الرئيسان الألماني والإيطالي يدعوان أطراف الصراع في ليبيا إلى دفع عملية السلام قدما
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
عواصم " وكالات": دعا الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير ونظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا أطراف الصراع في ليبيا إلى العمل من أجل دفع عملية السلام في البلاد قدما، في أعقاب الفيضانات العارمة التي ضربت البلاد مؤخرا.
وقال الرئيسان في بيان مشترك اليوم الخميس:" نحن نشجع كل الأطراف السياسية إلى تلبية دعوة الشعب الليبي إلى السلام والاستقرار على أساس الشعور المتجدد بالوحدة الوطنية والسعي نحو تحقيق الهدف"، ولفت الرئيسان إلى أن من الممكن للكارثة أن تكون دعوة للاستيقاظ.
كانت العاصفة "دانيال" ضرب ليبيا في العاشر من الشهر الجاري، وكانت منطقة درنة أكثر المناطق تضررا من الإعصار؛ وتم إعلان هذه المنطقة منذ يومين منطقة غير صالحة للسكن.
وأفادت منظمة الصحة العالمية بأنه تم تحديد وفاة ما يقرب من 4000 شخص بسبب الكارثة. ومع ذلك يتخوف بعض المنقذين من احتمال اكتشاف آلاف الجثث الأخرى تحت الأنقاض في الوحل.
وأكد الرئيسان تضامنهما مع الشعب الليبي، وقالا إن ألمانيا وإيطاليا قدما مع دول أخرى عديدة كل الدعم الممكن لليبيا، وأضافا:" نحن نرحب بهذه التعبئة الدولية وكذلك أيضا بالتضامن الجدير بالملاحظة للشعب الليبي في بلده، وبالتعاون المستمر بين كل الجهات والمجموعات والمؤسسات التي لا تفرق بين الغرب والشرق والجنوب".
وفي سياق آخر، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة اليوم الخميس أن أكثر من 43 ألف شخص نزحوا إثر الفيضانات الكاسحة التي شهدها شرق ليبيا لا سيما مدينة درنة.
وقالت المنظمة في تقريرها الأخير حول الوضع في شرق ليبيا بعد مرور العاصفة دانيال ليل 10-11 سبتمبر التي أوقعت أكثر من 3300 قتيل وفقا للسلطات، "بحسب آخر تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، فان 43059 شخصا نزحوا إثر الفيضانات في شمال شرق ليبيا".
وأضافت المنظمة أن "نقص إمدادات المياه قد يكون دفع الكثير من الأشخاص النازحين الى مغادرة درنة للتوجه الى مدن أخرى في شرق وغرب البلاد".
وكانت السلطات الليبية طلبت من سكان المدينة عدم استخدام المياه من شبكة التوزيع المحلية باعتبار أنها ملوثة بسبب سيل الفيضانات.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في مطلع الأسبوع أن وكالاتها لا سيما منظمة الصحة العالمية تعمل على "منع انتشار أمراض وتجنب أزمة ثانية مدمرة في المنطقة" محذرة من مخاطر مرتبطة "بالمياه وغياب مستلزمات النظافة الصحية".
وتابعت المنظمة الدولية للهجرة أن الاحتياجات الملحة للاشخاص النازخين تشمل "المواد الغذائية والمياه العذبة والصحة العقلية وتقديم الدعم النفسي-الاجتماعي".
من جانب آخر أعيد العمل بشبكات الهاتف النقال والانترنت ليل امس في درنة بعد انقطاع 24 ساعة، كما أعلنت السلطات الليبية.
وكانت الاتصالات قطعت الثلاثاء وطلب من الصحافيين مغادرة المدينة المنكوبة غداة تظاهرة لسكان درنة للمطالبة بمحاسبة سلطات شرق البلاد معتبرين انها مسؤولة عن الكارثة.
