بينما يدخل الحوار الوطني الآن طوره الأخير، وبدأت الأمانة العامة للحوار في رفع التوصيات إلى السيد رئيس الجمهورية، بل أن بعض هذه التوصيات دخلت إلى حيز التنفيذ بالفعل، فإن قضايا النقابات المهنية لازالت غائبة بالكلية عن هذا الحوار، والمحصلة لمناقشة قضاياها في جلسة أو اثنتين تمخضت عن صفر كبير للأسف.

معروف ابتداء أن النقابات المهنية هي الكيانات الأكثر تعبيرًا عن الطبقة المتوسطة في هذا الوطن، هؤلاء المهنيون هم أبناء مصر الذين آمنوا أن التعليم هو وسيلتهم للترقي اجتماعيا وأملهم من أجل وضع ومكانة ومستقبل أفضل، فكان منهم الأطباء والمهندسون والصحفيون والتجاريون، وغيرهم من النخب التي يفترض إنها تشكل عماد المجتمع وركيزته الأساسية، وإنطلاقا من هذا فإن قضايا النقابات المهنية كان يفترض أن تحظى بإهتمام أكبر في هذا الحوار الوطني، ذلك لأنها تستمد قيمتها من قيمة أعضائها ومكانتهم في المجتمع.

لا نذيع سرًا حين نقول أن مجموعة من المشاكل بالغة التعقيد تحيط بالنقابات المهنية وتعيقها عن أداء دورها ورسالتها يمكن أن نشير إليها في مجموعة من النقاط السريعة على النحو التالي:
أولًا، إن أغلب القوانين المنظمة للنقابات المهنية يعود تاريخ صدورها إلى نحو 40 عامًا مضت أو ما يزيد قليلا، تغير العالم كله وبقيت هذه القوانين كما هي ولم يدخل عليها إلا تعديلات طفيفة، لازال مثلًا قانون نقابة الصحفيين ينص على وجوب عضوية الصحفي في الاتحاد الإشتراكى حتى يصير عضوا في النقابة، بينما لم يعد الاتحاد الاشتراكي نفسه موجودا أصلًا، وقياسا على هذا باقى القوانين لباقي النقابات. 
ثانيًا، نجد عبثا أن تفرض بعض الجهات الإدارية والحكومية وصايتها على النقابات المهنية بموجب القوانين التي سبق أن أشرنا إليها، وهو أمر يفرغ العمل النقابي من معناه، حيث تشرف مثلًا وزارة الري على نقابة المهندسين، كما تشرف وزارة الصحة على نقابة الأطباء، وهذا تدخل حكومي لا معنى له، ويعد خلطا بين الأوراق، حيث إن جزءا من مهام الكيان النقابي هو التفاوض مع الحكومة لصالح الأعضاء، فكيف تتفاوض النقابة مع الجهة التي تشرف عليها؟ ذلك غير المخالفة الدستورية الجسيمة في ذلك فحظر الدستور صراحة تدخل الجهة الإدارية في عمل النقابات المهنية.

ثالثًا، تنص المادة 77 من دستور 2014 على أنه "لا يجوز فرض الحراسة" على النقابات المهنية، ورغم ذلك فإنه بعد إقرار الدستور، أصدرت محكمة الأمور المستعجلة أحكام قضائية بفرض الحراسة القضائية على نقابات الصيادلة،المهن التعليمية،التجاريين، وبعض هذه النقابات لازالت تحت الحراسة القضائية حتي الآن،  رغم أن هذا يعد مخالفة صارخة للدستور، بل أن الحراسة القضائية على النقابات المهنية كانت أحد مسببات ثورة يناير 2011!.. وليس مقبولًا أن يتم إعادة إنتاج نفس الأجواء العقيمة التي ثار الجميع لمحوها.

رابعًا، النقابات هي تجمع مهني وليس سياسي، لكن هذه المعلومة لم تقتنع بها التنظيمات السياسية المختلفة منذ السبعينات وحتى اليوم، حيث تسعى بكل جد وجهد للسيطرة على النقابات المختلفة، إلى أن وصل الأمر أن بعض الأحزاب والتيارات السياسية داخلها مسئولين عن ملفات نقابية بعينها، هذا الخلط المتعمد بين السياسة والعمل النقابي يحتاج لوقفة، حيث إنه يضر بمصالح النقابات والمهنيين ضررا بالغًا.

خامسًا، من بين عجائب العمل النقابي في مصر أن قانون نقابة العلاج الطبيعي لا يتضمن اى قواعد منظمة لإجراء العملية الانتخابية، وهذا خلل تشريعي لا يتخيل حدوثه أصلًا، وكانت انتخابات النقابة تجرى على أساس القانون 100 المنظم لعمل النقابات المهنية، فعندما حكم بعدم دستورية القانون 100، بقيت النقابة بلا انتخابات لنحو يزيد على 7 سنوات حتى الآن رغم صدور العديد من الأحكام القضائية بوجوب الدعوة لإجراء الانتخابات لفقد النقيب ومجلسه للشرعية، لكن لا حياة لمن تنادي  ولم يفكر أحد في معالجة هذا الخلل.

سادسًا، بموجب الدستور والقانون والاحكام القضائية المفترض احترامها من الجميع نجد انتهاكات غير مبررة تحت مظلة العمل النقابي.. منها مثالا وجود نقباء أعضاء بمجلس النواب أو الشيوخ،خرقا لالتزامهم الدستوري بالتفرغ لاعمال عضويتهم،ومن المفارقات الساخرة أن نقيبة التمريض مثلًا عضو معين بمجلس الشيوخ، ومن العبث القول بإنه تم تعيينها لأنها نقيبة التمريض، فهذا يعني أن قرار التعيين معيب ولا يراعي الدستور وحجية أحكام القضاء، في حين أن الاستاذ سامح عاشور عضو مجلس الشيوخ تم استبعاده من انتخابات نقابةالمحامين على مقعد النقيب احتراما للدستور، ويجلسا سويا جنبا إلى جنب في المجلس الموقر.

هذه النقاط وغيرها، كنت أنتظر أن تخضع لنقاش موضوعي في الحوار الوطني، أو أن النخب القائمين على ادارة الحوار ومنهم من ينتمي للنقابات المهنية أن ينتفضوا لمحاولة الوصول إلى حلول لإصلاح أحوال النقابات المهنية بدلا من الهروب من المشكلة، لكن للأسف لم ينتبه أحد، وضاعت الفرصة!
 

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

ماريان جرجس تكتب: الأجندة الصحية المصرية

يتابع السيد الرئيس عن كثب وباستمرار، الأوضاع في وزارة الصحة ويتابع المؤشرات التي تهدف إلي تحسين الخصائص السكانية ، وملف الزيادة السكانية والذي شهد انخفاضًا ملحوظًا مقارنة بالعام الماضي ، وذلك طبقا لرؤية الدولة لبناء الإنسان المصري وفى أخر اجتماع له مع وزير الصحة وجه بالاهتمام بالأوضاع الصحية للعاملين في المجال الصحي.


فوزارة الصحة هي وزارة تهم كل نسمة تحيا على أرض مصر ، كما أنها تتشابك مع كثير من الوزارات منها وزارة الاتصالات التي تعمل على رقمنة وميكنة كل قطاعات وزارة الصحة  كما أكد الرئيس على إدراج الذكاء الاصطناعي في المنظومة وفي المناهج الدراسية ، مع الهيئات الهندسية المنوطة بترميم وتصميم بنُى تحتية جيدة للمستشفيات القديمة وإنشاء مستشفيات جديدة ، مع وزارة التضامن الاجتماعي في كثير من برامجها ومسح العديد من الأمراض مثل التقزم والانيميا والسمنة المفرطة ،  ومن ثمّ تأتى أهمية الاهتمام بالعاملين في وزارة الصحة من أطباء وصيادلة وإداريين وتمريض.
وهنا يمكننا القول بأن الاهتمام بهؤلاء هو استثمار في صحة المواطن المصري وتغير شكل الرعاية الصحية في مصر من خلال مقدميها ، كما يمكن أن نطمح في مزيد من الصلاحيات والخدمات المقدمة لهم ، ورعايتهم من حيث المستوي الصحي والذهني والعملي وحتي القانوني.


