الصين تحدد موقعها من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
فاق القصف الإسرائيلي العنيف لقطاع غزة مرحلة الردع والدفاع عن النفس، وأصبح يستهدف بوضوح 2.5 مليون مدني أعزل في القطاع المحاصر، وقع أكثر من ألفي قتيل بينهم، وجرح عدد كبير، وصار نحو ألف في عداد المفقودين، وبقي مئات إلى اليوم يصارعون الموت، تحت الأنقاض وأكوام الدمار.
دول عديدة، اختارت موقفها من الحرب منذ يومها الأول، وسارعت الولايات المتحدة للوقوف إلى جانب إسرائيل، ودعمها بأسلحة جديدة، وأرسلت حاملتي طائرات إلى البحر المتوسط لتشكيل جبهة ردع وتضامن مع الدول العبرية.
روسيا، على غير عادتها أظهرت موقفاً مختلفاً هذه المرة، فهي طالبت بالهدوء، ووقف الصراع، والتمسك بحل الدولتين وضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، محملة الولايات المتحدة مسؤولية تأجيج الشرق الأوسط، دون إدانة هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
الصين، القوة العالمية الصاعدة، قالت هي الأخرى كلمتها، واعتبرت أن ما تقوم به إسرائيل، من قصف وتدمير وحرمان للفلسطينيين من حقوقهم في الماء والغذاء والدواء، يفوق الدفاع عن النفس. وحددت بكين أولويتها في الصراع المحتدم، المتمثلة في توفير الاحتياجات الأساسية للشعب الفلسطيني في غزة، إضافة لمعارضتها وإدانتها جميع الأعمال التي تضر بالمدنيين هناك.
Israel's actions in Gaza have gone "beyond the scope of self-defense" and the Israeli government must "cease its collective punishment of the people of Gaza," China's Foreign Minister Wang Yi has said. https://t.co/2HXA1sWNeL
— The Japan Times (@japantimes) October 15, 2023 انحيازلكن موقف الصين ترجم من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية على أنه انحياز إلى الجانب الفلسطيني. وقال موقع "أكسيوس" في تقرير له، إن بكين تحاول استغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لكسب تأييد الدول العربية، وكسب دعمها للأجندة العالمية للصين.
يقول جوناثان فولتون، الزميل البارز غير المقيم في المجلس الأطلسي، "تحاول الصين تعزيز معايير بديلة في السياسة العالمية، وترى الصين أن الدول العربية دائرة انتخابية طبيعية تحاول الصين جذبها".
وقال فولتون، "من خلال مناشدة الدول العربية، فإنها ستحصل على المزيد من الدعم للإصلاحات التي ترغب في دفعها في النظام الدولي".
ورداً على التصريحات الصينية، قال المسؤول الإسرائيلي في بكين يوفال واكس، "عندما يُقتل الناس في الشوارع، فهذا ليس الوقت المناسب للدعوة إلى حل الدولتين"، مضيفاً أن إسرائيل تتوقع من الصين أن تقدم "إدانة أقوى" لهجوم حماس.
من جهته، أكد الأستاذ المساعد في جامعة تامكانغ في تايوان والمتخصص في العلاقات الصينية الإسرائيلية مور سوبول، إنه "من خلال عدم إدانة حماس، فإن الصين تتطلع إلى كسب ود الدول العربية".
الإعلام الصيني بدوره، سلك طريق الحكومة، وألقى باللوم على الولايات المتحدة في تأجيج النزاع بالشرق الأوسط، معتبراً أن دور واشنطن المنحاز لإسرائيل هو السبب الأساسي لإشعال أعمال العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أمريكا..مسؤولةوحدد النقاد الصينيون الدعم الأمريكي المستمر للحكومة الإسرائيلية، كمصدر لضغوط لا تطاق على الفلسطينيين.
وقال سوبول، "إنها استراتيجية فعالة للغاية من حيث التكلفة في الشرق الأوسط. إنهم يصفون الولايات المتحدة بأنها جهة فاعلة متحيزة، ويحاولون تقليل النفوذ الأمريكي في المنطقة، إن الصين تلعب لعبة طويلة الأمد".
أما فولتون فقال مرة أخرى، "إن الصينيين يحاولون تصوير أنفسهم على أنهم محايدون، لكن الجانب الذي يدعمونه بات واضحاً جداً".
من ناحية أخرى، تحاول الصين التدخل في الصراع، وفرض أجندتها، وقال المبعوث الصيني الخاص لشؤون الشرق الأوسط تشاي جون هذا الأسبوع، إن بلاده تريد التنسيق مع مصر للتوسط في اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.وفي أعقاب دورها الناجح في التوسط في صفقة بين المملكة العربية السعودية وإيران في وقت سابق من هذا العام، باتت الحكومة الصينية تقدم نفسها على أنها صانع سلام أفضل من الولايات المتحدة في المنطقة.
ووصفت وسائل الإعلام الرسمية دور بكين الأخير في التوسط في تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بأنه "دور نموذجي في حل الصراعات الفلسطينية الإسرائيلية".
خلال يونيو (حزيران) الماضي، رحب الرئيس الصيني شي جين بينغ بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في بكين في زيارة دولة، وعرض التوسط بين إسرائيل وفلسطين، قائلاً إنه يدعم "القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة".
وقال الزعيمان أيضاً إنهما اتفقا على شراكة استراتيجية، ووقع عباس على مبادرة الحزام والطريق الصينية. وفي الشهر نفسه، دعا شي أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لزيارة بكين.
وفي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، دعمت الحكومة الصينية القضية الفلسطينية علناً باعتبارها حركة تحرير وطنية، ولم تكن لديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وفي العقود اللاحقة، غيرت هذا الموقف وتحافظ الآن على علاقات دافئة مع كل من إسرائيل وفلسطين.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الصين حماس إسرائيل غزة وإسرائيل الولایات المتحدة الدول العربیة
إقرأ أيضاً:
كيف تستعد الصين لمعركة الذكاء الاصطناعي مع الولايات المتحدة؟
- الصين تكثف جهودها لبناء منظومة ذكاء اصطناعي مستقلة عن التكنولوجيا الغربية- بكين تسعي لتحديد معايير الذكاء الاصطناعي دوليا- هواوي تطلق مشروع «الإطار الاحتياطي»
في ظل احتدام التنافس التكنولوجي مع الولايات المتحدة؛ تسعى الصين جاهدة لتطوير منظومة ذكاء اصطناعي محلية تستطيع العمل دون الاعتماد على التقنيات الغربية، في محاولة منها لتحصين نفسها أمام الضغوط الأمريكية المتزايدة.
وفرضت واشنطن قيودا صارمة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، وأعاقت وصولها إلى رأس المال الأمريكي والمواهب والخبرات المرتبطة بالتقنيات الحديثة، ورغم تأثير تلك القيود جزئيا، إلا أن بكين بدأت بالرد عبر مبادرات متسارعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الذكاء الاصطناعي.
وخلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي الذي أقيم مؤخرا في شنجهاي؛ استعرضت الشركات الصينية نماذج ذكاء اصطناعي طورت بالكامل دون الاعتماد على تقنيات أمريكية، وإحدى هذه الشركات الناشئة شركة StepFun، التي كشفت عن نموذج يستخدم طاقة حوسبة وذاكرة أقل، ما يجعله أكثر توافقا مع الرقاقات الصينية.
ورغم أن الشرائح الإلكترونية الصينية لا تزال أقل تطورا من نظيراتها الأمريكية، فإن شركات مثل هواوي تمكنت من تضييق الفجوة عبر تجميع عدد أكبر من الرقاقات لتعزيز الأداء.
أطلقت الصين خلال المؤتمر، خطة لحوكمة الذكاء الاصطناعي عالميا، تضمنت دعوة لإنشاء مجتمع مفتوح المصدر لتطوير النماذج وتبادلها عالميا، واعتبر ذلك مؤشرا على سعي بكين لتحديد معايير الذكاء الاصطناعي دوليا، ما قد يضعف الهيمنة الأمريكية في هذا المجال.
وترافقت هذه الجهود، مع استثمارات ضخمة لتطوير البنية التحتية للطاقة، وتوسيع برامج التدريب على الذكاء الاصطناعي، ضمن خطة وطنية تقودها الحكومة الصينية، بمشاركة شركات مملوكة للدولة وكيانات خاصة وحكومات محلية.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الجهات التنظيمية في الصين تتجنب الموافقة على إدراج شركات لا تنشط في مجالات التقنيات الصلبة مثل الرقائق والذكاء الاصطناعي، لضمان توجيه التمويل إلى القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية.
من أكبر العقبات التي تواجه الصين في سباق الذكاء الاصطناعي هو حرمانها من الوصول إلى الشرائح الأمريكية المتقدمة مثل شرائح إنفيديا، وكذلك أدوات التصنيع عالية التقنية، ومع ذلك، تعمل هواوي وشركات صينية أخرى على التكيف مع هذه القيود.
وأطلقت هواوي مشروعا يعرف باسم “مشروع الإطار الاحتياطي” يضم أكثر من 2000 شركة، ويهدف إلى تحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 70% في إنتاج أشباه الموصلات بحلول عام 2028.
وقد نجحت الشركة في تطوير مجموعات من رقاقاتها المحلية التي تنافس أداء بعض الأنظمة الأمريكية، وإن كانت تستهلك طاقة أكبر.
ووفقا لتقرير حديث من مؤسسة SemiAnalysis، فإن أحد أنظمة هواوي التي تضم 384 رقاقة من نوع Ascend يتفوق على نظام إنفيديا المزود بـ72 وحدة معالجة رسوميات في بعض المعايير.
ويتوقع محللو “مورجان ستانلي” أن ترتفع حصة الرقائق المحلية في السوق الصيني من 34% عام 2024 إلى 82% بحلول عام 2027.
ركزت الصين في مؤتمر شنجهاي، على تعزيز نهج المصدر المفتوح، حيث تسمح الشركات للمستخدمين بتعديل وتوزيع النماذج بحرية، مما ساعد على انتشار النماذج الصينية عالميا.
وبحسب مؤسسة Artificial Analysis، فإن أفضل نموذج مفتوح المصدر في العالم حاليا هو صيني، متفوقا على نظيره الأمريكي منذ نوفمبر 2024.
وتشهد السوق الصينية حاليا طفرة في النماذج المفتوحة المصدر، وبعضها يدعي التفوق على نموذج DeepSeek في استخدامات معينة، بينما أجلت OpenAI الأمريكية إطلاق نموذجها المفتوح المصدر لمزيد من اختبارات الأمان.
إلى جانب التكنولوجيا؛ تستثمر الصين بكثافة في تطوير شبكات الطاقة اللازمة لتشغيل مراكز البيانات، ومن المتوقع أن تنفق 564 مليار دولار على بناء شبكات الكهرباء بحلول 2030، أي بزيادة تتجاوز 40% عن السنوات الخمس السابقة.
وتفوق قدرة توليد الطاقة في الصين حاليا نظيرتها في الولايات المتحدة بمقدار 2.5 مرة، ويتوقع أن تتسع الفجوة مستقبلا.
وفي مجال التعليم، وافقت الحكومة الصينية على إنشاء أكثر من 600 برنامج دراسات جامعية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، مقارنة بـ 35 برنامجا فقط في عام 2019، كما سيبدأ تدريس الذكاء الاصطناعي في المدارس الابتدائية والثانوية في بكين اعتبارا من سبتمبر 2025.
وأظهر بحث أجرته جامعتا “هوفر” و"ستانفورد"، أن أكثر من نصف الباحثين في فريق DeepSeek لم يغادروا الصين للدراسة أو العمل، مما يشير إلى تطور قاعدة المواهب المحلية.
ورغم التقدم الصيني، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بصدارة السباق في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تستحوذ وادي السيليكون على النماذج الأكثر تقدما والشرائح الأقوى، غير أن جزءا كبيرا من الإنفاق الصيني لم يترجم بعد إلى نتائج ملموسة، بل أدى إلى فائض في الطاقة والمعدات.
وتسعى إدارة ترامب للحفاظ على هذا التفوق؛ من خلال خطة عمل لتقليل القيود التنظيمية على شركات التكنولوجيا، إضافة إلى إطلاق مشاريع عملاقة مثل مبادرة OpenAI وSoftBank لبناء مراكز بيانات جديدة بقيمة 500 مليار دولار، رغم تأجيل التنفيذ.
وفي الوقت الذي تظهر فيه الصين استعدادها لإنفاق أي مبلغ لتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ تراهن بكين على شعبية شركات مثل DeepSeek لإثبات قدرتها على الاستغناء عن التكنولوجيا الأمريكية.