لن نستسلم... ننتصر أو نموت...عمر المختار.
في عام 1981، ارتقى المناضل الأيرلندي «بوبي ساندز» بعد إضراب عن الطعام دام 66 يومًا في سجون أيرلندا الشمالية المحتلة. لم يقتصر أثر رحيله على الحدود المحلية، بل تجاوزها ليصبح رمزًا عالميًّا للمقاومة؛ فقد بادر الأسرى الفلسطينيون في سجن «نفحة» الصحراوي إلى توجيه رسالة تضامن مؤثِّرة إلى إخوانهم في بلفاست، فكانت وثيقة تضامن عابرة للحدود جاء فيها:
«إلى عائلات الشهداء الذين اضطهدتهم الطبقة الحاكمة البريطانية، إلى عائلات «بوبي ساندز» ورفاقه الأبطال: نحن أسرى الشعب الفلسطيني، الرازحون تحت نير الاحتلال الصهيوني، نبعث إليكم من خلف جدران سجن نفحة بتحية الصمود، ونشدّ على أياديكم لمؤازرتكم في مواجهة الاستبداد البريطاني الذي أذاق شعبكم مرارة القمع.
إن شعبنا في فلسطين، داخل السجون وخارجها، يناضل كما يناضل شعبكم ضد قوى الاستعمار والاحتكار، وسنمضي معًا حتى تحقيق النصر.
نيابةً عن أسرى نفحة، نعلن وقوفنا إلى جانب نضالكم العادل ضد الهيمنة الإنجليزية والصهيونية، وضد الفاشية بكافة أشكالها. إننا نحيّي تضحيات «بوبي ساندز» ورفاقه الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الحرية، ونعاهدكم أن صدى صمودهم البطولي يتردد في زنازيننا كما يتردد في قلوب شعبنا.
من هنا، من صحراء النقب حيث تتسلل الأفاعي إلى زنازيننا، ومن خلف القضبان حيث يُحاصرنا القمع والتعذيب والحرمان من أبسط مقومات الحياة، نقف إلى جانبكم. فقد سقط رفاق لنا شهداء تحت وطأة التعذيب، ولفظ آخرون أنفاسهم الأخيرة جراء حرمانهم من العلاج، لكننا على يقين أن معركة الأمعاء الخاوية لن تذهب سُدى، بل ستظل رمزًا خالدًا للتحدي والمقاومة في وجه النازيين الجدد والإرهاب المعاصر».
فتيةٌ في مقتبل العمر، تحمل أقدامهم الحافية نعالًا بلاستيكية بسيطة، وترتدي أجسادهم ثيابًا متواضعة، لكن قلوبهم تتقد بلهيب الإيمان وتنبض بروح الشجاعة التي لا تعرف الهوان. يمسكون بأسلحتهم الخفيفة ويخطّون بدمائهم الزكية فصلًا مضيئًا في سِفر التاريخ الإنساني. فصلٌ سيظل محفورًا في ذاكرة الأجيال، تتناقله الأجيال في أشعارها وقصصها، وتتغنّى به في أناشيدها، وتُجسِّده على شاشات الفن والإبداع.
هؤلاء هم أبناء المهجّرين الذين لم يذوقوا في حياتهم طعم الحرية، بل عاشوا تحت وطأة الاحتلال والقهر، يواجهون ظلمًا متعدد الأوجه: مشروع استعماري عنصري يستند إلى أوهام التفوق العرقي وخرافات مقدسة، ويحمل في طياته كل سمات الهيمنة الاستعمارية.
لم يسجل التاريخ المعاصر مثل هذا التفاوت الهائل في القوى إلا في مواقف أسطورية خالدة:
لم يسجل التاريخ المعاصر مثل هذا التفاوت الهائل في القوى إلا في مواقف أسطورية خالدة: يوم صمد ثلاثمئة محارب إسبرطي أمام جحافل الإمبراطورية الفارسية - كما خلدتها السينما العالمية، ويوم رفع الحسين بن علي صوته عاليًا ضد الاستبداد في كربلاء، ويوم قاوم أهل المدينة الطغيان في واقعة الحرة، ويوم دافع مجاهدو حصن العقاب في الأندلس عن كرامتهم في أواخر عهد المسلمين هناك.
