يعقد مجلس الوزراء جلسة في الرابعة من بعد ظهر يوم غد الخميس في السرايا ، للبحث، إضافة الى البنود الواردة على جدول الاعمال، في عرض وزارة الاشغال العامة والنقل للتقرير الشامل حول وضعية وطبيعة وآلية ومعوقات سير العمل في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، وخلاصة الإجراءات والتدابير المطلوبة لمعالجة الثغرات وتأمين حسن انتظام سير العمل والسلامة العامة في المطار.

كما والبحث في عرض رئيس مجلس الوزراء لموضوع تشغيل مطاري القليعات ورياق.

التقرير
وجاء في التقرير عن واقع السلامة العامة في المطار:
أعدّت وزارة الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال، تقريراً شاملاً في 256 صفحة (بينها 29 مستنداً)، حول وضعية وطبيعة وآلية ومعوقات سير العمل في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت. تضمّن التقرير واقع المديرية العامة للطيران المدني من القوانين والأنظمة إلى الملاك الإداري والفني، وصولاً إلى المسؤوليات والصلاحيات والإعتمادات والمبالغ المتوفّرة، وضعية الأعمال التي تقوم بها وزارة الأشغال العامة والنقل - المديرية العامة للطيران المدني والمعوقات الإدارية والمالية والإجراءات والتدابير المتخذة من قبلها بهذا الشأن، الطلب من مجلس الإنماء والإعمار باعتباره الجهة المكلّفة حاليّاً أعمال الصيانة والتشغيل لمباني ومنشآت المطار تحويل المبالغ المطلوبة لاستكمال ملفّ أشغال بناء جناح خاص للخدمة السريعة للركاب من الجهة الغربية للمغادرة.
يتطرّق التقرير الذي سيطلع عليه مجلس الوزراء في جلسته التي ستعقد غداً الخميس، بشكل أساسي إلى واقع السلامة العامة، مستنداً إلى كتاب وجهه الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية اتسم بنبرة قاسية بسبب تلكؤ المسؤولين في المطار عن اتخاذ الإجراءات اللازمة، وذلك على أثر ورود كتاب من وزارة الداخلية خلال شهر حزيران الماضي حول السلامة العامة في المطار يرتكز على تقرير كلّ من وكالة سلامة الطيران التابعة للإتحاد الأورويي ومنظمة الطيران المدني الدولي حول المخاوف المتعلّقة بالسلامة العامة في مطار رفيق الحريري الدولي. والمطالبة بإجراءات عاجلة لتحسينها ومعالجتها بحلول شهر آذار من العام ‎2024،‏ تحت طائلة إصدار توصية بتعليق الرحلات من وإلى المطار. كتاب مكية
يتبين من كتاب مكية أنّ «التقرير يسلط الضوء على مجموعة من الثغرات التي استندت إلى معطيات ومشاهدات قام بها فريق مخئص زار المطار في سياق الإستعداد لإقرار برنامج عالمي حول تدقيق مراقبة السلامة الجوية خلال العام ‎2024‏ وخلص إلى أن الحكومة اللبنانتية لا تتخذ الخطوات الضرورية واللازمة لمعالجتها، ونلاحظ أن الشوائب المشار إليها في متن التقرير تشمل الأمور المتعلقة بالنقص في عدد الموظفين من ذوي الخبرة والإختصاص الذين تقع على عاتقهم مهمة مراقبة الحركة الجوية، عدم كفاية أنظمة مكافحة الحريق بدليل اندلاع حريق بسبب عطل في وحدة التكييف ما أدى إلى إغلاق أحد المدرجات، القصور في اعتماد الإجراءات اللازمة التي تتطلبها المعايير الدولية حول سلامة الطيران، للحفاظ على ما يعرف بالمعرفة المحدثة بالعقبات الموجودة حول الطائرات لإنشاءات جديدة، (أبراج، توربينات الرياح) وللتحقق من المساعدات الملاحية على غرار الإضاءة الأرضية، ناهيك بالنقص في تدريب الموظفين، تفعيل وتطوير التتسيق بين مراقبي حركة الطائرات ومعالجة التقص في فحوصات الأمان للركاب والأمتعة».