خطاب غوتيريش.. توقعات كئيبة بشأن مصير العالم وأممه المتحدة
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
اجتمع زعماء العالم العام الماضي، كما يفعلون في كل سنة في نيويورك، حينها أطلق الأمين العام للأمم المتحدة ناقوس الخطر العالمي بشأن بقاء البشرية والكوكب. وهذا العام، دق ناقوس الخطر بصوت أعلى وبصورة أكثر خطورة، وكانت الرسالة أكثر إلحاحاً: استيقظوا واتخذوا الإجراءات اللازمة الآن.
وكان تقييم الأمين العام أنطونيو غوتيريش، الذي أدلى به بأسلوبه الجاد، يهدف إلى صدم المستمعين.
وسلط الأمين العام للأمم المتحدة الضوء على تصاعد الصراعات والانقلابات والفوضى حول العالم، وأزمة المناخ الآخذة في الارتفاع. وزيادة الانقسامات عمقا بين القوى العسكرية والاقتصادية، بين الشمال الأكثر ثراء والجنوب الأكثر فقرا، والشرق والغرب. بالإضافة إلى التحديات التي تفرضها القفزة الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
لقد تحدث غوتيريس كثيرا عن كل هذه القضايا. ولكن هذا العام، الذي وصفه بأنه "فترة انتقالية فوضوية"، كان خطابه أمام القادة أكثر صرامة وإلحاحاً. وبالنظر إلى خطاباته السابقة عن وضع العالم، يبدو من الواضح أنه كان يمهد الطريق لما يحصل الآن.
وفي أول خطاب له أمام زعماء العالم، في عام 2017، بعد توليه رئاسة الأمم المتحدة المؤلفة من 193 عضوا، أشار غوتيريش إلى "الخطر النووي" باعتباره التهديد العالمي الرئيسي.
وبعد ذلك بعامين، كان يحذر من انقسام العالم إلى قسمين، مع قيام الولايات المتحدة والصين بإنشاء شبكات إنترنت وقواعد مالية متنافسة للعملات وتجارة واستراتيجيتيهما الجيوسياسية والعسكرية ذات المحصلة الصفرية". وحث على اتخاذ إجراءات صارمة "لتجنب الكسر الكبير".
ثم جاءت جائحة كوفيد-19 في أوائل عام 2020. ولم تحدث الاستجابة العالمية التي دعا إليها غوتيريش قط. إذ حصلت الدول الغنية على اللقاحات وتركت الدول الفقيرة تنتظر. وفي اجتماع الزعماء، العام الماضي، كانت رسالته بنفس خطورة رسالة هذا الأسبوع: "إن عالمنا معرض للخطر ومصاب بالشلل"، مضيفا "لقد وصلنا إلى طريق مسدود في خلل عالمي هائل".
وفي هذا العام، كانت رسالته إلى الرؤساء ورؤساء الوزراء والملوك والوزراء المجتمعين في قاعة الجمعية العامة الواسعة واضحة وصارخة.
وقال غوتيريش: "يبدو أننا غير قادرين .. على الاتفاق معا للاستجابة".
مستقبل العالم وأممه "المتحدة"في قلب خطابات غوتيريش العديدة هذا الأسبوع، كان مستقبل الأمم المتحدة، وهي مؤسسة تشكلت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية لجمع الدول معا وإنقاذ الأجيال القادمة من الحروب. ولكن في عالم القرن الحادي والعشرين الذي أصبح أكثر ترابطا وأكثر انقساما أيضاً، فهل يمكن أن يحمل هذا التكوين نفس الأهمية؟
بالنسبة لغوتيريش، الجواب واضح: لا بد منه.
شهدت الحرب الباردة قوتين عظميين: الولايات المتحدة الرأسمالية والاتحاد السوفييتي الشيوعي. وعندما انتهت، كانت هناك فترة وجيزة من القطبية الأحادية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه إلى روسيا المهيمنة وجمهوريات سابقة أصغر. وهي الآن تنتقل إلى "عالم متعدد الأقطاب" أكثر فوضوية، وتخلق، كما يقول غوتيريش، فرصا جديدة لمختلف البلدان للقيادة.
