في تطور مثير أعاد ملف المناخ العالمي إلى الواجهة، فشلت المفاوضات الدولية الهادفة لإقرار اتفاقية تاريخية لخفض انبعاثات قطاع الشحن البحري، بعدما نجحت كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في تعطيل تمرير الاتفاق خلال الاجتماعات الأخيرة التي عُقدت في لندن، بمشاركة ممثلين من أكثر من 100 دولة حول العالم.

ووفقًا لتقرير صادر عن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، كانت هذه الاتفاقية ستُعد الأولى من نوعها في التاريخ، إذ تهدف إلى تحويل قطاع الشحن العالمي إلى أول قطاع صناعي يعتمد إرشادات دولية ملزمة لتقليل انبعاثات الكربون، من خلال ما أطلق عليه ضريبة الكربون العالمية، إلا أن الخطة واجهت معارضة شديدة من واشنطن والرياض، ما أدى إلى إفشال التصويت عليها في اللحظات الأخيرة.

وتشير المصادر إلى أن الحكومة الأمريكية مارست ضغوطًا مكثفة على عدد من الدول للتصويت ضد الاتفاق، مهددة بفرض رسوم جمركية إضافية على الدول غير المتوافقة مع موقفها، بالإضافة إلى التلويح بعقوبات أخرى تشمل منع بعض السفن من دخول الموانئ الأمريكية وفرض قيود على منح التأشيرات. 

واعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق خدعة بيئية عالمية جديدة تهدف، على حد وصفه، إلى إضعاف الاقتصاد الأمريكي عبر فرض ضرائب خفية باسم البيئة.

أما المملكة العربية السعودية، فقد تبنّت خطة بديلة لإفشال التصويت، عبر اقتراح تأجيل المفاوضات لمدة عام إضافي، وهو ما تم تمريره بأغلبية ضئيلة بفضل دعم كل من الولايات المتحدة وروسيا. 

ورغم أن القرار من الناحية الفنية لا يُلغي الاتفاق، فإنه يجمّده فعليًا ويفرض إعادة التفاوض على الجداول الزمنية والأهداف البيئية من جديد، ما يُفقد المفاوضات زخمها الذي استمر لعقد كامل.

وصرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عقب التصويت بأن النتيجة تمثل انتصارًا كبيرًا للرئيس ترامب، معتبرًا أن الولايات المتحدة لن تسمح بفرض سياسات مناخية تقوّض مصالحها التجارية، أما في المقابل، فقد أعربت منظمات بيئية واقتصادية عن استيائها من القرار، معتبرة أنه يبدد فرصة تاريخية لتنظيم واحد من أكثر القطاعات تلويثًا في العالم.

وقال توماس كازاكوس، الأمين العام للغرفة الدولية للشحن البحري، إن القطاع يشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب فشل الدول الأعضاء في الاتفاق على مسار واضح للمضي قدمًا، مضيفًا أن الشركات كانت بحاجة ماسة إلى معايير عالمية ثابتة لتوجيه استثماراتها في التقنيات النظيفة، وأضاف أن غياب الوضوح يُربك خطط الشركات ويُعرقل الجهود الرامية لتقليل الانبعاثات.

وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه مستويات ثاني أكسيد الكربون حول العالم ارتفاعًا قياسيًا، حيث سجل عام 2024 أعلى معدل انبعاثات منذ بدء التسجيلات الحديثة. وكان من المفترض أن تُجبر الاتفاقية المقترحة مالكي السفن على التحول إلى وقود أنظف وأكثر استدامة بدءًا من عام 2028، مع فرض غرامات على من يخالف المعايير الجديدة.

ويُعد قطاع الشحن البحري مسؤولًا عن نحو 3% من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية، إلا أن تقارير الهيئة الدولية للطاقة تتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى ما بين 10% و50% بحلول عام 2050 إذا استمر غياب التنظيم الصارم. وتُعد السفن التجارية من أكبر مصادر الانبعاثات التي يصعب السيطرة عليها، نظرًا لاعتمادها الكبير على الوقود الثقيل منخفض الكفاءة.

