تفكيك روسيا .. السعي وراء السراب
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
من الصعب، بل من شِبْه المستحيل هزيمة دَولة كبرى تضمُّ بَيْنَ ثناياها ترسانة نوويَّة هي الأضخم في العالَم. فروسيا في المواجهة الأوكرانيَّة، وإن بَدَت الأمور وقَدْ طالت لَنْ تُهزمَ في نهاية المطاف، والخاسر الأكبر هو أوكرانيا والشَّعب الأوكراني ومعهما حتَّى أوروبا الغربيَّة التي يُراد لها أن تكُونَ المموِّل المالي للصراع.
ومنذ الاندلاع المكشوف للصراع الروسي مع أوكرانيا عام 2014، بدأت تتضح معالم الصورة وخباياها يومًا بعد يوم. فأوكرانيا الجمهوريَّة السَّابقة ضِمْن الاتِّحاد السوفييتي، بدأت تهيء ذاتها للاصطفاف مع محور «الناتو» وصولًا لسَعْيِها نَحْوَ الانضمام لعضويَّته بعد أن اعتقَدَ ساستها وصانعو قرارها بأنَّ روسيا الاتِّحاديَّة باتت ضعيفة بعد تفكُّك الاتِّحاد السوفييتي، وأنَّ المرحلة باتت أميركيَّة في ظلِّ طغيان الحضور الأميركي في الملفات الدوليَّة، وتُشكِّل حالة أُمميَّة جديدة عنوانها «القطب الأحادي». وهنا وقع ساسة أوكرانيا بالخطأ الكبير الذي تجنَّبته باقي دوَل الاتِّحاد السوفييتي السَّابق، وخصوصًا مِنْها كازاخستان حين بذلت الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة جهودًا كبيرة لضمِّها إلى ائتلافها الدولي المساند لها، وزرع قواعد ومطارات عسكريَّة فوق أراضيها.
وفات على العديد من السَّاسة الأوروبيِّين، أنَّ روسيا ليست مِثل دوَل أوروبا الاستعماريَّة كبريطانيا وفرنسا وإسبانيا، وليس لدَيْها تاريخ استعماري بشكلٍ عامٍّ. وبالتَّالي كغيرها. وكانت روسيا ترى بداية التسعينيَّات من القرن الماضي، بأنَّ توسيع حلف «الناتو» لا يُمثِّل تهديدًا بالنسبة إليها. بل اعتقَدَت أنَّ واشنطن تسعى مع بعض الأوروبيِّين لصياغة هندسة أمنيَّة جديدة في أوروبا، وإعادة بناء الحلف على صورة منظَّمة للتعاون الأمني… وحتَّى الاقتصادي. لكنَّ الشكوك ساورتهم عِنْدما انسحب الأميركيون من عدَّة اتِّفاقات لنزع السِّلاح النووي، وباشروا نَشْر الصواريخ التي تَحمِل رؤوسًا نوويَّة في بُلدان أوروبا الشرقيَّة على تخوم جمهوريَّة روسيا الاتِّحاديَّة، وترافق الأمْرُ مع انكشاف أمْرِ وثيقةٍ معنونة بـ»تقرير وولفوفيتز».
موسكو استثمرت الواقع إيَّاه لخدمة أهداف استراتيجيَّة، في ظلِّ سَعْي الولايات المُتَّحدة لتوسيع حلف «الناتو» من بعض الدوَل والجمهوريَّات السوفييتيَّة السَّابقة ومِنْها أوكرانيا، لتطويقها وإضعاف دَوْرها الأُممي… بل وأكثر من ذلك تفكيكها كما جرى في يوغسلافيا السَّابقة التي باتت عدَّة جمهوريَّات قائمة على أساس إثني، وبعضها على أساس قومي (صربيا+ سلوفينيا+ كرواتيا+ البوسنة والهرسك+ الحجر الأسود). من هنا باتت موسكو على قناعة تامَّة بأنَّ حلف «الناتو» من وجهة نظرها يُشكِّل تهديدًا وجوديًّا لها ولوحدة الأرض الروسيَّة.
إنَّ تفكيك روسيا كما يُريد البعض من المُتضررين في العالَم من السَّعي لبناء قطبيَّة مُتعدِّدة، ليس سوى ركض وراء السراب. ليبقى الحلُّ السِّياسي هو الطريق الأمثل لإنهاء تلك المواجهة التي طالت، فروسيا ـ وكما تقول الوقائع ـ تتحمل وببساطة حرب استنزاف في مواجهة أوكرانيا، والعكس غير صحيح، وهي ليست بوارد الحسم بالقوَّة؛ لأنَّها ببساطة لا تريد ترك جرح نازف مع أوكرانيا. وتاليًا يبقى الحلُّ السِّياسي هو الطريق الذي لا بُدَّ مِنْه عَبْرَ الجلوس إلى طاولة التفاوض، وسيادة منطق التوصُّل إلى حلول مقبولة لدى الطرفَيْنِ قَدْ تكُونُ «حلول الوسط».
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
ali.badwan60@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
كرة القدم مدخلًا للدبلوماسية.. ترامب يقترح عودة روسيا للمونديال تمهيدًا للسلام في أوكرانيا
أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريح مفاجئ بشأن الحظر المفروض على مشاركة المنتخب الروسي في بطولة كأس العالم، حيث أقر بعدم معرفته بالتفاصيل المتعلقة بمنع روسيا من المشاركة في البطولات الدولية لكرة القدم، حسبما نقلت وكالة “نوفوستي” الروسية.
وفي تصريحاته، أشار ترامب إلى أن السماح لروسيا بالمشاركة في البطولة بعد انتهاء النزاع في أوكرانيا “قد يشكل حافزًا جيدًا نحو تحقيق تسوية سلمية”، ما فتح باب النقاش حول احتمالية عودة المنتخب الروسي إلى المحافل الدولية في حال تحقق تقدم سياسي.
وكان المنتخب الروسي قد تلقى في وقت سابق دعوة للمشاركة في بطولة تنظمها اتحادات دول آسيا الوسطى لكرة القدم (CAFA)، كبديل عن الغياب القسري عن البطولات الأوروبية والدولية.
من جانبه، أعرب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، جياني إنفانتينو، خلال لقائه مع ترامب، عن أمله في أن تشارك روسيا في كأس العالم 2026، موضحًا أن ذلك “سيكون ممكنًا فقط في حال تحقق السلام في أوكرانيا”.
وفي تطور موازٍ، نقلت صحيفة “إنديبندنت” أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” بدأ اتخاذ خطوات لإعادة الفرق الروسية إلى المسابقات الدولية، في ظل دعم من شخصيات بارزة في عالم كرة القدم تؤيد عودة روسيا الفورية.
يُذكر أن الأندية والمنتخبات الروسية مستبعدة من جميع البطولات الدولية منذ مارس 2022، عقب فرض عقوبات من قبل فيفا ويويفا بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ومن المقرر أن تُقام بطولة كأس العالم 2026 في الفترة ما بين 11 يونيو و19 يوليو، وستكون أول نسخة يشارك فيها 48 منتخبًا، وتُنظَّم في ثلاث دول هي الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.