استعرض ملتقى "ذاكرة المحيط .. اللبان والقرنفل"، الذي نظمته مدرسة روضة المعارف للتعليم الأساسي بولاية جعلان بني بو علي، برعاية سالم بن حمد الراسبي، مدير إدارة التربية والتعليم بجعلان، الإرث البحري والحضاري الذي نسجته عُمان في منطقة شرق إفريقيا، خصوصًا في زنجبار وممباسا، عبر قرونٍ من التواصل البحري والتجاري، مبرزًا سلطنة عُمان كقوة بحرية ربطت آسيا بإفريقيا، وأظهرت عمق التأثير المتبادل في مجالات العمارة والاقتصاد والثقافة، من خلال الأبواب الزنجبارية وزراعة القرنفل واللغة السواحلية وفنون الطرب؛ ليكون احتفاءً بملحمة بحرية وثقافية صنعت هوية مشتركة لا تزال قائمة حتى اليوم.

بدأ حفل الافتتاح بقصيدة ترحيبية وفقرة شعبية لطالبات الصف الأول، تلاها كلمة ألقاها سالم بن خميس الغنبوصي، مشرف مادة الجغرافيا، أوضح فيها أن تنظيم هذا الملتقى يأتي تزامنًا مع احتفالات اليوم الوطني المجيد، مناسبة يجدد فيها الجميع الولاء والعرفان لباني النهضة المباركة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه، مؤكّدًا أن الملتقى يمثل وقفة معرفية تبرز ما حققه الأجداد من أمجاد بحرية وحضارية كأساس يُبنى عليه حاضرنا ومستقبلنا بعزيمة وإيمان.

بعد ذلك، عُرضت ورقتا عمل؛ الأولى بعنوان "التقنيات الجغرافية الحديثة ودورها في دراسة الظواهر الطبيعية"، قدّمها خميس بن فايل الحربي، مشرف منتدب مادة الجغرافيا، والثانية بعنوان "الموقع الجغرافي وارتباطه بالتاريخ العُماني"، قدّمها المشرف سالم الغنبوصي.

عقب ذلك تجوّل الحضور في المعرض المصاحب، الذي صُمم على شكل خمسة مرافئ رمزية تمثل الأدوار التاريخية لعُمان في البحر والتجارة البحرية. شملت هذه المرافئ: مرفأ شريان المحيط الهندي، الذي يبرز أهمية البحر كحلقة وصل بين القارات ومصدرًا للتبادل التجاري والثقافي، ومرفأ سلطة القرنفل واللبان، الذي سلط الضوء على التجارة البحرية العمانية والسلع التي شكّلت ثروة ونهضة للمنطقة؛ ومرفأ العربية السواحيلية، الذي يجسّد التبادل الحضاري والثقافي بين سلطنة عُمان وسواحل شرق إفريقيا؛ ومرفأ نبض الإمبراطورية العُمانية، الذي يوضح القوة البحرية والسيطرة التجارية لعُمان عبر القرون؛ وأخيرًا مرفأ جسور لا تنقطع، الذي يرمز إلى التواصل المستمر والروابط المتينة بين عُمان وشركائها البحريين على مر العصور، مانحًا الزوار فرصة لفهم الأثر التاريخي والاقتصادي للبحر في تشكيل هوية سلطنة عُمان ودورها المحوري في التجارة العالمية.

هدف المعرض إلى إبراز العمق التاريخي الغني لعُمان وعلاقاتها المتميزة مع شرق إفريقيا، وتوعية الجمهور المحلي والدولي بتاريخ هذه الروابط العريقة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول الدور العُماني في المنطقة. كما ركّز المعرض على الجوانب الحضارية والفنية والاقتصادية التي ساهمت في ازدهار شرق إفريقيا، مستعرضًا التأثير العماني في العمارة والفنون والزراعة والتجارة البحرية. وحرص على توثيق التمازج الثقافي بين الثقافة العربية العُمانية والسواحيلية، مع التأكيد على الهوية المشتركة والإرث الإنساني والحضاري المشترك الذي امتد عبر قرون. كما سلّط الضوء على الأثر الاقتصادي الحيوي للروابط العُمانية في تشكيل شبكة التجارة الإقليمية، وألهم الزوار بمشاهد من التعاون المعاصر بين سلطنة عُمان ودول شرق إفريقيا، ليعكس المعرض صورة حيّة لتاريخ مترابط يمتد من الماضي العريق إلى الحاضر الواعد.

