السودان يحتاج إلى عاصمة جديدة بمواصفات عصرية
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
●إن نشأة الدولة السودانية قد لازمها الكثير من الخطل الذي كان بالإمكان تداركه بإقرار مباديء المواطنة المتساوية بين جميع السودانيين عبر الممارسة الفعلية في إدارة الدولة والشأن العام، إلا أن الصفوة السياسية التي ورثت السلطة من المستعمر كان جل همها المحافظة على الكرسي بأي ثمن دون وضع أدنى إعتبار لبناء الدولة والمجتمع وإرساء مباديء التداول المدني الديمقراطي للسلطة عبر صناديق الإنتخابات وإرادة الشعب عوضاً عن صناديق الذخيرة والإنقلابات العسكرية.
●هنالك "شُلة" صفوية صغيرة قد حددت هوية السودان وكيف يُحكم ومن يحكمه دون تفويض شعبي أو عقد إجتماعي بين السودانيين يحددون فيه ماهية الدولة التي يريدونها، فالسودان بحدوده المعروفة "أرض المليون ميل مربع" قد رسمها المستعمر بما يخدم أهدافه، ولم يكن السودان قبل ذلك كياناً سياسياً واحداً، والكل يعلم أن السودان كان عبارة عن دويلات مستقلة، ودارفور كمثال قد ضُمت للسودان عام 1916 بعد هزيمة السلطان علي دينار، فهذه حقيقة تاريخية لا تعني بأي حال من الأحوال تقسيم السودان أو الدعوة لإنفصال أي جزءٍ منه، بقدر ما هي دعوة لإعادة النظر في الوحدة الإستعمارية الزائفة، وأن تكون الوحدة طواعية بين أقاليم السودان لا وحدة قهرية، لجهة أن أي عقد إجتماعي لتأسيس جمهورية سودانية حقيقية سوف تترتب عليه أسس بناء الدولة التي تسع الجميع دون إقصاء.
●كل دول العالم المحترمة تهتم بمناطق الإنتاج وتربطها بشبكة من طرق المواصلات البرية والجوية والنهرية مما ينعكس على تنميتها وتطورها وتطور إنسانها إلا السودان الذي يهمش مناطق الإنتاج وفق سياسة إفقار ممنهجة "جوِّع كلبك يتبعك" وبذلك تسيطر أقلية صفوية على إقتصاد الدولة ومواردها؛ وبالتالي يكون هؤلاء هم المُلّاك الحقيقيون للماشية والصمغ والمشاريع الزراعية ومناجم التعدين وكافة عمليات الإستيراد والتصدير وأصحاب الشأن لا يعدو أن يكونوا مجرد عمال لدي هؤلاء الأوغاد...!!.
●لم يتم تخطيط المشاريع الإقتصادية والإنتاجية في السودان وفق منطق إقتصادي سليم أو رؤية وطنية، مما أحدث خللاً تنموياً وعدم عدالة في تقاسم الثروة بين المركز والأقاليم، وهذا التهميش والإقصاء المتعمد أدى إلى غبن إقتصادي، لازمه غبن إجتماعي، فالصفوة السياسية المستحكمة قد قسمت السودانيين إلى طبقات إجتماعية وإقتصادية وسياسية، وهي ترى في نفسها الطبقة المالكة في السودان وعامة الشعب رعايا في أبشع صور الإقطاع في العصر الحديث ، مما زاد من حدة التباين والإحتقان قاد في خاتمة المطاف إلى الحروب وعدم الإستقرار السياسي.
●إن حرب الخامس عشر من أبريل وما قبلها قد أظهرت عيوب الهندسة السياسية والإقتصادية والإجتماعية المفروضة بقوة السلطة والسلاح؛ التي وجدت مقاومة شرسة من كل هوامش السودان وأطرافه عبر كافة الأدوات والوسائل السلمية والعنيفة.
