تحليل أمريكي: يجب ردع العدوان الحوثي لكي لا يتحول إلى "حزب الله الجنوبي"
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
*معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
*مايكل نايتس هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن وأحد مؤسسي منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات" التابعة للمعهد
*فرزين نديمي هو زميل أقدم في المعهد، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية لمنطقة "الخليج العربي"
من الضروري إنهاء الحرب في اليمن وتسهيل المسارات الدبلوماسية الأمريكية السعودية الأخرى، إلا أن شيئاً من ذلك لن يتحقق إذا تمّ التغاضي عن الخطوات الكبيرة التي اتخذها الحوثيون في مجال العسكرة.
أدّى الهجوم الذي شنّه الحوثيون بطائرة مسيّرة في 25 سبتمبر على الجانب السعودي من الحدود مع اليمن إلى مقتل جنديّين بحرينيّين يعملان هناك تحت راية التحالف الذي تقوده السعودية، كما توفي جندي ثالث بعد يومين متأثراً بجراحه. وبالإضافة إلى إثارة غضب البحرين، فقد انتهك هذا الهجوم أيضاً قرار وقف إطلاق النار المُطَبّق إلى حدّ ما منذ أغسطس 2022 على الرغم من الهجمات الدورية التي يشنّها الحوثيون على الأرض وبالطائرات بدون طيّار.
والجدير بالذكر أن الحادث جاء بعد أيام فقط من الاستعراض العسكري الواسع النطاق الذي أقامه الحوثيون المدعومون من إيران في صنعاء احتفالاً بالذكرى التاسعة لانقلابهم عام 2014 ضد الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وتضمّن استعراض القوة الذي أُجري في 21 سبتمبر أول عرض طيران لطائرة مقاتلة تم ترميمها، بالإضافة إلى صواريخ باليستية جديدة إيرانية التصميم تم تصنيعها على الرغم من حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، ويُزعم أنها قادرة على الوصول إلى إسرائيل.
وتعدّ هذه التطورات بمثابة تحذير من أن الحوثيين يبنون قوّتهم لتكثيف هجماتهم واختبار العزيمة اليمنيّة والخليجية في الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة وأوروبا والسعودية والإمارات العربية المتحدة على البقيّة الباقية من الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة لتحقيق السلام بشروط يمليها الحوثيون. ولذلك من الضروري إيجاد توازن بين الرغبة الدولية في تحقيق السلام بأي ثمن -رغم أنه يمكن تفهمها- والرغبة في ردع العدوان الحوثي المستقبلي، واحتوائه إذا لزم الأمر.
الإنجازات العسكرية والفنية للحوثيين
على الرغم من المظهر البرّاق اللافت للنظر للطائرة المقاتلة من طراز "إف-5" التي تعود إلى حقبة سبعينيات القرن الماضي وهي تحلق فوق صنعاء، إلا أن العنوان الحقيقي للعرض العسكري الذي أقيم الأسبوع الماضي كان الإشارة الضمنية إلى الزيادة في نطاق صواريخ الحوثيين ودقتها. وتشير جميع الأدلة الظاهرة إلى تزايد الانخراط الإيراني نحو الهدف النهائي المتمثل في جعل قدرات الجماعة على قدم المساواة على الأقل مع قدرات "حزب الله" اللبناني بدلاً من أن تبقى وكيلاً من الدرجة الدنيا (على الرغم من أن "حزب الله" اللبناني يميل إلى أن يكون أكثر حذراً بشأن عرض بعض قدراته، على الأرجح بسبب الخوف من عمليات الاعتراض الإسرائيلية).
تلقين جيل جديد من المقاتلين
سعى العرض أيضاً إلى إبهار الخصوم باستعراض القوة البشرية. وزعمت وكالة الأنباء اليمنية ("سبأ") الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أن "حوالي 35 ألف جندي من مختلف التشكيلات العسكرية شاركوا في العرض العسكري من الكليات الحربية والبحرية والطيران والقوات الجوية والبرية والبحرية والدفاع الجوي والساحلي والقوات الخاصة والشرطة العسكرية وكتائب «الفتح»" (وهي هيئة حديثة العهد لا تاريخ لها قبل الحوثيين). وبالفعل يقوم الحوثيون بعسكرة السكان على نطاق لم يسبق له مثيل حتى الآن في اليمن، وهو ما لا يوحي بأنهم مستعدون لقبول السلام.
هيئة التعبئة العامة
حشد هذا الفرع الجديد في وزارة الدفاع ما يُقدر بنحو 130 ألف مجند من الشرائح الأكثر فقراً في المجتمع، والذين يفضلون حتى تقاضي الحد الأدنى من الراتب الذي يبلغ حوالي 30 دولاراً شهرياً على العيش في فقر مدقع.
مسؤول الإعداد للجهاد الحوثي (المعروف أيضاً بـ"مسؤول اللجنة المركزية للتجنيد والتعبئة")
يعمل صاحب هذا المنصب تحت الغطاء الرسمي لـ"هيئة التعبئة العامة"، ويشغله رئيس "الهيئة" عبد الرحيم الحمران. وبتوجيه منه، يقوم العديد من مشرفي المحافظات الحوثية، و"مديري شؤون الأحياء"، و"شيوخ الأحياء" بتمشيط المنازل بحثاً عن ذكور بلغوا سن التجنيد ومواصلة تحديث نظام الموارد البشرية العسكرية.
كتائب الشؤون اللوجستية والدعم لقوات التعبئة الشعبية ("الباسيج") التابعة للحوثيين
وهي قوة تعبئة احتياطية موازية يديرها مسؤول الإعداد للجهاد وهي شبيهة بقوات "الباسيج" الإيرانية. ويتولى تطوير هذه الكتائب قاسم الحمران (المعروف أيضاً باسم أبو كوثر)، الذي كان يشرف سابقاً على وزارة الشباب والرياضة.
الجنود الأطفال
وفقاً لما أشار المحلل غريغوري جونسن مؤخراً، "إن الحوثيين هم - إلى حد بعيد - أكبر الجهات التي لديها جنود أطفال في اليمن". ونقلاً عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالشأن اليمني، كتب أنه حتى أثناء وقف إطلاق النار، يستمر الحوثيون في "التلقين العقائدي والتجنيد، وفي بعض الحالات، التدريب العسكري للأطفال"، باستخدام وسائل مثل المعسكرات الصيفية، والأناشيد الإذاعية الشعبية، والكتب الدراسية، والملصقات العامة التي تمجّد "الشهداء" من الأطفال.
بعبارة أخرى، يستخدم الحوثيون أساليب "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" و"حزب الله" في عسكرة مجتمعهم وإنشاء البنية التحتية للتعبئة الدائمة. وبذلك، أصبح الجيش الحوثي، أكثر من أي وقت مضى، قوة تخضع لغسل دماغ عقائدي، إذ إن "دائرة الإرشاد الروحي" التابعة له تعمل منذ ما يقرب من عشر سنوات، وكان جنودها الأصغر سناً مجرد أطفال صغار عندما استولى الحوثيون على صنعاء في عام 2014. ومن المرجح أن الكثيرين لا يتذكرون حقبة ما قبل الدعاية الحوثية التي ما زالت حتى يومنا هذا تحمل عنوان "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وتجدر الإشارة إلى أن هذا الشعار كان مطبوعاً على جانب الطائرة اليمنية القديمة الأمريكية الصنع التي طيّرها الحوثيون فوق عرضهم العسكري، وهي واحدة من منظومات الأسلحة الكثيرة التي تحمل هذه العبارات.
التداعيات على السياسة الأمريكية
يُعدّ إنهاء حرب اليمن أمراً مهماً لواضعي السياسات الأمريكيين، ليس لوقف النزاع المدمر فحسب بل للتخلص من تعقيدات ثنائية كبيرة أيضاً، في الوقت الذي تناقش فيه واشنطن والرياض الشروط المحتملة لإبرام اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي وتعميق الالتزامات الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية. وإذا تم التوصل إلى اتفاق أمني ثنائي أكثر شمولاً وإلزاماً، يجب على الولايات المتحدة والسعودية أن تكونا مستعدتين لوضع استراتيجية واسعة النطاق للردع والحد من التهديدات التي يمكن أن تمنع الحوثيين من التوسع بصورة أكثر في قدراتهم الصاروخية والطائرات بدون طيار وأسلحتهم المضادة للسفن والأسلحة الحربية البرية.
وبالإضافة إلى ضمان التوصل إلى اتفاق سلام عادل في اليمن، فإن هذا يعني أيضاً اتخاذ خطوات ملموسة لفرض حظر الأسلحة الصادر عن الأمم المتحدة ومنع التحولات المزعزعة للاستقرار في ميزان القوى العسكري والتي قد تعيد إشعال الحرب. وتشمل هذه الخطوات:
تعزيز عمليات الاعتراض البحري
بما أنّ الحوثيين يدّعون امتلاك صاروخ باليستي متوسط المدى قادر على الوصول إلى إسرائيل، يجب على السلطات أن تراعي احتمال استمرار نقل أنظمة التوجيه والمحركات وخزانات الوقود السائل الكبيرة إليهم على الرغم من الحظر. ومع ذلك، فإن أي تقدير لقدرة الحوثيين الصاروخية واستدامتها سيعتمد على النسبة المئوية لهذه الأسلحة التي يتم إنتاجها في اليمن.
فرض عقوبات على قادة الحوثيين لارتكابهم مجموعة كبيرة من الانتهاكات، بدءاً من نشر الصواريخ والطائرات بدون طيار وإلى جهود "الإعداد للجهاد" وتجنيد الجنود الأطفال.
السعي إلى فرض حظر من جانب الأمم المتحدة على الشحن الجوي المباشر ورحلات الركاب المباشرة بين اليمن ولبنان وإيران وسوريا والعراق.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: الأمم المتحدة على الرغم من فی الیمن حزب الله
إقرأ أيضاً:
رؤية قرآنية تصنع أمة مجاهدة لا تخاف الموت .. الشهادة والشهداء في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)
في زمن تتقاذف فيه الأمة موجات الهزيمة النفسية والضعف الروحي، برز الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) كمفكر ومجاهدٍ فريد، أعاد للأمة الإسلامية قيم العزة، والوعي، والاستعداد للتضحية. وفي قلب مشروعه القرآني المتجدد، تأتي الشهادة وقضية الشهداء كأحد أهم مرتكزات بناء الإنسان القرآني.يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
لم ينظر الشهيد القائد إلى الشهادة كمجرد “حدث” أو “نهاية”، بل قدّم رؤية متكاملة تجعل منها أسمى طموح الإنسان المؤمن، ووسيلة لبناء الأمة وتحقيق الانتصار الحقيقي.
الشهادة .. إلغاء لمفهوم الموت وبناء لروح الحياة
يبدأ الشهيد القائد حديثه عن الشهادة من أساس قرآني متين، حيث ينسف المفهوم التقليدي للموت في سبيل الله، منطلقاً من قول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، وفي شرح الشهيد القائد، يُلغى الموت من قاموس المجاهد، لا يُنظر إلى الشهيد كميت، بل كحيّ عند ربه، في كرامة دائمة وفضل إلهي عظيم، ليس ذلك فقط، بل إن إلغاء الموت هو وسيلة لدفع المؤمن نحو ميادين التضحية بدون تردد، حيث قال رضوان الله عليه : أن تخوفه بالقتل، فبماذا تخوفه؟ هو مجاهد يبحث عن الشهادة.
أعزة على الكافرين .. العزة التي تُترجم إلى مواقف
يبرز الشهيد القائد النموذج القرآني للمجاهد ، القويٌّ في وجه الأعداء، الرقيق والعطوف مع إخوانه، المتحرّك بنَفَس إيماني دون تردد أو تسويف، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، العزة هنا ليست صفة تجمّل الخطاب فقط، بل سلوك عملي وموقف سياسي وعسكري، يجعل من المجاهد إنسانًا رافضًا للخضوع، ينطلق بذاته وماله قبل أن يُطلب منه، وليس ممن “يثاقل إلى الأرض” أو “ينتظر من يدفعه”.
الشهداء صفوة مختارة والشهادة فضل من الله
الشهداء في رؤية الشهيد القائد ، هم صفوة اختارهم الله واصطفاهم الله، ومنحهم كرامة التفضيل، فهم من اختارهم الله ليمثلوا مشروعه في الأرض، ليكونوا البديل عن القاعدين والمثبطين، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}
أليس هذا اصطفاء من جانب الله لهم؟ تفضيل من الله أن اختارهم هم؟ ، هم الذين آمنوا بحقيقة أن الجهاد مهمة ربانية لا تُؤدى من باب التسلية أو المصلحة، بل استجابة خالصة لله، واستعداد للتضحية بالنفس والمال دون مقابل دنيوي.
