«روح المحارب» (1).. كتاب جديد من تأليف جان برنارد بيناتيل
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
«روح المحارب» كتاب جديد للقائد العسكرى الفرنسى السابق جان برنارد بيناتيل، ويتضمن أساسًا مذكراته عبر رحلة طويلة من العمل العسكرى.. ينشر موقع «لو ديالوج» مقتطفات مهمة من الكتاب، اختارها ويقدمها رئيس التحرير رولان لومباردى.
كان ضابط المظليين جان برنارد بيناتيل مدرب الكوماندوز وأصيب أثناء العمليات كما يعتبر أحد مؤسسى المجموعة الدائمة لتقييم الوضع (GPES) تلك المجموعة التى تم إنشاؤها فى SGDN بناءً على طلب من الرئيس جيسكار ديستان المسئول عن تقييم الاستخبارات وعن اقتراح الخيارات الاستراتيجية وتولى رئاسة SIRPA لمدة خمس سنوات (١٩٨٥-١٩٨٩) ثم ترك الجيش برتبة عميد عن عمر يناهز ٤٩ عامًا بعد وفاة زوجته.
سباق التسلح والتحدى البيئى
لا شك أن السنوات الخمسين المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لكوكب الأرض من الناحية البيئية والجيوسياسية والحضارية. وهذه التحديات مترابطة. ولسوء الحظ لن نكون قادرين على مواجهة التحدى البيئى إذا أنفق العالم موارد هائلة على سباق التسلح وتراجع إلى المواجهة العسكرية بين قوى القرن العشرين والتى أسفرت عن مقتل ٧٠ مليون شخص فى قارتنا. ومن ناحية أخرى، فإن هذا العالم يعمل وفقًا للقوانين والممارسات الاجتماعية التى كانت سائدة فى عام ١٠٠٠.
وبالفعل الأمر متروك لأوروبا فهى القارة الاكثر وعيا بالبيئة وحيث اندلعت حربان ضروستان فى القرن الماضى فالأمر لها لكى تصبح منارة العالم فى هذا المجال.
ولذلك لا يمكن للإنسانية أن تسمح باندلاع حرب أهلية هناك لأننا لن نكون قادرين على التعامل حينها مع التحدى الحضارى الذى يفرضه علينا الإسلام الراديكالى فى وقت يفرض علينا اتخاذ العديد من القرارات لتأمين مستقبل الإنسانية.
ولا يمكن للأوروبيين أن يقفوا مكتوفى الأيدى امام سباق التسلح الحالى ما بين الولايات المتحدة والصين فى سعيهما إلى التفوق القاتل دون اتخاذ أى إجراء. ومهما كان علينا أن نتجنب أن يتحول المحيط الهادى جبهة للصراع بين أمريكا والصين والولايات المتحدة وهى ساحة المعركة المحددة للمواجهة الصينية الأمريكية. وهذا هو الخطر غير المقبول الذى نشأ من الوقوف إلى جانب الاستفزازات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسى ضد روسيا. إنهم يجبرون هذا البلد العظيم على ألا يكون لديه خيار استراتيجى آخر سوى الانضمام إلى المعسكر الصينى. وعلى هذا فإننا نخسر استقلالنا الاستراتيجى ونضع أنفسنا بحكم الأمر الواقع فى المعسكر الأنجلوسكسونى مع خطر الانجراف ضد إرادتنا إلى حرب عالمية ثالثة.
يعمل كثير من العلماء على تنبيهنا إلى المخاطر البيئية وإظهار الطرق التى يجب اتباعها للسيطرة عليها. أنا أثق بهم وأحاول أن أكون مثاليا فى إطار أسرتى فنحن نقتصر على تناول اللحوم ونقوم بزراعة حديقة خضروات عضوية تغطى جميع احتياجاتنا من الخضار والفواكه خلال فصلى الصيف والخريف. فى الشتاء والربيع نأكل البطاطس التى يتم حصادها فى شهر يونيو والكراث الشتوى والسلطات. لقد جهزنا سقف منزلنا بألواح شمسية ونقوم بإعادة شحن سيارتنا الكهربائية الصغيرة ونهتم بالمياه ونعالج نفاياتنا.
إن جائحة كورونا تؤكد هذا الحدس الذى أصبح يقينا: العلم والتكنولوجيا هما الشرطان الضروريان للتغلب على التهديد المعدي؛ ومع ذلك، فإن القرارات السياسية يجب ان تضع فى اعتبارها عوامل أخرى. إن الفيصل هنا يكمن فى الطريقة التى ستتعامل بها السلطة السياسية مع هذه القضايا وتنجح أولا فى التوفيق بينها.
تجربة ثرية
«أعلم جيدا أننى فى السنوات العشر الأخيرة من حياتى إذ لا يزال بإمكانى خدمة فرنسا والفرنسيين. إن الحجر الصغير الذى أرغب أن أضعه لبناء عالم أكثر أمانا وأكثر تنوعا يتعلق فى الأساس بالتحديات الجيوسياسية والحضارية التى تنتظرنا. أود أن أنقل إلى أطفالى وأصدقائى ما تعلمته خلال ستين عامًا من الحياة المهنية وكذلك الدراسات حول خمس قارات وحول البشر الذين يعيشون عليها.»
