د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء

يعنى علم التاريخ بتسليط الضوء على كل الأحداث التي عرفتها الحضارة الإنسانية، ويقوم بدراستها وتحليلها اعتمادا على أسس علمية محايدة بواسطة مؤرخين يسعون لإدراك الماضي وإحيائه.

ونجد أن دراسة التاريخ تساهم في الرفع من مستوى الوعي وتعميقه عند المواطن، لأنه يكون آنذاك في وضعية أفضل لتحديد خياراته المستقبلية والدفاع عن ثوابته وأراضيه.

ونجد أن المتأمل في النزاعات السياسية الدولية الراهنة، مثلا، يجد أن معظمها يتمحور حول «الحقوق التاريخية»، وهنا يكون المؤرخ الأكثر تأهيلا لتوصيف هذه المشاكل القائمة معتمدا على أسس منهجية دقيقة وركائز نقدية في التوثيق والتضمين والتحليل والتعليل والاستنباط والمقارنة، من أجل الوصول إلى نتائج واستنتاجات في إطار تجرد علمي.

إن ما ذكرناه سالفا نجده بشكل كبير في الأبحاث الأكاديمية للمؤرخ الفرنسي برنارد لوغان، التي تناولت جزءً من التاريخ المغربي بتجرد فكري ومنهج علمي، حيث أماطت اللثام عن الحقبة التي اقتطع فيها الاستعمار الفرنسي جزءً كبيرا من التراب المغربي. ومن هذه الأبحاث كتابه «تاريخ المغرب»، والذي ستتشرف كلية الحقوق بمراكش بتقديمه أثناء استضافتها للكاتب في درسها الافتتاحي يوم 6 أكتوبر المقبل، من أجل محاولة مناقشته وسبر أغواره.

إن هذا المؤرخ ينطلق من حقيقة تاريخية ثابتة، كون أن الجزائر لم تكن موجودة كدولة قبل 1962 لأنها انتقلت مباشرة من الاستعمار التركي إلى الاستعمار الفرنسي، وقد عملت فرنسا على بتر أجزاء من المغرب لتوسيع «الجزائر الفرنسية»، وذلك منذ 1870، أي بعد أربعين عاما من بدء الاستعمار الفرنسي في الإيالة الجزائرية التي كانت خاضعة للسلطة العثمانية، مشددا على أن تلك المناطق لم تكن أبدا جزائرية، ويؤكد أنه في مارس من سنة 1870 استولى الجنرال الفرنسي دو وينفين، قائد ولاية وهران، على عين الشعير قرب فجيج ومنطقة واد غير بنواحي بجاية، وهي مناطق كانت مغربية لأن نائب السلطان في فجيج كان قائدا مسؤولا عن تمثيل السلطة المركزية في واحات توات، ويضيف أنه في 5 غشت 1890، وبموجب اتفاقية سيرة، حددت فرنسا وبريطانيا مناطق نفوذهما في إفريقيا حيث رأت فرنسا أن بإمكانها احتلال المناطق المغربية في توات والقرارة وإيغلي وواد الساورة بناء على مخطط لربط غرب إفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط بواسطة السكك الحديدية العابرة للصحراء، وابتداء من دجنبر 1899 استولت فرنسا على عين صالح ومجموعة من واحات تيديكلت والغورارة بما في ذلك منطقة تيميمون التي تم احتلالها سنة 1901، وفي يونيو 1904 استولت القوات الفرنسية على رأس العين، وهذا ما تؤكده بالدليل الملموس العديد من الخرائط  والاتفاقيات ورسومات الحدود،حيث اعتمد هذا المؤرخ على الأرشيف الفرنسي الذي يحمل اسم «مسألة الحدود».

وقد انطلق من حقيقة كون  فرنسا هي من رسمت حدود الجزائر وهي من ألحقت مناطق مغربية بالجزائر الفرنسية، وأن النظام الجزائري الذي تنكر للعديد من التعهدات بعد نيل «الاستقلال» يحاول اليوم مأسسة الأساطير عبر التزوير والكذب والتلاعب بالتاريخ، لأن هذا النظام الهش والذي يحاول خطابه الرسمي أن ينتقد الاستعمار ومخلفاته، نجده يدافع بكل شراسة عن الحدود التي رسمها المستعمر!

إن النظام الجزائري يعلم جيدا أنه يزور التاريخ، ولايستطيع أن يجابه الحقائق التاريخية التي ترعبه، لذا هو يبحث عن شرعية مفقودة، وذلك عبر معاداة المغرب حيث أصبح ذلك عقيدة ثابتة لديه.

إن المغرب يرعبهم ويشكل لهم عقدة، لنظرا لكونه أمة عريقة ذات تاريخ طويل، بالمقابل لا يمكن الحديث تاريخيا عن أمة جزائرية أو شعب جزائري.