جاء أيضاً، «وغني عن البيان أنّ معالجة هذه العيوب وإدراك أهميتها وتبعاتها على سلامة وأمن المطار والمسافرين والوافدين، يقع بالدرجة الاولى على عاتق المسؤولين في المديرية العامة للطيران المدني الذين تلكأوا عن القيام بالواجبات التي أناطها بهم القانون لا سيما لجهة الإشراف على النقل الجوي وسلامة الملاحة الجوية من جهة، والإلتزام بالقواعد والقوانين والمعايير التي تفرضها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في مجال قطاع الطيران وسلامته من جهة ثانية، مع ما يترتب على ذلك من مسؤوليات يقتضي ترتيبها بحقهم».أضاف: «ويُسجل أيضاً أنّ المآخد التي جرى تسليط الضوء عليها في التقرير ليست مستجدة ولا وليدة الساعة بل استمرت لردح من الزمن وواكبت الحكومات السابقة في وقت يتوجب على من أناط به القانون مسؤولية الإشراف عل النقل الجوي وسلامة الملاحة الجوية في المديرية العامة للطيران المدني وضع الحلول المناسبة لعدم قطع صلة لبنان بالعالم الخارجي أو على الأقل رفع الاقتراحات اللازمة إلى السلطة التي يتبع إليها إدارياً أي وزارة الأشغال العامة والنقل، وذلك بدلاً من التقليل، وبخفة لا سابق لها، من أهميتها بالقول إن جميع الدول لديها نقاط ضعف بالنسبة لمعايير السلامة العامة المعتمدة دولياً، وقد غاب عنه أن الموضوع لا يتعلق بنقاط ضعف تتعلق بمعايير السلامة العامة وإنما «بإدراج وضع المطار برمته على اللائحة السوداء إعتباراً من منتصف العام القادم ومقاطعة شركات الطيران الدولية له».أضاف: «وعليه، فإنّ عدم إلتزام لبنان بالملاحظات الواردة في التقرير المذكور، كما وعدم الإمتثال إلى معايير السلامة العامة وعدم التقيّد بأنظمتها وشروطها ستؤدي إلى وضع مطار بيروت إعتباراً من العام القادم، على اللائحة السوداء مع ما يترتب عن ذلك من إنعكاسات على ثقة شركات الطيران الدولية».ودعا إلى «إاتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير فورية لسد الثغرات المشار إليها وإلا إقتراح سبل معالجتها».كتاب وزارة الداخلية
وكانت وزارة الداخلية وتحت عنوان «سرّي للغاية - عاجل جدّاً»، وجهت كتاباً إلى وزارة الأشغال، مستندة إلى «وثيقة المديرية العامة للأمن العام بتاريخ ‎29/8/2023، ‏تُسلّط الضوء على ما تضمنه التقرير الصادر خلال شهر حزيران. وجاء في وثيقة الأمن العام أنه «لفتت الأوساط إلى أنّ التوصيات التي تضمنها التقرير استندت الى المعطيات التي تكوّنت لدى فريق مختص زار المطار خلال شهر شباط من العام الحالي، وخلصت إلى وجود نقص في الكادر البشري الذي تقع على عاتقه مهمة مراقبة الحركة الجوية، الأمر الذي يستدعي تعيين موظفين على وجه السرعة من ذوي الخبرة والاختصاص».ولاحظ الفريق المختصّ أنّ أنظمة مكافحة الحريق غير كافية، بدليل اندلاع حريق منذ أشهر عدّة، بسبب وحدة تكبيف معطّلة، ما أدّى إلى إغلاق أحد المدرجات. وأشار إلى أنّ الحكومة اللبنانية لا تتخذ الخطوات الضرورية واللازمة لمعالجة بعض الثغرات، ومنها تدريب الموظفين، تفعيل وتطوير التنسيق بين مراقبي حركة الطائرات، معالجة النقص في فحوصات الأمان، للركاب والأمتعة». وأكّد أنّ المعايير الدوليّة تتطلّب إجراءات للحفاظ على ما يعرف بالمعرفة المحدثة بالعقبات الموجودة حول الطائرات (إنشاءات جديدة، أبراج، توربينات الرياح)، إضافة إلى التحقّق من المساعدات الملاحية على غرار الإضاءة الأرضية».تدريب مراقبين جويين