●إن تمركز المشاريع التنموية والخدمية في الخرطوم "وما جاورها" أثبت عوار السياسات والممارسات التي اتبعتها الصفوة السياسية، وهي نواة بذرة الحروب في السودان منذ عام 1955 التي رفع لواءها " تمرد توريت" من أجل رفع الضيم الذي حاق بهم، ولكن الصفوة السياسية لم تهتم بمعالجة هذا الخطيئة بالطرق السلمية والحوار، وانتهجت الحلول الأمنية والعسكرية لإخضاع أي مقاومة بالقتال وقوة السلاح ، وتمادت في ممارسة كافة أساليب الإستهبال والفهلوة السياسية والتذاكي والهروب للأمام والتحلل من أي إتفاق أو إلتزام يقود إلى تغيير حقيقي في السودان، أُجبر شعب جنوب السودان على تبني خيار تقرير المصير ومن ثم الإنفصال في عام 2011م.
●للأسف بعد ثورة ديسمبر 2018 والتغيير الجزئي الذي حدث، لا تزال الصفوة السياسية السودانية بنفس عقلية الخمسينات والستينيات ولم تتغير مطلقاً، وظلوا يمارسون نفس الممارسات ، ويرتكبون نفس الأخطاء والحماقات، وكأن ساعة السودان قد توقفت عند محطة "لقاء السيدين"...!!.
●لابد من الإعتراف بحقيقة إستحالة استمرار الدولة السودانية بشكلها القديم، الذي بات ضرباً من الخيال والجنون، فلم تعد أقاليم السودان هي تلك الأقاليم التي يُصدر إليها الحكام من الخرطوم، وما عليها إلا السمع والطاعة لما يقوله "حفيد الرسول وسليل الدوحة النبوية" فالكل سادة في بلادهم شاء من شاء وأبي من أبي...!!.
●إن الحرب التي تدور في السودان لا سيما العاصمة الخرطوم قد قضت على معظم المصانع والشركات والمؤسسات وغيرها من المرافق العامة، وفعلياً عاد السودان إلى عهد ما قبل الإستقلال، لأن كل أو جُل هذه المؤسسات والمشاريع قد أُنشئت في منطقة جغرافية واحدة، وهذه المنطقة أضحت ساحة للحرب والمعارك بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة من طائرات ومسيرات وصواريخ ومدافع، وأضحت الخرطوم مدينة أشباح لا تصلح للسكن بأي حال من الأحوال وإن توقفت الحرب اليوم، وأن تكلفة إعادة بناء ما دمرته الحرب من مصانع ومرافق عامة يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات، وهي لا تتوفر للسودان الذي سينهض من الصفر، ومدمراً إقتصادياً وسياسيا ومفككاً إجتماعياً ووجدانياً، وبدلاً عن إعادة بناء عاصمة بها ما بها من عيوب التخطيط العمراني والتنموي، وما خلفته الحرب من دمار للمقدرات الصناعية والمرافق الخدمية والبني التحتية، لزاماً علينا التفكير ومنذ الآن في بناء عاصمة عصرية للسودان على أنقاض هذه العاصمة التي إرتبطت في مخيلة الكثير من السودانيين بالظلم والقهر والتسلط والإستبداد.
●كي تكون لدينا دولة تمثلنا ونعتز بها جميعاً لابد من بناء السودن وفق أسس قومية جديدة، وإعادة هيكلة جميع مؤسساته السياسية والإقتصادية والإجتماعية وفق مبادىء وطنية حقيقية ومشاركة فعلية لجموع السودانيات والسودانيين في صناعة حاضر ومستقبل بلادهم على قدم المساواة والعدالة، بعيداً عن الأنا الشخصي والحزبي والجهوي، بحيث تكون المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق وأداء الواجبات.
●كي تكون هنالك دولة وطنية في السودان لابد أن يرتبط ذلك بهوية السودان الحقيقية دون تزييف، وأن تكون الدولة محايدة تجاه كافة الهويات الثقافية والدينية وخلافها.
