بعد القضاء على حماس.. خيارات إسرائيل في غزة
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
بينما تستعد إسرائيل لشن هجوم بري على قطاع غزة لـ"تدمير حماس"بحسب مسؤوليها، تثار تساؤلات حول ما يمكن أن يحدث بعد ذلك.
وخلص تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأحد، إلى أن الخيارات المتاحة "ليست جيدة" بالنسبة لإسرائيل.
وأرسلت إسرائيل إشارات عدة إلى أن هجوما بريا قادما وفي وقت قريب جدا، بعد أن نشرت دبابات وقناصة ووحدات مدفعية وعشرات الآلاف من القوات على حدود غزة، وطلبت من المدنيين الذين يعيشون في الجزء الشمالي من القطاع، مغادرة مناطقهم.
وقُتل حوالي 1300 شخص في الهجوم المباغت الذي أصاب إسرائيل بحالة من الصدمة بعد انتشار مقاطع مصورة عبر الهواتف المحمولة وتقارير طواقم الإسعاف والإغاثة عن "فظائع" ارتكبت في البلدات والتجمعات السكنية التي اجتاحها مسلحو حماس.
وردت إسرائيل بأعنف قصف على الإطلاق على قطاع غزة وفرض الحصار الكامل على الجيب الساحلي الذي يقطنه 2.2 مليون وتدمير جزء كبير من بنيته التحتية.
ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو إلى انعقاد حكومة الطوارئ الموسعة في إسرائيل للمرة الأولى، الأحد قائلا إن الوحدة الوطنية التي ظهرت بعثت برسالة في الداخل والخارج بينما تستعد البلاد "لتمزيق حماس" في غزة.
وتشير صحيفة وول ستريت جورنال إلى إن معاقبة المسؤولين عن العنف يعتبرها كثيرون في إسرائيل أكثر أهمية من معرفة ما سيحدث بعد حماس.
لكن لا يزال يتعين على القادة الإسرائيليين أن يجيبوا على سؤال مهم آخر: ماذا بعد إنهاء حكم حماس؟
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، أنه لا توجد بدائل جيدة، إذ تتراوح الاحتمالات بين إعادة احتلال عسكري إسرائيلي مباشر لغزة، أو الانسحاب الكامل بعد الحرب والسماح للفلسطينيين بمعرفة الأمر بأنفسهم.
السيناريوهات المطروحةويلخص تقرير الصحيفة الخيارات الممكنة إذا تمت الإطاحة بحماس فعليا، وأحدها يتلخص في أن ترسل إسرائيل قواتها لإعادة احتلال قطاع غزة، كما فعلت حتى عام 2005.
وسيطرت إسرائيل على قطاع غزة لعقود من الزمن بعد أن استولت عليه من مصر خلال حرب الأيام الستة عام 1967. وتخلت عن السيطرة السياسية على القطاع للفلسطينيين في التسعينيات، ثم سحبت كل قواتها العسكرية وآلاف المستوطنين في عام 2005.
لكن إسرائيل لا ترغب في إرسال قوات عسكرية مرة أخرى لفرض حكم عسكري على قطاع غزة، بحسب ناغل.
ونقلت الصحيفة عن محللين أن احتلال غزة مجددا يعني أن إسرائيل ستكون مسؤولة عن 2.2 مليون شخص، "معظمهم فقراء للغاية، وبالطبع سيكون هناك الكثير من المقاومة. لا أعتقد أن إسرائيل تريد إعادة خلق هذا الوضع".
أما السيناريو الآخر، فهو أن تنسحب إسرائيل من القطاع بعد "سحق حماس"، والسماح للفلسطينيين بمعرفة ما سيحدث بعد ذلك.
لكن هذا الخيار يأتي مصحوبا بمجموعة من التحديات، إذ أنه قد يمهد الطريق أمام مزيد من القوى المتطرفة لملء فراغ السلطة.
وفي ظل هذا السيناريو، ستنفصل إسرائيل عن قطاع غزة، بحسب ياكوف أميدرور، وهو مستشار سابق آخر للأمن القومي لنتانياهو.