أضاف انّ «أكثر من مسؤول في مطار رفيق الحريري الدولي حاول التخفيف من وطأة وأهمية التقرير الصادر عن وكالة سلامة الطيران المدني الدولية، حيث أوضح رئيس المطار المهندس فادي الحسن بأن جميع الدول لديها نقاط ضعف بالنسبة لمعابير السلامة العامة المعتمدة دوليّاً، واضعاً مهمّة الفريق التابع لمنظمة الطيران المدني والإتحاد الأوروبي الذي زار لبنان ودول أخرى، في سياق الجهود الهادفة إلى تحضير لبنان لمرحلة التدقيق التي ستجري خلال العام القادم. وبدورها أشارت المديرية العامة للطيران المدني إلى أنّ الزيارة التي حصلت إلى المطار تقع في سياق «مهمة دعم منسّقة» ضمن برنامج No Country Left Behind (الذي تقدمه منظمة الطيران المدني الدولي بالتنسيق مع منظمات أخرى)، مبدية حرصها في هذا المجال على تطبيق أعلى معايير السلامة المعتمدة في المطارات العالمية، في مقدمها البدء بتدريب مراقبين جويّين جدد.تابع كتاب الأمن العام: «رجّحت الأوساط أنّه في حال عدم إلتزام لبنان بالملاحظات الواردة في التقرير، فمن المرجح وضع مطار بيروت اعتبارأ من منتصف العام القادم على اللائحة السوداء ذات الصلة بالمطارات التي لا تلتزم بمعايير السلامة العامة، الأمر الذي ستكون له تداعيات سلبية داخلية كبيرة على كافة المستويات، في حال قررت شركات الطيران الدولية مقاطعة مطار بيروت الذي يعتبر المنفذ الجوي الوحيد للبنانيين الذي يصلهم بالخارج».وأشار في سياق متّصل، إلى أنّ «المراقبين الجوّيين في المديرية العامة للطيران المدني في مطار رفيق الحريري الدولي كانوا قد أعلنوا في بيان صادر عنهم بتاريخ ‎23/8/2023 ، أنه اعتباراً من تاريخ ‎5/9/2023 سوف يتمّ الإلتزام بجداول مناوبة تؤمّن العمل في المطار من الساعة السابعة صباحاً حتى الثامنة مساءً،‏ على أن تتمّ جدولة الرحلات بما يتناسب مع القدرة الإستيعابية الحالية للمراقبين الجويين، إلى حين تنفيذ الإصلاحات الضرورية لإعادة العمل على مدار ‎24‏ ساعة بشكل آمن وسليم. وتتمثّل هذه الإصلاحات بتدريب المعاونين المراقبين (دفعة عام ‎2010‏)، إدخال المعاونين المراقبين الجدد (دفعة عام ‎2012) وتدريبهم، داعين الحكومة إلى التوقّف عن التعامل بخفّة مع اقتراحات الحلول التي يتمّ تقديمها بما فيها استقدام مراقبين جويّين من الخارج، مذكّرين أن عدد المراقبين حاليّاً بات ‎12‏ مراقباً من أصل ‎52‏ مراقباً هو العدد المطلوب، علماً أنّ البيان المذكور دفع بوزير الأشغال العامّة والنقل علي حميّة إلى التدخّل لإيجاد حلّ سريع ومقبول للنّقص الحاصل في أعداد المراقبين الجويّين».
 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الطیران المدنی الأشغال العام العامة والنقل وزارة الأشغال العام القادم مجلس الوزراء فی التقریر ة والنقل من العام فی سیاق إلى أن