خُصص ركن خاص للبحار المخضرم سليم بن خميس الزرعي، استعرض خلاله تجربته الطويلة في عالم البحار والأسفار منذ القدم؛ لتتاح للحضور فرصة الاطلاع على شهاداته ومعايشته المباشرة لمغامراته البحرية. كما تابع الزوار حصة تطبيقية تفاعلية قدمتها المعلمة موزة الجعفرية من مدرسة المكارم للتعليم الأساسي، أضفت بعدًا عمليًا وتجريبيًا على المعرض. واختُتم البرنامج بتكريم المنظمين والمشاركين، تقديرًا لجهودهم وإسهاماتهم في إنجاح هذا الحدث الثقافي والمعرفي.

ويُذكر أن فكرة الملتقى وتنفيذه بمبادرة من المعلمتين شمسة بنت خميس الجعفرية (معلمة تاريخ) ورخية بنت علي العلوية (معلمة جغرافيا)، بمشاركة المعلمات ميثاء بنت حمد الجعفرية، وقمر بنت حمد الجعفرية، وندى بنت عامر المقاحمية، وأماني بنت مأمون الجعفرية، تحت إشراف مديرة المدرسة، موزة الغيلانية، ليشكل الفريق كله نموذجًا للتعاون المبدع في نقل المعرفة وترسيخ الإرث الثقافي العماني.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شرق إفریقیا

إقرأ أيضاً:

٣٠ نوفمبر.. ذاكرة وطن لا تنطفئ

 

 

