قراءة في مخرجات زيارة بن سلمان إلى واشنطن وانعكاساتها على اليمن
تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT
السياق العام للزيارة وأبعادها الاستراتيجية
تمثل زيارة بن سلمان إلى الولايات المتحدة محطة مفصلية في العلاقات السعودية–الأمريكية، نظراً لتزامنها مع مرحلة إقليمية شديدة الاضطراب بعد العدوان الصهيوني على غزة، وتزايد المنافسة الدولية في البحر الأحمر، واشتداد التنافس بين واشنطن من جهة، وكلٍّ من موسكو وبكين من جهة أخرى.
المسار الدفاعي – السعودية كـ"حليف رئيسي من خارج الناتو"
أبرز ما نتج عن الزيارة هو منح السعودية صفة "حليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو"([1])، وهي مرتبة تمنح مزايا استراتيجية تشمل تسهيل نقل التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، وتطوير الأنظمة الدفاعية، وتعزيز التعاون الاستخباراتي.
وفق رويترز، شملت المناقشات إعادة فتح ملف مقاتلات (F-35) (تصريحات ترامب الأولية تقول إن الصفقة ستمضي، لكن التصريح وحده غير كافٍ، فهناك صفقة سابقة مع الإمارات أُعلن عن الموافقة عليها لكنها لم تمضِ، فهذا الملف حساس)، وإمكانية دمج السعودية ضمن شبكة الدفاع الجوي الأمريكية المرتبطة بـ"القيادة المركزية الأمريكية"، كما تشمل الحزمة الدفاعية تحديث رادارات الحدود الجنوبية، ورفع مستوى قدرات اعتراض الصواريخ والطائرات من دون طيار.
وترى مراكز التحليل الأمريكية أن هذا المسار الدفاعي يهدف -قبل كل شيء- إلى "احتواء قدرات صنعاء الجوية والصاروخية"، وإعادة بناء "حزام ردع" يحمي منشآت الطاقة والمشاريع الاقتصادية السعودية التي أصبحت مرتبطة مباشرة باستثمارات أمريكية ضخمة.
المسار الاقتصادي–التكنولوجي
كشفت وكالة أسوشييتد برس وصحيفة واشنطن بوست عن التزام سعودي ضخم يتجاوز تريليون دولار للاستثمار داخل الولايات المتحدة خلال السنوات العشر القادمة، ليصبح أكبر التزام اقتصادي سعودي في تاريخ العلاقة.
وتشير رويترز إلى أن شركة أرامكو السعودية وقّعت مذكرات تفاهم تفوق قيمتها 30 مليار دولار مع شركات أمريكية في مجالات الغاز الطبيعي المسال، والصناعات المتقدمة، والمواد المركّبة، والبنية التحتية للطاقة النظيفة.
كما تضمنت الزيارة شراكات واسعة في الذكاء الاصطناعي، بناء مراكز بيانات عملاقة (Hyperscale Data Centers)، وتأسيس "سحابة رقمية" مشتركة بين الشركات الأمريكية والسعودية. وقد تناولت الاجتماعات أيضاً إنشاء منظومة مشتركة لإنتاج المعادن الحرجة (Rare Earths) اللازمة لصناعة الرقائق والبطاريات.
تُظهر النتائج الاقتصادية للزيارة -بحسب رويترز- أن "رؤية 2030" تدخل مرحلة ارتباط بنيوي بالمراكز التكنولوجية الأمريكية، بعدما "انتقلت استثمارات السعودية من نطاق النفط التقليدي إلى حزمة واسعة من القطاعات الحساسة مثل الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات العملاقة، وسلاسل توريد المعادن الحيوية، والصناعات المتقدمة المرتبطة بالرقائق والبطاريات والمواد المركّبة" حسب المصدر.
هذا الارتباط العميق بالاقتصاد التكنولوجي الأمريكي يجعل مستقبل الرؤية مشروطاً مباشرة باستقرار البيئة الإقليمية، وخصوصاً مسارات الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، لأن هذه القطاعات تعتمد على تدفق آمن للكوابل البحرية، وشحنات الرقائق والمعدات المتخصصة، وسلاسل الإمداد الطويلة التي تمر كلها عبر الممرات الدولية.
