قصة "إيزيس" بين الميتافيزيقا والواقعية
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
قصة "إيزيس" للأديبة سمية عبد المنعم من مجموعة "سرير فارغ"، الفائزة بجائزة عبد الغفار مكاوي 2024، نصّ سرديّ مشحون بالشجن والرمز، يزاوج بين الواقعي والميتافيزيقي، ويستحضر الأسطورة في قلب الواقع الإنساني المعاصر بطريقة شاعرية وموحية.
فيما يلي نقد شامل من ثلاث زوايا: فنية، نفسية، ورمزية
أولًا: البناء الفني والسردي
القصة تنتمي إلى المدرسة الواقعية الرمزية، إذ تبدأ بمشهد بسيط مألوف: امرأة في قطار، ثم تتحول تدريجيًا إلى حالة وجدانية غامرة، تتماهى فيها الرحلة الواقعية مع رحلة البحث الوجودي.
حركة القطار هنا ليست مجرد وسيلة نقل، بل رمز لمسار الحياة، لحركة القدر التي لا تتوقف، ولرحلة الإنسان في بحثه عن معنى أو عن مفقودٍ يستحيل استعادته.
السرد يتدرج من الواقعي المحسوس (صوت العجلات – المقعد – النافذة) إلى العالم الداخلي حيث تختلط الأصوات الحقيقية بالهلاوس أو الإيحاءات الروحية.
الحوار محدود جدًا، لكنه فاعل ومكثف، خصوصًا في مشهد الرجل الغامض الذي يمد يد العون مرتين، ويبدو كظلٍّ أو طيفٍ لزوجها المفقود.
اللغة تميل إلى الشعرية دون أن تفقد تماسها بالواقع. استخدام الأفعال الحسية (“تسكن”، “تشهق”، “تنتفض”) يمنح النص نبضًا داخليًا، بينما الجمل القصيرة المتقطعة في المشاهد الأخيرة تنقل توترها وانكسارها.
ثانيًا: البعد النفسي
القصة في جوهرها مرثية للغياب.
البطلة تعيش حالة إنكار للفقد، تراوح بين الأمل واليأس، بين “النافذة” التي تمثل انتظار الضوء، و“القطار” الذي يرمز للحياة التي تمضي رغمها.
الشخص الغامض في القطار ليس سوى تجسيدٍ لهواجسها الداخلية، لصورة الزوج المفقود التي ترفض اختفاءها.
تكرار مشهد مدّ اليد (مرتين) يوحي بـ رغبتها المكبوتة في النجاة، وفي الوقت نفسه يعكس دائرة الفقد التي لا تنكسر.
دموعها التي لا تنتهي، وكتمانها لأنفاسها خوفًا من أن يسمعها الآخرون، كلها ترسم صورة المرأة التي تحارب بصمت انهيارها النفسي.
ثالثًا: البعد الرمزي والأسطوري
إدخال أسطورة إيزيس وأوزوريس في نهاية القصة ليس مجرد زينة ثقافية، بل هو إعادة بعث للأسطورة في وجدان امرأة معاصرة.
كما جمعت إيزيس أشلاء أوزوريس، تحاول البطلة هنا إحياء زوجها المفقود عبر رحلة البحث.
الأصوات النسائية التي تناديها “يا سيدة السلام، يا جميلة في الجنة” تمثل صدىً روحانيًا أو نداءً من الذاكرة الجمعية، وكأن الأرواح القديمة تساندها في رحلتها.
النهاية المزدوجة (“إيزيس ستعتني بك بعد أن وجدتك”) تمنح النص لمسة تصوف أنثوي، يوحي بأن البحث انتهى بالعثور على الذات لا على الزوج.
الخلاصة النقدية
قصة "إيزيس" عمل أدبي ناضج يجمع بين الوجدان الإنساني والرمزية الرفيعة، ويُعيد تقديم الأسطورة القديمة في ثوبٍ نفسي حديث.
الكاتبة تمتلك قدرة لغوية دقيقة، وحسًّا سرديًّا يجعل القارئ يتورط عاطفيًا منذ الجملة الأولى.
ورغم أن السرد يقترب من الحلم في بعض المواضع، فإنه لا يفقد منطقه الداخلي، مما يجعل النهاية مفتوحة على التأويل:
هل وجدت زوجها فعلًا؟ أم وجدت نفسها في مرايا الأسطورة؟
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قطوف زينب عبد الرحيم
إقرأ أيضاً: