تجليات رحمة الرسول الكريم في تعامله مع الأطفال
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
تلهج الألسن والقلوب بالصلاة على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلـم، ونحن نتفيأ ذكرى مولده في الثاني عشر من ربيع الأول، تهبّ علينا نسائم رحمته الزكية التي يفوح شذاها من كتب السنّة النبوية، ويحتفل العمانيون بقراءة كتب «المولد» في مجالسهم العامة، فتجد جماعة المسجد يلتقون في بيت من بيوت الأهالي ويقرأون أحد هذه الكتب، وهي كتب متنوعة ومختلفة ومن أشهرها كتاب الشيخ البرزنجي، ومن الكتب العمانية كتاب «النشأة المحمدية» للعالم الشاعر ناصر بن سالم بن عديم الرواحي المشهور بأبي مسلم البهلاني.
وأنت تستمع إلى ذلك الوصف المسجوع في نظم معيّن، يحكي قصة مولده بتفاصيلها الدقيقة التي تستعرض نسبه الكريم، وزمان ولادته، وعناية الله له، منذ ولادته، ونشأته، وصفاته ووفادته إلى البصرة مع جده، وذهابه إلى بلاد المقدس مع عمه للتجارة، وصدقه وأمانته، وتحكيم قريش له في رفع الحجر الأسود، تتخلله الصلوات على النبي الكريم، مرددين قولهم: «عطّر اللهم قبره الكريم بعرف شذى من صلاة وتسليم، اللهم صلِّ وسلّم وبارك عليه».
فهو الرحمة المهداة للبشرية، فالله تعالى منَّ علينا بهذا الرسول الكريم رحمة بنا فقال تعالى في سورة الأنبياء «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ».
وهذه الرحمة تتجلى في معناها العام المتمثل في تبليغه الرسالة لهداية الناس إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم، وإشفاقا عليهم، وتتمثل في معناها الخاص في كون الرحمة صفة أصيلة جبلية في ذات النبي صلى الله عليه وسلـم، ظاهرة في مواقفه وأقواله وأفعاله التي كانت نموذجا يُحتذى ومثالا يُقتدى، حتى ضرب بمواقفه الجليلة أعظم الأمثلة التي تعد غاية الرحمة وأقصى حدودها البشرية.
ولو تأملنا بعض ملامح رحمته فيما يتعلق بتعامله مع الأطفال، لوجدنا الكثير من المواقف التي يغرس فيها الرسول الكريم رحمته مغلّفة بتوجيه أو تعليم أو تعزيز لسلوك حميد، فمن تلك المواقف التي وردت في صحيحَي البخاري ومسلم وكتب السِّير أن النَّبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل على أمِّ سليمٍ فرأَى أبا عُميرٍ حزينًا فقال يا أمَّ سليمٍ ما بالُ أبي عُميرٍ حزينًا قالت يا رسولَ اللهِ مات نغرُه فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا عُميرٍ ما فعل النُّغيرِ».
ففي هذا الموقف الجليل نجد الرسول صلى الله عليه وسلـم على جلالة قدره وعظيم منزلته نجده يواسي هذا الطفل الذي مات عصفوره، فهو يعزز سلوك الرحمة المتمثل في حزن هذا الطفل على موت عصفوره الصغير، كما أنه يشاركه الاهتمام تسلية له ودفعا للحزن عنه، وتضامنا معه، فيقول له يا أبا عمير ما فعل النغير، أي أخبرني خبر هذا العصور وكيف مات، وقبل ذلك كله نجد الرسول الكريم لمح الحزن في وجه هذا الطفل، فسأل عن سبب حزنه وبادر إلى تخفيف ذلك الحزن بمشاركة الاهتمام بالحدث الحاصل، وهذا تواضع عظيم من صاحب النفس الزكية عليه أفضل الصلاة والسلام.
وفي موقف آخر نجد عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما يحكي: كنتُ غلامًا في حجر رسول الله صلـى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلـى الله عليه وسلم: «يا غلام، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك»، فما زالت تلك طُعمتي بعد.
