لجريدة عمان:
2025-11-22@19:20:46 GMT

استعراض الأسطول 2025

تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT

تُعد الذاكرة الوطنية ذاكرة جماعية تقوم على مفاهيم الهُوية والقيم المشتركة التي تجمع أفراد المجتمع، وتعمل على تطوير أنماط التفاعل فيما بينهم، كما تؤسِّس منظومة اجتماعية وثقافية تقوم على إحياء التراث الثقافي المشترك، واستلهام الذاكرة الجمعية ذات الأبعاد التاريخية والفنية، التي تُرسِّخ فعل الانتماء والتعاون، وتُعَزِّز مكانة المجتمع في قلوب الأفراد وذاكرتهم.

 

إن الاحتفالات الوطنية ذاكرة جمعية تربط أفراد المجتمع الواحد بتعدُّد أطيافهم وتوجهاتهم، وتقدِّم لوحة وطنية تؤطرها ثقافة المواطنة الإيجابية وقدرتها على الصمود في وجه المتغيرات من ناحية، ومرونتها في التعامل مع تلك المتغيرات من ناحية أخرى؛ فالمشاركة الفاعلة التي يُظهرها المواطنون في كافة أنحاء الدولة في التعبير عن فرحتهم، ومظاهر احتفالاتهم باليوم الوطني تكشف جليَّا عن فعل المشاركة والتعاون والتآزر في ترسيخ مفاهيم التضامن والانتماء وحب الوطن. 

ولهذا فإن مظاهر الاحتفالات الوطنية لا تعبِّر عن الفرح والابتهاج وحسب، بل أيضا تعمِّق هذا الانتماء المجتمعي، وتعزِّز روح المشاركة، وتؤكِّد القيم الحضارية والثقافية التي تأسَّس عليها المجتمع منذ قديم الزمان؛ فالمجتمع في احتفاله بالأعياد الوطنية يقدِّم ممارسات اجتماعية وثقافية تؤكِّد تلك القيم وتكشف قدرته على المشاركة الإيجابية، وبناء سلوك حضاري يعبِّر عن ذلك الابتهاج؛ فأنماط الاحتفالات قادرة على ذلك الكشف ومعبِّرة عنه وفق معطيات حضارية وإنسانية. 

ولأن هذه الاحتفالات تنشأ من عمق الانتماء الوطني للمجتمع مؤسساتٍ وأفرادًا؛ فإنها تؤدي مجموعة من الوظائف الإنسانية؛ حيث تُسهم في تعميق روح الانتماء المجتمعي، وتؤكد أهمية الوطن والولاء المطلق له، وتفتح إمكانات التعبير عن ذلك الولاء إضافة إلى البُعد الثقافي الذي يبرز في تلك الاحتفالات باعتباره قيمة أساسية مغايرة ومميَّزة تنمي لدى أفراد المجتمع شعور العِّزة والفخر؛ وبالتالي فإنها تنشر بينهم فكر الوحدة والوئام والتكافل، والشعور بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض. 

إن الاحتفالات بالأيام والأعياد الوطنية تقوم على مفاهيم مجتمعية راسخة؛ فهي ليست ترفا بقدر ما هي ترسيخ لفكر المجتمع وحضارته وقيمه، وأنماط تحولاته الحضارية التي تربطه مع ماضيه العريق؛ ولهذا فإن الدول تحرص على تلك الاحتفالات انطلاقا من أهميتها في تأكيد قيم المواطنة الإيجابية، وتوحيد المجتمع وإشراكه في التعبير عن مضامينه الحضارية، ومظاهر التفاعل المجتمعي القائم على فكر المشاركة والتعاون والمسؤولية. 