في المدينة البالغ عدد سكانها 100 ألف نسمة والمطلة على البحر الأبيض المتوسط في شرق البلاد، تسبّبت الفيضانات الناجمة عن انهيار سدين تحت ضغط الأمطار الغزيرة التي حملتها العاصفة دانيال في سبتمبر، في وفاة أكثر من 4000 شخص وفقا لآخر حصيلة رسمية موقتة وخلفت مشهدًا يذكّر بساحة حرب طاحنة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
النرويج التي أصبحت غنية أكثر من اللازم.. حين يتحول الازدهار إلى عبء
في عام 1969 كانت النرويج على وشك أن تفوّت فرصة تغيير مصيرها الاقتصادي، حينها قررت شركة "فيليبس بتروليوم" حفر بئر أخيرة في الجرف القاري النرويجي قبل الانسحاب من المشروع، لتكتشف حقلا نفطيا غيّر تاريخ البلاد إلى الأبد.
منذ ذلك اليوم بدأت رحلة النرويج نحو التحول إلى واحدة من أغنى دول العالم، ومن رحم تلك الثروة وُلد الصندوق السيادي النرويجي الذي تديره الدولة، ويعد اليوم الأكبر عالميا، بإجمالي أصول تقارب التريليوني دولار، أي ما يعادل 340 ألف دولار لكل مواطن نرويجي، وفق تقرير أوردته وكالة بلومبيرغ.
ولسنوات طويلة، بدا أن البلاد وجدت معادلتها الذهبية: اقتصاد مزدهر، بطالة شبه معدومة، دين حكومي منخفض، ونظام رفاه اجتماعي من بين الأوسع في العالم.
لكن، في الأعوام الأخيرة بدأت الأسئلة تتصاعد بصوت أعلى: هل يمكن لثراء مفرط أن يُفسد حيوية أمة؟ هل تجعل الموارد الغزيرة الشعوب أقل إنتاجية وأكثر اتكالا وأقل حافزية للتطور؟
هذه الأسئلة لم تبق مجرد همسات اقتصادية، بل وجدت صداها في كتاب مثير للجدل صدر مطلع هذا العام بعنوان "الدولة التي أصبحت غنية أكثر من اللازم" لمارتن بيك هولته الخبير الاقتصادي والمستشار السابق في "ماكينزي".
بيع من الكتاب أكثر من 56 ألف نسخة، وأصبح مادة نقاش رئيسية في الجامعات والمؤتمرات ومصدر جدل واسع في وسائل الإعلام.
يرى هولته أن "النرويج كان ينبغي أن تكون مغناطيسا للفرص والمواهب، لكنها اليوم عكس ذلك تماما"، مضيفا أن انعدام الطموح القومي سببه المباشر هو صندوق النفط.
هولته لا يهاجم الثروة ذاتها، بل طريقة إدارتها، والتي يراها تُنتج اقتصادا كسولا ومجتمعا استهلاكيا ومؤسسات مشبعة بالمال لكنها فاقدة للرؤية.
مشاريع متضخمة ونظام ضريبي طارد
من الأمثلة التي يسوقها هولته في كتابه مشاريع البنية التحتية المتضخمة التي لا تحقق قيمة حقيقية، مثل مشروع مترو يربط شبه جزيرة على أطراف أوسلو تجاوز ميزانيته الأصلية بـ6 أضعاف، أو مشاريع التقاط الكربون التي تكلف مليارات الدولارات دون ضمان جدوى تجارية، مثل مشروع "نورذرن لايتس".
إعلانكما يشير إلى أن السياسات الضريبية تشجع الاقتراض الاستهلاكي بدلا من الادخار، مما أوصل معدل الدين الأسري إلى 220% من الدخل السنوي، وهو الأعلى بين دول منظمة التعاون والتنمية.
ورغم كل هذه المؤشرات المقلقة فإن النقد الذي يتعرض له هولته لا يقل حدة عن انتقاداته، فالرئيس السابق للبنك المركزي النرويجي أويستين أولسن اتهمه بالمبالغة وتجاهل العوامل الخارجية التي تؤثر على اقتصاد بلد صغير مثل النرويج.
لكن اقتصاديين آخرين مثل إسبن هنريكسن رأوا أنه رغم بعض الهفوات الرقمية في الكتاب فإنه يلامس قلقا حقيقيا في وجدان النرويجيين "ربما كان العنوان الأنسب للكتاب هو: الدولة التي كان يجب أن تكون أغنى مما هي عليه"، كما كتب هنريكسن في مقال رأي.
ورغم إنفاق النرويج أكثر من 20 ألف دولار سنويا على كل طالب -وهو أعلى معدل في العالم بعد لوكسمبورغ- فإن نتائج اختبارات الطلاب النرويجيين تشهد تراجعا مستمرا، فبين عامي 2015 و2022 تراجعت نتائج طلاب الثانوية في الرياضيات والعلوم والقراءة.