فتأمل هذا الموقف الذي يشي بالكثير من المعاني العظيمة؛ فتصوَّر هذا الطفل بأنه كان يأكل وهو يجلس في حضن رسول الله صلى الله عليه وسلـم وهو يجلس القرفصاء، فهذه رحمة من الرسول الكريم لأبناء المسلمين بأن يشاركهم طعامه بل ويُجلسهم في حضنه الكريم ولكن هذه الرحمة مزجها عليه الصلاة والسلام بتعليم لطيف، إذ أمره بأن يذكر اسم الله قبل الطعام، وأن يستعمل يده اليمنى في الأكل، وأن يأكل من أمامه. فهذه نصيحة يأخذ بها كل مسلم في آداب الطعام.
كما أن الرسول الكريم في تعامله مع الأطفال يجعل لهم اعتبارا لشخوصهم فيحفظ لهم حقوقهم في المجلس، ويُجلسهم بقربه، ويستأذنهم في حقوقهم، وإن لم يأذنوا أثبت لهم تلك الحقوق، فمما جاء في الصحيحين «أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بشَرَابٍ، فَشَرِبَ وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ، فَقالَ لِلْغُلَامِ: إنْ أذِنْتَ لي أعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ، فَقالَ: ما كُنْتُ لِأُوثِرَ بنَصِيبِي مِنْكَ يا رَسولَ اللَّهِ أحَدًا، فَتَلَّهُ في يَدِهِ». ويقول الرواة بأن الذين كانوا عن يساره منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم، ولكن على الرغم من ذلك فقد استأذن الرسول الكريم هذا الغلام، وعندما أبى وذلك لأنه أراد أن يحظى ببركة وشرف الشرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلـم، فأثبت رسول الله له هذا الأمر، ليعطينا دروسا في التربية وأن السنّة في الشرب أن يبدأ باليمين.
ومما يؤكد الرحمة الجبلية التي عند رسول الله صلى الله عليه وسلـم ما روي عن بُريدةَ، قالَ: خطبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فأقبلَ الحسنُ، والحسينُ رضيَ اللَّهُ عنْهما، عليْهما قَميصانِ أحمرانِ يعثُرانِ ويقومانِ، فنزلَ فأخذَهما، فصعِدَ بِهما المنبرَ، ثمَّ قالَ: صدقَ اللهُ: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، رأيتُ هذينِ فلم أصبِرْ، ثمَّ أخذَ في الخطبةِ.
فلنتأمل قوله عليه الصلاة والسلام «فلم أصبر» أي أن طبعه وجبلته في الرحمة لم يستطع مقاومتهما رحمة بهما، على الرغم من صعوده المنبر وتجمّع الناس حوله وهو يخطب بهم.
والأعجب من ذلك ما روته الموسوعة الحديثية من رواية «أبو قَتادةَ الحارِثُ بنُ ربعيٍّ الأنصاريُّ رضِي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَجَ عليهم وكان يَحمِلُ على عاتقِه -وهو الموضعُ ما بيْن الكَتِفِ والعُنُقِ- حَفيدتَه أُمامةَ بنتَ أبي العاصِ بنِ الرَّبيعِ الأُمَويِّ، وأمُّها زَينبُ بِنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانت صَبِيَّةً صَغيرةَ السِّنِّ، فصلَّى بهم الفريضةَ وهو يحمِلُها على عاتِقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعند أبي داودَ ذَكَر أنَّها كانت صلاةَ الظُّهرِ أو العَصرِ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحمِلُها في قيامِه، فإذا ركَعَ وضَعَها على الأرضِ، ثم يسجُدُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإذا رفَع مِن الرُّكوعِ حمَلها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورفَعها معه، وفي روايةِ أبي داودَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يحمِلُها على عاتِقِه، فإذا ركع وضَعَها على الأرضِ ويركَعُ ويَسجُدُ، ثم يَرفَعُها إذا استوى قائمًا بعد السُّجودِ، ويفعَلُ هذا في كُلِّ ركعةٍ حتى فرغ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن صَلاتِه».
فالإسلام دين يُسر ورحمة فهذا الفعل الذي قام به النبي الكريم هو دلالة واضحة لوجوب الرحمة والرفق مع الأطفال، ومن المعلوم بأن الصلاة موضع خشوع وخضوع وتذلل لله عز وجل ولكن ما فعله الرسول من رحمة الطفلة استجلابا لرحمة الله عز وجل.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُقبِّلُ الحَسَنَ بنَ علِيٍّ، فقال الأقرَعُ بنُ حابِسٍ: إنَّ لي عَشَرةً مِن الوَلَدِ، ما قبَّلتُ منهم أحَدًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ».