وأوضح للصيفة قوله: "على عكس الماضي، لن نقدم أي شيء للفلسطينيين في قطاع غزة، وسيتعين عليهم الاعتناء بأنفسهم. لن يكون لإسرائيل سوى علاقة واحدة مع قطاع غزة: منع أي شخص من بناء أي قدرة عسكرية هناك".
لكن إسرائيل لا تزال مسؤولة عن رعاية قطاع غزة بموجب القانون الدولي، وقد تواجه انتقادات واسعة النطاق إذا حاولت التنصل من واجباتها لضمان حصول الفلسطينيين في غزة على الغذاء والماء وغيرها من ضروريات الحياة، وفقا للتقرير.
أما السيناريو الثالث، فهو أن تقوم إسرائيل بتمهيد الطريق لعودة السلطة الفلسطينية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تحكم الضفة الغربية.
وقال كوبي ماروم، العقيد المتقاعد وخبير الأمن القومي في تصريح لوول ستريت جورنال: "سيكون ذلك في مصلحة إسرائيل. إن خيار سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة أفضل بكثير من سيطرة جنودنا على 2.2 مليون شخص. نحن لسنا مهتمين بالتمسك بتلك المنطقة. كل ما نريده هو وضع هادئ لشعبنا".
لكن السلطة الفلسطينية الضعيفة، ومقرها مدينة رام الله بالضفة الغربية على بعد 50 ميلا (أكثر من 80 كيلو مترا)، لم تعد منذ طردها من غزة على يد مقاتلي حماس في عام 2007. وهناك شكوك من أن تتمكن من العودة خاصة أنها لا تحظى بشعبية بين الفلسطينيين في الضفة حيث تشتهر بالفساد وبأنها غير فعالة.
الاحتمال الرابع، هو أن تقوم قوة حفظ سلام دولية بالسيطرة على غزة، على الأقل مؤقتا.
ولكن ليس من الواضح الدول التي ستكون مستعدة لإرسال عدد كبير من القوات للمساعدة في تحقيق الاستقرار في غزة التي مزقتها الحرب.
الاحتمال الأخير، وهو السيناريو الذي يصبح فيه الوضع الإنساني في غزة سيئا للغاية، مما يدفع المدنيين إلى الفرار بأعداد كبيرة إلى مصر المجاورة.
ومنذ أن بدأت إسرائيل غاراتها - ردا على هجوم حماس الذي أودى بـ1300 إسرائيلي معظمهم مدنيون - قتل أكثر من 2300 فلسطيني أغلبهم نساء وأطفال بينما أصيب ما يقرب من عشرة آلاف، بحسب ما نقلت وكالة رويترز عن سلطات القطاع. وغادر أكثر من 420 ألف شخص منازلهم.
وخرجت دعوات من داخل إسرائيل تدعوا الفلسطينيين إلى التوجه جنوبا وعبور الحدود إلى مصر.
ولا تريد مصر ولا حماس أن يهرب الفلسطينيون عبر الحدود.
ويقول بعض السكان إنهم لن يغادروا إذ تعيد تلك الأحداث التي يعيشونها الآن لذاكرتهم ما حدث وقت "النكبة" عام 1948 عندما أجبر كثير من الفلسطينيين على ترك منازلهم خلال الحرب في وقت تزامن مع قيام دولة إسرائيل.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: على قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
إشارات خاطفة رأيتها للتو في إسرائيل
قضيت للتو أسبوعا في إسرائيل، وفي حين أنه قد لا يبدو أن أمورا كثيرا تغيرت ـ فالحرب الطاحنة في غزة لا تزال مستمرة ـ شعرت بشيء جديد هناك للمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر سنة 2023. لا يزال من المبكر أن أصفه بالحركة متسعة القاعدة لمناهضة الحرب، فهذا أمر لا يمكن أن يحدث قبل رجوع جميع الرهائن. لكنني رأيت إشارات خاطفة إلى أن المزيد من الإسرائيليين من اليسار إلى الوسط بل وفي بعض أجزاء اليمين ينتهون إلى أن استمرار هذه الحرب وبال على إسرائيل أخلاقيا أو دبلوماسيا أو استراتيجيا.
فمن الوسط كتب رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت مقالة في صحيفة هاآرتس لم يدخر فيها جهدا لمهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم، فذهب إلى أن «حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا غرض، وبلا أهداف أو خطة واضحة وبلا فرص في النجاح. فما نفعله في غزة الآن هو حرب إبادة تقوم على قتل إجرامي عشوائي قاس ولا حدود له لمدنيين». وخلاصة مقاله أنه «نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب».
ومن اليمين، لديكم أمثال أميت هاليفي، عضو حزب الليكود الحاكم التابع لنتنياهو نفسه، وهو مناصر عتيد للحرب ويرى أن تنفيذها كان أخرق. قامت حكومة نتنياهو بتعليق عضوية هاليفي في لجنة شؤون الخارجية والدفاع في الكينيست بعد تصويته ضد مقترح بتوسيع قدرة الحكومة على إصدار أوامر استدعاء طارئة لجنود الاحتياط الإسرائيليين. وفي حوار مع صحيفة يديعوت أحرونوت بعد إقالته، قال هاليفي إن «هذه الحرب خدعة. لقد كذبوا علينا فيما يتعلق بإنجازاتها. [وإسرائيل] تخوض حربا منذ عشرين شهرا بخطط فاشلة...ولا تحقق نجاحا في تدمير حماس».
ومن اليسار يائير جولان، وهو زعيم تحالف ليبرالي إسرائيلي يطلق عليه (الديمقراطيون)، وقد قال في حوار مع الإذاعة الإسرائيلية إن «إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة، مثلما كانت جنوب أفريقيا، لو لم نرجع إلى التصرف بما يليق ببلد عاقل. والبلد العاقل لا يقاتل مدنيين، ولا يمارس هواية قتل الأطفال الرضع، ولا يضع لنفسه هدفا يتمثل في طرد شعب».
وبعد أن أثار تعليقه عن «الهواية» استنكارا، أوضح جولان ـ وهو نفسه من أبطال حرب غزة ـ أنه لم يكن يوجه اللوم للجيش، وإنما للسياسيين الذين يوسعون الحرب لأسباب لم تعد لها علاقة باحتياجات أمن إسرائيل الوطني.
وبرغم أن جولان كان ينبغي أن يستعمل كلمة مختلفة، لكيلا يمنح اليمينيين الإسرائيليين أداة يسيرة لتشويهه، فالحقيقة أنه لم يحصل صحفي أجنبي مستقل تقريبا على إذن بالتغطية من غزة مباشرة. وحينما تنتهي هذه الحرب وتتشبع غزة بالصحفيين والمصورين الدوليين يجوبونها في حرية، فسوف تتم تغطية وتصوير المستوى الكامل للموت والتدمير، وسوف تكون فترة عصيبة للغاية على إسرائيل ويهود العالم.
وإذن فقد أصاب جولان في تنبيهه لأمته بوضوح لتتوقف حالا، وتتوصل إلى إيقاف لإطلاق النار، وإرجاع الرهائن، وإدخال قوة دولية وعربية إلى غزة والتعامل مع فلول حماس في وقت لاحق. فحينما تكون بالفعل في حفرة، عليك أن تتوقف عن الحفر.
المؤسف أن نتنياهو مصرٌّ على الحفر، زاعما أن بوسعه أن يقصف حماس إلى أن تسلِّم بقية الرهائن الإسرائيليين الأحياء البالغ عدهم قرابة العشرين، وذلك لأن أعضاء ائتلافه القوميين المتدينين أخبروه بأنه في حال إيقافه الحرب فإنهم سوف يطيحون به. ولذلك يسعى الجيش الإسرائيلي إلى المزيد والمزيد من الأهداف الثانوية، والنتيجة هي مصرع مدنيين من غزة كل يوم.
أوضح عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هاآرتس سبب ذلك وهو أن «كثيرا من القصف يكون في الواقع محاولات لاغتيال قادة حماس بينما هم مع أسرهم. وهؤلاء المسؤولون ما عادوا يعيشون في بيوت خاصة أو بنايات سكنية، وإنما هم في العادة داخل مخيمات مزدحمة بآلاف المدنيين. وحتى عند إعلان الجيش عن خطوات احترازية عديدة، تسفر هذه الهجمات عن قتل جماعي».
وليس ارتفاع خسائر المدنيين في غزة هو السبب الوحيد أو حتى السبب الغالب لتحول المزيد من الإسرائيليين على الحرب. فالسبب ببساطة هو أن الحرب أنهكت المجتمع كله، ويشير هاريل إلى أن علامات هذا الإنهاك حاضرة في كل شيء من «تزايد عدد المنتحرين (التي لا يعلنها الجيش) إلى الأسر التي تتفكك والأعمال التي تنهار. وتتجاهل الحكومة هذه التطورات وتنثر وعود النصر».
ولا يقتصر الأمر على أصوات السياسيين الناضجين الذين يقولون إن الحرب طالت على إسرائيل. فهناك أيضا أفعال يقوم بها أبرياء في الرابعة من العمر. فخلال رحلتي، سمعت قصة من المذيعة الإسرائيلية الشهيرة لوسي أهريش، وهي أول مذيعة أخبار عربية مسلمة في قناة كبيرة ناطقة بالعبرية. كنت وهي قد وصلنا إلى حوار أجريناه معا في تل أبيب بأعين شبه مغمضة وقد استيقظ كلانا في قرابة الثالثة صباحا على دوي صافرات الإنذار بالغارات إذ تدعونا إلى الاستتار من هجمة صاروخية حوثية. وفي صافرة الإنذار هذه أمر لافت ومثير للقلق، لكنك يجب أن تكون راشدا كي تدركه.
لماذا أقول هذا؟ لأن إسرائيل تحيي في كل عام ذكرى جنودها ومدنييها الذين قضوا نحبهم في حروبها بإنذار لمدة دقيقتين. فحيثما يكون الإسرائيليون ويسمعون ذلك الصفير يتوقفون، ويركنون سياراتهم على جوانب الطرق، ويصمتون منصتين إلى هذا الصفير المستمر المغاير للصفير المستعمل في التحذير من الغارات. حكت لي أهريش أنه في ذكرى العام الحالي انطلقت الصافرة الوطنية في موعدها المحدد «فإذا بالذعر ينتاب ابني آدم البالغ من العمر أربع سنوات، وكان يلعب على الأرض، فيمضي ليلملم لعبه كي يذهب بها إلى الغرفة الآمنة في البيت».
«قلت له ’لا. ليس عليك أن تفعل هذا. هذا صفير مختلف. هذا صفير الوقوف احتراما للأبطال الذين حافظوا لنا على الأمان ولم يعودوا معنا».
وعندما يتعين على الأطفال ذوي الرابعة من العمر أن يتعلموا التمييز بين مختلف أصوات صافرات الإنذار، ما تقف له احتراما وما يدعوك إلى لملمة لعبك والمسارعة إلى غرفة بلا شبابيك، تكون الحرب قد طالت أكثر مما ينبغي.
لو أن كثيرا من الإسرائيليين يشعرون أن قادتهم أوقعوهم في شرك، فكثير من أهل غزة يشعرون بالمثل. وبرغم أن استطلاع الرأي في غزة أمر صعب، لكن حركة مناهضة الحرب تنشط هناك أيضا، برغم أن حماس قد تقتل من يتظاهرون. وقد تبين لاستطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني المستقل للبحوث السياسية والمسحية، ومقره رام الله، على سكان قطاع غزة أن 48% يؤيدون المظاهرات المناهضة لحماس التي اندلعت في عدة أماكن في الأسابيع الأخيرة.
فلكم أن تتيقنوا من أنه لن يكون قادة إسرائيل وحدهم من يواجهون الحساب عندما تصمت البنادق أخيرا في غزة. فسوف يعيش قادة حماس مكللين بالعار. لقد هاجموا مجتمعات حدودية إسرائيلية في السابع من أكتوبر سنة 2023، ولما ردت إسرائيل كما كان متوقعا، قدم المدنيون من أهل غزة قربانا بشريا ليحظوا بتعاطف العالم مع قضيتهم، في حين اختبأ القادة من حماس في الأنفاق وبالخارج. ولا تزال حماس تعمل، لكن غزة الآن باتت غير قابلة لاحتواء الحياة. ومع ذلك، لا تزال قيادة حماس تقول في عناد إنها لن تسلم من بقي لديها من الرهائن الأحياء ما لم توافق إسرائيل على الرحيل من غزة والرجوع إلى وقف مفتوح لإطلاق النار.
فعلا؟ يجب أن ترحل إسرائيل عن جميع غزة وتقبل بوقف إطلاق النار؟ يا لها من فكرة عظيمة. لو حققت حماس ذلك «النصر»، سيكون معنى هذا أن حماس خاضت كل هذه الحرب ـ ففقدت عشرات الآلاف من المقاتلين والمدنيين ولم يسلم حولها غير مبان قليلة في غزة - من أجل الرجوع بالضبط إلى ما كان لدى حماس في السادس من أكتوبر سنة 2023، فقد كان هناك وقف لإطلاق النار، وإسرائيل كانت خارج غزة.
لهذا وحده، سوف يتذكر التاريخ قادة حماس باعتبارهم «حمقى». حسبوا أنهم يطلقون حرب نهاية العالم على إسرائيل فأطلقوها على شعبهم ومنحوا نتنياهو رخصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا فأضعف ذلك قبضة إيران على كلا البلدين وكذلك على العراق وساعد في إخراج روسيا من سوريا، فكانت هزيمة نكراء لـ«شبكة المقاومة» ذات القيادة الإيرانية.
ولكن المشكلة تكمن هنا. فنتيجة لعمليات نتنياهو العسكرية، باتت للبنان وسوريا والعراق والسلطة الفلسطينية في رام الله ـ ناهيكم بالمملكة لعربية السعودية ـ حرية كبيرة الآن في الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل بدرجة لم تحظَ بها من قبل حينما كانت الشبكات الإقليمية التابعة لإيران شديدة القوة.
نعم، نتنياهو فعل ذلك. لكنه أيضا لا يضيع فرصة لتضييع فرصة للسلام. نتنياهو اليوم يرفض بعناد حصاد ما بذره بنفسه. ولن يفعل الشيء الوحيد القادر على إطلاق سياسات المنطقة بأسرها، وهو أن يفتح طريقا، مهما كان طويلا، إلى حل الدولتين مع إصلاح السلطة الفلسطينية.
فلا عجب أن يعزف دونالد ترامب عن تضييع الوقت مع نتنياهو، خاصة وأنه لا يستطيع تحقيق أي مكاسب مالية من ورائه، وأيضا لأن نتنياهو لن يسمح له بأن يدخل معه التاريخ.
وكلما قلت للإسرائيليين إن نتنياهو يرتكب خطأ تاريخيا ـ هو التخلي عن السلام مع المملكة العربية السعودية لصالح اليمينيين المتطرفين الذي يبقونه في السلطة ـ سألوني بدورهم «وهل تظن أن ترامب قادر على إنقاذنا؟». وهذا السؤال هو العلامة القصوى على أن بلدكم الديمقراطي في مأزق.
كان عليّ أن أوضح أن ترامب يذهب إلى البلاد التي لديها ما تعطيه ـ من نقود أو وطائرات، أو عملات ترامب الميمية أو عملات ميلانيا الرسمية الميمية أو صفقات أسلحة أو صفقات فنادق أو مراكز بيانات ذكاء اصطناعي ـ ولا يذهب إلى البلاد التي تطلب منه شأن إسرائيل.
وإنصافا لترامب، قد لا يكون ترامب على علم بمدى تغير إسرائيل داخليا. بل إن كثيرا من اليهود الأمريكيين لا يفهمون مدى ضخامة وقوة المجتمع الأرثوذكسي المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى رؤيتهم لغزة باعتبارها حربا دينية.
«وبيبي بيدق في أيدي هؤلاء، فهو ليس اللاعب الحقيقي» حسبما أوضح أفروم بورج، الرئيس السابق للكنيست، مشيرا إلى اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل. «قل لهم إن إسرائيل يمكن أن تقيم سلاما مع المملكة العربية السعودية، فترى أنهم يهزون أكتافهم قائلين إنهم في انتظار المسيح. قل لهم إن بإمكانهم إقامة سلام مع سوريا، وسيقولون لك أن الشعب اليهودي يمتلك سوريا أصلا، فهي جزء من إسرائيل الكبرى. كلِّمهم عن القانون الدولي، وسوف يكلمونك عن القانون التوراتي. كلِّمهم عن حماس، يكلموك عن العماليق (أعداء بني إسرائيل التوراتيين)».
خلص بورج ـ أستاذ العلاقات بين الدين والدولة ـ إلى أن الانقسام الحقيقي اليوم في إسرائيل ليس بين المحافظين والتقدميين وإنما «بين قبيلة يهودية وقبيلة ديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي التي تحقق النصر الآن. ولو كانت الصهيونية في الأصل انتصارا للقومية العلمانية على اليهودية الدينية، فما يجري اليوم هو انبعاث لليهودية القومية الدينية على حساب الديمقراطية».
وهكذا، بعد أسبوع، رجعت إلى الوطن، لأكتشف أن مثل المسرح الإسرائيلي قائم في أمريكا وإن على نطاق أكبر. أمر غريب أن نرى كيف أن ترامب ونتنياهو يستعملان كتاب قواعد واحدا لتخريب بلدين ديمقراطيين. وسؤالي الوحيد: أي من الرجلين سيسبق الآخر في أن تشعل دوافعه الاستبدادية أزمة دستورية؟
كلاهما متهم بمحاولة تخريب القضاء والدولة العميقة في بلده، أي جميع المؤسسات التي تقوم عليها سيادة القانون. والهدف في حالة ترامب هو تحقيق الثراء له شخصيا ونقل الثروة في البلد من الأقل امتيازا إلى الأكثر امتيازا. والهدف في حالة نتنياهو هو الهرب من اتهامات الفساد العديدة الموجهة له، ونقل السلطة والثروة من الوسط الإسرائيلي المعتدل الديمقراطي إلى المستوطنين وغلاة المتدينين. وهذه المجموعة هي التي سوف تبقي ائتلاف نتنياهو في السلطة طالما أنه يعفي غلاة المتدينين من القتال في غزة ويسمح للمستوطنين بمواصلة مسيرتهم لضم الضفة الغربية اليوم وغزة غدا.
عند انتخاب نتنياهو في نوفمبر 2022 وبدئه تشكيل ائتلافه اليهودي العنصري، كتبت مقالا في الصباح التالي بعنوان «إسرائيل التي عرفناها انتهت». آمل أن أكون قد تسرعت فيما قلت، لكن أملي أكبر في ألا أضطر إلى كتابة المقال نفسه في حق أمريكا عما قريب.
سيكون لدى عام 2026 الكثير ليقوله عما لو أن بالإمكان احتواء طائفتي ترامب ونتنياهو. ففي هذا العام سوف يتعين على نتنياهو إجراء انتخابات وسوف يواجه ترامب انتخابات التجديد النصفي. والملتزمون بالديمقراطية واللياقة في البلدين لديهم مهمة واحدة فيما بين الآن وذلك الموعد: هي التنظيم ثم التنظيم ثم التنظيم، من أجل الفوز بالسلطة.
وكل ما عدا ذلك غير مهم. وكل شيء معلق على هذا.