فيليب بولس يكتب: محاولة للفهم.. أسباب موقفى المناهض لحركة «الووكيزم»!
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
منذ التسعينيات أصبحت مهتمًا بتزايد المطالب الخاصة بالأقليات والتى من شأنها أن تؤدى إلى ما يمكن أن نصفه اليوم بحركة ثورية جديدة: إنها الووكيزم!
خلال هذه الفترة حققت جوديث بتلر إنجازًا كبيرا فيما يتعلق بدراستها حول النوع الاجتماعى، حيث أطلقت دعوتها بالتفكير فى طبيعة النوع الاجتماعى والثقافى، كما أن النظر الى النوع على أنه لا علاقة له بالجنس البيولوجى يعد إحدى النقاط البارزة فى نظرية الجنس البشرى التى ندين بها لهذا الفيلسوف الأمريكى الذى سرعان ما أصبح مصدر إلهام لكل من الأقليات.
فى التسعينيات، كان عدد المهتمين بالووكيزم وبما تنتجه هذه الحركة الأيديولوجية من عواقب.. المشكلة تكمن فى أنه اليوم وبعد مرور عقدين من الزمن ووفقا لاستطلاعات الرأى هناك حوالى ١٥٪ فقط من الفرنسيين الذين سمعوا بالفعل عن الووكيزم ولكى نكون واضحين؛ فإن سماعنا عنها لا يعنى التصديق بها ولهذا السبب وبعد أن اكتسبت خبرة فى هذا الموضوع قررت أن أخرج من دائرة الظل للمساعدة فى إعلام أكبر عدد ممكن من الناس. ولهذا الغرض أنشأت قناة على اليوتيوب بعنوان «المستيقظون» وهذه القناة تسمح لى بالتفاعل مع المشاركين خاصة أن حركة الووكيزم تثير العديد من الأسئلة ! إضافة إلى ذلك أكتب من الآن فصاعدا مقالات على منصة لو ديالوج حول هذا الملف.
قبل أن أبدأ فى كتابة مقالاتى، إليك أولا هذه النظرة التحليلية عن حركة «الووكيزم":
هى حركة قادمة من الولايات المتحدة. وفى خلال ٢٠ عامًا أصبحت حركة عالمية تسود حاليا الدول الغربية فقط. ويقول نشطاؤها (الصحوة) إنهم على وعى بالتمييز والظلم الذى تعانى منه الأقليات. ربما تكمن هنا قوة الووكيزم فى أنها حركة قائمة فى الأصل على مطالب مشروعة.. المشكلة هى أنها انجرفت وشردت بعيدا وبسرعة. ويعتمد منظرو الووكيزم على نظرية التفكيك التى نادى بها فى السبعينيات الفلاسفة الفرنسيون ولا يمكننا أن نفهم الووكيزم دون استيعاب مفهوم التفكيك. وسأعود بالطبع إلى مناقشة هذا فى مقالاتى القادمة. ويهاجم أصحاب نظرية الووكيزم بعنف نموذج المجتمع الغربي؛ فهم يرون أن هذا النموذج تم تأسيسه بحيث يكون هناك مهيمنون من جهة، وأشخاص يتم السيطرة عليهم من جهة أخرى ألا وهم الأقليات وطبقا للوكيزم، الطبقة المهيمنة تضم البيض، الذكور ولكنها رأسمالية أيضًا، أما الأقليات فتضم بشكل رئيسى الأقليات الجنسية والأقليات العرقية والنساء. وفى الحقيقة تدين حركة الووكيزم كل شيء، فكل شيء يتم تكوينه فى هذه الحركة بالشكل الذى يتمكن فيه البعض من السيطرة على الآخرين.. على سبيل المثال، المعيار الجنسى المغاير ما هو إلا مجرد مفهوم ليس له أصل فى الطبيعة، وما يسمى بموضوعية العلوم الغربية ما هو إلا نتاج لهيمنة البيض، والعنصرية ما هى إلا نظام محدد. وفى الحقيقة وفقا لهذه الحركة، فإن الدول فى خدمة سياسة عنصرية تبنى المجتمع فى حين أن نموذج السلطة الأبوية والأسرة التقليدية محكوم عليه بالفشل لأنه يضطهد المرأة.
وتعمل الووكيزم فى فرنسا على تقسيم المجتمع والذى يعتبر منقسما بالفعل فى الفترة الحالية. وبالفعل نحن نشهد ظاهرة «تشرذم المجتمع» فهم يتحدثون عن كراهية الجميع للجميع وتشكل الووكيزم تهديدا لنموذجنا الجمهورى وتدعونا إلى التفكير بشكل عاجل فى مفهوم الصالح العام. هذه الحركة تسلط الضوء على إحدى خصائص المجتمعات الغربية، وهى الميل الفردى والجماعى إلى كراهية بعضنا البعض، والشعور بالذنب والتوبة. وهذه الخاصية تصب فى مصلحة الووكيزم وينتهج أصحاب هذا الفكر مبدأ «الضحية». فى الحقيقة، حركة الووكيزم تقوض حرية التعبير فهى تريد إسكات كل من لا يفكر مثل أعضائها حيث يلجأون إلى ذلك بعنف لا يعرف أحد حدوده.. إنها ثقافة التجاهل والإلغاء! إنها ظاهرة مقلقة للغاية؛ فحركة الووكيزم معقدة وعرضها ومناقشتها بشكل وجيز يعرض المؤلف الذى يناقشها لشرك الوقوع فى السطحية بل يوشك أن يتهم بالهزلية!.
معلومات عن الكاتب:
فيليب بولس خريج كلية إدارة الأعمال حاصل على درجة الماجستير فى الإدارة ويهتم بالقضايا الاجتماعية الكبرى وحرية التعبير ويركز فى مقالاته على مفهوم حركة الووكيزم وأصولها وآثارها المدمرة فى المجتمعات الغربية، ثم مفهوم التفكيك، ونظرية النوع وغيرها من المواضيع المهمة.. ينضم للحوار بهذا المقال الذى يوضح فيه مفهوم حركة «الووكيزم» وأسباب معارضته لها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: هذه الحرکة
إقرأ أيضاً:
الحركة الإسلامية تدفع الدولة السودانية للفناء
الحركة الإسلامية تدفع الدولة السودانية للفناء
صلاح شعيب
للأسف ما تزال المواجهة العسكرية في البلاد تسير من تصعيد كبير إلى تصعيد أكبر. والمردود لكل هذا المزيد مما يلوح في الأفق من شبح انهيار الدولة ما لم يحدث اختراق إن لم تكن معجزة. فالاستقطابان المدني والعسكري العميقان اللذين مزقا وحدة الشعب السوداني بعد الحرب أفشل أي مسعى في السابق لإحداث التسوية بين طرفي القتال.
حتى الآن ما تزال حكومة بورتسودان – بضغط من قادة الحركة الإسلامية – تتعنت للتسوية في مقابل إبداء الدعم السريع الموافقة دوماً للعودة إلى طاولة المفاوضات. وبالمقابل ليس لدى القوى المدنية المركزية الآن ما تقدمه لإطفاء النيران غير المزيد من الافتراق، وقلة الحيلة، وضعف التأثير. وعلى صعيد المجتمعين الإقليمي، والدولي، لا نعثر البتة على جدية لحمل المتقاتلين على وقف إطلاق النار.
ووسط هذه التحديات تشتعل الميديا بخطاب التخوين، والعمالة، والكراهية، والبذاءة، كآخر سقوف للتعاطي مع الأزمة. وبالتزامن تراجعت فاعلية كبار السياسيين، والمثقفين، ورجالات المجتمع الحكماء، والذين فضلوا الانزواء في ظل تفاقم مناخ الابتزاز، والمزايدة.
إن المسؤول الأول عن كل هذه الحرب هو رأس الدولة، والإسلاميون من خلفه. فالحكمة السياسية للبرهان غابت منذ بدايات مسؤوليته الرئاسية الشرفية، وسعى بالتعاون مع المكون العسكري للوقوف ضد المكون المدني لفض الاعتصام الذي شاركت فيه فيالق إسلاموية داعشية من خلف المشهد. ولكن ثوار ديسمبر أجبروا البرهان وحميدتي على الرضوخ لمطالبهم حتى تمخضت الوثيقة الدستورية. ولكن المكون العسكري لم يتعظ. فعرقل الحكومة الانتقالية، وفضل التعاون السري مع قيادات الحركة الإسلامية. ولما حانت ساعة الصفر فرض البرهان وحميدتي الانقلاب الذي أفشله نضال ثوار ديسمبر.
مرة ثانية لاحت فرصة لإنقاذ الوضع بالاتفاق الإطاري، ولكن البرهان خدع القوى السياسية في الوقت الذي كان يدبر مع الإسلاميين للتخلص من الدعم السريع الذي أبدى موافقته لدعم الاتفاق الإطاري. وهكذا خلص التآمر ضد الحل التفاوضي إلى الحرب للتخلص من قوة الدعم السريع كخطوة أولى لإنهاء كل ما يتصل بثورة ديسمبر، ومؤسساتها، وخطابها، وأحزابها، ورموزها.
الآن..حصد البرهان، والإسلاميون، ثمار مشروعهم الحربي الذي أدّى إلى الكوارث الإنسانية التي لا تُخفى آثارها على أحد. فالتدمير غير المسبوق الذي يقوم به الدعم السريع للمنشآت العسكرية والحيوية كرد فعل على قصف الجيش لمناطق سيطرته ربما يؤدي إلى شل حركة البلد تماماً. وهذا ينذر بكارثة إنسانية لم تشهدها البشرية من قبل، وستكون متضاعفة عشرات المرات عما هو عليه حال السودان من كوارث.
ما تزال الفرصة سانحة لإنقاذ السودان، ومواطنيه، إذا توفرت قدرات سياسية داخلية لإيقاف الحرب مدفوعة بضغط دولي على المكونات الإقليمية الداعمة للطرفين. وبغير ذلك فإن المتوقع هو تحقيق مشروع الحركة الإسلامية القائم على تفتيت البلاد إذا لم يعودوا للسلطة مرة ثانية. وهذه هي كل قصة الحرب بلا رتوش، أو مكياج فكري، أو فقهي، ولا يفهمها إلا من أوتي البصارة بتاريخ ودوافع الإسلاميين.
لقد ظللنا منذ بدء الحرب ندعو الرأي العام، وعقلاء السودان، للضغط من أجل إيقاف الحرب اللعينة، وكشف مخططات الحركة الإسلامية لمحو تراث ثورة ديسمبر، والعودة إلى السلطة. وسنظل في هذا الموقف إلى آخر لحظة تسبق الانهيار التام لوحدة البلاد.