«عشت شبابى فى ظروف معيشية من القرن التاسع عشر. وقد عايشت حربا تفجرت بأسلحة ومعدات الحرب العالمية الثانية. خلال حياتى العسكرية التقيت بقادة رائعين ساهموا فى بناء شخصيتى. لقد عايشت وأحببت تسارع التطور العلمى والتكنولوجى والإمكانيات الهائلة التى قدمها لنا من حيث المعرفة والتنبؤ. وقد أدركت أننا أصبحنا الآن مواطنين فى عالم ينبغى أن تنتهى فيه الحرب المتصاعدة إلى أقصى الحدود. لقد أدركت أن هذا التسارع فى التغيير فى أنماط حياتنا كان سببا لزعزعة استقرار الغالبية العظمى من سكان الكوكب، وأن جزءًا كبيرًا منهم رفض أو كان غير قادر أولا يملك الوسائل اللازمة للتكيف مع هذا العالم المتغير باستمرار».
» وفى الحقيقة، قناعتى العميقة هى قبل كل شيء أنه لا توجد حضارة متفوقة، ولا يوجد نظام سياسى قادر على فرض نفسه على الآخرين. عندما نكون فى اليابان أو الصين أو روسيا أو إيران أو ساحل العاج أو بولينيزيا، ليس لون بشرتنا أو لغتنا أو ديننا هو مايميزنا، ولكنه ذلك الشيء الذى يعتقده سكان هذه المناطق من العالم فى أعماقهم أنه ضرورى وأنهم مستعدون للمخاطرة بحياتهم».
«أنا أومن بفرنسا وبالأمة الفرنسية التى تشكلت على مدى قرون والتى شكلتها تلك القطعة من الأرض الواقعة فى أقصى نهاية أوروبا فى الجزء الغربى من أوراسيا التى تعتبر واحدة من القارات الست أو السبع. إن الشعوب التى وصلت إلى حاجز المحيط الأطلسى ذلك المسطح المائى الذى ظل صعب العبور لفترة طويلة اختلطت سلميًا أحيانًا ولكن فى أغلب الأحيان عن طريق شن الحرب. فى فرنسا هذه، حيث يريد البعض إعادة كتابة التاريخ، هناك شعوب احتفظت بجزء من حمضها النووى الأصلى، بما فى ذلك الباسك والبريتونيون والكتالونيون والكورسيكان. إن التوجه الجديد يسعى إنكار ومحو هذا التنوع، وهذه الثروة من أجل تحويل النساء والرجال الذين يسكنون هذه القطعة من الأرض (الجزء ٢٧٠ من سطح الأرض) إلى مستهلكين لعالم أحادى البعد «.
» هنا.. يمكن العثور على هذا التنوع بين النساء والرجال الذين التقيت بهم على مدى أكثر من ٦٠ عاما يمكن العثور عليه فى الحضارات التى جاءت من أعماق الزمن. لقد منحت هذه الحضارات لنفسها مؤسسات تتوافق مع معتقداتها الروحية وتشكلت من خلال تجربتها الجماعية. إن الرغبة فى فرض مفهومنا للديمقراطية على العالم أجمع ليست مجرد كفكرة المدينة الفاضلة، بل هى أيضا سببا للحرب، سواء كانت مدنية أو خارجية.»
» فى الحقيقة، أنا رجل عملى أفكر ولست مثقفا يبنى معتقداته على دراسة الفلاسفة أو المنظرين السياسيين. لم أدعى أبدا أننى أملك الحقيقة. أعرّف نفسى كعالم فيزياء جيوسياسية ومجتمعية وذلك من خلال تحليل الحقائق التى تم جمعها فى الميدان وتسليط الضوء على الاتجاهات الرئيسية وممرات اليقين وتحديد الحقائق التى تسمح لى بإلقاء الضوء على المستقبل. فى كل مرحلة من مراحل حياتى كنت أرغب دائمًا فى تجسيد تفكيرى الجيوسياسى فى كتاب عندما شعرت بأننى لا أواكب التفكير السائد. هكذا كتبت خمسة كتب، أول كتابين منها كانا بالمشاركة مع الأصدقاء».
رؤية خاصة «أفعل ذلك لنفسى أولًا لأن الشروع فى العمل هونظام صارم يتطلب منك قراءة ما تم نشره بالفعل حول الموضوع الذى تريد التعامل معه وجمع الحقائق والحجج وحتى المعلومات المضللة التى يقدمها الآخرون وتسليط الضوء على المؤلفين. أفعل ذلك أيضًا من أجل أصدقائى ومن يشرفوننى بمتابعتى لأنه يسمح لى بالحفاظ على ثقتى وفتح أبواب جديدة لى والالتقاء بنساء ورجال آخرين مثلي».