في كل تلك اللحظات التاريخية الفارقة، وقفت ثلة مؤمنة بعدالة قضيتها أمام طوفان من القوة والبطش، فتحولت قلتها العددية إلى قوة معنوية خالدة في ضمير الإنسانية جمعاء.
وها هم اليوم يسيرون على نهج مقاومي الجزائر الذين حطموا قيود الاستعمار الفرنسي بعد أن قدموا مليونين من أبنائهم فداءً للحرية، ولا يختلفون عن المقاتلين الفيتناميين الذين أذاقوا الإمبريالية الأمريكية مرارة الهزيمة، أو إخوانهم الأيرلنديين الذين صبروا وصابروا في وجه الاحتلال البريطاني.
كل هذه الملاحم النضالية، المكتوبة بمداد من دماء الشهداء، كانت دروبًا ممهدة نحو التحرير. وما يحدث اليوم في فلسطين ليس استثناءً من هذا النموذج الأزلي، بل هو كفاح يضاهي نضال كل الشعوب الحرة وهي تنتزع حريتها من براثن الطغيان.
لقد قرأنا في صفحات التاريخ عن معاناة أسلافهم من بني هاشم حين حُوصِروا في شِعب مكة، حتى اضطروا إلى أكل أوراق الأشجار من شدة الجوع، وقرأنا عن أمهات عظيمات قدّمن فلذات أكبادهن قرابين في ميادين التضحية، سائرات على نهج الخنساء وأسماء بنت عميس.
هؤلاء الأبطال، رغم تواضع إمكانياتهم، وقفوا في وجه أعظم آلة عسكرية في العالم؛ قوة تتكون من جبناء عنصريين ضعاف الإعداد، يتوهمون العلو والتفوق، لكنهم على الأرض لا يتجاوزون هيئة جرذانٍ هاربة مذعورة، لا يساوي أحدهم شعرة من رأس أصغر طفل في غزة العزة.
وهكذا... فإن للحرية ثمنًا باهظًا لا يدفعه إلا الأحرار!
الدستور الأردنية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الاحتلال الصمود غزة غزة الاحتلال المقاومة الصمود مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
المغرب يصنع التاريخ:. جيل ذهبي يُتوج بطلاً لكأس العالم للشباب للمرة الأولى في تاريخه على حساب الأرجنتين
كتب المنتخب المغربي للشباب اسمه بأحرفٍ من ذهب في سجل كرة القدم العالمية، بعدما حقق إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق بتتويجه بطلاً لكأس العالم للشباب تحت 20 عامًا للمرة الأولى في تاريخه، عقب فوزه المستحق على نظيره الأرجنتيني بهدفين دون رد، في المباراة النهائية التي احتضنها ملعب “تشيلي الوطني” فجر اليوم الإثنين، وسط أجواء احتفالية مهيبة شهدت حضورًا جماهيريًا كبيرًا من الجالية المغربية في أمريكا الجنوبية.
الحلم أصبح حقيقة.. المغرب على قمة العالم
منذ صافرة البداية، ظهر واضحًا إصرار المنتخب المغربي على كتابة فصلٍ جديد في تاريخ كرة القدم العربية والإفريقية. لم يكن الوصول إلى النهائي مجرد صدفة، بل نتيجة عمل جماعي متقن قاده المدير الفني محمد وهبي، الذي رسم ملامح جيلٍ ذهبي أعاد للأذهان أمجاد المنتخبات المغربية السابقة بروح قتالية وتنظيم تكتيكي فريد.
وتُوج هذا الإصرار بأداء بطولي أمام منتخب الأرجنتين، صاحب الرقم القياسي في عدد مرات التتويج (6 ألقاب)، والذي دخل المباراة مرشحًا أول للفوز، لكن “أسود الأطلس الصغار” كان لهم رأي آخر، بعدما فرضوا سيطرتهم وأثبتوا أنهم يستحقون اعتلاء عرش العالم.
زابيري.. بطل النهائي وهدّاف البطولة
جاءت لحظة الفرح الأولى في الدقيقة 12 عندما نجح ياسر زابيري، نجم الهجوم المغربي، في افتتاح التسجيل من ركلة حرة مباشرة سددها ببراعة متناهية، لتسكن الزاوية العليا اليمنى لحارس الأرجنتين سانتينو باربي، في مشهدٍ أشعل المدرجات ورفع المعنويات المغربية إلى عنان السماء.