حين يطلّ الثلاثون من نوفمبر كل عام، تعود إلى الذاكرة واحدة من أعظم اللحظات الفارقة في تاريخ اليمن الحديث. إنه اليوم الذي غادر فيه آخر جندي بريطاني أرض الجنوب، ليُعلن اليمنيون ميلاد فجرٍ جديد بعد احتلال امتد أكثر من قرن وربع القرن. قد يبدو هذا اليوم للبعض حدثًا تاريخيًا عاديًا، لكنه في الحقيقة خلاصة مشوار طويل من النضال والكفاح، لم يأتِ صدفة ولا جاء نتيجة حسابات سياسية باردة، بل كان حصيلة دماء وجراح وصبر رجال آمنوا بأن هذه الأرض لا يليق بها إلا أن تكون حرة.
ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م كانت الشرارة الأبرز في هذا المسار، فبفضل رجال ردفان والضالع وأبين ولحج وعدن وشبوة وحضرموت والمهرة ارتفعت الراية التي أعادت ترتيب المشهد وفتحت الطريق نحو الاستقلال. لكنّ هذه الثورة لم تكن البداية، بل كانت القمة التي سبقتها سنوات طويلة من المقاومة المنسية، المقاومة التي لم تُكتب كما يجب، ولم تجد منصفًا يوثقها أو يحفظ أسماء أبطالها. هنا يظهر السؤال المؤلم: لماذا غاب تاريخ الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن بكل تفاصيله ووقائعه؟ ولماذا يبدو وكأن اليمنيين عاشوا 129 عامًا من الاحتلال دون مقاومة، وكأنهم صمتوا أو استسلموا؟ هذا غير منطقي ولا يتفق مع طبيعة الإنسان اليمني الذي لا يقبل الغزو ولا يمد يده للمحتل إلا على مقبض بندقية.
الحقيقة أن التاريخ لم يُكتب كما يجب، وأن أعوامًا طويلة من النضال طُمست عمدًا أو أُهملت، وأن الكثير من ثورات القبائل في شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى ولحج وأبين وعدن، لم تجد موقعًا لها في الكتب أو المناهج. وربما كان ذلك نتيجة مصالح سياسية، أو ضعف في التوثيق، أو تأثير قوى خارجية حرصت على تشكيل رواية ناقصة لا تُبقي في ذاكرة الأجيال إلا ما يريدونه هم. لكن مهما غُيّب التاريخ، تبقى ذاكرة الشعوب أقوى، وتبقى الأرض شاهدة على من مرّ عليها ومن قاوم لأجلها.
واليوم، ونحن نستعيد ذكرى الاستقلال، نجد أننا نعيش مشهدًا لا يختلف كثيرًا عما كان قبل عقود. فالمحافظات الجنوبية التي احتفلت يومًا برحيل آخر جندي بريطاني، تواجه اليوم أشكالًا جديدة من الوصاية والسيطرة، ولكن بوجوه مختلفة وأدوات مختلفة. فالسعودية والإمارات حاضرتان وكأنهما بريطانيا نفسها من جديد، ليس عبر جنودها بل عبر قواعدها وقواتها ومرتزقتها، وعبر محاولات التحكم بالموانئ والجزر والممرات البحرية والثروات النفطية والغازية. وكأنّ التاريخ يريد أن يعيد نفسه، ليذكّرنا بأن الاستقلال لا يكتمل بمجرد خروج المحتل من الباب ما دام قد أبقى له ألف نافذة ينفذ منها.
أبناء شبوة والمهرة وسقطرى وحضرموت وأبين ولحج وعدن والضالع، الذين قاوموا بالأمس، ما زالوا حتى اليوم يحملون الروح نفسها، روح الرفض، وروح الإصرار على أن هذه الأرض ليست للبيع ولا للارتهان، وأن الاستقلال ليس مناسبة للاحتفال، بل مسؤولية لمواصلة الطريق. إن ذكرى الثلاثين من نوفمبر ليست مجرد تاريخ على التقويم، بل هي تذكير دائم بأن الحرية لا تُمنح، وأن الاستقرار والسيادة لا تكتبها إلا الشعب نفسه، وأن الاحتلال مهما غيّر شكله ولغته وأدواته، سيظل احتلالًا.
وهكذا يبقى 30 نوفمبر1967م يومًا تتقاطع فيه الذاكرة مع الحاضر، وتعود فيه الأسئلة القديمة لتقف أمام مشاهد اليوم: هل يمكن لشعب صنع استقلاله أن يقبل الوصاية مجددًا؟ وهل يمكن لأرض قاومت 129 عامًا أن تخضع في زمن يعرف فيه الجميع قيمة الحرية؟ الإجابة نجدها في التاريخ نفسه، وفي وجوه الناس، وفي صمود اليمنيين الذين يعرفون أن الاستقلال الحقيقي ليس حدثًا مضى، بل شعلة يجب أن تبقى متقدة في الوعي والوجدان إلى أن يتحرر كل شبرٍ من هذا الوطن.

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة ومحافظ الأقصر يشهدان ختام “ملتقى الأقصر الدولي للتصوير” وافتتاح المعرض الختامي
  •  القوات البحرية تختتم مشاركتها في التمرين البحري «ميدوزا 14» بمصر
  • شاهد بالصورة والفيديو.. في لقطة مؤثرة.. قائد مشجعي المنتخب السوداني ينهار بالبكاء وهو يستحضر ذكريات الوطن
  • «سوربون أبوظبي» تختتم «مبادرة عام المحيط»
  • ٣٠ نوفمبر.. ذاكرة وطن لا تنطفئ
  • مدرب القوة الجوية العُماني ينتقد التوقفات المتكررة في الدوري العراقي
  • غابات الصنوبر التاريخية في لبنان تواجه أخطر موجة جفاف
  • افتتاح المعرض العُماني البحريني للصور الفوتوغرافية بمسقط
  • افتتاح المعرض العُماني البحريني للتصوير الفوتوغرافي في نسخته الرابعة