بوابة الفجر:
2025-08-01@16:41:57 GMT

د. رشا سمير تكتب: محكى القلعة وصناعة الحُلم

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

كان فى زيارة لمنطقة القلعة، بصفة الفنان والإنسان وليس بصفة المسئول، وقتها حاول القائمون على المنطقة منعه من تفقد منطقة المحكى، لأنها كانت عبارة عن بقايا مستشفى إنجليزى، وكان بها عربات مكهنة وخردة فى كل مكان، فكانت أقرب إلى مقلب قمامة وليس إلى منطقة تاريخية.

لم تثنيه محاولات منعه من الدخول، بل دخل وتفقد وتمنى.

.

قال للمسؤولين عن المنطقة بالحرف الواحد: «أريد أن أقوم بعمل مهرجان موسيقى فى هذا المكان».

إعتقد الجميع أنه يهذي، لكنه وعلى الفور قام بتكليف المهندس/عادل مختار بإنشاء مسرح كبير باسم محكى القلعة، أخبره أنه يريد مسرحين فى نفس المنطقة لإقامة مهرجان موسيقى سنوى كبير هدفه إدماج كافة أطياف الشعب المصرى، الفقير مع الغنى، والمصرى مع الأجنبى، كل هذا تحت رعاية وزارة الثقافة، كان مأربه الوحيد أن تستشعر الأسر الفقيرة الموسيقى، وأن يمكنها حضور الحفلات التى تقام بألاف الجنيهات..بالفعل أقيم مهرجان محكى القلعة، الذى كان مثلما حلم وخطط له معالي وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسني، لم تنتهي علاقة الوزير بالمهرجان بمجرد بناء المسرح، بل ألهم القائمين على إقامته، وسرب إليهم الشغف والحلم فسار الجميع على نفس الدرب وأصبحت الفكرة واقع، وتحول الواقع مع الوقت إلى نجاح..

كل هذا بسبب وزير لديه روية صائبة، وشغف بالفن والثقافة..

إن التغيير يا سادة لا يأتي من رأس مسئول خامل يجلس خلف مكتبه، بل هو رؤية إنسان يمتلك قلب شغوف قادر على صناعة القرار وتحويل الواقع بأقل الإمكانيات إلى نقلة حضارية.

مما لاشك فيه أن الثقافة والفنون هما الواجهة الحضارية لأي دولة..ومما لاشك فيه أيضا أن الدول لا تتقدم إلا لو أصبحت قوتها الناعمة هي صوتها المسموع..

شكسبير هو إنجلترا..فان جوخ هو هولندا..نجيب محفوظ هو مصر..فريدا كاهلو هي المكسيك..

مصر دولة تمتلك تاريخ وحضارة لا تمتلكهما أي دولة أخرى، دولة عمر الحجر فيها يروي ألف حكاية..

تذكرة دخول المهرجان بدأت بخمس جنيهات وانتهت إلى ستين جنيها، فكانت ولازالت في متناول البسطاء وأتاحت للجميع حضور هذا المهرجان..أما القيمة الفنية فهي الإبهار الحقيقي، أسماء لامعة في سماء الفن، لا يمتلك أي شاب أو شابة في هذه المنطقة الشعبية قيمة التذكرة التي قد تمنحه مقعدا في حفلات تلك الأسماء الكبيرة، لكن هذا المهرجان أصبح صوتا وملجأ لهم..فتحت القلعة أبوابها لهذه الطبقة البسيطة التي لم يكن الفن يوما من أولوياتها لأنهم يكدحون خلف لقمة العيش، إلا أن المهرجان دفعهم للإهتمام بالقيمة..للإنصات للكلمة..للخروج من دائرة الشقاء إلى دنيا النغمات..فهكذا هي الموسيقى ترتقي بالمشاعر وتهذب السلوك، وهو ما يحتاجه أبناء المناطق الشعبية.

إستوقفني هذا العام والأعوام السابقة الأسماء التي شاركت في المهرجان..عمر خيرت، لنا شماميان، هشام خرمة، كايروكي، فريق وسط البلد، علي الحجار، غالية بن علي، نسمة عبد العزيز، الفنانة اللبنانية عبير نعمة وغيرهم..
إن هولاء الفنانين لا يقدمون أغاني مهرجانات ولا أغاني شعبية، بل هم فنانون يقدمون فن راقي وله قيمة، فن من الجميل إستيعابه وترجمت نغماته إلى سعادة ورسالة حقيقية، وتلك هي المعجزة التي حدثت في تلك المنطقة الشعبية، إقبال على المهرجان، تواجد كثيف للشباب والكبار معا، حتى الشباب المصري الذي إتهمناه طويلا بأنه لا يبحث سوى عن الإسفاف والمهرجانات والزيطة، كان حاضرا، مستمعا ومستمتعا وهو ما يؤكد النظرية التي آمنت بها طويلا وناشدت بها كثيرا..علموهم!
التعليم والثقافة..التعليم والثقافة..التعليم والثقافة..فقط!.
الفن لا يجب فقط أن يعكس وجه المجتمع القبيح، بل رسالته الأهم هو النهوض بالمجتمع، تقديم الأفضل حتى تصبح تلك الصورة هي ما يبحث عنه الشباب ولا يرضى إلا به.

صورة البلطجي واللص والفهلوي وصبي العالمة صورة موجودة ولا يمكن إنكارها ولكن صورة عازف الكمان والفنان التشكيلي والروائي والفيلسوف صور أيضا تحتاج إلى أن نرويها ونجسدها  لتتعلق بالأذهان..

إذا قدمنا للشباب صورة البلطجي لأصبح وقوفهم أمام دور العرض في العيد للتحرش بالفتيات مظهر لا يجوز الإعتراض عليه..وإذا قدمنا لهم قصة حياة مجدي يعقوب ومحمد عبد الوهاب لأصبحت مصر رحم يلد ألف فنان وألف طبيب.

أخيرا أتوجه بالشكر إلى دار الأوبرا المصرية على رعايتها لهذا المهرجان الفني القيم، وكذلك الشكر لوزارة الثقافة على كونها واجهة لهذا المهرجان..وكم أتمنى ألا تكتفي وزيرة الثقافة بأن تقف على مسرح القلعة لإفتتاح المهرجان، بل أدعوها لكي تفكر وتحلم وتخلق من كل الأماكن التي تزخر بها مصر ألف محكى آخر أسوة بالوزير الفنان فاروق حسني..فالحلم لا يجب أن يتوقف عند إنسان بل يجب أن يصبح عدوى تنتشر لتفتح كل الأبواب.
وشكرا من القلب لكل صُناع الحلم.
                                        [email protected]

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: هذا المهرجان

إقرأ أيضاً:

نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة

في زمنٍ أصبحت فيه الشهرة تُقاس بعدد المشاهدات، وتصنعها الخوارزميات لا الجدارة، لم يعد مستغربًا أن نرى بثًا مباشرًا يتجاوز دخله مئات الآلاف من الجنيهات خلال دقائق، دون أن يحمل أي مضمون حقيقي أو قيمة معرفية.

تنتشر مشاهد لفتيات وشباب يحتفلون بما يُسمى "النجاح الرقمي"، وهم يتلقون سيلًا من الهدايا الافتراضية: ورود، نجمات، وأيقونات رقمية تبلغ قيمة بعضها عشرات الآلاف من العملات داخل التطبيق. عند هذا الحد، تبدأ الأسئلة:
من أين تأتي هذه الأموال؟ ولماذا تُمنح بهذا السخاء لمحتوى سطحي؟

خلف الستار: صناعة الترند

ما يبدو للمتابعين كنجاح عفوي، تقف خلفه منظومة منظمة تديرها ما يُعرف بـ"الوكالات الرقمية"، وهي جهات تمثل بعض صانعي المحتوى وتتحكم في ظهورهم، ومسارهم، وحجم أرباحهم.

تقوم هذه الوكالات باختيار أشخاص بعينهم ممن يمكن دفعهم إلى مقدمة المشهد، بغض النظر عن نوعية المحتوى الذي يقدمونه، وتعقد معهم اتفاقات يُقتطَع بموجبها جزء كبير من العوائد، مقابل الترويج والدعم المستمر.

غير أن الخطر الحقيقي لا يكمُن فقط في الترويج للسطحية، بل في توظيف هذه المنصات كوسيلة حديثة لعمليات غسيل الأموال، وهي ظاهرة باتت تثير قلق المهتمين بالشأن الاقتصادي والأمني.

كيف تتم العملية؟

يبدأ السيناريو من طرفٍ يمتلك أموالًا نقدية يصعب إدخالها إلى النظام المصرفي نتيجة غياب مصدر قانوني واضح. يبحث هذا الطرف عن قناة تُخرج أمواله في صورة شرعية، فيلجأ إلى بعض الوكالات الرقمية التي تتولى تحويل هذه المبالغ إلى "دعم" ظاهر على المنصة.

يُقدَّم الدعم لصناع محتوى مختارين مسبقًا على هيئة هدايا رقمية، تُحتسب كأرباح رسمية تصل إلى حساباتهم المصرفية. ثم تُعاد غالبية هذه الأموال إلى المصدر الأصلي، بعد اقتطاع نسبة بسيطة منها كأرباح شكلية لصانع المحتوى، بينما تدخل الأموال إلى النظام المالي وقد تم "غسلها" رقميًا.

الخوارزميات وتفكيك الوعي الجمعي

لا يمكن فصل ما يحدث على منصات التواصل عن السياق الأوسع الذي يُعيد تشكيل وعي الشعوب وفق مخططات دقيقة وممنهجة. فالخوارزميات التي ترفع بعض الشخصيات السطحية إلى صدارة المشهد، لا تفعل ذلك اعتباطًا، بل تعمل وفق معايير تستهدف إعادة توجيه الذوق العام، وتشويه منظومة القيم، وإضعاف البناء الثقافي للأمة.

هذه الاستراتيجية تتقاطع — بشكل أو بآخر — مع ما ورد في ما يُعرف بـ"بروتوكولات حكماء صهيون"، تلك الوثائق المثيرة للجدل التي، وإن اختلف البعض حول مصدرها، فإنها تُظهر بوضوح نوايا استهداف الشعوب من خلال إغراقها في اللهو، وتشتيت وعيها، وتفريغ مفاهيم القدوة والمعرفة والعمل من معناها الحقيقي.

إن صناعة نجوم من فراغ، والترويج لمحتوى فارغ من المعنى، وتمرير الأموال عبر قنوات تبدو ترفيهية، ليست مجرد عوارض رقمية، بل جزء من منظومة أوسع تسعى — ربما بوعي أو دون وعي — إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ثقافيًا واجتماعيًا، بما يخدم مصالح القوى التي ترى في وعي الشعوب خطرًا على مشاريعها التوسعية.

أثر اجتماعي مدمِّر

تكمن الخطورة في الأثر الاجتماعي والنفسي الذي تخلّفه هذه المشاهد.
فالشباب الذين يجتهدون في دراستهم أو يعملون بكدّ لا يمكنهم إلا أن يشعروا بالخذلان حين يرون من يُحَقق مكاسب طائلة دون جهد معرفي أو إبداع حقيقي.
ويُعاد تشكيل الوعي العام ليُصدِّق أن "الظهور السهل" طريق للنجاح، وأن الجهد لم يعد شرطًا لنيل التقدير.

الثمن الحقيقي

المال الذي يُكتسب عبر طرق غير مشروعة، ولو بدا لامعًا في ظاهره، فإنه يحمل في طياته ثمنًا باهظًا:
ثمنًا أخلاقيًا، وربما قانونيًا، ناهيك عن التآكل الداخلي الذي يصيب صاحبه.
فمن يُستخدم أداةً في منظومة كهذه سرعان ما يُستغنى عنه، وقد يدفع وحده ثمن التورط.

بوصلة الوعي
في عالم يزداد ضجيجه يوماً بعد يوم، ينبغي علينا أن نُعيد الاعتبار للمعنى، لا للرقم.
أن نُعلّم أبناءنا أن الرزق لا يُقاس بالسرعة، بل بالنزاهة،
وأن المال حين يُكتسب من باطل، فلا بركة فيه ولا استقرار.

الطريقان لا ثالث لهما:
طريق الحلال، وإن طال، يمنح صاحبه الطمأنينة وكرامة النفس.
وطريق الحرام، وإن سهل، يُفضي إلى التيه والندم.

فلنختر الطريق الذي يُشبهنا، لا ذاك الذي يُغري بريقه ويُخفي خيبته.

طباعة شارك النجاح الرقمي صناعة الترند الوكالات الرقمية الوعي الجمعي

مقالات مشابهة

  • غليون لـعربي21: أوروبا تعترف بفلسطين خوفاً من وصمة الإبادة التي شاركت فيها
  • من المسرح إلى الحكي الشعبي.. مهرجان صيف بلدنا يعيد إحياء التراث
  • وهم النداء
  • غدا.. قصور الثقافة تطلق الموسم الخامس من مهرجان صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة
  • اختتام دورتين في مجال إعداد المدربين وصناعة المنتجات القطنية
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة
  • د. منال إمام تكتب: الدبلوماسية الثقافية.. أداة إستراتيجية لحماية الأمن القومي المصري
  • هند عصام تكتب.. الملك أمنمحات الثالث
  • مشروع الانبعاث الحضاري وصناعة الوعي.. مشاتل التغيير (29)
  • محمد بن زايد يبحث مع ستارمر التطورات الإقليمية بالمنطقة