المجاهدون لا يُشترون .. تفكيك ظاهرة الارتزاق
الشهيد القائد يفصل بوضوح بين المجاهد الصادق، وذلك المرتزق الذي يتحرك لأجل السلاح أو المال أو المصالح، وفي معرض نقده لظواهر الاستغلال التي رافقت بعض المعارك السابقة، يُبرز أن المجاهد الحقيقي لا ينتظر بندقًا أو صرفة: ما كانوا يوم ملكي ويوم جمهوري؟ مرة هنا ومرة هناك .. هؤلاء متعيشين، مرتزقة،
بينما المجاهد الحق كما يؤكد رضوان الله عليه ، ينطلق بنفسه وماله، بدافع الإيمان، وبهدف واحد، وهو نُصرة دين الله، ونيل إحدى الحسنيين ، النصر أو الشهادة.
ثقافة الشهادة .. صناعة أمة لا تُهزم
في فكر الشهيد القائد، الشهادة مشروع نهضوي، الأمة التي تحب الشهادة وتستعد لها، أمة لا تُهزم، والشهادة تصنع وعيًا، وتزيل الخوف، وتُربّي الإنسان على العزة والكرامة، وهو يرفض تصوير الشهيد كضحية، بل يؤكد أنه صاحب فضل، فائز، حاز على أرفع درجات الاصطفاء، هم ممن حازوا هذا الفضل العظيم .. هم مفلحون، فائزون، وليسوا متورطين.
الشهادة حياة وبعث لا نهاية
واحدة من أعمق أفكار الشهيد القائد التصويرية ، أن الشهيد لا يموت كما يموت الآخرون، بل ينتقل، االمجاهد لن يموت كما يموت الآخرون .. روحه تنتقل من بذلة لتعود إلى جسم آخر، كما تخلع الثوب وتلبس غيره.
هذا التشبيه يُبرز أن الحياة الحقيقية للإنسان تبدأ بعد الشهادة، وأن الموت لم يعد تهديدًا للمجاهد، بل أملًا ومقصودًا يُطمح إليه.
الشهادة قمة في الاستسلام الواعي والطوعي للهفي فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، لم تكن الشهادة مجرد خاتمة بطولية، بل تتويجًا لمسارٍ إيمانيٍّ شامل، يبدأ من لحظة وعي الإنسان بمسؤوليته أمام الله، وتُعد الآية الكريمة: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ، مفتاحًا لفهم هذا المسار، فهو ينبه إلى أن الصلاة والنسك هما مقدمة لمسارٍ أشمل، يتمثل في أن الحياة والموت نفسيهما يجب أن يكونا لله، أي أن المؤمن لا يكتفي بأداء شعائر ظاهرية، بل يحوّل حياته كلها إلى ميدان عبادة، وموته إلى ختام لتلك العبادة، عبر السعي الواعي نحو الشهادة في سبيل الله.
ولذلك علّق الشهيد القائد قائلاً: لا يصح أن يُقال أمرت أن تكون حياتي بيد الله، لأن هذه قضية حتمية، لكن أمرت أن تكون حياتي لله، ومماتي لله، وهذا لا يكون إلا بجهاد، وسعي للشهادة.
الشهادة .. أعظم استثمار للموت
يرى الشهيد القائد أن الله برحمته الواسعة فتح أمام الإنسان فرصة استثمار الموت، الذي هو حتميٌّ لكل البشر، بحيث لا يكون الموت مجرد نهاية، بل وسيلة للفوز بالرضوان الإلهي والخلود في الجنة، (عندما يكون لدى الإنسان هذا الشعور: نذر حياته لله ونذر موته لله، فهو فعلاً من استثمر حياته، واستثمر موته) ، وهذا الشعور كما يؤكد رضوان الله عليه ليس حالة استثنائية، بل هو سمة أصيلة للمؤمنين الحقيقيين الذين باعوا أنفسهم لله: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾
الإمام علي عليه السلام نموذجًا .. فزت ورب الكعبة
استلهم الشهيد القائد من سيرة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مثالًا على أرقى مشاعر نذر النفس لله، حين بُشّر بالشهادة، فلم يهتم إلا بسلامة دينه: ((يا رسول الله، أفي سلامة من ديني؟ قال: نعم. قال: إذن لا أبالي)).
رسالة عظيمة يُطلقها الإمام علي عليه السلام، إن الشهادة مقبولة ومحبوبة إذا كانت في سبيل الله وبحفظ الدين، هذه المشاعر لا تنبع من ضعف، بل من قوة إيمانية تدفع الإنسان لتجاوز غريزة التعلق بالدنيا، وجعل سلامة الدين فوق كل اعتبار.
حضور النموذج الجهادي وأثره في غرس ثقافة الشهادة
ينبّه الشهيد القائد إلى خطر تغييب الرموز الجهادية، وتغليب المشاهد العاطفية المنزوعة من روح البطولة، فيقول منتقدًا الاكتفاء بترديد أسماء مثل محمد الدرة فقط، دون إبراز القادة المجاهدين كعباس الموسوي ويحيى عياش: لأول مرة أسمع أنشودة لم تعجبني إطلاقًا .. نحتاج إلى أن ننشد للأبطال الذين سقطوا في ساحة المواجهة.
ويشدد على أن الرموز الجهادية تصنع وعيًا، تلهم نفوس الناس روح الفداء، وتُبقي ثقافة الشهادة حيّة، أما التركيز على مآسي عاطفية دون ربطها بسياق المواجهة والجهاد، فيفرغ القضية من جوهرها.
الشهادة ..عنوان الأمة التي تنصر الله
يعمق الشهيد القائد في هذا المحور الإدراك بأن الأمة التي لا تُنذر أبناءها لله، لا يمكن أن تكون أمة ناهضة، أمة تنشد الأمن دون تضحية، وتطلب العزة دون دماء، لن تنتصر، (ولا يمكن للمؤمنين أن يعلوا كلمة الله، ولا أن يكونوا أنصارًا لله، ما لم يكن لديهم هذا الشعور، أنهم نذروا حياتهم وموتهم لله)،
إن قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ﴾ في فكر الشهيد القائد هو بيان تكليف إلهي شامل، يجعل الشهادة ليست مجرد نتيجة بل غاية مقصودة، وسعي واعٍ ومحبوب لله، من يحمل هذا الوعي، يعيش لله ويموت لله، ويصنع من موته بوابة للحياة الأبدية.
الشهادة ضمانة للربح الحقيقي والخلاص الأبدي
يرى الشهيد القائد، أن الشهادة ، هي الضمانة الوحيدة للربح الأبدي، فالإنسان الذي يخشى الموت ويهرب منه هو في الواقع أقرب إلى الموت، لأنه يُضيّع الهدف، ويعيش بقلق، ثم يموت ميتة لا معنى لها، أما الشهيد، فقد كتب الله له الحياة الأبدية، (إذا كنت تكره الموت، فجاهد في سبيل الله، واطلب الشهادة، فبذلك فقط تُقهر الموت لا تهرب منه)، ويرى الشهيد القائد أن الآيات القرآنية لم تلغِ فقط خوف الموت، بل ألغت صفة الموت نفسها عن الشهداء: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، وهنا تصبح الشهادة بوابة للحياة لا للموت، وهي أرقى درجات الاستفادة من حقيقة حتمية لا مفر منها.
الشهادة في التربية النبوية والعترة الطاهرة
يشير الشهيد القائد إلى أن النموذج النبوي في التضحية كان قائماً على تقديم النبي صلوات الله عليه وآله ، لأهل بيته وأقاربه في مقدمة صفوف الجهاد، ابتداءً من غزوة بدر، حيث قاتل أقرباء النبي وذووه في مقدمة المواجهة، كما يشير إلى أن الآية: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾، هي خطاب خاص لقرابة النبي صلى الله عليه وآله، تُلزمهم بالتفاني التام في سبيل الله، ومن هنا، فإن قضية الشهادة ليست فقط تكليفاً عاماً، بل هي رسالة آل البيت ومسؤوليتهم التاريخية، وفي المقابل، يجب على الأمة أن تفهم الدين فهماً مسؤولاً، بأن كل تكليف إلهي هو نعمة وليس عبئاً، ومن يسير على درب أهل البيت لن يرى في الجهاد إلا تشريفاً، لا مشقة.
خاتمة
إن فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه حول الشهادة ليس خطابًا عاطفيًا، بل بناء فكري عقائدي متكامل، يستمد قوته من القرآن، ويهدف إلى إنتاج أمة تتحرك بوعي وإرادة واستعداد للتضحية، وثقافة الشهادة كما طرحها ليست أداة موت، بل وسيلة حياة ونهضة، ووسام فضل إلهي يُختص به من يحملون همّ الأمة ويجاهدون في سبيل الله، وفي زمن الغربة والانحراف، ما أحوج الأمة اليوم إلى استعادة هذا الفهم الراقي للشهادة، لتكون كما أراد الله لها، {قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}.
المصادر / محاضرات ودروس الشهيد القائد رضوان الله عليه