المؤرخ برنارد لوغان، يعطي درسا في جرأة العالم الذي يصدح بكلمة حق انتصارا للدفاع عن الحقائق التاريخية التي تحاول الدولة العميقة في فرنسا التستر عليها وذلك بعدم رغبتها في إخراج الأرشيف الفرنسي إلى العلن، إنهم يحاولون أن يغتالوا الحقيقة رفقة مستخدميهم بالجزائر، والطابور الخامس يحاول تزييف الأشياء والحقائق، لكن التاريخ عصي على التزييف لأن ذاكرته لن تمحى أبدا ولو حاول لصوص الليل والدجالون.

المصدر: مراكش الان

إقرأ أيضاً:

جامعة القاهرة تبحث حقوق الشعوب الإفريقية والتعويضات بعد حقبة الاستعمار والرق في ندوة علمية

 تنظم كلية الدراسات الإفريقية العليا بـ جامعة القاهرة، اليوم الأحد، ندوة علمية بعنوان: «العدالة التاريخية والتعويضات: نحو مقاربة شاملة لإنصاف إفريقيا والشعوب ذات الأصول الإفريقية عن حقبة الرق والاستعمار»، وذلك تحت رعاية الدكتور محمد سامي عبدالصادق، رئيس جامعة القاهرة، وإشراف الدكتور عطية الطنطاوي، عميد الكلية.

ويحضر الندوة عدد من نواب رئيس الجامعة، ومساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، ونخبة من السفراء الأفارقة، ولفيف من أعضاء هيئة التدريس والباحثين المتخصصين في الشأن الإفريقي، إلى جانب الطلاب والمهتمين بالقضايا الإفريقية.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد سامي عبدالصادق أن تنظيم هذه الندوة يأتي انطلاقًا من الدور التاريخي والمحوري الذي تضطلع به الجامعة في دعم القضايا الإفريقية والدفاع عن حقوق شعوبها، إيمانًا بأن العدالة التاريخية ليست مجرد شعار، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية، وحق أصيل للشعوب التي عانت من الرق والاستعمار ونهب الموارد.

وأوضح رئيس الجامعة أن جامعة القاهرة تحرص، من خلال منظومتها البحثية والعلمية، على تقديم دراسات معمقة ورؤى واقعية تسهم في ترسيخ مفاهيم العدالة وتحقيق التنمية المستدامة، بما يدعم الجهود الرامية إلى صناعة مستقبل أفضل للقارة الإفريقية.

ومن جانبه، أوضح الدكتور عطية الطنطاوي، عميد كلية الدراسات الإفريقية العليا، أن الندوة تتضمن عدة جلسات علمية تناقش عددًا من المحاور المهمة، من بينها: الإطار التاريخي والفكري والأخلاقي للعدالة والتعويضات، وثقافة الاعتذار والتعويض في الفكر والواقع الإفريقي، والأبعاد الاقتصادية والسياسية والثقافية لتجارة العبيد، والاستعمار الأوروبي في إفريقيا، وجريمة المذابح الجماعية خلال حقبة الاستعمار.

وأضاف عميد الكلية أن الندوة تتناول كذلك أسس المطالبة بالحقوق التاريخية، والخسائر الاقتصادية المترتبة على الرق والاستعمار، وخيارات التعويض بين التعويض المالي والتنمية المستدامة، إلى جانب الأطر القانونية والمواقف السياسية الدولية، ومواقف القوى الاستعمارية السابقة من قضية التعويضات، فضلًا عن دور الحركات الاجتماعية الإفريقية ومنظمات الشتات، ومواقف كل من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي من هذه القضية.

طباعة شارك كلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة كلية الدراسات الإفريقية جامعة القاهرة

مقالات مشابهة

  • جامعة القاهرة تبحث حقوق الشعوب الإفريقية والتعويضات بعد حقبة الاستعمار والرق في ندوة علمية
  • شوبير: صلاح لا يزال يكتب التاريخ بصدارة
  • الكاف: إقامة 50 منطقة للمشجعين في جميع أنحاء المغرب وإصدار مليون FAN ID
  • بنزيما لا يقفل باب العودة إلى المنتخب الفرنسي
  • بنك BNP Paribas الفرنسي يغادر المغرب
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • شكرا للفريقين علي المتعة التي قدماها المستكاوي يشيد بمباراة المغرب وسوريا
  • بعد إلغاء قانون قيصر وكشف شروط الكونجرس.. هل نصبت واشنطن فخا لسوريا ؟
  • الدكتور محمد عبد الوهاب يكتب: هل يُعد قرار الفيدرالي بشراء السندات قصيرة الأجل بداية انتعاش اقتصادي عالمي؟
  • المؤرخ محمد شوقي: فيلم الست عظيم ومختلف ويركز على الجانب الإنساني لأم كلثوم