وبذلك، لم يعد البحر الأحمر مجرد ممر تجاري يخدم صادرات النفط، بل صار جزءاً أساسياً من بنية الاقتصاد الجديد الذي تقوم عليه الرؤية، الأمر الذي يرفع حساسية السعودية تجاه أي اضطرابات بحرية أو تهديدات للملاحة المرتبطة بالكيان، كما يعزز هذا التحول الحاجة السعودية إلى مظلة أمنية أمريكية لحماية سلاسل التوريد الحيوية، ويزيد اعتماد الرياض على ترتيبات بحرية مشتركة، ما يفسّر الاهتمام الأمريكي–السعودي المتزايد بإعادة تدويل "أمن البحر الأحمر"، والحد من قدرة صنعاء على فرض معادلات ردع تؤثر في هذه السلاسل الاستراتيجية.
المسار السياسي–الإقليمي
توضح المعطيات الواردة أن ملف التطبيع السعودي–الصهيوني كان حاضراً في نقاشات الزيارة، وإن لم يتم الإعلان عن تقدم فيه.
كما تناولت النقاشات دور السعودية في ترتيبات غزة بعد العدوان الصهيوني، خصوصاً في ملف إعادة الإعمار، وإعادة هيكلة مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومحاولة إقصاء حماس من المشهد ونزع سلاحها، إضافة إلى محاولة واشنطن استخدام الدور السعودي لبناء "نظام إقليمي جديد" يخدم مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
موقع اليمن في الزيارةتشير القراءة التحليلية لما نشرته المصادر الأمريكية -وعلى وجه الخصوص تغطيات وكالة رويترز وتحليلات معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى- إلى أن تناول الملف اليمني في الزيارة جاء في إطار "أمني" خالص، لا في سياق سياسي أو تفاوضي. وهذا ما تدل عليه طبيعة الملفات التي أُعلن أنها كانت محور النقاش، وعلى اللغة المستخدمة في توصيف ما سمّته واشنطن بـ"التهديدات الإقليمية" و"مخاطر البحر الأحمر". ومن خلال هذا السياق، يمكن استنتاج أن التركيز انصبّ على مسارين أساسيين يتصلان بالوضع في اليمن:
المسار الأول هو تعزيز الدفاعات السعودية في مواجهة القدرات الجوية والصاروخية التي تُصنَّف ضمن "التهديدات الإقليمية"، بما يشمل تحديث الأنظمة الدفاعية، وتوسيع نطاق الرادارات، وربط منظومات الإنذار المبكر بالقيادة المركزية الأمريكية.
المسار الثاني يتعلق بتوسيع التعاون الاستخباراتي المرتبط برصد الأنشطة في البحر الأحمر وباب المندب، وهو مسار يمكن استنتاجه من تناول الزيارة لقضايا "أمن الملاحة" و"التهديدات البحرية"، مع وجود اهتمام متزايد بمفاهيم الصيغ الدولية أو المشتركة لحماية الملاحة، وهو ما ينسجم مع الاتجاه الأمريكي نحو إعادة بناء ترتيبات أمن البحر الأحمر، ومنح السعودية دوراً أكبر ضمن هذه الصيغة، وإن لم يُطرح ذلك صراحة كقرار معلن.
ومن اللافت أن أي حديث عن مسار سياسي أو تفاوضي يخص اليمن كان غائباً تماماً في جميع التقارير الأمريكية المتعلقة بالزيارة، ما يعزز الانطباع بأن اليمن جرى التعامل معه بوصفه ملفاً أمنياً يُراد احتواؤه فقط، لا أزمة سياسية تُبحث جذورها أو مسار تسويتها.
البحر الأحمر نحو ترتيبات بحرية أمريكية–سعودية جديدةتشير رويترز بشكل واضح إلى أن جزءاً من التفاهمات الدفاعية الجديدة يهدف إلى تعزيز الدور السعودي في "الممرات ذات الأهمية العالمية"، وعلى رأسها البحر الأحمر وباب المندب، وتسعى واشنطن -ضمن هذا المسار- إلى:
استبدال قوة غربية–عربية جديدة بدلا عن الصيغة القديمة للتحالفات البحرية. دمج السعودية كقائد إقليمي لهذه الترتيبات. الحد من قدرة صنعاء على فرض معادلات الردع البحري.وقد ركزت النقاشات الأمريكية–السعودية على ضمان انسياب التجارة الأمريكية والصهيونية، وخاصة صادرات الطاقة الأمريكية والمواد التكنولوجية، عبر باب المندب، وبذلك يصبح البحر الأحمر أحد أبرز ميادين الصراع الجيوسياسي في المرحلة المقبلة، مع احتمال تصاعد الضغط الدولي لمحاولة تقييد دور اليمن في هذا الممر.
انعكاسات الزيارة على مسار التهدئة اليمنية–السعوديةترجّح المؤشرات أن السعودية تفضل الحفاظ على الوضع الراهن من اللاحرب واللاسلم، لأن أي مواجهة مع اليمن ستنسف بيئة الاستثمار الأمريكية التي تعتمد عليها "رؤية 2030"، ولأن واشنطن بحاجة إلى بيئة بحرية مستقرة لحماية مصالحها التجارية والتكنولوجية.