لكن الحجة الرئيسية التي يطرحها غوتيريش متجذرة بالتاريخ. ويقول إنه يعلمنا أن العالم الذي يضم العديد من مراكز القوة ومجموعات صغيرة من الدول لا يمكنه حل التحديات التي تؤثر على جميع البلدان. ولهذا السبب هناك حاجة إلى مؤسسات عالمية قوية، بحسب ما ذكره للزعماء، يوم الخميس، مشيرا إلى أن "الأمم المتحدة هي المنتدى الوحيد الذي يمكن أن يحدث فيه هذا".
والسؤال الكبير، الذي يركز عليه غوتيريش الآن بشكل مكثف، هو ما إذا كانت المؤسسة، التي وُلدت في عام 1945، وهو الوقت الذي كانت فيه أدوات معالجة الفوضى والانقسام بدائية، وأنه يمكن إعادة تجهيزها وتحديثها حتى تتمكن من التصدي لتحديات اليوم.
وأضاف "ليست لدي أي أوهام .. الإصلاحات هي مسألة قوة. أعلم أن هناك العديد من المصالح والأجندات المتنافسة. ولكن البديل للإصلاح ليس الوضع الراهن. والبديل للإصلاح هو المزيد من التشرذم. إنه الإصلاح أو التمزق".
بالتالي، هذه هي المعضلة التي تنتظر الأمين العام للأمم المتحدة: هل تستطيع 193 دولة ذات أجندات متنافسة إجراء إصلاحات كبرى؟
ولمواجهة هذا التحدي، دعا غوتيريش زعماء العالم إلى حضور "قمة المستقبل" في التجمع العالمي للأمم المتحدة، في سبتمبر المقبل، والتفاوض على "ميثاق من أجل المستقبل" في العام المقبل. وفي اجتماع عقد يوم الخميس للتحضير، قال للوزراء إن الاتفاقية "تمثل تعهدكم باستخدام كافة الأدوات المتاحة أمامكم على المستوى العالمي لحل المشاكل، قبل أن تطغى تلك المشاكل علينا".
وقال الأمين العام إنه يعلم أن التوصل إلى اتفاق سيكون صعبا، مستدركا "ولكن ذلك ممكن".
"انكسار" واضحويقول غوتيريش إن الوقت لا يسير لصالح الأمم المتحدة والدول التي تدعم عودة العمل العالمي الموحد. ولعل هذا هو السبب الذي يجعل كلماته تزداد خطورة كل عام.
ويشير إلى صراعات جديدة مثل أوكرانيا، وتوترات جيوسياسية أكثر حدة، وعلامات على "انهيار المناخ"، وأزمة تكاليف المعيشة والديون والتخلف عن السداد التي تربك المزيد من البلدان أكثر من أي وقت مضى.
وقال غوتيريش: "لا يمكننا أن نتقدم نحو الاتفاق بينما يتجه العالم نحو الهاوية .. يجب علينا أن نضفي طابعا عاجلا جديدا على جهودنا وإحساسا جمعيا بالهدف المشترك".
لكن القول أسهل من الفعل، كما توضح الاجتماعات رفيعة المستوى التي انعقدت هذا الأسبوع والأولويات والمشكلات التي تثيرها.
هل تستطيع جميع دول الأمم المتحدة البعيدة أن تتحد خلف هدف مشترك؟ ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيحدث في الأشهر الـ 12 المقبلة. بالتأكيد هناك دعم. ولنتأمل هنا وزير خارجية جزر البهاما، فريدريك أودلي ميتشل، الذي ألقى كلمة أمام التجمع العالمي الجمعة، قال فيها: "الآن، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى الأمم المتحدة".
وقال ريتشارد غووان، مدير مجموعة الأزمات الدولية بالأمم المتحدة، إن خطاب غوتيريش عن حالة العالم يتحدث عن "الحقيقة أمام السلطة" وكان تقييما صريحا وكئيبا بشكل خاص.
وقال غووان: "يبدو أنه يعتقد حقا أن النظام متعدد الأطراف مُعطَّل بأساسه"، مضيفا أن الأمين العام يبدو محبطا بعد سنوات من التعامل الصعب مع مجلس الأمن الدولي المُنقسِم، في إشارة إلى الانشقاق المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مع روسيا والصين.
وقال غووان: "في بعض الأحيان يبدو الأمر وكأن غوتيريش لم يعد يؤمن بالمؤسسة التي يقودها".