فرحمة الضعيف والطفل هو استدرار لرحمة القادر القوي عز وجل، وتقبيل الأطفال والإحسان إليهم يشعرهم بالطمأنينة والأمان، وأثبتت الدراسات الحديثة أن الأطفال محتاجون عاطفيا إلى التقبيل والضم لما ينعكس ذلك عليهم إيجابا في تكوينهم العاطفي والسلوكي.
كما أنه صلى الله عليه وسلـم منع أن يُكذب على الطفل، فقد روى عبدالله بن عامر بن ربيعة أنه عندما كان طفلا: دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قاعدٌ في بيتِنا فقالتْ: ها تعالَ أُعطيكَ فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وما أردتِ أنْ تعطيهِ؟ قالتْ: أُعطيهِ تمرًا، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ.
فالرسول يأمر بغرس المعاني الحميدة في قلوب الأطفال مثل الصدق، ويحرّم أن يكذب على الطفل، فلا يجوز للوالدين أو سواهما أن يكذبا على الطفل سواء كان ذلك من باب التخويف، أو من باب الوعد والعطاء؛ فالكذب على الأطفال يجعلهم يعتقدون بأن الكذب والاحتيال جائز ومقبول، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلـم بالإضافة إلى معاني الصدق، فهو يرحم الطفل أن تؤمله أمه بأن تعطيه شيئا ثم لا يجد ما وعدته أمه به.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلـم ى الله علیه وسل الرسول الکریم مع الأطفال هذا الطفل ی الله کما أن
إقرأ أيضاً:
عن الذين خاطروا بأنفسهم وأموالهم فلم يرجعوا من ذلك بشيء
مع إقبال أيام العشر من ذي الحجّة يبدأ الحديث عن فضائل هذه الأيّام وعن فضل العمل الصّالح فيها وأنّ العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى، وعمدة الاستشهاد على هذا المعنى هو الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ". وللحديث رواية قريبة عند الترمذي وغيره يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ".
عادة ما ينصبّ الاستشهاد والاستدلال بهذا الحديث على أنّ العمل الصالح بمفهومه العام أفضل حتى من الجهاد في سبيل الله تعالى، وقلّة هم الذين يلتفتون ويتوقفون مليّا عند ذلك الرجل الذي خصّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالذكر؛ مبينا أنّه لا يفوقه أحد فضلا ولا يتفوق عليه مؤمن عملا، وهو الرجل المخاطر بنفسه والمخاطر بماله ملقيا بها في مواطن الواجب والجهاد والنصرة فلم يرجع من نفسه ولم يرجع من ماله بشيء.
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلفت أنظار أمّته على مرّ الزمان إلى النّموذج الذي يصنع الفرق في الانتصار والتغيير، فكلّ الأعمال الصالحة جليلة، وكل الأعمال الصالحة خير وبركة، لكن عليكم أن تنتبهوا إلى أنّ أعظم الأعمال وأجلّ الأعمال التي لا يسبقها متسابق ولا يدرك شأوها مغامر؛ هي تلك التي تنطوي على إلقاء المرء نفسه في مواطن الخطر مقتحما ومضحيا وغير هيّاب بأحد.
إنّها المخاطرة بالنفس في زمن الخوف والركون وحب الدنيا وكراهية الموت وهيمنة الغثائيّة، والمخاطرة بالمال في زمن الملاحقة والاتهام، وتجفيف المنابع وتجريم الإنفاق في مواطن الحق والنصرة؛ المخاطرة وحدها التي ترهب العدو وتحرّر الأوطان وتصنع التغيير وتهدم الباطل وتحقّ الحقّ، وما أعظم تلك المخاطرة حين تبلغ منتهاها فيصل المال إلى موطن الواجب وتصل الرّوح إلى مستقرّها فتحطّ رحالها في الجنان التي طالما تاقت إليها، وهذا هو ما أشار له رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قيل له: "يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ".
