساعدات الإنسانية، إذ تكتفي بإصدار بيانات قلق سلبية، بينما تقدم هي وحلفاؤها الدعم المالي والسياسي، والأسلحة التي تدمر وتشوه وتقتل".