ولقد كان للاحتفال باليوم الوطني العماني لهذا العام قيمة حضارية وثقافية مضافة تعبِّر عن الوعي بالهُوية الثقافية الوطنية التي ترسِّخ الاعتزاز الوطني والفخر بما تم إنجازه حضاريا قديما وحديثا، وتعزِّز مفاهيم المواطنة في نفوس الأجيال، لتكشف عن جيل قادر على المشاركة الفاعلة والتعبير عن فرحه وبهجته في الاحتفال باليوم الوطني من خلال ما شهدناه من مظاهر الإقبال الجماهيري على حضور الفعاليات والمناشط الخاصة بالاحتفال باليوم الوطني، وما تم تقديمه في كافة المحافظات. 

كما أن مظاهر الاحتفال باليوم الوطني العماني بحلته المتجددة اتخذت أنماطا منطلقة من العمق الحضاري لعُمان ابتداء من جوهر ذلك الامتداد المتأصل في تأسيس الدولة البوسعيدية منذ (281) عاما؛ فما تم تقديمه في استعراض الأسطول 2025 كان لافتا ومميَّزا؛ إذ يقدِّم تجسيدا للتراث الثقافي البحري في عُمان الممتد عبر حقب التاريخ، وهو تراث قائم على أصالة وعراقة وفكر عماني قاد مسيرة التطلعات الحضارية، وأسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والحرية ليس في عُمان وحسب، بل على مستوى الإقليم. 

ولهذا فإن الاستعراض قدَّم صورا لافتة لتلك الإمكانات التي تتميَّز بها عُمان تاريخيا، وهي الأرض التي عُرفت بصناعة السفن بأنواعها المختلفة، وبأمجادها في تحرير المنطقة من البرتغاليين والفرس، ليرتبط اسمها دوما بأسماء السفن العريقة التي خاضت عباب البحر، وقدمَّت صورا راسخة للدفاع عن الوطن والذود عنه. إنها سفن تعبِّر عن ذلك التاريخ المجيد الذي مثَّلت فيه عُمان أمجاد البطولات، ورسَّخت خلاله حضارة تقود السلام والتعايش والتفاهم وتسعى إليه بين الأمم. 

لقد قدَّم هذا الاستعراض نموذجا راسخا لفكر الأصالة والمعاصرة الذي تتميَّز به عُمان، كما شكَّل ترسيخا للهُوية الوطنية العمانية، وتعزيزا للوحدة وقيم الحضارة، والتذكير بأمجاد هذا الوطن وبطولاته على مر العصور إضافة إلى تجسيد الفكر المتجدِّد والتعريف بما يبذله الوطن من جهود راسخة لحفظ الأمن والأمان وحماية المجتمع في ظل الصراعات الجيوسياسية المتزايدة على مستوى العالم، كما أن مشاركة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي في الاستعراض يكشف عمق الترابط والمشاركة بينها، مما يعزِّز قيم التعاون المشترك بين دول المنطقة. 

إن فعاليات الاستعراض وما صاحبه من تفاعل جماهيري يقدِّم لوحة وطنية ذات أبعاد حضارية وتاريخية واجتماعية لا تكشف فكر المواطنة الإيجابية لدى المجتمع العماني وحسب، بل تتجلى فيه مظاهر الفخر والاعتزاز والتضامن الوطني. فهذه المشاركة اللافتة من قِبل المواطنين تجسِّد الوعي الاجتماعي والثقافي، والإدراك المجتمعي لمفاهيم هذا الاستعراض والقيم التي يهدف إلى تقديمها للمجتمع في الاحتفال باليوم الوطني العماني، الأمر الذي يُبْرز أجواء من التلاحم والانتماء والولاء للوطن. 

إضافة إلى ذلك؛ فإن المشاركات المصاحبة للاستعراض سواء على مستوى الفرق الشعبية أو العسكرية أو الاستعراضات البصرية وغيرها شكَّلت نماذج ثقافية راسخة تربط بين الماضي والحاضر، وتجسِّد أنماطا من قيم الهُوية الوطنية العمانية، وتقدِّم للأجيال نماذج من فكر التوازن بين الحفاظ على التراث الثقافي والموروث الحضاري، وبين أنماط الإبداع الفني والتقني الذي يُظهر إمكانات عُمان وقدرتها على الانفتاح الحضاري. 

