صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-19@23:48:59 GMT

ضد الحرب مع العقل

تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT

ضد الحرب مع العقل

 

ضد الحرب مع العقل

خالد فضل

إنّها الحرب ؛ تثقل القلب وتشغل العقل , وأجيال متساوقة من السودانيين/ات منذ استقلال بلادهم في منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي , ولدت وترعرعت وبعضها فارق الحياة الدنيا إلى دار الخلود.

كل هذه الأجيال ذاكرتها ذاكرة حرب , ودروب معاشها وحياتها ظللتها وخيمت عليها آثار الحروب الوطنية المستمرة , تهدأ حينا لتشتعل تارات أُخر , تبرم إتفاقية للسلام بين الأطراف الوطنية المتعاركة , وسرعان ما تندلع الحرب مرّة أخرى , في ذات المناطق أو في أماكن أخرى جديدة , لنفس الأسباب أو لأسباب أخرى .

وليت ماجدا يخبرني عن عقد واحد منذ1956م وحتى 2023م انقضى وكل أرجاء السودان تنعم بالسلام , وجميع السودانيين ينامون ويستيقظون على وقع الألحان!.

لا أعتقد أن أحدا يجهل تلك العقود المتطاولة من حروبنا الوطنية , حرب الجنوب , حرب الجبهة الوطنية ضد نظام مايو , حرب جبال النوبة والنيل الأزرق والشرق , حرب دارفور , وفي كل تلك الحروبات الخاسرة كانت النتائج , نقص في الأنفس والأموال والثمرات , وكسب لقادة الجيوش المتحاربة في المناصب والمواقع والإمتيازات , يصدق هذا على جوزيف لاقو مثلما ينطبق على جبريل إبراهيم , مثلما يصدق مع عبود زمان والبرهان الآن , ومع ذلك لم تتوقف الحروب في السودان , والكل يزعم أنّه إنما ينهض للحرب من أجل سواد عيون الشعب , يريد له الحياة الحرة الكريمة التي لم توفرها له أو تسعى لتوفيرها الحكومات ذات الغلبة العسكرية والإستثناء المدني لفترات بسيطة متقطعة.

فالحرب ظلّت تدور من يوم تولي إسماعيل الأزهري _عليه الرحمة_وظيفة رئيس البلاد (منتخبا ) إلى يوم البرهان الحالي إنقلابا , وما بينهما من عبدالله خليل و عبود وسرالختم الخليفة والصادق المهدي وسوار الدهب والبشير ( هؤلاء هم الرؤساء أو رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على حكم السودان حتى الآن ), وظلّ الجيش السوداني يجكم ويحارب في معظم هذه الفترات.أولا أدري ما هو القسم الذي يؤديه الفرد المنتسب لهذا الجيش جنديا أو ضابطا , وإن كانت فيه فقرة تقول ( وأن أحكم البلاد) , لأني أتصور أنّ قسم الجندية يشمل الزود والدفاع عن الشعب والتراب الوطني وصيانة الدستور , ولماذا يكون ضحايا الحروبات دوما هم الشعب والأرض والتراب الوطني والدستور ؟ وما بجيب سيرة الجنوب والرحمة والغفران لمحمد طه القدال .

وحتى في فترات الحكم المدني القصيرة المتقطعة ؛ والتي يفترض أنّها فترات هُدن مصونة من الحرب اللعينة , مع الأسف لم يتبدل واقع الإحتراب الوطني كثيرا , ولعل أفضل فترة هدأت فيها وتيرة المواجهات العسكرية الوطنية , أو قلّت حوادث وقوعها , هي فترة اتفاق أديس أبابا 1972م_1983م تخللتها حرب الجبهة الوطنية (فيما عرف شعبيا بغزو المرتزقة حسبما قالت أبواق الدعاية الحكومية العسكرية يومذاك) وما هم بمرتزقة في حقيقة الأمر ! ومؤخرا حقبة د. عبدالله حمدوك رئيس وزراء الحكومة الإنتقالية الذي انقلب عليه الثنائي العسكري الشريك في إدارة الفترة البرهان /حميدتي , فخلال فترة حمدوك ابرمت اتفاقية جوبا مع الفصائل المسلحة التي ضمها تحالف الجبهة الثورية , وأعلن قائدي الفصيلين المسلحين المحاربين عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد النور هدنة ووقفا لإطلاق النار استمر لثلاث سنوات تقريبا .

ألا يعتبر تاريخنا في العراك الوطني المسلح مدعاة للتأمل والإعتبار ؟ أليس من الأوفق إجالة البصر وتشغيل البصيرة مرات ومرات قبل الإنسياق وراء عاطفة عابرة ؟ أو شهوة في حكم ووظيفة , إنّ دعاة وقف الحرب الدائرة الآن بين المكون العسكري السوداني (الجيش/ الدعم السريع) هم في تقديري الأكثر اتساقا من ناحية أخلاقية وفكرية وعقلانية , ودعاة الحرب وطبولها وأبواقها هم الأقصر قامة من أصحاب الدعوة الأولى , ولهذا تجد الأخيرين يكذبون ويفترون على الناس , ويسوقونهم إلى الهاوية بدعاوي هلامية , بل يتعدى الأمر ذلك إلى محاولات كتم الأصوات المسؤولة من أصحاب الضمائر اليقظة , من دعاة العقل ونبذ الحرب , فتراهم يهددون الأستاذة رشا عوض رئيس تحرير صحيفة التغيير الألكترونية بالقتل , ويتربصون بالأستاذ الجميل الفاضل ليغتالوه , بئس ما يصنعون , وهو دليل قاطع على بطلان حججهم في تأييد الحرب , وحسد منهم وغيرة ضارة من أصحاب الدعوة المجيدة لوقف الحرب , تلك القيمة العقلية والفكرية والأخلاقية والإنسانية التي يعجزون عن بلوغها , فطريق الوعي وأداته العقل ليست ميسورة على كل حال , والمبدئية الإنسانية والوطنية درجة عالية لا يطالها من أدمنوا الإنحناء أمام رغائب أنفسهم طمعا عند حاكم باطش أو خوفا من نور ساطع يكشف عوراتهم في عهد حكم وطني ديمقراطي واعد .

لا للحرب ملايين المرات , ضد الجهل والتخوين والإرهاب , نعم للسلم والوعي والعقل .

 

الوسومالحرب خالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب

إقرأ أيضاً:

العقل زينة

#العقل_زينة

د. #هاشم_غرايبه


كثيرا ما يحاول الذين يصدون عن منهج الله التذاكي بالادعاء أن سبب دعوتهم لفصل الدين عن السياسة هو عدم خلط المقدس بالمدنس أي تنزيه الدين والنأي به عن دنس البشر، لكن مسعاهم في حقيقته يهدف لتحنيط الدين بتجريده من التشريعات الضابطة للسلوك، وإبقائه مجرد قيم أخلاقية ودعوات للصلاح الفردي.
بالطبع الهدف من ذلك هو لمصلحة المترفين ذوي الأطماع، التي لا تتوقف عند حد، فلا يريدون للتشريعات الالهية أن تعيقها أو تضبطها، بل تترك لتشريعات البشر، والتي بحكم تنفذهم وسطوتهم يمكنهم تطويعها لصالحهم على الدوام، تحت مسمى ممكنات السياسة.
هذا هو جوهر المسألة، وأساس معاداة الدين، فليس الأمر متعلقا بعبادات مجهدة ولا تكاليف باهظة، فكل ذلك متروك للفرد، يزيد فيه أو ينقص بحسب همته، لكن الطامعين لا يتحركون إلا إن طولبوا بالامتثال للتشريعات العادلة التي جاء بها الدين لحماية الضعفاء من جور الأقوياء، عندها يتصدون للمطالبين بتطبيق منهج الله، وينشط المتنفذون وأدواتهم، وينضم إليهم الخلايا النائمة وهي فئة المنافقين التاريخيين المعادين لمنهج الله مبدئيا.
سألني احد هؤلاء – وهو يظن أنه أصاب مقتلا من المدافعين عن منهج الله -، فقال:
طالما أن الله خلق الإنسان ليسعده، فلماذا عرّضه لامتحان صعب، أوجد فيه غرائز قوية تدفعه لتلبية شهواتها دفعا، ثم طلب منه الصمود أمامها، واذا فشل سيلقي به في عذاب سرمدي!؟، كما أنه جعل ذاته خفيا على مدارك البشر، ثم طلب منهم أن يؤمنوا به ويتبعوا الدين الذي أنزله، ومن فشل في ذلك ينال عذابه.
الإجابة على تساؤله ليست صعبة لمن يفهم الحكمة من خلق البشر أصلا، فقد خلق الله قبلهم الملائكة، التي ارادها الله لخدمته وتنفيذ أوامره، لذلك جعلها مخلوقات مطيعة لله بفطرتها، ولا تملك الإرادة بالطاعة أو المعصية، وذلك يستوجب عدم المساءلة على أفعالها، وبالتالي فلا عقاب ولا ثواب ينتظرها.
هنالك مخلوقات أخرى خلقها الله لنفع الإنسان، وهي النباتات والحيوانات، وجعل لكل نوع منها مهمة تؤديها، ودورا محددا ضمن شبكة مترابطة بعلاقات محددة لا تتجاوزها، وتمثل هذه الشبكة النظام البيولوجي المتكامل، الذي يحقق مصالح للبشر دائمة ثابتة عبر كل الأزمان، متمثلة بتوفير الغذاء والمأوى وكافة الاحتياجات المعيشية لهم، مهما ازداد عددهم، ولأجل ذلك فقد خلق كل نوع منها لمهمة محددة تؤديها، من غير تقصير ولا إفراط، لذلك فهذه المخلوقات مفطورة لما خلقت له، ولا تملك الإرادة في تنفيذ المهمة أو رفضها، وعليه فلا حساب عليها، وبالطبع فلا ثواب ولا عقاب ينتظرها بعد انتهاء أجلها، لذلك لم يجعل الله لها حياة أخرى.
هكذا نجد أن الإنسان خلقه الله حر الإرادة، ولأجل أن يحسن الإختيار كرمه بميزات لم يعطها لغيره من المخلوقات، فقد جعله الأحسن تقويما بينها جميعا، فهو أجملها خلقة، ومنحه طباعا وأخلاقا أرقى منها، كما منحه العقل يحتكم اليه في تصرفاته وأفعاله، ووهبه قدرات خاصة كالقدرة على السير على قدميه وليس على أربع، كما وهبه أصابع ومفاصل تؤمن له استعمالات متعددة ليديه، كما وهبه النطق والتعبير بالكلام، كما وهبه قدرات فنية كالرسم والعزف والغناء ..الخ.
إزاء كل تلك الميزات والأكرامات، أيعقل أن يعامل الإنسان كما الحيوانات الأخرى المفطورة على ما خلقت له، من غير مطالبته بالتزام نحو المنعم والمتفضل بكل تلك الأعطيات الجزيلة؟.
أليس مطالبة الإنسان باستخدام هذه الأداة الثمينة (العقل وأدواته المنطقية)، في معرفة من وهبه كل ذلك، هو أقل القليل من تقدير لتلك التكريمات.
من محبة الخالق للإنسان، ومن تقديره له، أن جعل ذاته خفية عليه، فلا يستدل عليه بالمدركات الحسية التي أتاحها له كما لباقي الحيوانات، بل بالعقل، لذلك فمن استخدمه على الوجه الأرقى، عرف خالقه فأطاعه، فارتقى بذلك الى مصاف الملائكة، ومن فشل في ذلك فانقاد لشهواته، سقط الى مرتبة الدواب، ولذلك قال تعالى: “إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” [الأنفال:55].
وفوق كل ذلك، ورحمة من الله بعباده، ولأنه لا يرضى لعباده جهل الكفر، فقد أودع الله في النفس البشرية فطرة الهداية، ثم أرسل لهم الرسالات منقذة، ثم أبقى لهم التوبة طوق نجاة.
وبعد، أليس الله رؤوف بالعباد!؟.

مقالات ذات صلة كلمة الرئيس الفلسطيني قطعت الطريق لإيقاف الحرب على غزة؟ 2025/05/18

مقالات مشابهة

  • اللجنة الوطنية للمرأة تُدين العدوان الصهيوني على الموانئ اليمنية
  • وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج دفعة برنامجي القيادة والأركان والدراسات العسكرية.. صور
  • وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة من برنامج القيادة والأركان والدفعة الأولى من برنامج الدراسات العسكرية المتقدمة ويدشّن برنامج الحرب
  • مسؤولون إسرائيليون: جيش الاحتلال يدرك أنه غير قادر على تحرير الأسرى في غزة بالقوة العسكرية
  • بوتين: النتيجة التي تنشدها روسيا من العملية العسكرية الخاصة هي القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة
  • العقل زينة
  • أوجار: الصحراء في جينات التجمع الوطني للأحرار وحزبنا وُلد من رحم الوطنية والمقاومة
  • شراكة استراتيجية بين الأكاديمية العسكرية المصرية و الوطنية للتدريب
  • الأكاديمية العسكرية توقع بروتوكول تعاون مع الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب
  • الأكاديمية العسكرية المصرية توقع بروتوكول تعاون مع الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب