صحيفة روسية: ما أسرار التقارب الأخير بين طاجيكستان وأفغانستان؟
تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT
أوضح تقرير نشرته صحيفة إزفيستيا الروسية أن الزيارات المتبادلة مؤخرا بين مسؤولين أفغان وطاجيك تعكس تغيرا ملحوظا في موقف دوشنبه من حركة طالبان، ورغبة متبادلة في التعاون لمعالجة عدد من الملفات الشائكة.
وقال الكاتب إيغور كارمازين إن طاجيكستان كانت أشد خصوم حركة طالبان في منطقة آسيا الوسطى منذ توليها السلطة في 2021، إلا أن خريف هذا العام حمل بوادر انفراج في العلاقات بعدما أرسلت عدة وفود رفيعة المستوى إلى جارتها الجنوبية.
ويؤكد الكاتب أن مؤشرات التقارب بين دوشنبه وكابل بدأت تظهر في سبتمبر/أيلول حين زار سفير طاجيكستان لدى أفغانستان سعدي شريفي ولاية كونر الأفغانية التي تضررت بشدة من الزلزال الأخير، حيث سلّم السكان المحليين شحنة من المساعدات الإنسانية.
وشكّلت هذه الزيارة -وفقا للكاتب- أول ظهور علني لدبلوماسي طاجيكي في أفغانستان منذ تولي طالبان السلطة، ومثلت دليلا واضحا على أن البعثة الدبلوماسية الطاجيكية لا تزال تواصل عملها في البلاد.
كما أدلى الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن بتصريحات وُصفت باللافتة خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول، حيث أكد أن دوشنبه تدعو المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم لـ"الشعب الأفغاني الذي طالت معاناته"، بما يضمن تحقيق السلام والاستقرار، وهي تصريحات رحب بها ممثلو حركة طالبان.
وفي أكتوبر/تشرين الأول -يضيف إيغور كارمازين- أُعلن عن سلسلة من الزيارات شبه الرسمية، استهلّها يوسف وفا، حاكم ولاية بلخ الأفغانية المجاورة لطاجيكستان، بزيارة إلى دوشنبه، حيث التقى رئيس جهاز الأمن الوطني الطاجيكي سيمومين ياتيموف.
وخلال المحادثات، شدد المسؤول الأفغاني على أن كابل تخوض معركة ضارية ضد الجماعات المتطرفة، وتعمل على منع أي محاولة لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
المحادثات لم تقتصر على مناقشة الخلافات الحدودية، بل شملت أيضا تعزيز العلاقات السياسية
وذكر الكاتب أن يوسف وفا اقترح إقامة تعاون أمني بين البلدين، وحث على استئناف العلاقات الدبلوماسية والسياسية، بينما رد ياتيموف بأن البلدين سيعيشان "في سلام وصداقة، كشعبين شقيقين".
إعلانويتابع أن وفدا طاجيكيا برئاسة نائب محافظ ختلان زار ولاية قندوز الأفغانية الحدودية، وشكل الملف الأمني مجددا محور المباحثات.
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، وصل إلى كابل وفد طاجيكي رفيع المستوى ضم ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الأمن القومي وجهات حكومية أخرى.
ونقل الكاتب عن وسائل إعلام أفغانية أن أعضاء الوفد التقوا رئيس حكومة طالبان ومدير الاستخبارات، مشيرا إلى أن دوشنبه لم تؤكد رسميا عقد هذه المحادثات ولم تنفها.
وحسب الكاتب، فإن عدة مصادر كشفت أن المحادثات لم تقتصر على مناقشة الخلافات الحدودية، بل شملت أيضا توسيع العلاقات السياسية.
مصالح مشتركةونقل الكاتب عن الباحث في شؤون الشرق الأوسط أزدار كورتوف قوله إن مصلحة دوشنبه تقتضي إقامة علاقات جيدة مع كابل.
ويرى كورتوف أن "جميع الدول تهتم بالحفاظ على علاقات جيدة مع جيرانها، ولدى طاجيكستان وأفغانستان حدود طويلة ومعقدة، مما يجعل هذا الملف مهما للغاية".
وأضاف أن طاجيكستان لا ترغب في البقاء على هامش المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية الكبرى التي تنفذ حاليا في آسيا الوسطى، ولتحقيق ذلك ينبغي أن تكون دولة مسالمة، وأوضح: "لقد نجحت دوشنبه في تسوية النزاعات الحدودية مع قرغيزستان، وتسعى لتحقيق الشيء نفسه على حدودها الجنوبية".
من جانبه، يرى المحلل السياسي والخبير بشؤون دول آسيا الوسطى أندريه سيرينكو أن موقف طاجيكستان تجاه أفغانستان لم يتغير فعليا.
