قرار سلطوي يخالف الدستور والقوانين المشرعة
تاريخ النشر: 23rd, October 2025 GMT
23 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة:
علي مارد الأسدي
يمكننا وصف قرار مجلس الوزراء بعدم ترويج أي معاملة في دوائر الدولة ما لم يقدم المواطن فواتير الماء والكهرباء والهاتف والمجاري، بالتحول الخطير في فلسفة العلاقة بين الدولة والمواطن.
فالقاعدة في الدساتير الحديثة، ومنها الدستور العراقي، أن الدولة وجدت لخدمة الناس، لا لإذلالهم.
أن أهم ملاحظاتنا على قرار مجلس الوزراء العراقي تتلخص في:
أولًا: مخالفة مبدأ المشروعية.
ذلك أن القوانين العراقية لم تنص في أي موضع على ربط إنجاز المعاملات الحكومية بتقديم فواتير الخدمات. وهذا يعني أن القرار صدر خارج الإطار التشريعي، مما يجعله عرضة للطعن أمام القضاء الإداري. إذ لا يحق لأي جهة تنفيذية أن تنشئ التزامًا جديدًا على المواطن إلا بقانون يصدر عن مجلس النواب. وإلا فسنجد أنفسنا غدًا أمام دوائر تطالب الشعب بـ”شهادة حسن السلوك الكهربائي” أو “براءة ذمة مائية” حتى للحصول على هوية الأحوال المدنية!
ثانيًا: القرار يعاقب الفقير مرتين.
في بلد ما زالت فيه آلاف الأحياء تعيش بلا ماء صالح للشرب، والكهرباء فيها تقطع أكثر مما تصل، والمجاري تتحول إلى أنهار مفتوحة في الشوارع، يصبح من المعيب أن تلزم الحكومة المواطن بدفع أثمان خدمة لا يتلقاها أصلًا أو غير متوفرة بشكل لائق وصحيح ومنتظم.
إنها ستكون عقوبة للفقراء والمسحوقين، تضاف إلى سلسلة الأعباء اليومية التي يواجهونها في دولة تعجز عن تأمين أبسط مقومات الحياة الكريمة.
ثالثًا: غياب مبدأ التناسب والعدالة.
حتى في الدول التي تعتمد أعلى درجات الانضباط المالي، لا تربط الخدمات الحكومية بهذا الشكل التعسفي. فالجباية يجب أن تكون قانونية ومنفصلة عن الحقوق المدنية.
أما أن توقف معاملة أرملة أو متقاعد أو طالب في بعثة لأنهم لم يسددوا فاتورة لم تصلهم أصلًا، فذلك انتهاك صارخ للعدالة الإدارية، وتحول الأجهزة الحكومية إلى أدوات ابتزاز مقنع للناس.
رابعًا: غياب الرؤية الإصلاحية.
إذا كان الهدف هو تشجيع المواطنين على تسديد فواتير الخدمات، فالأجدر بالحكومة أن تصلح منظومة الجباية أولًا، من خلال تنظيم العدادات، وتحسين الخدمات، ومكافحة مختلف أشكال الفساد في شركات التحصيل، لا أن تحمل المواطن مسؤولية انهيار أو فشل نظامها الإداري.
فالإصلاح لا يبدأ من المواطن، بل من الحكومة نفسها، ومن شفافيتها في تحصيل الأموال وصرفها على الوجه الصحيح.
خامسًا: خطر ترسيخ البيروقراطية العقابية.
بهذا القرار الغريب، تتحول الدوائر من مؤسسات خدمية إلى نقاط تفتيش مالية، تغلق الأبواب بوجه الناس، وتفتحها فقط لمن يملك المال أو الوساطة.
وما أكثر الذين سيجدون أنفسهم بين خيارين كلاهما مر: إما الرضوخ للابتزاز، أو تعطيل معاملاتهم إلى أجل غير مسمى.
ختامًا.. إن الدولة التي تريد إصلاح اقتصادها لا تبدأ بإرغام المواطنين على دفع ثمن فشلها، بل بإصلاح مؤسساتها وإدارتها، ومحاسبة الفاسدين الذين يبتلعون عائدات الجباية قبل أن تصل إلى خزينة الدولة.
أن هذا القرار غير منطقي، وغير قانوني، وغير عملي، وغير إنساني، وهو ليس إلا دليل عجز وهروب من المسؤولية، ومحاولة للتغطية على الفشل الإداري والمالي لحكومة تعيش أيامها الأخيرة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
لأول مرة.. الرقابة المالية تصدر إطارا تنظيميا لإدارة برامج الرعاية الصحية
أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية، برئاسة الدكتور محمد فريد، أول إطار تنظيمي شامل لمزاولة نشاط إدارة برامج الرعاية الصحية (Third Party Administrator – TPA) في مصر، بهدف دمج هذا النشاط ضمن منظومة الخدمات المالية غير المصرفية ورفع كفاءة الخدمات التأمينية، وتعزيز الثقة في السوق، وذلك ضمن استراتيجية الهيئة الهادفة لتعزيز الحوكمة وتنظيم سوق التأمين والرعاية الصحية.
وتضمن القرار رقم 229 لسنة 2025 الإطار التنظيمي الجديد متطلبات الترخيص ورأس المال، والمعايير الفنية لإدارة المطالبات الطبية، والمعايير التكنولوجية والأمنية الحديثة.
