المرزوقي يؤكد أن الثورات الديمقراطية ستتجدد.. وتوكل كرمان تقول لن نتوقف حتى ننتصر لأهداف الربيع العربي
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
أكد "مؤتمر المجلس العربي" استمرار نضاله من أجل الحرية والديمقراطية في المنطقة العربية انتصارا لأهداف الربيع العربي، الذي تتطلع لها الشعوب العربية.
وانطلقت أعمال مؤتمر المجلس العربي تحت عنوان "التحول الديمقراطي في العالم العربي.. خارطة طريق"، في مدينة سراييفو بجمهورية البوسنة والهرسك، اليوم السبت، بمشاركة نخبة من المفكرين والباحثين والنشطاء السياسيين العرب.
وقال الرئيس التونسي الأسبق - رئيس المجلس العربي، منصف المرزوقي، خلال الجلسة الافتتاحية إن "المؤتمر يجب أن يكون إضافة نوعية لمصير الديمقراطية في العالم".
وأكد المرزوقي أن "الثورات الديمقراطية ستجدد، وأن اللحظة تتطلب تقييماً للتجربة الديمقراطية في العالم العربي"، مشيرا إلى أن اجتماعهم في عاصمة البوسنة والهرسك مؤشر هام على الوضع الذي نعيشه في العالم العربي.
وأضاف: "اجتماعنا في البوسنة ليس لرثاء حال الأمة، ولكن لمواصلة الثورات الديمقراطية العربية، دائما نقول خسرنا معركة، ولكننا لم نخسر الحرب". لافتا إلى الفشل المخزي للثورات المضادة.
وأردف المرزوقي إن المعتقلين، خاصة في مصر وتونس أسرى حرب، وهم المناضلون الحقيقيون للديمقراطية في الوطن العربي"، مؤكدا أن "كلمات التضامن لا تكفي، وأنه لا بد أن يكون هناك فعل آخر لوقف المجازر والمظالم التي يرتكبها الاستبداد ومخلفاته".
الربيع العربي مستمر ولن يتحول إلى خريف
من جانبه يرى نائب رئيس المجلس العربي وزعيم حزب غد الثورة المصري، أيمن نور، أن الشعوب العربية في حاجة ماسة اليوم وأكثر من كل وأي وقت مضى لمواصلة نضال أجيال متتابعة، في سبيل الحصول على الحرية والديمقراطية.
وقال إن "مرحلة ما بعد الربيع العربي يفترض أنها تشكل وعيا متزايدا حول الاستبداد والديكتاتوريات"، مشيرا إلى أن انتشار النزعات الاستبدادية والشعبوية لا يعني أن الربيع العربي تحول إلى خريف.
وتطرق نور في كلمته إلى مهزلة ما يجري من مؤامرات مكشوفة ومفضوحة لإجراء انتخابات رئاسية في مصر،
وأكد الحاجة إلى استقلال ثان يواجه ارتهان إرادة الشعوب وضرورة خوض معارك من أجل الحرية بروح التحرير، وفي ظل التمسك بالسلمية، وقيم المواطنة والدولة المدنية.
عجلة التغيير دارت ولن تتوقف
بدورها قالت الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، إن "مواجهة الثورات المضادة ليست سوى جولة في مسار الثورة الشعبية ومراحلها التي انطلقت وستستمر".
وأكدت كرمان أن المؤتمر يأتي لاستشراف آفاق التحول الديمقراطي في الوطن العربي بمثابة تذكير للعالم بقضية ثورات الربيع العربي، مشيرة إلى أن الربيع العربي قال كلمته بأن هذه المنطقة تمر برغبة جامحة للحاق بالعصر.
وقالت "نجتمع هنا لنرفع صوتنا ونعبر عن إصرارنا لبناء رؤية عربية متشابكة تعيد لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان مكانتها"، لافتة إلى أن عجلة التغيير قد دارت في بلداننا ولن تقف قبل أن تطوي عالما كاملا من الطغيان والقمع والسجون.
وذكرت أن من حاربوا تطلعات الشعوب للديمقراطية ودولة القانون (الثورات المضادة) كانت النتيجة حروبا أهلية وانقلابات ومليشيات. واعتبرت أن "الاستبداد والجماعات المليشياوية الطائفية مرض ولا يقدم إجابات وحلولا لمشكلات مجتمعاتنا.
وبشأن دعم الثورات المضادة للربيع العربي، قالت كرمان إن "هذه المؤامرات والانكسارات والتحديات تقوي عزائمنا وتزيد من إيماننا بالتمسك بأحلامنا".
واكدت كرمان أن الربيع العربي عملية تحول تاريخية طويلة من إعادة تشكيل الوعي بالحرية والكرامة وأكدت أن "مواجهة الثورات المضادة ليست سوى جولة في مسار الثورة الشعبية ومراحلها التي انطلقت، وسوف تستمر".
واعتبرت أن "المصالحة السعودية الإيرانية مفهومة؛ لأن توجهات كلا الدولتين معادي للديمقراطية وحرية المجتمعات العربية".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن المجلس العربي مؤتمر الديمقراطية المجلس العربی الربیع العربی فی العالم إلى أن
إقرأ أيضاً:
في ذكرى ميلاده.. «نجيب محفوظ» رجل صاغ القاهرة من طين الحكايات وصنع للروح العربية مرآتها الحقيقية
في كل ذكرى لميلاد نجيب محفوظ، تُفتح نافذة سرّية على وجدان الأمة؛ كأننا نتذكّر فجأة أن هذا الرجل لم يكن مجرد روائي، بل كان «ذاكرة جماعية» تمشي على قدمين، كان يمسك بالقلم كما يمسك العازف بوترٍ حساس، يضربه برفقٍ مرة، وينفجر منه اللحن مرة أخرى، ليرسم من خلاله ملامح الإنسان في ضعفه وقوته، خضوعه وتمرده، خطيئته وخلاصه.
لم يكن محفوظ يكتب روايات بقدر ما كان يكتب خريطة الروح، يقتفي أثر الإنسان في شوارع القاهرة، يلتقط تنهيدتها، يلاحق صمتها، ويعيد تشكيلها في نصوصٍ تشبه المدن القديمة: صلبة، معقدة، لكنها مسكونة بالدفء والدهشة، في يوم ميلاده، يعود السؤال الأبدي: كيف تحوّل ابن الجمالية الهادئ إلى الأب المؤسس للرواية العربية الحديثة، وإلى الاسم الذي هزّ المؤسسة الأدبية العالمية حتى فتحت له أبواب نوبل؟
من الجمالية إلى العالم.. رحلة طفل مفتون بالأسئلة
وُلد نجيب محفوظ عام 1911 في قلب القاهرة الفاطمية، بين الأزقة التي ستصبح لاحقًا وطنًا كاملاً لأبطال رواياته. لم يكن طفلاً صاخبًا؛ كان مراقبًا، ينصت أكثر مما يتكلم، يجمع التفاصيل الصغيرة مثل مقتنيات أثرية، ليعيد صياغتها في ذاكرته بحسّ فلسفي مبكر.
طموحه الأول كان الفلسفة، وقرأ بشغف لابن خلدون وتوفيق الحكيم واليونانيين، لكنه اكتشف سريعًا أن المقال لا يسعه، وأن الرواية هي الوسيط الأقدر على حمل أسئلته الوجودية، هكذا وُلد الروائي من رحم الفيلسوف.
بدأ محفوظ بكتابة الرواية التاريخية عن مصر القديمة، قبل أن يقفز إلى الحاضر بقوة، ليُطلق أكبر مشروع روائي عرفه الأدب العربي: الثلاثية. لم تكن الثلاثية مجرد حكاية عائلة، بل كانت وثيقة حية لبنية المجتمع المصري بين الحربين، وصورة عميقة لتحولات الطبقة والسلطة والوعي.
كاتب يكتب بالانضباط قبل الإلهام.. وسر الساعة الواحدة
كان نجيب محفوظ نموذجًا نادرًا في الانضباط: يكتب ساعة واحدة فقط في الصباح، في الموعد نفسه، وبالهدوء نفسه، وكأنه موظف في محراب الكتابة.
لم يؤمن بالكتابة المزاجية، وكان يرى أن “الإبداع الحقيقي يحتاج نظامًا صارمًا، وإلا ضاع العمر في محاولات لا تكتمل”.
الغريب أن هذا الانضباط لم يُنتج نصوصًا جامدة، بل أعمالًا مليئة بالروح، مشتعلة بالحياة، وكأن تلك الساعة الواحدة كانت نافذته الوحيدة على الخلود، ورغم شهرته الطاغية، كان يتجنب الأضواء، وينفر من الكاميرات، ويعيش حياة شديدة البساطة. حتى جائزة نوبل لم يذهب لاستلامها، وبقي وفيًّا لمقهاه وأصدقائه وطقوسه الصباحية.
«أولاد حارتنا».. الجرح الذي لم يندمل
من بين كل أعماله، تبقى رواية “أولاد حارتنا” هي الأكثر إثارة للجدل، والأقرب إلى قدره الشخصي، عندما نُشرت في الأهرام عام 1959 انفجرت معركة ثقافية كبرى، ووُجهت إليها اتهامات قاسية دون أن يقرأها معظم من هاجموها.
حُوصرت الرواية لسنوات ومنعت من النشر في مصر، وأصبح محفوظ هدفًا للغضب وسوء التأويل، حتى جاءت محاولة اغتياله عام 1994 على يد شاب لم يرَ الرواية في حياته.
ومع ذلك، بقي محفوظ ثابتًا: «أنا أكتب عن الإنسان.. وليس عن العقائد»، كان يؤمن أن الأدب لا يعادي أحدًا، بل يكشف الظلم أينما كان، ويبحث عن العدالة داخل النفس البشرية قبل أن يبحث عنها في العالم.
حكيم الحارة المصرية.. الذي عرف سرّ الإنسان
يقول مقربوه إنه كان قادرًا على سبر النفوس بنظرة واحدة.
لم يكن يرفع صوته، ولم يكن ساخرًا بطبعه، لكنه كان يرى ما لا يراه الآخرون: يقرأ القلق على الوجوه، ويتتبع الشهوات الصغيرة، ويُمسك بين السطور بما يختبئ خلف الأقنعة.
ولهذا أحب الناس أعماله.. لأنهم وجدوا أنفسهم فيها، كان محفوظ يكتب عن البسطاء، لكنه في الحقيقة كان يكتب عن البشرية كلها.
ما بعد نوبل.. العالم يكتشف القاهرة من جديد
عندما مُنح محفوظ جائزة نوبل للآداب عام 1988، تغيّر مكان الأدب العربي في العالم، أصبح اسم القاهرة مرتبطًا بالرواية، وأصبحت الحارة المصرية رمزًا عالميًا للدهشة الإنسانية، ترجمت أعماله إلى لغات العالم، وتحوّلت إلى أفلام ومسلسلات قاربت الوعي الجماهيري العربي لعقود.
وبعد محاولة اغتياله، ومع ضعف يده، لم يتوقف عن الكتابة. كان يملي “أحلام فترة النقاهة” بصوت خافت، كأنها رسائل أخيرة يبعثها من على حافة الألم، وتحوّلت تلك الأحلام القصيرة إلى واحدة من أهم وأغرب تجارب السرد العربي الحديث.
في ميلاده.. نعود إلى الرجل الذي كتب ليحيا
في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ، نعود إلى الرجل الذي لم يكتب ليشتهر، بل كتب ليعيش، الذي حوّل الحياة العادية إلى ملحمة، والمقهى إلى صالون فلسفي، والحارة إلى كونٍ كامل.
نجيب محفوظ لم يكن صوت جيل، بل صوت الإنسان في رحلته القلقة نحو الحقيقة، وبين ميلاده ورحيله، بقي شيء واحد ثابتًا: «أن الأدب يمكنه أن يغيّر العالم… حين يكتبه رجل يعرف سرّ الروح».