إقرأ أيضاً:

اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني

 

اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني

عمر سيد أحمد

[email protected]

مايو 2025

من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد النهب

في السودان، لم يُولد اقتصاد الظل من فراغ، ولم ينشأ على هامش الدولة، بل تكوَّن داخل قلب السلطة، وتحوَّل إلى أداة محورية في يد منظومة مسلحة — تضم الجيش، وجهاز الأمن والمخابرات، والمليشيات — تحالفت لعقود مع منظومات الإسلام السياسي لتثبيت السيطرة على الدولة والمجتمع. ومع تفجّر الثورة، ثم اندلاع الحرب، تكشّف الوجه الحقيقي لهذا الاقتصاد: ليس فقط مصدرًا للثراء غير المشروع، بل وقودًا للحرب، ومنصة لتشويه الوعي، ودرعًا يحمي شبكات السلطة من الانهيار.

اقتصاد بلا دولة… بل ضد الدولة

اقتصاد الظل في السودان لم يعد مجرد أنشطة غير رسمية كما في التعريف التقليدي، بل أصبح منظومة مهيكلة تعمل خارج إطار الدولة، تموّل وتُهرّب وتُصدر وتُجيّش بلا أي رقابة أو مساءلة. يتجلّى هذا الاقتصاد في تهريب الذهب من مناطق النزاع عبر مسارات محمية بالسلاح وعبر الحدود في كلزالاتجاهات وعبر المنفذ المحمي بالنافذين ، وتجارة العملة التي تغذي السوق الموازي بعيدًا عن النظام المصرفي، إلى جانب شبكة من الأنشطة التجارية الخارجية التي تدار لصالح قلة مرتبطة بأجهزة أمنية وشركات استيراد الوقود لطفيلي النظام السابق محمية من السلطة ، وتحويلات مالية غير رسمية تُستخدم في تمويل اقتصاد الحرب.

تشير التقديرات إلى أن ما بين 50% إلى 80% من إنتاج الذهب في السودان يُهرّب خارج القنوات الرسمية. وتُقدّر خسائر السودان من تهريب الذهب خلال العقد الماضي بما لا يقل عن 23 مليار دولار في حدها الأدنى، وقد تصل إلى 36.8 مليار دولار . هذه الأرقام تُظهر حجم الكارثة الاقتصادية التي يمثّلها اقتصاد الظل، ومدى تحوّل الذهب من مورد وطني إلى مصدر تمويل خفي للحرب والنهب.

من العقوبات الاقتصادية إلى السيطرة: نشأة التحالف الخفي

خلال سنوات العقوبات الأميركية، نشأت شبكات بديلة لحركة المال والتجارة، قادها رجال أعمال ومؤسسات أمنية مرتبطة بالنظام. وبدل أن تواجه الدولة الأزمة ببناء بدائل وطنية، فُتحت السوق أمام فئة طفيلية نمت في الظل، وتحوّلت إلى ذراع اقتصادية للسلطة. وحتى بعد رفع العقوبات عام 2020، لم يُفكك هذا الهيكل، بل تعمّق. ومع انقلاب 25 أكتوبر، استعادت هذه الشبكات سيطرتها الكاملة على الأسواق والموارد، لتبدأ مرحلة جديدة: تحويل اقتصاد الظل إلى مصدر تمويل مباشر للحرب.

اقتصاد الريع: الأساس البنيوي لاقتصاد الظل

من أبرز الأسباب البنيوية التي مهدت لتضخم اقتصاد الظل في السودان هي هيمنة اقتصاد الريع، الذي مثّل النمط الغالب منذ الاستقلال. فقد اعتمد السودان تاريخيًا على تصدير المواد الخام دون أي قيمة تصنيعية مضافة، بدءًا من القطن والحبوب الزيتية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مرورًا بالبترول في العقد الأول من الألفية، وانتهاءً بعصر الذهب بعد انفصال الجنوب عام 2011. هذا النمط الريعي جعل الاقتصاد السوداني مرتهنًا للأسواق الخارجية، ومفتقرًا لقاعدة إنتاجية وطنية مستقلة.

في ظل أنظمة شمولية وفساد مؤسسي، لم تُستثمر عائدات هذه الموارد في تنمية مستدامة، بل أعيد توزيعها عبر شبكات محسوبية وزبونية لصالح نخب الحكم والأجهزة الأمنية. وبدل أن يكون اقتصاد الريع رافعة للتنمية، تحوّل إلى بيئة حاضنة لاقتصاد الظل. والمفارقة أن هذا الاقتصاد لم ينشأ في الهوامش كما قد يُظن، بل نشأ وترعرع في المركز، داخل مؤسسات الدولة نفسها، وبتواطؤ من النخبة الحاكمة، التي استخدمته أداة للتمويل غير الرسمي، ولتثبيت سلطتها السياسية والعسكرية.وهكذا، اندمج الريع مع الفساد والعسكرة، وخلق منظومة اقتصادية موازية، لا تقوم على الإنتاج بل على النهب، ولا تخضع للقانون بل تتحصن خلفه..