بالنسبة لغوتيريش، تمثل "قمة المستقبل" فرصة ولكنها تمثل أيضا نقطة فاصلة محتملة، بين مستقبل أكثر إشراقا ومستقبل أكثر بؤسا، بين فرصة للتقدم واحتمال إغلاق الباب.
أما بالنسبة لغووان، ستكون هذه "الفرصة الأخيرة لأعضاء الأمم المتحدة للعمل معا وإعادة التفكير في كيفية عمل النظام متعدد الأطراف".
وقد يمثل ذلك ذروة لا يمكن التغلب عليها بالنسبة لأكبر دبلوماسي في العالم.
ووصف مارك مالوك براون، رئيس مؤسسات المجتمع المفتوح والنائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة، أن خطاب غوتيريش الرئيسي أمام زعماء العالم بأنه "اعتراف شجاع وصريح بأن الأمم المتحدة معطلة، ولم تعد صالحة للغرض" الذي أنشأت لأجله.
وقال مالوك براون: "المشكلة هي أنه بسبب ذلك بالتحديد، لا يمكن لأحد أن يسمعه .. ربما يتحدث إلى غرفة فارغة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: العام للأمم المتحدة الولایات المتحدة الأمم المتحدة الأمین العام زعماء العالم هذا الأسبوع لا یمکن
إقرأ أيضاً:
عام على رفح.. المدينة التي محاها القصف وبقيت تنتظر العالم
بعد عام على العملية العسكرية الإسرائيلية التي اجتاحت مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لا تزال المدينة شاهدة على حجم الكارثة الإنسانية والدمار الهائل، حيث تحولت الأحياء إلى أطلال صامتة تروي وجع الناجين، وسط صمت دولي وتجاهل مستمر لمعاناة السكان.
وبحسب تقرير إعلامي، فبعد مرور عام على العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة رفح جنوب غزة، تحولت المدينة التي كانت تعج بالحياة إلى ساحة قاحلة، حيث أصبحت الأحياء أطلالاً تروي حكاية معاناة لم تنتهِ بعد، وتظهر الصور الجوية اختفاء كل معالم المدينة، فيما ظل ركام المباني المدمرة شاهداً على حملة عسكرية وصفتها منظمات حقوقية بـ”التدمير الممنهج”.
ووفق تقرير لقناة روسيا اليوم، ففي 7 مايو 2024، انطلقت حملة رقمية على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان “كل العيون على رفح”، لكن بعد عام لم تنجح الحملة في لفت انتباه المجتمع الدولي لوقف الهجوم الإسرائيلي، وسط استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة.
وتابع التقرير: “اليوم، لم تعد رفح كما كانت، فلا يُسمع في شوارعها سوى هدير جنازير الآليات ودوي المدافع الإسرائيلية، وأبناؤها يحملون ذكريات الماضي بين أنقاض الحاضر، في انتظار مستقبل يبدو بعيد المنال.”
الجدير ذكره، أن الحكومة الإسرائيلية هددت مناطق أخرى في قطاع غزة، من شماله وحتى جنوبه، بمصير مماثل لمصير مدينة رفح، فيما يظل السؤال الوحيد الذي يراود أهالي القطاع: “إلى أين نذهب؟”، وسط تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باحتلال المناطق التي يدخل إليها جيشه.
ولا يزال قطاع غزة يتعرض لحرب إسرائيلية تسببت بتشريد نحو مليون و900 ألف فلسطيني، ومقتل ما يزيد على 50 ألفاً، وتدمير ما يقارب 450 ألف وحدة سكنية، كما تضررت 84% من المرافق الصحية وخرج 34 مستشفى عن الخدمة، وبات 620 ألف طالب بلا مدارس، بينما وصلت نسبة البطالة إلى 79%، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للقطاع بنسبة تجاوزت 83%.
هذا وبدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح في مايو 2024، ضمن حملة أوسع شملت أنحاء قطاع غزة، بذريعة استهداف بنى تحتية لفصائل فلسطينية، ورغم الإدانات الدولية والتحذيرات الحقوقية من كارثة إنسانية، واصلت إسرائيل عملياتها في ظل غياب موقف دولي فاعل، وهو ما أجج الأزمة الإنسانية في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم.