العمل لصالح الكوكب والبَشَر يعتمد على النمو
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
آنو مادجافكار ـ
سفين سميت ـ
مايكل سبنس -
مع انعقاد الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وأسبوع المناخ في مدينة نيويورك، ومؤتمر الأمم المتحدة المقبل المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 28)، بات من المحتم أن يوضح العالَـم العلاقة بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية. بعيدا عن أي تعارض بين الأمرين، يُـعَـد الأول شرطا أساسيا لتحقيق الأخير: إذ تشكل الدينامية الاقتصادية وتحسين مستويات المعيشة أهمية بالغة لتمويل العمل المناخي وضمان القدر الكافي من الدعم العام له.
ما يدعو إلى التفاؤل أن هذا صار واضحا على نطاق واسع الآن. في شهر يونيو، أصدر زعماء بعض من أكبر الاقتصادات على مستوى العالَـم ــ بما في ذلك البرازيل، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، واليابان، وجنوب أفريقيا ــ بيانا مشتركا يصف الحد من الفقر وحماية كوكب الأرض على أنهما هدفان «متقاربان». على نحو مماثل، أَكَّـدَ الإعلان الصادر بعد قمة مجموعة العشرين التي اختتمت أعمالها للتو في نيودلهي على أنه «لا ينبغي لأي دولة أن تضطر إلى الاختيار بين محاربة الفقر والكفاح من أجل كوكبنا».
تربط أبحاث حديثة أجراها معهد ماكينزي العالمي بين هذين الهدفين وأرقام بعينها، والنتائج باهرة. لنبدأ بتكلفة العمل من أجل حماية الكوكب. سوف يكلفنا الإنفاق الإضافي التراكمي على التكنولوجيات المنخفضة الانبعاثات والبنية الأساسية الضرورية لسد فجوة الاستثمار اللازم لتحقيق صافي الصِـفر من الانبعاثات بحلول عام 2030 نحو 41 تريليون دولار، أو ما يعادل 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنويا. تتطلب تلبية هذه الاحتياجات الاستثمارية وتحقيق الانتقال إلى صافي الصِـفر الدعم الشعبي والمشاركة على نطاق واسع. ولأن الناس الذين يعيشون في فقر أقل ميلا إلى دعم العمل المناخي، وخاصة إذا شعروا أن احتياجاتهم تحظى بأولوية أدنى، فإن الجهود المتزامنة المبذولة لتحسين مستويات المعيشة تشكل ضرورة أساسية. لا يقتصر الأمر على رفع مزيد من الأسر فوق خط الفقر المدقع الذي حدده البنك الدولي (2.15 دولار يوميا تبعا لتعادل القوة الشرائية). لتحقيق التنمية المستدامة، يتعين علينا أن نتجاوز حاجزا أعلى، والذي يعتبره معهد ماكينزي العالمي «خط التمكين». يختلف موضع خط التمكين الدقيق من بلد إلى آخر، بما يعكس تكاليف المعيشة المختلفة. لكن المعنى هو ذاته دائما. إنه العتبة التي تحصل الأسر بعدها على الوسائل الكافية لتلبية احتياجاتها الأساسية ــ مثل التغذية، والإسكان اللائق، والرعاية الصحية، والتعليم الجيد ــ والعمل نحو تحقيق الأمن الاقتصادي. في غياب القدرة على الادخار، تعجز الأسر عن بناء عازل يحميها من الصدمات، بما في ذلك تلك الناجمة عن تغير المناخ.
الواقع أن نحو 4.7 مليار شخص على مستوى العالَم غير مؤهلين لينطبق عليهم وصف التمكين الاقتصادي الكامل، ويقيم نحو 40% من هؤلاء السكان في الهند ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وإن كان النمو المرتفع في الهند من المرجح، إذا استمر، أن يؤدي إلى خفض هذا الرقم. علاوة على ذلك، نجد أن كثيرين من أولئك الذين يبدو الأمر وكأنهم حققوا أنماط حياة «الطبقة المتوسطة» في البلدان المتوسطة الدخل والأعلى دخلا يفتقرون إلى حاجز يحميهم من الطوارئ والصدمات، ويناضلون من أجل تغطية تكاليف السكن والرعاية الصحية. ورغم أنهم لا يمكن توصيفهم رسميا على أنهم «فقراء»، فإنهم عاجزون عن تحقيق كامل إمكاناتهم وربما يمكن اعتبارهم معرضين لخطر الانزلاق إلى الفقر.
يتطلب إغلاق «فجوة التمكين» بحلول عام 2030 أن يعمل العالَـم على تعزيز الاستهلاك التراكمي من جانب هؤلاء السكان البالغ عددهم 4.7 مليار نسمة بنحو 37 تريليون دولار ــ نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا. (تتفاوت التفاصيل بدرجة كبيرة من منطقة إلى أخرى). وإلى جانب 41 تريليون دولار لسد فجوة الاستثمار اللازم لتحقيق صافي الصِـفر من الانبعاثات، فنحن نتحدث عن ما يقرب من 8% من الناتج المحلي الإجمالي كل عام حتى عام 2030. صحيح أن التحدي رهيب، ولكن لا ينبغي لهذا أن يُـفضي بنا إلى الشلل. بل على العكس من ذلك، ينطوي بحثنا على أخبار طيبة، والتي يجب أن تحفز أصحاب المصلحة كافة: إذ تشير تقديراتنا إلى أن النمو المتسارع، والإبداع بقيادة الشركات، والتقدم التكنولوجي، كل هذا من شأنه أن يدفع العالَـم نصف المسافة إلى تحقيق أهدافه المشتركة. لن يكون الزخم الحالي كافيا. ويتعين علينا أن نعمل بنشاط على حماية النمو الأساسي من الرياح المعاكسة والالتزام بزيادة الإنتاجية من خلال الاستثمار في التكنولوجيا، وشركات الأعمال الجديدة، وتنمية المهارات. والفرص المتصلة بكل هذا وفيرة: فمن الممكن أن تسهم الابتكارات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، وعلوم الطب الحيوي، وعلوم المواد، وغير ذلك، في مكاسب الإنتاجية، والنمو الشامل، وتحول الطاقة. إذا نجح النمو المتسارع في خلق وظائف أفضل أجرا، وضمن أصحاب العمل حصول العمال على المهارات اللازمة لشغل هذه الوظائف، فسوف نتمكن من سد ما يقرب من ثلثي فجوة التمكين العالمية، مع عبور ما يزيد قليلا على ملياري شخص خط التمكين وإفلات 600 مليون شخص من براثن الفقر. من ناحية أخرى، قد يصبح ما يقرب من 10 تريليونات دولار من الإنفاق المنخفض الانبعاثات متاحا للقطاع الخاص بحلول عام 2030. وقد يعمل النمو الاقتصادي، إلى جانب التقدم التكنولوجي، على تقليص فجوة الاستثمار اللازم لتحقيق صافي الصِـفر من الانبعاثات بنحو 40%. ولكن ماذا يتعين علينا أن نفعل لسد الفجوتين؟ على جانب التمكين، تشمل الخيارات زيادة الاستثمار في الإسكان الميسر، والرعاية الصحية، والتعليم، فضلا عن الدعم المباشر للأسر المستضعفة. وعلى جانب صافي الصِـفر، من الممكن أن يُـفضي الدعم العام الأقوى والسياسات الأكثر جرأة إلى تعبئة كميات أكبر من رأس المال الخاص، وهذا كفيل بدفع تكاليف التكنولوجيات المنخفضة الانبعاثات إلى مزيد من الانخفاض.
في مجمل الأمر، من الممكن أن تعمل الالتزامات المجتمعية بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنويا ــ 20 تريليون دولار بشكل تراكمي ــ على سد الفجوتين بحلول عام 2030، وإن كانت هذه الالتزامات تهدد بالتأثير سلبا على الاقتصاد الأساسي. في كل الأحوال، ستشكل آليات التمويل الـخَـلّاقة ضرورة أساسية. ويتعين على المؤسسات المتعددة الأطراف بشكل خاص أن تعمل على ابتكار مرافق جديدة للاقتصادات النامية ــ وهو الجهد الذي يمكن تعزيزه من خلال زيادة رسملة هذه المؤسسات وإنشاء منصات جديدة للوساطة في إدارة المخاطر للمساعدة في حشد رأس المال الخاص. سوف نحتاج أيضا إلى حلول أخرى إبداعية ــ مثل توجيه الفوائض الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة نحو الاستثمارات الخضراء. لتحقيق هذه الغاية، يتعين على النظام المالي العالمي أن يعمل على إيجاد سبل مبتكرة لاستيعاب التدفقات الضخمة عبر الحدود. لن يكون التقدم سهلا، وسوف يكون الثمن باهظا؟ لكن الاستثمار في سد فجوتي التمكين والاستثمار اللازم لتحقيق صافي الصِـفر من الانبعاثات اليوم من شأنه أن يقودنا إلى عالَـم أكثر ازدهارا واستقرارا. ولا أستطيع أن أتخيل مكافأة أعظم قيمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من الناتج المحلی الإجمالی تریلیون دولار بحلول عام 2030 العال ـم
إقرأ أيضاً:
الخطيب: التبادل التجاري بين مصر وقطر ارتفع بنسبة 80% خلال العامين الماضيين
افتتح حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، فعاليات منتدى الأعمال المصري القطري، وذلك في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين جمهورية مصر العربية ودولة قطر، وذلك بحضور الدكتور أحمد بن محمد السيد، وزير الدولة القطري لشؤون التجارة الخارجية، والوفد المرافق له، وبمشاركة واسعة من ممثلي مجتمعى الأعمال في البلدين.