وذهبت زعيمة المعارضة إرنا سولبرغ إلى القول إن البلاد "على شفير كارثة في العلوم الطبيعية".
ولا يتوقف الأمر عند التعليم، النرويجيون يحصلون على إجازات مرضية بمعدل 27.5 يوما في السنة للفرد، وهي النسبة الأعلى في الدول المتقدمة، والدولة تدفع رواتب كاملة خلال الإجازات المرضية حتى 12 شهرا، وهو ما وصفه صندوق النقد الدولي بأنه "نظام مكلف ومشوه"، وهذه السياسات تكلف الدولة نحو 8% من ناتجها المحلي، 4 أضعاف متوسط الإنفاق في الدول المماثلة.
والأخطر -وفق الخبراء- هو التباطؤ المستمر في نمو الإنتاجية، والذي يجعل النرويج تسجل أدنى معدلات نمو في هذا المؤشر بين الدول الغنية خلال العقدين الماضيين، ويبدو أن الابتكار أيضا بدأ يخبو.
فمنذ جائحة "كوفيد-19" انخفضت نسبة الإنفاق على البحث والتطوير، ووفقا لتقرير صادر عن الجمعية النرويجية لرأس المال الاستثماري فإن عدد المشاريع الناشئة التي حصلت على تمويل أولي عام 2024 هو الأدنى على الإطلاق.
وفي ظل هذه المؤشرات بدأت بعض رؤوس الأموال تهاجر، وقد غادر عدد من أثرياء النرويج البلاد نحو سويسرا هربا من النظام الضريبي الذي يعتبرونه عقابا للنجاح.
وعبّر بال رينغهولم مدير الاستثمار في مؤسسة "فورمو" عن ذلك بقوله "اخترنا نموذجا لا يُلهم الاستثمار رغم أننا نعيش في واحدة من أغنى دول العالم".
ومع أن إنتاج النفط والغاز بلغ ذروته قبل 20 عاما فإن الحرب في أوكرانيا أعادت الروح إلى هذا القطاع، خصوصا مع ارتفاع الطلب الأوروبي على الغاز.
وحاليا، يشكل قطاع النفط والغاز 21% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل فيه أكثر من 200 ألف نرويجي، لكن هذا الازدهار مهدد على المدى البعيد مع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، مما يثير تساؤلات بشأن قدرة الاقتصاد النرويجي على التكيف في عالم ما بعد النفط.
إعلانفي العمق، يشير بعض الاقتصاديين مثل هيلدي بيورنلاند إلى أن النرويج تعاني من "نسخة هادئة من مرض هولندا"، حيث تؤدي الثروة الطبيعية إلى تضخم داخلي يضعف القدرة التنافسية للصناعات الأخرى.
ورغم أن الصندوق السيادي وُضع أصلا لتفادي هذا السيناريو -عبر توجيه الفوائض نحو استثمارات خارجية ومنع تسربها إلى السوق المحلي- فإن النمو الضخم في قيمته منذ عام 2012 سمح للحكومات بسحب ما يصل إلى 20% من الميزانية السنوية من عائدات الصندوق، دون أن تخرق القواعد الرسمية.
وفي أحد تصريحاته شبّه هولته الاقتصاد النرويجي بالوريث المدلل الذي ورث 6 أضعاف راتبه السنوي في حسابه المصرفي، مما دفعه إلى القول خلال مؤتمر صحفي "لقد أصبحنا نأخذ الطريق السهل، ونهدر أكبر فرصة حصلت عليها دولة غربية في العصر الحديث"، مشيرا إلى أن الحلول التي يقترحها تشمل تخفيض الضرائب والإنفاق الحكومي وفرض قيود صارمة على السحب من الصندوق السيادي.
ورغم كل التحديات فإن النرويج تظل دولة ذات مستوى معيشة مرتفع ونظام مالي مستقر، لكنها أيضا -كما يلمّح تقرير "بلومبيرغ"- تمثل تحذيرا للدول الغنية بالموارد: إدارة الثروة قد تكون أصعب من تكوينها، والغنى إذا لم تتم إدارته بعناية قد يتحول من نعمة إلى عبء.