طوفان الأقصى وتداعياتها على المشهد المصري
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
لا تختلف مشاعر المصريين عن غيرهم من الشعوب العربية والإسلامية تجاه عملية طوفان الأقصى رغم عدم قدرتهم على التعبير عنها شعبيا بحكم القبضة الأمنية، بل هي أكثر تفاعلا عن غيرها بحكم العلاقة الجغرافية والتاريخية مع القطاع الذي كان جزءا من الإدارة المصرية بعد نكبة 1948.
غياب التعبير الشعبي العاجل عوّضه مؤقتا مواقف وبيانات مؤسسات مصرية رسمية أو أهلية، فبيان الخارجية المصرية كان متوازنا هذه المرة، إذ حمّل سلطات الاحتلال المسئولية عبر اعتداءاتها المتكررة ضد الشعب الفلسطيني، كما حذرها من مغبة الانتقام من الشعب الفلسطيني.
ليس متوقعا أن يتأخر كثيرا رد الفعل الشعبي حال استمرار المعارك، فالشارع المصري محتقن هذه الأيام بسبب الأزمات الاقتصادية، وأضيفت إليها الأزمة السياسية الناتجة عن منع المواطنين من عمل توكيلات للمرشح المعارض أحمد طنطاوي وتجمهر أنصاره يوميا أمام مكاتب الشهر العقاري، وهو ما يشي باحتمال تحول تلك التجمعات إلى مظاهرات رافضة للعدوان الإسرائيلي أيضا، خاصة أن المرشح ذاته أصدر بيانا رافضا للعدوان الإسرائيلي وداعما للمقاومة الفلسطينية، وهو ليس محض موقف انتخابي تكتيكي بل تعبير عن موقف ثابت له بحكم انتمائه القومي، وبشكل عام ستنعكس تطورات المعارك في فلسطين على المشهد الانتخابي في مصر.
حالة التطبيع البارد بين مصر والكيان الصهيوني تلقت ضربة جديدة أيضا بعد هذه المعركة، لقد ثبت أن ذلك المسار وهو مسار التطبيع كان مسارا فاشلا لم تستفد منه سوى سلطات الاحتلال للتمكين لنفسها ولتحقيق أمن واستقرار الكيان، دون قبول أي جهود تسوية عربية للقضية الفلسطينية
من المفارقات أن تنطلق عملية طوفان الأقصى وتحقق انتصاراتها السريعة في ذكرى اليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر 1973، ومن المفارقات أيضا أن عنصر المفاجأة كان حاسما في المرتين، وكان سببا في إرباك العدو، وشل قدرته على مواجهة الهجمات الأولى المركزة التي أصابت أهدافها بدقة، وأوقعت تلك الخسائر الكبيرة في صفوفه، سواء في حرب 1973 أو في طوفان الأقصى 2023، ومن المفارقات أن العدو وداعمه الأكبر الولايات المتحدة لم يستطيعا التنبؤ به رغم امتلاكهما لأحدث وسائل الرصد والتجسس قديما وحديثا، ومن المفارقات أن يعلن نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري أن نجاح المجنّد المصري محمد صلاح في اقتحام الحدود الإسرائيلية ألهم المقاومة الفلسطينية بتكرار هذا العمل على نطاق أوسع.
بعيدا عن ردود الفعل المعلنة أو المحتملة، فإن لعملية طوفان الأقصى تداعيات حالية وآجلة على مصر؛ الجار الجنب للقطاع. فالنظام المصري الذي سارعت خارجيته بإصدار بيان حمّل المسئولية للجانب الإسرائيلي يستعد للعب دور وسيط، وهو سيحاول توظيف الحدث لصالحه، وتقديم نفسه للمجتمع الغربي تحديدا بقدرته على تحقيق تهدئة تضمن أمن الكيان الصهيوني، وهو الدور الذي لعبه من قبل ونال بفضله الكثير من الدعم السياسي والمادي الغربي، غير أن دولا أخرى في المنطقة سحبت البساط من تحت أقدامه تدريجيا بقيادتها قاطرة التطبيع الجديدة.
لكن من جانب آخر فإن انكسار المشروع الصهيوني سيكون انكسارا لمشروع السيسي وغيره من المستبدين المستندين للدعم الصهيوني واللوبيات الداعمه له في الغرب، ومن هنا سيحرص السيسي على تجنيب الكيان لهذه الهزيمة رغم البيان سالف الذكر والذي قد يكون استباقا لردود فعل شعبية مصرية غاضبة، أو كسبا لدعم شعبي في هزليته الانتخابية، أو حتى استقطابا لحماس لقبول وساطته.
الأمر الخطير المحتمل هو ما أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حين طلب من أهل غزة مغادرتها تجنبا لضربات جيشه، والمعروف أنه لا يوجد مكان للهرب سوى سيناء المجاورة، وها يعني تنفيذا عمليا لخطة إسرائيلية قديمة بتسكين الفلسطينيين في سيناء كوطن بديل، أو حتى كامتداد لقطاع غزة
حالة التطبيع البارد بين مصر والكيان الصهيوني تلقت ضربة جديدة أيضا بعد هذه المعركة، لقد ثبت أن ذلك المسار وهو مسار التطبيع كان مسارا فاشلا لم تستفد منه سوى سلطات الاحتلال للتمكين لنفسها ولتحقيق أمن واستقرار الكيان، دون قبول أي جهود تسوية عربية للقضية الفلسطينية، ومن ذلك المبادرة العربية للسلام التي أقرتها القمة العربية في بيروت 2002. وإذا كان المصريون لم يتساوقوا مع جهود التطبيع الشعبي من قبل فإن عملية طوفان الأقصى قدمت لهم مددا جديدا لمواجهة أي محاولات جديدة لإحيائه، وهو ما سيتكرر في الدول العربية الأخرى التي لحقت بقطار التطبيع أو تستعد للحاق به.
الأمر الخطير المحتمل هو ما أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حين طلب من أهل غزة مغادرتها تجنبا لضربات جيشه، والمعروف أنه لا يوجد مكان للهرب سوى سيناء المجاورة، وها يعني تنفيذا عمليا لخطة إسرائيلية قديمة بتسكين الفلسطينيين في سيناء كوطن بديل، أو حتى كامتداد لقطاع غزة. وهو مشروع يلقى رعاية دولية، وقد يروق للسيسي حتى وإن أظهر تمنعا شكليا، إذ قد يتم تقديم وعود غربية له بتعويمه اقتصاديا حال قبوله هذا المشروع الذي هيأ السيسي بعض الخطوات لتنفيذه مثل تهجير أهل سيناء من شريط حدودي عريض، وليس مستبعدا قبوله للفكرة تحت وطأة الديون وأقساطها الكبيرة التي حل أجل دفعها، وكذا في ظل تجربة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير اللتين سالت عليها ومن أجلهما دماء المصريين في حربي 1967 و1973، وتنازله عن حقوق مصر من مياه النيل.
معركة طوفان الأقصى لا تزال مشتعلة، ولا يمكن التنبؤ بنهايتها من حيث الموعد أو من حيث النتائج النهائية، وكلما طال أمدها فإن المعطيات الإقليمية والدولية ستتغير تبعا لتطوراتها، وستكون مصر بالتأكيد من أكثر المتأثرين بتلك التداعيات سلبا أو إيجابا.
twitter.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصريين الفلسطيني غزة سيناء مصر فلسطين غزة سيناء طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
بين خيانة التطبيع وصمت الأشقاء
أحمد بن محمد العامري
في كل صباح تستيقظ فيه غزة على صدى القنابل، لا يسمع العالم سوى صراخ الأطفال.
أصوات هشّة، لكنها أشد مضاءً من صواريخ الحقد، تنفذ إلى أعماق الضمير البشري، تسائل العالم وتعاتب الأشقاء قبل الأعداء.
في هذا الزمن العربي المائل، لم تعد الخيانة تأتي من خلف الحدود فحسب، بل باتت تلبس وجوهاً مألوفة، وتنطق بلغتنا، وتُبرّر بالسلام ما لا يُبرَّر.
العدو معروف، منذ النكبة الأولى وحتى اللحظة، لم يبدّل جلده، ولم يُخفِ نيّته. اغتصب الأرض، وقتل الأبرياء، وشرّد العائلات، ثم وقف ليحاضر في "أخلاقيات الحرب". ولكن الأكثر مرارة من أفعال العدو، هو خذلان القريب، هو اليد التي لم ترتفع للدفاع، واللسان الذي لم ينطق بالحق، والنظام الذي استبدل البندقية بمصافحة القاتل.
لقد مضت سنوات طويلة، كان فيها الشجب والتنديد أدوات فارغة يتسلّى بها بعض الحكّام، أما اليوم، فقد تخلوا حتى عن هذه الشعارات المستهلكة. ركضوا إلى عواصم القرار، حاملين أوراق السلام، موقّعين بأحرف الخضوع، متناسين الدم الذي لم يجف بعد من جدران الشجاعية وجنين وخان يونس.
في زمن أصبح فيه التطبيع وسامًا تُقلَّده بعض الأنظمة، بات أطفال فلسطين وحدهم يرفعون راية الرفض، يكتبون بالدم ما لم تجرؤ عليه أقلام الساسة. إنهم لا يجهلون مَن عدوهم، لكنهم يعرفون أيضًا مَن باعهم، ومن خانهم، ومن استبدل قدسهم بأبراج من زجاج. هؤلاء الأطفال لا يطالبون بالشفقة، بل بالعدالة، ولا ينتظرون من العرب دموعًا، بل وقفة حقيقية تليق بتضحياتهم.
هل تدرك الأنظمة المطبّعة أنها حين صافحت الاحتلال، لم تكن تبارك "سلامًا"، بل تخون دماء الشهداء؟ هل يدرك الصامتون أن صمتهم لم يكن حيادًا، بل انحيازًا؟ وأن من لا يقف في صف المظلوم، يقف – بالضرورة – في صف الظالم؟
إن أطفال فلسطين لا يكتبون البيانات، لكن أجسادهم النازفة تفضح كل بيان كاذب. لا يملكون منابر إعلام، لكن صرختهم تُدوّي في أذن كل ضمير لم يمت بعد.
فلسطين لا تحتاج إلى عواطف باردة، بل إلى مواقف حارّة كالدم. أطفالها ليسوا ضحايا فقط، بل شهود على زمن مهزوم، فيه الصمت جريمة، والتطبيع خيانة، والخذلان خنجر في الظهر. إنّ من يطبع مع القاتل، لا يمكنه أن يدّعي البراءة، ومن يبرر الصمت، فهو شريك في الجريمة.
سيكبر أطفال فلسطين، ولن ينسوا. سيحفظون وجوه من خذلوهم، كما يحفظون أسماء من ساندوهم. وفي يوم ما، حين تنجلي الغمة، سيُكتب في التاريخ: أن الاحتلال كان عدواً، لكن الخذلان جاء ممن كنّا نحسبهم إخوة.
فلتبقَ صرختهم مدوّية: من يصمت عن القتل، قاتل. ومن يبرّر التطبيع، خائن. ومن باع فلسطين، لا يستحق أن يُحسب على العروبة ولا علا الإنسانية.
ahmedalameri@live.com