وأكد وزير الاستثمار والتجارة الخارجية أن العلاقات بين مصر وقطر تستند إلى أسس متينة من الثقة والتعاون المشترك، وهو ما انعكس بوضوح في قوة مؤشرات التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث بلغ حجم الاستثمارات القطرية في مصر نحو 3.2 مليار دولار موزعة على أكثر من 266 شركة تعمل في قطاعات متنوعة تشمل القطاع المالي، والصناعي، والسياحي، وغيرها.
وأوضح الخطيب أن تطور التبادل التجاري بين البلدين شهد زخمًا إيجابيًا واضحًا حيث ارتفع من نحو 80 مليون دولار في عام 2023 إلى 143 مليون دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، محققًا نموًا يقترب من 80%، وهو ما يؤكد اتساع قاعدة التعاون الاقتصادي، وقدرة الشركات في البلدين على الاستفادة من الفرص المتاحة بكل من مصر وقطر.
وأضاف وزير الاستثمار أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين شهدت دفعة قوية خلال الفترة الأخيرة، تُوِّجت بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة ولقائه الأمير تميم بن حمد آل ثاني، حيث تم الاتفاق على تعزيز مسارات التعاون الاستثماري وفتح آفاق جديدة أمام البلدين، وقد انعكس ذلك بوضوح في الإعلان عن حزمة من الاستثمارات القطرية الجديدة في مصر، وفي مقدمتها مشروع تطوير منطقة علم الروم بالساحل الشمالي ضمن شراكة كبرى في قطاع التنمية السياحية والعمرانية.
وأكد أن مصر تسعى خلال السنوات المقبلة إلى ترسيخ مكانتها كوجهة جاذبة للاستثمار، مستندةً في ذلك إلى ما تتمتع به من مقومات تنافسية واضحة، في مقدمتها الموقع الجغرافي الفريد، وتوافر كوادر بشرية مؤهلة بتكلفة تنافسية، وبيئة مستقرة وآمنة قادرة على احتضان مختلف المشروعات الاستثمارية.
وتابع الوزير أنه خلال السنوات العشر الماضية ركزت الدولة على بناء الأساس الاقتصادي الصلب من خلال استثمارات كثيفة في تطوير البنية التحتية من طرق وموانئ ومناطق لوجستية حديثة، وإنشاء جيل جديد من المدن الذكية بما هيّأ بيئة مادية قادرة على استيعاب النمو وجذب الاستثمارات الكبرى.
وتابع الخطيب أن الدولة الآن في مرحلة البناء على هذا الأساس، من خلال إطلاق إصلاحات هيكلية ومؤسسية واضحة، وتبنّي سياسات اقتصادية كلية مستقرة وطويلة الأجل تستهدف تعزيز استقرار بيئة الأعمال وتخفيف الأعباء عن المستثمرين، مدعومة بتحول رقمي شامل في الخدمات الحكومية وهو ما انعكس بالفعل في تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية، وترسيخ قدر أعلى من اليقين والثقة.
وأشار وزير الاستثمار والتجارة الخارجية أنه على صعيد السياسة النقدية أسهمت السياسة المنضبطة في خفض التضخم إلى 12.3% في نوفمبر 2025 مع تعزيز الاحتياطي النقدي إلى 50.2 مليار دولار وزيادة تحويلات المصريين إلى 36.5 مليار دولار بما دعم الاستقرار الاقتصادي الكلي واستعادة الثقة.