إلا أن الرياض -وفق المعطيات- ستتمسك بالمقاربة الأمنية في التعامل مع اليمن، وستستخدم الشراكة الدفاعية الجديدة لتعزيز قدراتها في المناطق اليمنية الخاضعة لاحتلال تحالف العدوان، وتوسيع قدراتها البحرية، وربما محاولة الحد من نشاط صنعاء في البحر الأحمر عبر ترتيبات أمنية مشتركة مع العدو الأمريكي.
هذا يعني أن السعودية لن تتجه نحو تسوية سياسية شاملة، بل نحو موازنة دقيقة بين التهدئة والاحتواء الأمني، واستمرار حالة اللا سلم واللا حرب.
تقدير الموقف العامتكشف الزيارة أن الولايات المتحدة تعيد استخدام السعودية كلاعب رئيس لما تسميه "أمن البحر الأحمر وباب المندب"، وأن أي ترتيبات بحرية مستقبلية ستسعى للحد من أثر قدرات اليمن البحرية والصاروخية، كما تشير الزيارة إلى أن اليمن سيُتناول خلال العام المقبل من منظور "إدارة المخاطر" لا من منظور "حلّ النزاع".
ومن ثم، تفرض المرحلة القادمة على صنعاء أن تعتمد استراتيجية قائمة على:
تعزيز معادلات الردع البحرية. رفع مستوى الجاهزية الاستخباراتية في البحر والممرات الدولية. رفض تدويل البحر الأحمر إعلامياً ودبلوماسياً. تحريك ملف التهدئة مع الرياض للوصول إلى حل شامل، دون السماح بتحويلها إلى منصة ضغط أمريكية–سعودية.وتبقى القوة الردعية لليمن —خصوصاً في المجال البحري— العامل الأكثر حسماً في موازنة هذا التحول ومنع تحويل البحر الأحمر إلى منطقة نفوذ عسكري أمريكي–سعودي.
الهوامش :
[1] صفة حليف رئيسي من خارج الناتو هي تصنيف تمنحه الولايات المتحدة لعدد محدود من الدول بهدف تعزيز التعاون الأمني والعسكري معها دون أن تكون عضواً في حلف الناتو. هذا التصنيف لا يفرض التزامات دفاعية أميركية تلقائية للدفاع عن الدولة، لكنه يمنحها امتيازات واسعة، مثل تسهيل الحصول على الأسلحة المتقدمة، وإمكانية المشاركة في برامج عسكرية حساسة، والوصول إلى تكنولوجيا دفاعية لا تُمنح عادةً لغير الحلفاء، إضافة إلى تعاون استخباراتي وتنسيق عملياتي أكبر. وبذلك تتحول الدولة الحاصلة على هذا التصنيف إلى جزء من المظلة الاستراتيجية الأميركية، دون أن تكون عضواً رسمياً في الناتو.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: البحر الأحمر وباب المندب الولایات المتحدة فی البحر الأحمر إلى أن
إقرأ أيضاً:
كاتب سعودي: ملف اليمن يحضر في مباحثات الأمير محمد بن سلمان مع ترامب
قال عشق بن سعيدان الكاتب والمحلل السياسي السعودي إن الملف اليمني حضر بقوة في القمة الأمريكية السعودية بين ترامب والأمير محمد بن سلمان.
وأضاف في تصريح تلفزيوني: ''ننتظر الكشف عن التفاصيل في الأيام القادمة''.
ووصل الأمير محمد بن سلمان، الإثنين، واشنطن وحظي باستقبال كبير وغير مسبوق من ترامب في البيت الأبيض.
وكانت مصادر سياسية توقعت أن تشهد قمة الأمير محمد بن سلمان مع ترامب في واشنطن، مباحثات حول إقامة دولة فلسطينية إلى جانب بحث قضايا 4 دول عربية أخرى بينها اليمن
وأعلن البيت الأبيض، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وقعّا سلسلة من الاتفاقات “الاستراتيجية غير المسبوقة” التي تهدف إلى تعميق الشراكة بين البلدين وتعزيز الصناعات الأميركية وتحصين سلاسل التوريد وترسيخ الاستقرار الإقليمي.
وأمس اعتبر ناطق حزب الإصلاح اليمني وجود دولة عربية مثل السعودية، بهذا المستوى من الشراكات والحضور الدولي، يضمن للمنطقة موقعًا فاعلًا في موازين القوة وصياغة المستقبل.