وبينما يُتوقع أن تجتمع الدول مجددًا في أبريل المقبل لإعادة مناقشة خطة الاتفاق، يرى مراقبون أن فرص تمريره باتت ضعيفة للغاية، خصوصًا بعد الانقسام الحاد الذي أظهرته جلسات التصويت الأخيرة، ما يعني أن العالم سيضطر إلى بدء مفاوضات جديدة من الصفر وسط أجواء من التوتر بين الدول الصناعية والدول النامية.

بهذا الفشل، يتأجل حلم كان من شأنه أن يجعل من قطاع الشحن نموذجًا في التحول البيئي، ويُظهر أن الخلافات السياسية لا تزال حجر عثرة أمام أي تقدم ملموس في مواجهة التغير المناخي، حتى حين يتفق الجميع على خطورة الأزمة.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الولایات المتحدة قطاع الشحن الشحن ا

إقرأ أيضاً:

صحيفة: تخوفات للوسطاء من "تغييرات ديموغرافية" تهدد "اتفاق غزة"

قالت صحيفة "الشرق الأوسط"، صباح اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025، إن تحركات إسرائيل في مناطق سيطرتها في قطاع غزة ، أثارت تحذيرات متكررة من الوسطاء، لا سيما المصريين، من رفض تقسيم القطاع أو تغيير جغرافيته أو ديموغرافيته.

تلك التحذيرات المتكررة، تشي بحسب خبراء تحدثوا للصحيفة، بوجود تخوفات جادة وحقيقية لدى الوسطاء من تحركات إسرائيل على الأرض ترسخ لعدم انسحابها وتعطيل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وصولاً لانهيارها.

وأبلغ وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، وفداً أوروبياً برئاسة المبعوث الأوروبي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، كريستوف بيجو، “رفض مصر القاطع لأي دعوات تستهدف تهجير الفلسطينيين أو تغيير الوضعية الجغرافية والديموغرافية للقطاع”.

ذلك الرفض الذي نقلته وزارة “الخارجية المصرية”، مساء الثلاثاء، سبقه تشديد عبد العاطي، في كلمة بـ”منتدى الدوحة”، السبت الماضي، على أنه “لا يمكن القبول بتقسيم قطاع غزة”.

وبالمنتدى ذاته، قال رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: “نحن الآن في اللحظة الحاسمة... لا يمكننا أن نعدّ أن هناك وقفاً لإطلاق النار، وقف إطلاق النار لا يكتمل إلا بانسحاب إسرائيلي كامل وعودة الاستقرار إلى غزة”.

ووسط تلك المخاوف، جرى اتصال هاتفي بين عبد العاطي، ووزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مساء الثلاثاء، وبحث الجانبان “الجهود الجارية لتنفيذ خطة الرئيس دونالد ترمب وتثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، وأهمية الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق”.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن هناك تخوفات واضحة ومتكررة وجدية من الوسطاء إزاء هندسة إسرائيل ديموغرافيا جديدة على الأرض - خاصة مع تجريف مساحات واسعة تتم على الأرض - ابتلعت كثيراً من الأراضي، بخلاف تصريحات إسرائيلية تعزز ذلك، مشيراً إلى أن هذا يهدد الاتفاق برمته.

وأظهرت تحركات ميدانية إسرائيلية متواصلة، سعياً لفرض منطقة عازلة جديدة في قطاع غزة بعمق يقارب 3 كيلومترات غرب الخط الأصفر الذي يفصل بين مناطق سيطرة الاحتلال (شرق الخط الأصفر)، والمواقع التي تعمل فيها حركة “ حماس ” (غرب الخط).

ووفق مصادر ميدانية في الفصائل الفلسطينية في غزة، تحدثت للصحيفة، فإن “إسرائيل تسابق الزمن قبل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، عبر تثبيت حقائق ميدانية جديدة على الأرض عبر نسف المنازل وتسوية الأراضي بما يسمح لها بكشف المنطقة التي تريد أن تصبح منطقة عازلة جديدة في القطاع”.

