الانسداد السياسي والإصلاح
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
الانسداد السياسي والإصلاح
حين تتكالب على السلطة أحوال التّأزّم السياسي تودي بها إلى حالٍ من الانسداد السّياسي المُؤْذِن بالزوال.
الخروج من الانسداد السياسي ممكنٌ وعسيرٌ معًا؛ فأمّا أنه ممكن فهو كذلك من الجهتين: السّلطة وقواها؛ والأطراف الاجتماعيّة والسّياسيّة المعارِضة لها.
يتولّد الانسداد من جملة عوامل ويتّخذ صوراً مختلفة، لكنّ الغالب عليه أن يأتيَ ثمْرةَ ضِيقٍ حادّ في قاعدة السلطة؛ في مكوّناتها وفي جمهورها الاجتماعي.
على كل سلطة تنظيف داخلَها من مراكز مقاومة الإصلاح ومن خطابهم الذي لا يقترح سوى الذّهاب إلى حتفها! فقد يكون هؤلاء أشدّ خطراً عليها من معارضيها.
الأسوأ ما يتولَّد من فاجع النّتائج من قرقعة السّلاح: من قتْلٍ ودمارٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ وتمزيقٍ لأواصر البلد الواحد والشّعب الواحد، والتي قد تستمرّ آثارها لعقود!
شهدنا انتقالة دراماتيكية من المطَالَبات السّياسيّة بإصلاحات أوضاع السّلطة إلى ركوب صهوة العنف والسّلاح ببعض البلاد العربيّة، منذ مطلع العقد الثّاني من هذا القرن.
من مصلحة أيِّ سلطةٍ أن تعالج أسباب الانسداد السياسي وتأزّم أحوالها بالمزيد من رياضة نفسها على نهج الإصلاح والتّقويم فذلك أَضْمنُ لبقائها وحيازة المقبوليّة الشّعبيّة.
* * *
كلّ سلطةٍ تحرص على استقرار أحوالها واستقرار أحوال المجتمع الذي تقوم فيه؛ وهي في سبيل ديمومة استقرارها مستعدّة لتقديم أيّ ثمن سياسي يتناسب وذلك الهدف العزيز على كلّ نخبة سياسيّة، فكيف إذا كان هذا الهدف أقلَّ كلفة عليها.
وأكثر ما يعرِّض سلطة ما إلى زعزعة استقرارها هو تنامي الاعتراض عليها في الاجتماع الوطنيّ إلى الحدّ الذي يَشْرَع فيه التّعبير عن ذلك الاعتراض في الانتقال من الضّغط المعنويّ الهادئ إلى الضّغط الماديّ العنيف ملقياً بنتائجه على تماسُك قواها وأوضاعها.
يقع ذلك، في الغالب، حين تتكالب عليها أحوال التّأزّم السياسي فتؤدّيها إلى حالٍ من الانسداد السّياسي المُؤْذِن بالزوال. يتولّد الانسداد من جملةٍ من العوامل ويتّخذ لنفسه صوراً مختلفة، ولكنّ الغالب عليه أن يأتيَ ثمْرةَ ضِيقٍ حادّ في قاعدة السلطة؛ في مكوّناتها وفي جمهورها الاجتماعي.
فلقد يتمظهر ضِيق نطاقِ السّلطة في شكل نظامٍ سياسي يحكمه حزب واحد؛ وقد يتمظهر في صورة سلطة تستند إلى عصبيّة بعينها أو إلى منطقة من دون سواها؛ وقد يأخذ شكلَ نظام تحكمه نخبة عسكريّة... إلى غير هذه من الأشكال.
وفي كلّ واحدٍ منها يتكرّر الثّابت عينه - الذي هو من تبعاتِ ضيق نطاقِ مكوّنات السّلطة ؛ أعني: ضِيق القاعدة الاجتماعية التي تستند إليها تلك السّلطة فتمثّل لديها حاملَها الاجتماعيّ وحاضنتَها ومرجعَها اللّذيْن إليهما تؤول.
وما أغنانا عن بيان مَواطن الخطر في صيرورة السلطة إلى هذه الحال من الانسداد السّياسي ومن ضِيقِ نطاق قُواها ومكوّناتها وضمور جمهورها الاجتماعيّ.
من النّافل القول إنّ الخروج من هذا الانسداد ممكنٌ وعسيرٌ في الآن عينه؛ فأمّا أنه ممكن فهو كذلك - أي ممكن - من الجهتين: من جهة السّلطة وقواها، ومن جهة الأطراف الاجتماعيّة والسّياسيّة المعارِضة لها. تستطيع السّلطة أن تتدارك حالة الانسداد فيها بإصلاحات سياسيّة تقود إلى توسعة نطاق مكوناته.