وتابع الخطيب أنه فيما يتعلق بـ السياسات المالية فقد تم فتح صفحة جديدة مع الممولين من خلال حزم إصلاحية متتالية أسهمت في توسيع القاعدة الضريبية بنحو 35% دون فرض أعباء ضريبية جديدة وبما عزز الثقة مع مجتمع الأعمال، كما تعمل الدولة على خفض الأعباء المالية غير الضريبية عبر حصر شامل للرسوم المفروضة على المستثمرين وإعادة النظر في الأعباء المطبقة على الشركات مع توحيد جهة التعامل والتحول الرقمي، بما يقلل التكلفة الفعلية على الاستثمار، ويعزز الشفافية واليقين.
وأضاف الوزير أنه تم تبنّي سياسة تجارية منفتحة ومرنة تستهدف خفض العجز في الميزان التجاري من خلال تعظيم الصادرات إلى 145 مليار دولار، وتسهيل الإجراءات، وخفض تكلفتها بنحو 90% مع تعظيم الاستفادة من الاتفاقيات التجارية وحماية الصناعة المحلية بما يعزز تنافسية الاقتصاد المصري عالميًا.
وأكد الخطيب أن الدولة تبنت هدفًا طموحًا يتمثل في أن تصبح مصر ضمن أفضل 50 دولة عالميًا في مؤشرات تنافسية الاستثمار والتجارة خلال العامين القادمين، وقد بدأ بالفعل تنفيذ هذا التحول على أرض الواقع من خلال التوسع في التحول الرقمي الشامل عبر إطلاق منصة التراخيص، وبدء العمل على منصة الكيانات الاقتصادية، التي ستتضمن إعادة هندسة إجراءات التراخيص بالكامل وكذلك كافة الأعباء والرسوم المرتبطة بالاستثمار، بما يعزز الشفافية، ويُبسّط الإجراءات، ويمنح المستثمر رؤية واضحة، وتكلفة محددة منذ اليوم الأول.
وأوضح الوزير أن مصر تطرح اليوم فرصًا استثمارية واعدة ومتنوعة في إطار رؤية تقوم على التكامل وتبادل المزايا حيث تستند الشراكة بين البلدين إلى الجمع بين رأس المال والخبرة الاستثمارية القطرية، والقدرات الإنتاجية والبنية التحتية والموقع الجغرافي والمزايا التنافسية لمصر، وفي مقدمتها القطاع الصناعي بما يشمله من فرص للتصنيع المشترك وتعميق سلاسل القيمة، لا سيما في الصناعات كثيفة العمالة والصناعات الوسيطة مثل مكونات وصناعات السيارات، والزجاج، والمنسوجات والملابس، وصناعات البوليستر، والألومنيوم، وقطاع السياحة لا سيما مشروعات التنمية السياحية والعمرانية المتكاملة، إلى جانب قطاع الطاقة والطاقة الجديدة والمتجددة، فضلًا عن قطاعات أخرى تمثل مجالات خصبة للتعاون والاستثمار المشترك.
وأكد الخطيب أن هذا المنتدى يمثل محطة جديدة في مسيرة التعاون الاستراتيجي بين مصر وقطر، وانطلاقًا من حرص الحكومة المصرية على دعم المستثمرين القطريين تم تشكيل لجنة متخصصة لتيسير إجراءات الاستثمار والتجارة مع الجانب القطري تضم فرق عمل من مختلف الجهات المعنية، بهدف دعم الشركات القطرية وتذليل التحديات وتقديم التيسيرات اللازمة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وأكد الوزير حرص مصر الدائم على دفع التعاون مع دولة قطر الشقيقة إلى مستوى استراتيجي أعمق يحقق نتائج ملموسة تخدم مصالح الشعبين الشقيقين، متطلعًا إلى أن يكون هذا المنتدى نقطة انطلاق لمسار متجدد من الشراكات المثمرة بين البلدين.
ودعا الوزير في ختام كلمته مجتمع الأعمال من الجانبين إلى الاستفادة القصوى من هذا المنتدى، مؤكداً أهمية تبادل الخبرات ومناقشة الفرص الاستثمارية المتاحة، وبناء شراكات حقيقية تسهم في تعظيم العائد الاقتصادي، وتعزز من مكانة البلدين في الأسواق الإقليمية والدولية.
اقرأ أيضاًضبط سلع ومنتجات منتهية الصلاحية في حملات للرقابة التموينية بإدكو
الهيئة العامة للاستثمار وبنك الإمارات دبي يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الاستثمار في مصر
خطوات الاستعلام عن تكافل وكرامة 2025 بالرقم القومي مباشر من وزارة التضامن