لقد أعاد استعراض الأسطول 2025 المجتمع العماني إلى استذكار التاريخ البحري الممتد عبر الحقب الزمنية التي مثَّلت فكر الأمجاد والفخر التي حقَّق خلالها العمانيون قيم التضحية والشجاعة، فبنوا أساطيل من السفن العسكرية التي خلَّد التاريخ أمجادها وانتصاراتها، كما مجَّد دورها في تعزيز السلام والتفاهم والحوار بين دول العالم. إنه تجسيد مهيب للعزِّة والكرامة والتاريخ قديما، والزهو والفخر بما يحققه الوطن من إنجازات تنموية في كافة القطاعات حديثا. 

ولأن الاحتفالات باليوم الوطني تمثِّل قيمة اجتماعية وثقافية؛ فإن الفكر الثقافي في عُمان تجلَّى بارزا في مظاهر الاحتفال لهذا العام ما يضيف قيما ودروسا مهما للأجيال الشابة في تقديم أنماط احتفالية تُعزِّز الروح الجماعية، وتذكِّر بالتاريخ العماني العريق، وبأخلاقيات المجتمع القائمة على التشارك والتعاون، وتعزيز الولاء للوطن، والدفع نحو تحقيق الإنجازات الوطنية التي تمثِّل الفكر المجتمعي. 

إن الاحتفال باليوم الوطني لا يعكس مظاهر النهضة الحديثة المتطوِّرة والمتسارعة في عُمان وحسب، بل يرسِّخ المفاهيم المجتمعية، ويعزِّز فكر المواطنة، ويُسهم في توطيد الروابط الاجتماعية بين أبناء المجتمع، فيفرحون بالاحتفالات ويشاركون بمحبة وفخر في مظاهرها وفعالياتها، ويقدمون صورا من مشاهد الولاء لوطنهم، ويجددون العزم للعمل والعطاء بروح ملؤها الفخر والاعتزاز. 

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة 

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاحتفال بالیوم الوطنی فی ع مان التی ت

إقرأ أيضاً:

عرضٌ للألعاب الناريّة ابتهاجًا باليوم الوطني المجيد

العُمانية: أُقيم مساء اليوم عرضٌ للألعاب الناريّة ابتهاجًا باليوم الوطني المجيد لسلطنة عُمان، حيث أضاءت الألعاب النٍارية السّماء بأشكالها المُبهرة وألوانها الزاهية.

وجاء العرضُ الذي أُقيم بولاية السيب في محافظة مسقط، وبولاية صلالة في محافظة ظفار، في تشكيلات مُبهرة نالت استحسان المُشاهدين، وعبّرت عن فرحة أبناء سلطنة عُمان بحلول هذه المناسبة الغالية على قلب كلّ مواطن عُماني.

مقالات مشابهة

  • مسير وطني احتفاءً باليوم الوطني العُماني في مسندم
  • الاحتفالات الوطنية في المدارس.. مشاهد ترسخ الهوية وتعزّز الولاء والانتماء
  • تواصل الاحتفالات باليوم الوطني في عدد من الولايات
  • افتتاح عدد من المشروعات التنموية باكثر من مليار و 400 الف ريال تزامنا مع الاحتفالات باليوم الوطني
  • القاهرة الإخبارية: غياب الاحتفالات الرسمية بعيد الاستقلال يعكس عمق التحديات التي تواجه لبنان
  • هيثم عمران: المشاركة السياسية جزء أصيل من ثقافة المواطن وانتمائه للدولة
  • جلالةُ السُّلطان المُعظّم القائدُ الأعلى يشملُ برعايته السّامية استعراضَ الأسطول 2025م
  • جلالة السُّلطان يشمل برعايته السامية استعراض الأسطول 2025 احتفالًا باليوم الوطني المجيد
  • عرضٌ للألعاب الناريّة ابتهاجًا باليوم الوطني المجيد