وليس غير هذا الخيار متاحٌ لها، لأنّ احتمالات نجاحها في فرض إرادتها على معارضيها من غير تقديم تنازلات - أي البقاء على ما هي عليه - احتمالات ضئيلة جدّاً، وهي إذا ما نجحت في ذلك مرّة ستفشل مرّات عدّة وتكون النّتيجة أن تفتح عليها موجاتٍ متعاقبةً من العنف.
ويستطيع معارضوها، من جهتهم، أن يتخطّوا حال الانسداد إما بتغيير النّظام السّياسي، أو بفرض تنازلات على النّخبة الحاكمة والوصول إلى تفاهُمات سياسيّة على شروط تجاوُز حال الانسداد تلك.
وأمّا أنّه عسير، فلأنّ قوى عديدة من داخل السّلطة ومن داخل القوى المعارِضة قد تُفْشِل كلّ مسعًى إلى حلٍّ وسَطٍ متوافَق عليه لإنهاء التّأزّم والانسداد وفتح شرايين السّلطة لتدفُّق دماءٍ جديدة؛ إذ أنّ لمقاومة الإصلاح من طرف هذه القوى دلالة لا يُخطئها حُسن التّقدير، هي أنّها قوًى طفيليّة تتضرّر مصالحها من أيّ إصلاحٍ يضع عليها الاحتساب القانونيّ.
إنّ أيّ سلطة، بهذا المعنى، تحتفظ لنفسها بخيار حلّ أزمة الانسداد السّياسيّ بوصفه خياراً متاحاً رهْن يديْها إن هي شاءت، أي إنْ نضجت لديها إرادةُ التّصحيح والإصلاح وأفصحتْ عن نفسها لديها بشكلٍ صادق لا امتراء فيه.
لكنّها قد تفقد هذا الخيار، ومعه المبادرة، إنْ هي تلكّأت طويلاً وتردّدت في الإقدام عليه أملاً في نشوء شروطٍ جديدة ترفع عنها عبء الحاجة إلى الإصلاح أو تُسوِّغ لها سلوكَ سبيل التّملّص.
في مثل هذه الأوضاع، قد تنتقل المبادرة إلى معارضيها. ولعلّهم يعثرون في تملُّص النّخبة الحاكمة عن إجراء الإصلاحات المرجوّة على ذريعةٍ للرّجوع عن سُبُل الضّغط الاجتماعيّ والسّياسيّ السّلميّ لركوب خياراتٍ أخرى أشدّ قسوة مثل العنف الاجتماعيّ- السّياسيّ أو العنف المسلّح.
ولقد شهدنا على مثالاتٍ لهذه الانتقالة الدراماتيكيّة من المطَالَبات السّياسيّة بإصلاحات أوضاع السّلطة إلى ركوب صهوة العنف وتوسُّل السّلاح في قسمٍ من البلاد العربيّة، بدءاً من مطلع العقد الثّاني من هذا القرن.
لكنّا شهِدنا على الأسوأ من هذا بكثير: ما تولَّد من فاجع النّتائج من قرقعة السّلاح: من قتْلٍ ودمارٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ وتمزيقٍ لأواصر البلد الواحد والشّعب الواحد، والتي قد تستمرّ آثارها لعقود!
والحقُّ أنّه من مصلحة أيِّ سلطةٍ أن تعالج أسباب الانسداد السياسي وتأزّم أحوالها بالمزيد من رياضة نفسها على نهج سياسة الإصلاح والتّقويم. ذلك أَضْمنُ لها للبقاء وحيازة المقبوليّة الشّعبيّة. وعليها أن تنظّف داخلَها من مراكز مقاومة الإصلاح ومن خطابهم الذي لا يقترح عليها سوى الذّهاب إلى حتفها! فقد يكون هؤلاء أشدّ خطراً عليها من معارضيها.
*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سلطة الإصلاح التقويم الاعتراض الاجتماع الوطني الانسداد السياسي الانسداد السیاسی الس یاسی ة الس لطة من هذا
إقرأ أيضاً:
الاستثمار: فرض الرسوم على واردات "البيليت" يهدف لحماية الصناعة المحلية والمستهلك معًا
عقد قطاع المعالجات التجارية بوزارة الاستثمار والتجارة الخارجية – سلطة التحقيق المصرية – بتاريخ 9 ديسمبر 2025 جلسة استماع علنية بمشاركة كافة الأطراف المعنية، وذلك في إطار تحقيق التدابير الوقائية على واردات المنتجات نصف الجاهزة من حديد أو صلب من غير الخلائط (البيليت).