ثم عاد زابيري ليؤكد تفوق بلاده بإضافة الهدف الثاني في الدقيقة 29، بعد هجمة مرتدة نموذجية قادها عثمان معمار من الجهة اليمنى، قبل أن يرسل عرضية مثالية قابلها زابيري بتسديدة قوية داخل الشباك، موقعًا على هدفه الخامس في البطولة. بهذا الإنجاز، تصدر زابيري قائمة هدافي كأس العالم للشباب 2025 برصيد 5 أهداف، متساويًا مع الثلاثي بنجامين كريماسكي (الولايات المتحدة)، نيسر فياريال (الأرجنتين)، ولوكاس ميشال (فرنسا).
رحلة تاريخية نحو المجد
لم يكن طريق المغرب نحو الكأس مفروشًا بالورود؛ فقد واجه المنتخب العربي اختبارات صعبة منذ بداية البطولة. فبعد تأهله من دور المجموعات بثقة وثبات، واصل الإبهار في الأدوار الإقصائية. في نصف النهائي، اصطدم بأسطورة أوروبا، منتخب فرنسا، وتمكن من تجاوزه بركلات الترجيح بعد مباراة مثيرة انتهت بالتعادل (1-1) في الوقتين الأصلي والإضافي.
أما الأرجنتين، فبلغت النهائي بعد فوزها الصعب على كولومبيا بهدف نظيف، لتضرب موعدًا مع المغرب في النهائي الثامن في تاريخها، في مواجهةٍ تاريخية جمعت بين مدرسة المهارة اللاتينية والتنظيم المغربي الحديدي.
ومع إطلاق صافرة النهاية، دوّت صيحات الفرح في أرجاء ملعب “تشيلي الوطني” وفي مختلف المدن المغربية والعربية، احتفالاً بإنجاز سيظل خالداً في الذاكرة، باعتباره أول تتويجٍ عربي في تاريخ مونديال الشباب منذ انطلاقه عام 1977.
جيل ذهبي يكتب التاريخ
يُعد هذا التتويج تتويجًا لسنوات من العمل القاعدي في الاتحاد المغربي لكرة القدم، الذي استثمر في تكوين اللاعبين وتطوير البنية التحتية والمراكز التدريبية الحديثة، وعلى رأسها مركز محمد السادس لكرة القدم، الذي خرج منه معظم نجوم هذا الجيل.
نجح المدرب محمد وهبي في بناء فريق متكامل يجمع بين الصلابة الدفاعية والخيال الهجومي، مستندًا إلى شخصيات قوية داخل الملعب مثل الحارس إبراهيم جوميس الذي تألق في أكثر من مباراة، والظهير علي معمار صاحب الانطلاقات المميزة، إلى جانب ثنائي الوسط نعيم بيار وياسين خليفي اللذين شكلا قلب الفريق النابض.
إنجاز عربي وإفريقي يُخلد في الذاكرة
بفوزه بلقب كأس العالم للشباب، أصبح المنتخب المغربي أول فريق عربي يتوج بالبطولة في تاريخها، متجاوزًا إنجاز منتخب قطر الذي كان قد وصل إلى النهائي عام 1981 وخسره أمام ألمانيا الغربية. كما بات المغرب رابع منتخب إفريقي يحقق لقبًا عالميًا على مستوى الفئات السنية، بعد نيجيريا وغانا في بطولتي الناشئين والشباب.
هذا الإنجاز لا يمثل فقط انتصارًا رياضيًا، بل يعكس أيضاً تطور كرة القدم المغربية على جميع المستويات، من الفئات العمرية إلى المنتخب الأول الذي تألق في مونديال قطر 2022 بالوصول إلى نصف النهائي. إنها مسيرة متكاملة تؤكد أن ما يحدث ليس وليد الصدفة، بل نتيجة رؤية استراتيجية متكاملة يقودها الاتحاد المغربي برئاسة فوزي لقجع.
لحظات فرح وطنية
عقب صافرة النهاية، انفجرت مشاعر الفرح في المدرجات وبين اللاعبين والجهاز الفني، الذين سجدوا شكرًا لله وسط تصفيق الجماهير وهتافات “ديما مغرب”. ورفع القائد ياسين خليفي الكأس الغالية وسط زملائه، في مشهد مؤثر سيبقى محفورًا في ذاكرة كل مغربي.