وتتوافق تلك التطورات الميدانية، مع تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، الأحد الماضي، من داخل قطاع غزة خلال تفقده قواته، إذ قال إن “الخط الأصفر يشكل خط حدود جديداً، وخط دفاع متقدماً للمستوطنات، وخط هجوم”.

ورفض عضو المكتب السياسي في حركة “حماس”، حسام بدران، حينها، تصريحات زامير، وقال إنها “تكشف بوضوح عن تنصّل الاحتلال من بنود الاتفاق، ومحاولته فرض وقائع جديدة على الأرض”، مشدداً على أن “أي بحث في ترتيبات المرحلة الثانية مرهون أولاً بضغط واضح من الوسطاء والولايات المتحدة وكل الأطراف المعنية لإلزام الاحتلال بتنفيذ بنود المرحلة الأولى كاملة”.

استغلال للثغرات

وتلك التحركات الإسرائيلية يراها الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، محاولة فرض أمر واقع بعدم الالتزام بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، واستغلال لثغرات في خطة ترمب، مؤكداً أن خطة ترمب للسلام في خطر كبير في ضوء ما تفعله إسرائيل على أرض الواقع. وبحسب تقارير أميركية سابقة يُفترض أن يُعلن ترمب انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية قبل عيد الميلاد.

وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق انسحاباً إسرائيلياً إضافياً من المواقع التي ما زال يوجد بها في قطاع غزة، والتي تشكل نحو 53 في المائة من مساحة القطاع، ونشر قوة دولية للاستقرار، وبدء العمل بهيكل الحكم الجديد الذي يتضمن “مجلس السلام” بقيادة ترمب.

ووسط تلك المخاوف، يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ، في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفق ما ذكرته المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، شوش بيدروسيان في مؤتمر صحافي، الاثنين.

ويتوقع عكاشة أن يتحرك ترمب في تقييد بعض خطوات نتنياهو، من دون أن يكون هناك تقييد كامل وهو ما سيجعل الاتفاق أمام تهديدات عديدة، كما رجح أن تزداد تحركات الوسطاء، لا سيما المصري والقطري، لتعزيز فرص صموده والمضي في المرحلة الثانية.

فيما أكد نزال أن إسرائيل تحاول “هندسة المرحلة الثانية ونحن على أبوابها وفق ما تريد، وفرض الأمر الواقع”، مشيراً إلى أن الدور الأميركي عليه أن يتحرك لإنهاء عدم الثقة المتصاعدة في صمود الاتفاق، ويضع حداً لذلك خلال زيارة نتنياهو للبيت الأبيض أواخر الشهر الحالي.

المصدر : وكالة سوا - صحيفة الشرق الأوسط اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين كشف الغاز لجميع محافظات قطاع غزة - 12 ديسمبر 2025 شهيدان برصاص الاحتلال في رفح جنوب قطاع غزة مشعل يتحدث حول تصور حماس لسلاح المقاومة وإدارة غزة الأكثر قراءة طقس فلسطين: أجواء صافية ومعتدلة ومغبرة اليوم منظمة أميركية تحذّر: 6 آلاف مبتور في غزة يواجهون واقعا قاسيا ترامب: المرحلة الثانية من اتفاق غزة "ستبدأ قريبا" "فتوح" يُعقب على استهداف إسرائيل لخيام النازحين في خانيونس عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • قوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة.. الولايات المتحدة تكشف التفاصيل
  • كوسوفو تعلن بدء استقبال المرحلين من الولايات المتحدة
  • أوهام الازدهار العالمي.. تفكيك أسباب الفقر في عالمٍ يزداد غنى .. كتاب جديد
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • واشنطن تلمّح إلى دور ميداني للجيش التركي في قطاع غزة
  • تركيا: المرحلة المقبلة ستشهد تولي قوات أمن فلسطينية مهمة إحلال الأمن في غزة
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • صحيفة: تخوفات للوسطاء من "تغييرات ديموغرافية" تهدد "اتفاق غزة"
  • الصين ترحب بانضمام الدول المتقاربة في رؤيتها إلى مجموعة أصدقاء الحوكمة العالمية
  • أحمد موسى يستعرض أبرز رسائل محاضرة أحمد أبو الغيط حول التطورات العالمية