وتم فرض رسوم وقائية مؤقتة على هذه الواردات من جميع دول العالم بنسبة 16.2% لمدة 200 يوم، وبدأ سريان تطبيق فرض هذه الرسوم من تاريخ ١٤ سبتمبر ٢٠٢٥.
ويأتي هذا القرار في إطار حرص الحكومة المصرية على تحسين وحماية مناخ الاستثمار وتهيئة كافة السبل لضمان المنافسة العادلة في الأسواق المحلية شأنها شأن كافة الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، في ظل الالتزام بقواعد وأحكام الاتفاقات الدولية المتعلقة بالمعالجات التجارية تحت مظلة المنظمة واتساقا مع القانون المصري رقم 161 لسنة 1998 ولائحته التنفيذية وتعديلاتها في هذا الشأن.
كما جاء هذا القرار على خلفية الزيادة الكبيرة وغير المتوقعة في حجم الواردات وانعكاس آثارها السلبية على أداء الصناعة المحلية، في ظل ما تفرضه الاحداث العالمية والتطورات غير المتوقعة.
وتُجرى إجراءات التحقيق وفقًا للاتفاقيات الدولية لمنظمة التجارة العالمية، والقانون المصري رقم 161 لسنة 1998 ولائحته التنفيذية وتعديلاتها، بما يضمن الالتزام الكامل بقواعد التجارة الدولية وتحقيق المنافسة العادلة وحماية الصناعة المحلية، مع مراعاة المصلحة العامة للدولة المصرية واحتياجات باقي القطاعات الصناعية.
و يتم تحصيل الرسوم الوقائية المؤقتة عبر خطابات ضمان يقدم من المستوردين، على أن تُرد في حال انتهى التحقيق دون توافر شروط فرض التدابير النهائية في هذا الشأن. كما يتم رد الرسوم على الخامات المستخدمة في المنتجات المصدّرة للخارج وفقاً لنُظم السماح المؤقت والدروباك المعمول بها.
وتؤكد سلطة التحقيق أن بدء إجراءات تحقيق وقائي وفرض رسوم وقائية مؤقتة لا يعني بالضرورة انتهاء التحقيق بفرض رسوم نهائية، حيث تستغرق إجراءات التحقيق 6 اشهر من تاريخ بدئه تُتخذ خلالها جميع الإجراءات التي تكفل إتاحة الفرصة الكاملة لكافة الأطراف المعنية للدفاع عن مصالحها، من خلال الرد على قوائم الأسئلة وتحليل تلك الردود والتعليقات المقدَّمة، وإجراء زيارات تحقق ميدانية للصناعة المحلية والمستخدمين والمستوردين، وعقد جلسات استماع علنية لعرض الآراء وتقديم الدفوع حول مدى توافق تطبيق التدبير الوقائي مع المصلحة العامة، وذلك قبل اتخاذ القرار النهائي.
كما تؤكد سلطة التحقيق أن فرض الرسوم لا يهدف إلى غلق السوق أمام الواردات، وإنما لضمان دخولها بشكل عادل يحمي الصناعة المحلية والمستهلك معًا. حيث يتم استثناء الأصناف غير المنتجة محليًا والتي ترد على نفس البنود الجمركية للمنتج المحلى والضرورية لصناعات أخرى من نطاق التحقيق والرسوم المطبقة، حرصًا على عدم الإضرار بسلاسل الإنتاج الوطنية. كما أن استيراد بعض مستلزمات الإنتاج من الدول محل التحقيق لا يسقط حق الصناعة المحلية في طلب الحماية على المنتجات النهائية التي تقوم بتصنيعها.
كما تؤكد سلطة التحقيق التزامها بالحياد والموضوعية والشفافية في دراسة جميع التعليقات الواردة من الأطراف المعنية،
وقد شارك في جلسة الاستماع العلنية ممثلو حكومات كلٍّ من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ، سلطنة عمان، وأوكرانيا، والهند، وروسيا، وإندونيسيا، بالإضافة الى مكتب الأمانة الفنية لدول مجلس التعاون فضلًا عن ممثلي المصدِّرين من تلك الدول.
كما شارك اتحاد الغرف التجارية وممثلو شركات درفلة البيليت لإنتاج حديد التسليح، ومن بينها شركة العشري للصلب، وشركة المدينة المنورة للصلب، ومجموعة شركات الجارحي للصلب، وحديد عياد، وذلك بحضور الصناعة مقدمة الشكوى ممثلةً في شركة السويس للصلب، ومجموعة حديد المصريين، ومجموعة حديد عز، إلى جانب المنتجين الآخرين ومنهم المراكبي للصلب.