فمن أجل أن تعمل الطواقم الطبية بكفاءة أعلى لابد من توفير لهم سبل جديدة للبحث العلمي وتسهيل الوصول إلى أي معلومة أو بحث علمي أو ورقة علمية للأطباء حيث أن معظم المواقع العلمية الغربية تتطلب اشتراك من أجل الحصول على المعلومات ؛ لذا لابد أن يتوفر في كل مستشفى اشتراكات لكل هذه المواقع في كل التخصصات من أجل النهوض بالمستوي العلمي للأطباء ، وذلك هو دور وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي بدورها مسئولة عن الميكنة وتوفير شبكة موحدة عن قواعد البيانات سواء بيانات  المرضى أو الأطباء وتوحيد الملف الطبي للمريض الواحد وسهولة الكشف عن الأماكن أو الأسرة الفارغة من أجل مرضى الرعايات وزراعة الأعضاء.

 
أمّا من الجهة القانونية وفى ظل قانون المسئولية القانونية الطبية الجديد ، فإذا كان القانون يحفظ حق الطبيب والمريض وينظم مأساة الأخطاء الطبية ويفرق بين الخطأ والإهمال الطبي الجسيم ، فيجب أن يكون هناك تأمين طبي على الأطباء ضد أخطاء المهنة والمقصود بها هي المضاعفات الوارد حدوثها وليس الأخطاء الطبية الناتجة عن أي إهمال أو جهل.
 

ويأتي في المقام الثالث ؛ الرعاية الصحية ، فلا يمكن أن نتخيل أن الطواقم الطبية التي تقدم الخدمة الطبية، أن يواجه أحدهم مشكلة في تلقى الخدمة الطبية ما إذا تعرض أحدهم للمرض أو احتاج أحد من أفراد أسرته رعاية طبية أو إجراء عملية جراحية ، لذا يجب أن يكون هناك بعض من الأماكن التي تقدم الرعاية الطبية خصيصًا للأطباء والتمريض والعاملين بمجال الصحة بشكل يليق  بهم ، فكيف لنا أن نتوقع أن يعطي الطبيب المصري أكبر جهد لديه وهو يعانى في الحصول على دواء له أو خدمة طبية لأحد أفراد أسرته ؟
فالاستثمار في صحة المصريين هو استثمار طويل الأجل للدولة المصرية ، أمّا الاستثمار في صحة الطواقم الطبية وأوضاعهم هو استثمار مركب وثمين يضمن الحفاظ على كل المكتسبات والانجازات الصحية.

طباعة شارك وزارة الصحة الزيادة السكانية المجال الصحي قانون المسئولية القانونية الطبية

مقالات مشابهة

  • أوكرانيا تسقط 73 مسيرة روسية في مناطق متفرقة بالبلاد الليلة الماضية
  • نقابة المحامين وحزب حماة الوطن يصدران بيانا مشتركا بشأن أزمة الرسوم القضائية
  • باوليني تكتب التاريخ وتتأهل إلى نهائي بطولة روما لأول مرة في مسيرتها
  • ماريان جرجس تكتب: الأجندة الصحية المصرية
  • نقيب المحامين يعقد اجتماعًا لمناقشة أزمة الرسوم القضائية ويصدر عدة قرارات هامة
  • تفاصيل اجتماع نقيب المحامين بأعضاء المجلس ونقباء الفرعيات بشأن أزمة الرسوم القضائية
  • اصابها عطل.. مسيّرة تسقط على أحد المنازل في شبعا
  • البنتاجون: دفاعات “الحوثيين” الجوية كادت ان تسقط مقاتلات اف16 واف 35
  • النائبة رحاب موسى: اقتصادية قناة السويس تمثل بيئة استثمارية واعدة
  • ورشة عمل للبرنامج الوطني لمعالجة ظاهرة التسول حول دعم التلمذة المهنية