خيال البشر.. وسرعة الآلة| خبير يكشف لـ"صدى البلد": ما هو الذكاء الاصطناعي.. أبرز إيجابياته وسلبياته .. كيفية استخدامه في التعليم
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
الدكتور أحمد سيد:
الذكاء الاصطناعي يتمثل في خيال البشر.. وسرعة الآلة
التكنولوجيا المبهرة تظهر قدرتها على تغيير وجهات نظرنا وأساليب حياتنا
تطبيقات للذكاء الاصطناعي نستخدمها في حياتنا اليومية ولا تعرفها
الذكاء الاصطناعي سيستحوذ على 20% من وظائف المستقبل
عملية تدريب الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى بعض التعديلات أو الإضافات
الذكاء الاصطناعي يقود مستقبل التكنولوجيا في العالم
سنشهد تكاملًا أكبر للذكاء الاصطناعي بحياتنا اليومية وإتاحة للإمكانيات اللامحدودة
نسمع اليوم كثيراً عن مصطلح الذكاء الاصطناعي؛ وأغلبنا يربطه بتحول اغنية عمرو دياب لصوت أم كلثوم وأفلام الخيال العلمي في هوليوود، ويتخيل الروبوتات التي تسيطر على العالم، ولكن في الحقيقة الذكاء الاصطناعي ليس مقتصراً على الروبوتات، بل يدخل في عديدٍ من التطبيقات التي نستخدمها كل يوم دون أن نشعر، وقد تبين مؤخرًا أن هناك الكثير حول العالم من الأشخاص لا يدركون بالفعل أنهم يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويشكل الذكاء الاصطناعي أحد أهم العلوم التطبيقية، ويعد من أساسيات الحياة اليومية لاستخداماته وتطبيقاته المختلفة، وهو أساس التطور العلمي الذي يعيشه العالم من خلال الثورة الصناعية المعاصرة، والاتجاهات التقنية، والتواصل الثقافي والاتصال التقني في كافة المجالات.
ولعبت التكنولوجيا دورًا مهمًا خلال العقد الماضي في تعزيز العملية التعليمية لدى الطلاب، بفضل انتشار الأجهزة الذكية والمناهج الأونلاين المتاحة على المنصات التعليمية، وبالتالي أصبح لا حدود في التعلم من أي بلد أو مكان حول العالم.
ومع صعود تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم، توفرت طرقًا جديدة لم تكن معهودة من قبل في تحسين التعلم، وقد غيرت كثيرًا من النمط التقليدي المستخدم في التعليم.
وفي هذا السياق، حرص موقع “صدى البلد” على اجراء حوار مع الدكتور أحمد سيد، دكتور بأحد كليات الهندسة الخاصة، للإجابة على العديد من الأسئلة الهامة بشأن توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، وأهميته، وأنواعه، وأهم تطبيقاته، وأبرز استخدامات الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، كيف يمكن للطلاب تعزز مستقبلهم الدراسي بالذكاء الاصطناعي، وإلي نص الحوار:
ما هو تاريخ الذكاء الاصطناعي؟
تاريخ الذكاء الاصطناعي مليء بالابتكار والتطور، ففي أوائل الستينيات، بدأت الأبحاث تتركز على تطوير اللغة الطبيعية للكمبيوتر، مما أدى إلى إنشاء أنظمة قادرة على التفاعل مع البشر بلغة طبيعية، ثم جاء العصر الرقمي في الثمانينيات ومعه ظهرت التقنيات التي سمحت للكمبيوتر بمعالجة الصور والأصوات والبيانات بشكل أفضل.
وفي التسعينيات، بدأت تقنيات الذكاء الاصطناعي تجد طريقها إلى حياتنا اليومية من خلال تطوير أنظمة التعرف على الصوت والصورة، وظهرت الروبوتات التي تستخدم في مجموعة متنوعة من التطبيقات مثل التصنيع والطب والترفيه.
وفي منتصف القرن العشرين، ففي عام 1956 نظم جون مكارثي ومارفن مينسكي وناثانيال روتشستر وكلود شانون مؤتمر دارتموث، واقترح الباحثون في المؤتمر أنه يمكن تصميم آلة لمحاكاة أي مهمة تحتاج إلى ذكاء بشري.
ومع تطور التقنيات الحديثة مثل تعلم الآلة وشبكات العصب الاصطناعية، أصبح بإمكان الأنظمة الاصطناعية تحسين أدائها بشكل ذاتي من خلال التعلم من البيانات والتجارب، وهذا يعني أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح أكثر فعالية ودقة مع مرور الوقت.
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي (AI) هو محاكاة عمليات الذكاء البشري بواسطة أنظمة خاصة تشبه أنظمة الكمبيوتر، ويتميز الذكاء الاصطناعي بالقدرة على "التفكير" و"التعلم" من خلال تحليل كميات كبيرة من البيانات، ويسمح الذكاء الاصطناعي لجهاز الحاسوب أن يفكر، ويتصرف، ويستجيب كما لو أنه إنسان.
ويمكن من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي اتمام المهام أو إجراء تنبؤات أو تحديد الأنماط التي قد لا يتمكن البشر من اكتشافها، وتأثير الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على قطاعات بعينها فقط، بل يتوسع إلى الكثير من جوانب حياتنا، وإنها مجرد بداية.
يعد الذكاء الاصطناعي مجال تقني شامل يشمل العديد من التطبيقات والاستخدامات التي لا تقتصر فقط على الروبوتات والأفلام الخيالية، ففي الواقع يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من الجوانب الحياتية والصناعية بشكل يومي وبشكل غير مباشر دون أن نلاحظه دائمًا.
ما هي تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي نستخدمها في حياتنا اليومية؟
التطبيقات العديدة للذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، يتم تطورها بشكل سريع وتوظيفها بشكل متزايد في مختلف الصناعات والقطاعات لتحسين الكفاءة وتوفير حلول أفضل، وبعض الأمثلة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي: (محركات البحث عبر الإنترنت - مواقع التواصل الاجتماعي - الترجمة الآلية - مكالمات خدمة العملاء - الخدمات المصرفية - تطبيقات الصور والفيديو - التعرف على الوجوه).
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟
أصبح الذكاء الاصطناعي بالفعل المحرك الرئيسي للتقنيات الناشئة، من البيانات الضخمة إلى الروبوتات وإنترنت الأشياء، واستنادًا إلى مئات التجارب والنتائج، يمكن للذكاء الاصطناعي تلبية متطلبات المستخدمين في الوقت الحالي كما يمكن دمجه في العديد من الجوانب التقنية بسرعة وكفاءة.
وتتيح هذه التقنية الوصول إلى كميات هائلة من البيانات والعمليات ونشرها دون الحاجة إلى تدخل بشري كبير، ومع تطور الذكاء الاصطناعي، فقد أصبح من الممكن ليس فقط أن يحقق نتائج محققة عما كان عليه الحال سابقاً وفقط، بل يمكنه أيضاً التنبؤ بما يمكن عمله في المستقبل بل والتخطيط له، حتي أصبح يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير مساحة تطوير بشكل أكبر يوم بعد يوم.
هل يمكنني التحدث مع الذكاء الاصطناعي؟
هناك العديد من روبوتات الدردشة تعمل بـ الذكاء الاصطناعي، مثل برنامج شات جي بي تي، ومبتكرات الصور، مثل برنامج ميدجورني، وإذا كنت قد استخدمت Siri أو أي نوع آخر من أنظمة التعرف على الصوت، أو قمت بالتفاعل عليهم فأنت تستخدم الذكاء الاصطناعي.
متي نشهد تكاملًا أكبر للذكاء الاصطناعي بحياتنا اليومية وإتاحة للإمكانيات اللامحدودة؟
بفضل تقدم التكنولوجيا والابتكار المستمر، نشهد تزايدًا مذهلاً في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، وإنه يمتد إلى مجموعة متنوعة من المجالات، مما يجعله أداة حيوية في عالمنا المعاصر، وتحولت تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى شيء لا يمكن تجاهله واقتربت منا أكثر من أي وقت مضى.
وهذه التكنولوجيا المبهرة تظهر قدرتها على تغيير وجهات نظرنا وأساليب حياتنا، فبدلاً من أن نرى الذكاء الاصطناعي كمفهوم مجرد، أصبحنا نتفاعل معه كجزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لتمتد تلك الاستخدامات إلى مختلف القطاعات، من الصحة والتعليم إلى الأعمال والتصنيع، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في تقدم المجتمعات مما يجعل حدوث تكاملًا أكبر للذكاء الاصطناعي بحياتنا اليومية وإتاحة للإمكانيات اللامحدودة بشكل قريب جدًا.
كيف يمكن للطلاب تعزز مستقبلهم الدراسي بالذكاء الاصطناعي؟
تقنيات الذكاء الاصطناعي أشرقت ببريق لا يضاهى في مجال التعليم، أذ إنها تتيح فرصًا جديدة ومبتكرة للطلاب والمعلمين على حد سواء، ويمكن للتعلم الآلي أن يكون متجاوبًا مع احتياجات كل طالب بشكل فردي، مما يعني توجيه تجربة تعليمية مخصصة، وتظهر تلك التكنولوجيا أيضًا قوتها في مساعدة المعلمين على تحسين توجيههم وتقديم مساعدة تعليمية فعالة.
وفي عصر الرقمنة، تغيرت معايير التعليم والتعلم، في الماضي، فكان الطلاب يجلسون في المكتبات للدراسة وتدوين الملاحظات وإجراء النسخ، ولكن مع التقدم التكنولوجي، طرأت ثورة في قطاع التعليم، وحققت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم تغييرًا جذريًا، مما سهل على الطلاب الوصول إلى المعرفة والتعلم بسرعة وكفاءة، واليوم يعتمد الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 15 عامًا على الهواتف الذكية والتطبيقات الأخرى للعمل على مشاريعهم التعليمية.
كيف يمكننا ضمان تطوير المهارات اللازمة بالتعليم باستخدام الذكاء الاصطناعي؟
لا شك أن مستقبل التعليم سيستمر في الترابط مع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما سيزيد من فرص الطلاب للنجاح والتفوق، وهذه الاستخدامات المتعددة للتكنولوجيا وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم تشكل نقلة هامة في تعزيز عملية التعلم، والوصول السهل إلى المصادر الرقمية والوسائل التعليمية ويمكنه تحفيز فضول الطلاب وتعزيز مهارات البحث والتحليل.
وإمكانية التواصل السهلة مع المعلمين والزملاء يمكنها تعزيز التفاعل والتعاون فيما بين الطلاب، مع استغلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم لتحسين تنظيم المشاريع الجماعية ومشاركة المعرفة بشكل أفضل.
بالإضافة إلى ذلك، فان تطبيقات الذكاء الاصطناعي تساهم في تحسين تجربة الطلاب من خلال توفير إمكانيات مثل النصوص الصوتية وأدوات المساعدة البصرية، وهذا يجعل التعليم أكثر شمولًا ويساعد الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة على الوصول إلى المواد التعليمية بكفاءة.
ما أهمية تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم؟
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم توفر تجارب تعليمية مخصصة ومعدة حسب احتياجات وقدرات الطلاب، فهي تساعد على تقديم المواد التعليمية بطريقة ملهمة وتفاعلية تجذب اهتمام الطلاب وتجعل عملية التعلم ممتعة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم مراقبة دقيقة لتقدم الطلاب وفهم مستواهم واحتياجاتهم، مما يمكن المعلمين من تقديم التوجيه والدعم الفعال لكل طالب بشكل فردي.
ما العمر المناسب لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي؟
يمكن لجميع فئات الطلاب العمرية استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتوفر أدوات لتطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، لأنه يعد ضروريًا في عصر المعرفة والتقنية.
هل يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى انقراض البشر؟
الذكاء الاصطناعي هو تقنية قوية تعد بتحسين الكفاءة وزيادة الدقة في مجموعة متنوعة من المجالات، فالذكاء الاصطناعي يعتبر مساعد شخصي للفرد وسيظل له دور نامي ومتزايد الأهمية في المستقبل.
وبفضل القدرة على تعلم الآلة، يمكن للذكاء الاصطناعي تطوير نفسه باستمرار، يمكنه أيضًا استخدام البيانات التي يجمعها لاتخاذ قرارات دقيقة وتحليل الأنماط والاتجاهات في البيانات، وهذا يفتح أبوابًا جديدة لاتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على أسس دقيقة ومعرفة موثوقة.
وعلى سبيل المثال، في مجال التسويق، يمكن استخدامه لتحليل عادات العملاء وتوجيه الحملات الإعلانية بشكل أكثر فعالية، في مجال النقل، من خلال الذكاء الاصطناعي يتم تطوير نظم القيادة الذاتية للمركبات.
كيف ننظر إلى الذكاء الاصطناعي؟
يمكننا أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي كسلاح تكنولوجي هام يمكن استخدامه في طريقة التدريس والتعلم، مما يجعل التعليم أكثر كفاءة وفعالية ويمكن الوصول إليه، وكذلك مساعدة الأطباء في تشخيص الأمراض ووضع خطط علاج أفضل، ويمكنه أيضاً تحليل البيانات الكبيرة واستخراج أنماط منها، مما يفتح أفاقاً هائلة للاستفادة من المعلومات في مجموعة متنوعة من الصناعات.
مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي لا تنحصر في الطب والعلوم الحاسوبية فقط، بل تمتد إلى مجموعة متنوعة من القطاعات مثل التصنيع والتجارة والنقل والتعليم والأمن وغيرها.
ومستقبل تطور الذكاء الاصطناعي واعدًا وكبيرًا إذا تم استغلاله بشكل جيد وأخلاقي، فإنه يمكن أن يقدم حلاً لمجموعة من التحديات التي نواجها في الوقت الحالي، وبما أنه يتطور باستمرار، فأن أهميته وتأثيره سيزيدان في المستقبل القريب.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي الاستفادة من الذكاء الاصطناعي روبوتات الروبوتات تطبيقات الذكاء الاصطناعي تاريخ الذكاء الاصطناعي للذکاء الاصطناعی مجموعة متنوعة من من البیانات العدید من من خلال فی مجال
إقرأ أيضاً:
حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.
إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.
تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».
انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.
طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».
أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!
حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».
ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».
الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.
كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.
وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.
في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.