وإنّ هذه المخاطرة بالنفس والمال منسجمة مع طبيعة هذه الأيّام التي هي أيّام التكبير المطلق ثم المقيّد، فمن عرف أنّ "الله أكبر" حقا وأيقن بذلك حق اليقين فإنّه لا يهاب ظالما ولا يخاف عدوا ولا يذل لمتغطرس ولا يتقهقر أمام عدوّ؛ وما أعظم الكلمات التي صدح بها الأستاذ والزعيم الإسلامي عصام العطار رحمه الله تعالى يوما على منبر مسجد جامعة دمشق وهو يهدر بمعاني "الله أكبر" في وجه الظالمين، وكان ممّا قاله يومها:
"اللهُ أكبـر رَمْزُ صُمودِنَا
اللهُ أكبـر روحُ جهَادِنا
اللهُ أكبـر سِـرُّ قُوّتِنا وانتصارِنا
اللهُ أكبـر بها صَدَعْنا كلَّ باطِل
اللهُ أكبـر بها قَصَمْنا كلَّ جَبّار
اللهُ أكبـر بها نُواجِهُ كلَّ طَاغُوت
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، لا إلهَ إلاّ الله
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، ولِله الحمد
اللهُ أكبـر نَشُـقُّ بها دَيَاجيرَ الظلامِ والْيَأْس
اللهُ أكبـر نُوقِدُ بها مَصَابيحَ الأَمَلِ والْفَجْر
اللهُ أكبـر نَطْرُدُ بها روحَ الهزيمةِ والْوَهْن
اللهُ أكبـر نُحْيي بها مَيِّتَ العَزَائِمِ والهِمَم
اللهُ أكبـر نُحَوِّلُ بها الضعيفَ قوِيّا، والجبانَ شُجاعا، ونُحَقِّقُ بها انتصارَ الحريَّةِ والكَرامَة، والحقِّ والعَدالَة، والإحسانِ والْخَيْر
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، لا إلهَ إلاّ الله
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، ولِله الحمد
يا إخْوَتي؛ يا أخواتي: امْلؤوا قُلوبَكُمْ وعُقولَكم، وحَنَاجرَكُمْ وَأَجْوَاءَكُم، وسَمْعَ الزَّمَانِ والمكانِ بهذه الكلمةِ العظيمةِ الخالدةِ: اللهُ أكبـر.
اللهُ أكبـر تُحَرِّرُكُمْ مِنْ أهوائكُمْ وشَهَوَاتِكُمْ وأخطائكُمْ، وظُلْمِكُمْ لأنفسِكُمْ وغَيْرِكم، كما تُحَرِّرُكم مِنْ كلِّ طاغيةٍ ظالمٍ آثِمٍ مُسـْتَكْبرٍ جَبّار.
اللهُ أكبـر تَرْفَعُكُمْ، عندما تُخالِطُ قُلُوبَكم وعُقولَكم وَدِمَاءَكُمْ، فَوْقَ هذه الدُّنْيا، فوقَ شـدائدِها وَمُغْرِياتِها، فوقَ صَغَائِرِها وَتَفَاهَاتِها، وتَصِلُكُمْ باللهِ عَزَّوَجَلّ وبالْخُلُود، وتَفْتَحُ لكُمْ أَبْوَابَ الجنّةِ، وأبوابَ المسـتقبلِ الزاهرِ المنشـود.
اللهُ أكبـر تجعلُ الحقَّ رَائِدَكُمْ، والعدلَ مَنْهَجَكم، والخيرَ بُغْيَتَكم، واللهَ قَصْدَكُمْ وغايَتَكُم، وتجعلُ قُوّتَكم مِنْ قُوَّةِ اللهِ عزَّ وجلّ".
فعندما تغدو القلوب والأرواح معجونة بهذا النداء العلويّ المهيب يُصنَع الرجل المخاطر بنفسه وماله الذي يقتحم مواطن الردى حاملا روحه على كفّه طالبا حياة حقيقيّة لا ذلّ فيها ولا هوان، وهذا الرّجل المخاطر هو أعظم العاملين في زمن الأعمال الصالحة والمواسم الفاضلة، فلا يسبقه حاجّ متبتّل، ولا يسبقه قائم لا يفتر، ولا يسبقه صائم لا يفطر؛ فهو الذي به يغدو الإسلام عزيز الجانب، ويجد المسلم معنى وجوده ومغزى بقائه؛ فطوبى للمخاطرين بأنفسهم وأموالهم في زمن الهزائم المرّة.
x.com/muhammadkhm