وقال سيرينكو: "لا تزال دوشنبه تُصر على ضرورة إقامة حكومة شاملة في أفغانستان لا تقتصر على البشتون، بل تضم الطاجيك أيضا".
ويضيف أن ما يثير قلق دوشنبه بشكل بالغ هو الوضع على الأراضي الحدودية، إذ من المعروف أن مقاتلين قادمين من سوريا يتجمعون حاليا في ولايات أفغانستان الشمالية، وكل الاتصالات الأخيرة كانت مرتبطة بهذا الأمر تحديدا، حيث تسعى السلطات الطاجيكية للحصول على أقصى قدر ممكن من المعلومات وضمانات أمنية محددة من طالبان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات
إقرأ أيضاً:
هل يدعم ميناء تشابهار مسار التعاون بين أفغانستان والهند؟
شهدت العلاقات الاقتصادية بين أفغانستان والهند خلال الأشهر الأخيرة حراكا لافتا، مع زيارة وزير التجارة الأفغاني نور الدين عزيزي إلى نيودلهي بعد زيارة وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي، في خطوة تهدف إلى إعادة رسم خطوط التجارة الإقليمية وتعزيز دور ميناء تشابهار الذي طورته الهند في إيران بوصفه أحد أهم الممرات البحرية البديلة لأفغانستان.
ورغم أجواء التفاؤل التي رافقت الزيارة، فإن ترجمة التفاهمات على الأرض لا تزال مرتبطة بعوامل لوجيستية وسياسية ومالية معقدة.
تشابهار ضرورة إستراتيجيةويرى مراقبون أن كابل باتت تنظر إلى ميناء تشابهار بوصفه خيارا إستراتيجيا لتقليل اعتمادها على الممرات التقليدية التي تتأثر بالتوترات الحدودية والقيود المفروضة على حركة البضائع.
ومع أن جهود الربط عبر تشابهار تُعد خطوة واعدة، فإن نجاحها يتطلب بناء سلسلة لوجيستية متكاملة تشمل طرقا برية آمنة، ومراكز تخزين، وأنظمة جمركية محدثة.
ويقول وزير التجارة الأفغاني نور الدين عزيزي للجزيرة نت إن "رسالتنا واضحة، لا نريد أن نكون دولة تعتمد على ميناء واحد أو طريق واحد للربط مع العالم. نسعى لأن تكون لأفغانستان عدة بوابات تجارية، وأن يتبنى شركاؤنا هذا المفهوم".
ويضيف "استخدام ميناء تشابهار ليس خيارا فحسب، بل ضرورة إستراتيجية لنا. إنه يفتح أفقا للربط مع الهند وأسواق آسيا الوسطى دون الاعتماد الكامل على المنافذ التقليدية، وقد رحبت الأطراف الهندية بإعادة النظر في الشؤون اللوجيستية والرسوم على الشحن. يجب أن يكون الوصول إلى الهند أسرع وأقل تكلفة".
تفاهم أساسي بين كابل ونيودلهيوأفضت الزيارة الأخيرة إلى تفاهمات أساسية بين نيودلهي وكابل حول توسيع التبادل التجاري وإتاحة مجالات تعاون في قطاعات الطاقة والتعدين والزراعة. إلا أن هذه التفاهمات تبقى في إطار النوايا السياسية، وتحتاج إلى اتفاقيات مُلزمة أو مشاريع جاهزة للتنفيذ المباشر، وهو ما يعكس طبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها العلاقات بين البلدين.
إعلانويؤكد نصر الله صاحبزادة مستشار وزير التجارة الأفغاني للجزيرة نت أن الوزير نور الدين عزيزي اتفق مع السلطات الهندية على قضايا أهمها:
تحويل ميناء تشابهار إلى بوابة تجارية أكثر فعالية أمام الصادرات والواردات الأفغانية. إحياء مجموعة العمل الاقتصادية المشتركة بين البلدين. إنشاء غرفة تجارية ثنائية لتعزيز التواصل بين رجال الأعمال. تسهيل إصدار التأشيرات للقطاع الخاص الأفغاني. صعوبات وتحدياتويرى الخبير في الشؤون الاقتصادية جليل شمس -في حديثه للجزيرة نت- أن كابل ونيودلهي تبديان حماسا كبيرا لإنجاح مساعيهما في بلورة التجارة الثنائية، لكن خططهما المشتركة تواجه صعوبات أبرزها:
العقوبات الدولية على إيران التي تلقي بظلالها على عمليات التحويل المالي والتعاملات المصرفية عبر ميناء تشابهار. نقص البنية التحتية البرية في الممر الواصل بين الميناء والحدود الأفغانية، مما يرفع زمن وكلفة النقل. عدم الاعتراف بالحكومة الأفغانية الحالية. واقع متواضع للعلاقات التجارية بين كابل ونيودلهيتُظهر أرقام التبادل التجاري بين أفغانستان والهند مؤشرات متذبذبة تدور في محيط مليار دولار سنويا، ورغم أهمية هذا الرقم في ظل الظروف الراهنة، يتطلع الجانبان إلى رفعه إلى مستويات أعلى عبر الاستفادة من خطوط شحن أسرع ومسارات تجارية أقل تكلفة، غير أن تحقيق هذا الهدف يعتمد بدرجة كبيرة إلى نجاح خطط تطوير تشابهار واستكمال البنية التحتية الداعمة له.