17 سبتمبر 2023م
elnairson@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
قمة تاريخية ترسم ملامح شرق أوسط جديد..صحيفة إيطالية: شرم الشيخ تعود عاصمةً للسلام
أكدت صحيفة الجورنال الإيطالية أن القمة المنعقدة اليوم الاثنين، في مدينة شرم الشيخ "قمة تاريخية من أجل السلام"، وأن هذا الحدث يمثل منعطفًا حاسمًا في مسار الصراع في الشرق الأوسط، بعد عامين من الحرب المدمّرة في غزة.
وأشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن المدينة المصرية تعود اليوم لتتصدّر المشهد الدولي كمنبر للحوار وبناء الجسور بين الشعوب، كما كانت قبل ثلاثة عقود عندما احتضنت مؤتمرات محورية لمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وبيّنت الصحيفة أن القمة، التي تستضيفها مصر برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، تجمع أكثر من عشرين قائدًا وزعيمًا عالميًا، من بينهم رؤساء وحكومات الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وتركيا وإسبانيا والمملكة المتحدة.
ويأتي اللقاء بهدف التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وإطلاق خطة سلام طويلة الأمد لإعادة إعمار قطاع غزة، إلى جانب وضع أسس واضحة لاستقرارٍ مستدام في المنطقة.
وأكدت الجورنال أن التوقعات الدولية لهذه القمة مرتفعة، إذ يُنظر إليها كبداية لمرحلة جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي بين دول الشرق الأوسط والعالم، فيما أبرزت الدور الإيطالي المتنامي في دعم جهود الإعمار، مشيرة إلى أن مشاركة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تعكس حرص روما على المساهمة الفاعلة في الجهود الإنسانية والتنموية، بالتعاون مع الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية.
وأوضحت الصحيفة الإيطالية أن القمة تنعقد في لحظة حساسة، عقب إطلاق سراح أول دفعة من الرهائن الإسرائيليين وإعلان هدنة أولية، وهو ما أعاد الأمل بإمكانية إنهاء دوامة العنف التي أنهكت الطرفين.
ويرى مراقبون أن نجاح القمة في تثبيت وقف إطلاق النار وفتح قنوات للحوار المباشر قد يشكّل الخطوة الأولى نحو سلامٍ شاملٍ ودائمٍ في المنطقة.
ويشارك في القمة عدد من القادة البارزين، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، وزعيم الحزب الحاكم في ألمانيا فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، وجميعهم يؤكدون التزام بلدانهم بدعم رؤية مصر لخطة سلام عادلة تُنهي الصراع وتفتح الطريق أمام مستقبل من التعاون والاستقرار.
في المقابل، يرى محللون سياسيون أن نجاح قمة شرم الشيخ لا يتوقف فقط على التفاهمات السياسية، بل على الإرادة الحقيقية لتنفيذ ما يُتّفق عليه، خاصة في ظل التعقيدات الميدانية والأمنية في غزة وتباين المواقف الدولية تجاه أطراف الصراع. ويؤكد الخبراء أن الدور المصري يبقى محوريًا باعتباره الضامن الرئيسي لأي تسوية مستقبلية، لما تمتلكه القاهرة من علاقات متوازنة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية.
كما تبرز أهمية البُعد الاقتصادي في مسار السلام الجديد، حيث تتجه الأنظار إلى مشاريع الإعمار والبنى التحتية، باعتبارها بوابةً لإعادة الحياة إلى غزة وخلق بيئة تمنع عودة النزاع. وتُتداول مقترحات لإنشاء صندوق دولي خاص بإعادة الإعمار، تشارك فيه مؤسسات مالية أوروبية وعربية، بإشراف الأمم المتحدة.
ويشير مراقبون إلى أن عودة شرم الشيخ إلى دائرة الضوء كعاصمة للسلام الدولي تحمل رمزية كبيرة، فهي تذكير بأن مصر ما زالت تحتفظ بدورها التاريخي كجسر للتواصل بين الشرق والغرب، وأن قدرتها على جمع الفرقاء في لحظاتٍ حرجة تؤكد مكانتها كفاعلٍ أساسي في صياغة مستقبل المنطقة.