«لا تهدف هذه المذكرات إلى تطوير نظرية فلسفية أو مجتمعية. أردت استخدام القصص القصيرة لإظهار رؤيتى للعالم: لقد تم صياغتها خلال ستين عامًا من حياتى المهنية. وفى الجزء الأخير أركز على التحديات التى يتعين على فرنسا وأوروبا مواجهتها. أن هذه الذكريات ما هى إلا خليط من اللقاءات والأفعال خليط من الألم والفرح من العمل المكثف ومن الترفيه ذلك الخليط الذى شكلنى وبنى ما أنا عليه: «رجل مُثُل بلا أوهام».
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
تحرير الخرطوم
هذا حدث مهم ، ذلك الفضل من الله ، وقيمة عسكرية وسياسية كبيرة وذات دلالات مهمة ، وهو أمر لابد من الوقوف أمامه طويلاً ، ونستعرض بسرعة بعض جوانبه:
– لقد احكمت مليشيا الدعم السريع من ضمن خطط تآمرها السيطرة على تمركزات مهمة وقطعت اوصال العاصمة كلياً ، كل مداخلها فى سوبا أو جبل اولياء أو العيلفون أو الجيلي وكل جسورها ما عدا الحلفايا وغالب مؤسساتها السيادية والتنفيذية (القصر الجمهوري والوزارات والمطار والاذاعة) ، مع 100 الف مجند و10 ألف عربة قتالية ومصفحات وتقنيات اخرى..
– منابر ومنصات اعلامية كثيرة في خدمة المليشيا المتمردة وتحالفات سياسية ونشطاء واجندة خبيثة كانت تقف وراءهم ، وتوظيف بعض مؤسسات المجتمع الدولى والمنابر الاقليمية لخدمة مشروع المليشيا المجرمة..
– كشف تحرير الخرطوم عن حجم تسليح المليشيا وحتى آخر لحظات خروجها من الخرطوم وعن الغيبوبة التى تعيش فيها ، دون تقدير لمجريات الأحداث الميدانية والمحاور القتالية الفاعلة حول آخر ارتكازاتها ، لدرجة أن كل تراجعاتها وهزائمها كانت كارثية ، المئات فى الإذاعة السودانية ، والآلاف فى حصار مدنى وولاية الجزيرة عموماً والمئات من النخبة فى مصفاة الجيلى وقبل ذلك الكدرو ، والآلاف فى شرق النيل حين انسحبت القيادات المليشية وتركت عناصرها دون سلاح أو تغطية أو خطة انسحاب ، وفى القصر الجمهوري ، وفى الخرطوم جنوب ، وآخر نكساتهم فى صالحة ، حيث تنهار القيادة المليشية وتترك عتادها وجنودها يصارعون مصيرهم المحتوم ، وهذا كله إشارة لغياب الحنكة العسكرية ولكون المليشيا تحولت إلى جماعات تفتقر للترابط والتسلسل القيادى..
– الأجهزة التقنية المتطورة من اجهزة التشويش المتقدمة والمسيرات وغرف التحكم الإلكتروني وشبكات الاتصال والمراقبة تؤكد حجم الدعم الذى تتلقاه هذه العصابة الارهابية ، والمكر الذى خططوا به لتدمير هذا البلد..
– المدافع والراجمات التى تم ضبطها ، والتى كانت تستهدف المواطنين فى اسواقهم ، والمرتزقة الذين شاركوا فى استخدامها ، كلها تشير إلى الحقد الأعمى الذى يقود هذه المليشيا ومن وراءها..
– هزيمة كل هذه المخططات والتآمر خلال سلسلة خطط عسكرية ، وتطوير للمهارات والاحترافية ، وحشد للطاقات الوطنية والشعبية والصبر والثبات على المواقف وفى أصعب اللحظات يكشف عن (قوة الجيش السوداني) وعن (وعى المواطن السوداني) الذى كان جزءا من المعركة بنفسه وبماله وبصبره على مكاره الحرب وتأثيراتها..
– كل قيادات المليشيا فى مسرح العمليات الآن ، هاربة من معارك الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض ، ومذعورة مما لاقت ، لن تجرؤ على العودة ومن المتعذر تحقيق ذات شروط تمكنها السابق ، ولذلك ستكون خياراتهم الهروب ، كلما اقترب الجيش السوداني منهم..
– ما زال شوط التآمر مستمراً ، وعلينا الاستمرار على ذات التماسك والارادة الوطنية ، وتفويت محاولات الشقاق والتشكيك بين مكونات معركة الكرامة..
– سيكون التحدى الأكبر الآن ، إعادة المرافق الكبرى (مؤسسات الدولة) والخدمات الأساسية وتوفير الغطاء الآمن.. وعودة الحياة..
– المواطن الآن أكثر وعياً ومعرفة..
– حفظ الله البلاد والعباد..
ابراهيم الصديق على
21 مايو 2025م..