ويقول وزير التجارة الأفغاني السابق أنوار الحق أحدي للجزيرة نت: "الحكومة الحالية مضطرة لتنويع طرقها مع الخارج، لأن باكستان منذ 60 سنة تستخدم ميناء كراتشي كورقة ضغط ضد أفغانستان، والقرار الأخير نحو الهند أو آسيا الوسطى خطوة إستراتيجية رغم تكلفتها المادية، لكنها مستقرة".
ويضيف "يمكن لأفغانستان الاستفادة من 3 طرق بعيدا عن باكستان، وهي إيران وأوزبكستان وتركمنستان في الوصول إلى أوروبا، ما لم تراجع باكستان سياستها فهي تخسر الأسواق في آسيا الوسطى لأنها تحتاج إلى أفغانستان مثل حاجتنا إليها".
توفير بيئة للاستثمار في أفغانستانويرى المحللون أن الهند حريصة على تعزيز دورها الاقتصادي في أفغانستان، لكن ذلك مشروط بضمانات أمنية وقانونية ومسارات مالية شفافة. وفي المقابل، تسعى الحكومة الأفغانية لإقناع شركائها بأنها قادرة على توفير بيئة مناسبة للتجارة والاستثمار.
ومع أن الزيارة مثّلت خطوة مهمة لإطلاق مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، فإنها تشكل بداية لمسار طويل يحتاج إلى تنفيذ عملي على الأرض، وإلى توافق سياسي إقليمي يتيح لأفغانستان الاستفادة من موقعها الإستراتيجي كبوابة أساسية لربط جنوب آسيا بآسيا الوسطى.
ويقول الخبير الإستراتيجي بوبل حبيبي للجزيرة نت: "تُظهر التطورات الأخيرة أن كابل ونيودلهي تقفان أمام فرصة لإعادة بناء علاقة اقتصادية أكثر استقرارًا وفاعلية، لكن هذه الفرصة مرهونة بتجاوز تحديات البنية التحتية والعقوبات والسياسة الإقليمية. وفي قلب هذه العملية يقف ميناء تشابهار بوصفه محورا رئيسيا قد يغير مستقبل التجارة الأفغانية إذا ما توفرت له الظروف اللازمة للنجاح".
ميناء تشابهار عقدة لوجيستية تتقاطع عندها مصالح آسياويقع ميناء تشابهار في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية على خليج عُمان، وهو المنفذ البحري الوحيد لإيران المطل على المحيط الهندي.
إعلانويضم المشروع ميناءي شهيد كلنتاري وشهيد بهشتي، ويبعد نحو 170 كيلومترًا إلى الغرب من ميناء جوادر الباكستاني الذي تطوره الصين ضمن مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
ويمثل الميناء نقطة ارتكاز رئيسية في ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، إذ يوفر منفذا لوجيستيا للهند نحو إيران وبحر قزوين وروسيا وأوروبا، ويمنحها قدرة أفضل على الوصول إلى أسواق أفغانستان وآسيا الوسطى دون المرور عبر الأراضي الباكستانية.
كما يؤدي تشابهار دورا موازنا لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية وميناء جوادر، ويعدّ حجر زاوية في إستراتيجيات نيودلهي المتعلقة بـ"ربط آسيا الوسطى" و"توسيع الجوار".
وبدأ التعاون الهندي الإيراني في تشابهار عام 2005، وتكرس المسار عام 2015 بتوقيع مذكرة تفاهم لتطوير محطة شهيد بهشتي، قبل أن تعلن الهند وإيران وأفغانستان عام 2016 اتفاقا ثلاثيا لإنشاء ممر دولي للنقل والعبور عبر الميناء.
وتصل الهند إلى أفغانستان عبر ميناء تشابهار من خلال خط جوي بين مومباي وتشابهار، وخط بري من تشابهار إلى زرنج ثم هرات غربي أفغانستان وصولا إلى العاصمة كابل.