من جانبه أكد الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أن القرار خطوة مهمة لتنظيم نشاط إدارة برامج الرعاية الصحية في مصر، إذ سيساهم في رفع كفاءة الخدمات بما يضمن تقديم رعاية صحية متطورة وآمنة للمواطنين.
وخدمات إدارة برامج الرعاية الصحية هي نشاط إداري متخصص يقوم به طرف ثالث نيابة عن شركات التأمين، لإدارة وتشغيل منظومة الرعاية الصحية للمؤمن عليهم، ولا يحق للشركة المديرة إصدار وثائق التأمين أو تحمل المخاطر المالية للتغطية نفسها.
تفاصيل القرار
وأضاف: "إصدار الإطار التنظيمي الشامل يضمن الرقابة الكاملة والشفافية على هذا النشاط.. هذه الخطوة تؤكد التزامنا بتعزيز الاستقرار والانضباط في السوق، وتقطع الطريق أمام أي ممارسات غير منظمة".
وأوضح رئيس الهيئة، أن هذه الضوابط الاستباقية تهدف إلى حماية أموال وحقوق المتعاملين من أي تعارض مصالح محتمل، وتضمن أن يتم اتخاذ القرارات داخل الشركات بناء على النزاهة والمصلحة العامة.
واشترط القرار أن تكون الشركات الراغبة في ممارسة النشاط شركة مساهمة مصرية ذات غرض محدد، مع الالتزام برأس المال المصدر والمدفوع البالغ 20 مليون جنيه على الأقل. كما تلتزم الشركات بالتقدم بطلب الترخيص خلال ثلاثة أشهر من قيدها بالسجل التجاري، مرفقًا بمستخرج السجل التجاري، بيان تشكيل مجلس الإدارة والمسؤولين التنفيذيين ودراسة جدوى فنية ومالية لخمس سنوات.
وتصدر الهيئة قرارها بشأن طلب الترخيص خلال 30 يوما، ويلزم على الشركة البدء في ممارسة النشاط خلال 6 أشهر من الترخيص، قابلة للتمديد لمرة واحدة.
ووفقا للقرار فإن الشركات القائمة قبل تطبيق قانون التأمين الموحد ملزمة بالتقدم للحصول على ترخيص مؤقت وفقًا لقرار الهيئة رقم 90 لسنة 2025، على أن تُنهي توفيق أوضاعها قبل 10 يوليو 2026.
وأخضعت الهيئة النشاط ذاته لضوابط إضافية للشركات التي تدير برامج الرعاية الصحية ذاتية التمويل منها الحصول على موافقة مسبقة من الهيئة، تقديم وثيقة تأمين مسؤولية مدنية لا يقل الحد الأدنى لها عن 5 ملايين جنيه، وفصل الحسابات عن عقود إدارة برامج الرعاية الصحية ذاتية التمويل.
وحدد القرار شروط عضوية مجلس الإدارة، ومنها الاستقلالية وحسن السمعة والمؤهل المناسب، مع خبرة لا تقل عن 5 سنوات للرئيس التنفيذي في التأمين أو الرعاية الصحية، واجتياز مقابلة الهيئة، وأن تكون الأغلبية غير تنفيذية، مع تمثيل للمرأة، بشرط توافر خبرات في التأمين أو الرعاية الصحية أو الاكتواري أو المجالات القانونية أو المالية أو تكنولوجيا المعلومات، كما تم حظر الجمع بين منصبي رئيس المجلس والرئيس التنفيذي.
ويلزم القرار الشركات بتوفير هيكل تنظيمي متكامل يشمل مسؤولين في المطالبات، الموافقات الطبية والمالية، تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي، المراجعة الداخلية، الالتزام، شكاوى العملاء، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتلتزم الشركات بإدارة الوثائق الطبية بدقة وحياد، مراجعة المطالبات والتحقق من التغطية قبل الإحالة لشركات التأمين، مع فصل الحسابات لكل شركة تأمين، الحفاظ على سرية البيانات وضمان أمن المعلومات، والحصول على موافقة الهيئة قبل التعاقد مع أي جهات خارجية.
ويحظر على الشركات وفقا للقرار، بيع أو تسويق أو التوسط في إصدار أي وثائق تأمين، ممارسة أي نشاط تأميني أو تحديد أقساط أو اشتراكات أو تحصيلها من العملاء، الاحتفاظ بمبالغ تسوية المطالبات أقل من المستلمة، أو أي تصرف قد يؤثر على قرار المؤمن له في اختيار شركة التأمين، ونشر بيانات غير مطابقة للبيانات المقدمة للهيئة.
ويلزم القرار الشركات بإمساك سجلات تفصيلية تشمل الوثائق، جداول المزايا، العقود مع شركات التأمين ومقدمي الخدمات، المخالصات والضمانات، شكاوى العملاء والدعاوى القضائية، وأرصدة الحسابات لكل شركة تأمين والبرامج ذاتية التمويل، والاحتفاظ بها لمدة لا تقل عن 5 سنوات.
وتلتزم الشركات عند الاستعانة بجهات خارجية لتطوير أو تشغيل البرامج الرقمية، تلتزم الشركة بالتحقق الكامل من استيفاء الاشتراطات الفنية والتكنولوجية، وإخضاع البرامج لاختبارات تشغيل دقيقة تحت إشرافها، مع تحمل المسؤولية الكاملة عن المخاطر التشغيلية. كما يجب أن تمتلك الشركات خطة واضحة لتوريد وتشغيل البرامج عند الاعتماد على أطراف خارجية.