تجارة السلاح والمخدرات: الوجه المحرّم لاقتصاد الظل

من أخطر أوجه اقتصاد الظل، تورّط المنظومة المسيطرة في تجارة السلاح والمخدرات. فقد انتشرت تقارير موثقة عبر وسائط الإعلام ومنصات التواصل خلال عهد الإنقاذ، حول “كونتينرات المخدرات” التي وصلت البلاد أو عبرت نحو دول الجوار، تحت حماية أو تواطؤ من جهات أمنية. هذه التجارة، وإن ظلت في الظل، شكّلت مصدر تمويل خفي مكمل للحرب، ومنصة لتجنيد المليشيات، ومجالًا لتبييض الأموال وتوسيع سيطرة مراكز النفوذ.

معركة الوعي المُموّلة: الإعلام كسلاح في الحرب ضد المدنية

لا يقتصر دور اقتصاد الظل على تمويل السلاح فقط، بل يُغذي معركة أخرى لا تقل خطورة: معركة السيطرة على الوعي. تُدار هذه الحملة الإعلامية من غرف خارج السودان، في عواصم مثل القاهرة، إسطنبول، دبي، والدوحة، بإشراف إعلاميين من بقايا نظام الإنقاذ وشبكات أمنية وإيديولوجية. وتنتج هذه الغرف محتوى ممولًا على وسائل التواصل الاجتماعي يبرر الحرب، ويشوّه قوى الثورة، ويُجيّش الرأي العام ضد التحول المدني، ويروّج لاستمرار الحرب التي شرّدت الملايين، وقتلت الآلاف، ودمّرت البلاد.

الهدف لا يقتصر على قمع الثورة المسلحة، بل يمتد إلى اغتيال فكرة الدولة المدنية ذاتها. تُصوَّر الديمقراطية كتهديد للاستقرار، وتُقدَّم السلطة العسكرية كخيار وحيد لضمان وحدة البلاد، في تجسيد صريح لعسكرة الدولة والمجتمع.

تفكيك المنظومة: ليس إصلاحًا إداريًا بل صراع طويل

لا يمكن الحديث عن تفكيك اقتصاد الظل في السودان بوصفه مجرّد قرار إداري أو إجراء قانوني، خاصة في ظل حرب مفتوحة، وانهيار مؤسسات الدولة، وسيطرة المنظومة المسلحة على مفاصل الاقتصاد. فهذه المنظومة لا تُفكَّك من خلال الانتصار الحاسم، بل من لحظة تآكل السيطرة المطلقة، حين تبدأ الشروخ في البنية الأمنية والاقتصادية للنظام القائم.

ورغم عسكرة الحياة اليومية، لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى شلل في الفعل المدني أو استسلام لقوى الأمر الواقع. المطلوب هو العمل من داخل الحرب، لا على هامشها، لصياغة مشروع تحوّل واقعي وجذري. ويبدأ ذلك بخلق وعي جماهيري جديد، يفضح الترابط البنيوي بين السلاح والثروة، ويضع اقتصاد الظل في موضع المساءلة الشعبية والدولية.

يتطلب هذا المسار مراقبة دقيقة للسوق الموازي وتحليل آلياته، تمهيدًا لبلورة سياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تعيد تنظيم السوق وتكسر احتكار شبكات التهريب. كما أن توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، لا بد أن يتحول إلى ملفات قانونية وإعلامية قابلة للمساءلة، لا مجرد روايات متداولة.

إلى جانب ذلك، يبرز دور الإعلام البديل والمجتمعي كجبهة مقاومة مستقلة، تتصدى لخطاب التضليل الذي يُنتج خارج البلاد، وتواجه الرواية الرسمية التي تبرر الحرب وتشيطن التحول المدني. هذه المواجهة الإعلامية ليست ترفًا، بل ضرورة لبناء رأي عام مقاوم ومتماسك.

وأخيرًا، فإن أي محاولة للتغيير لا تكتمل دون بناء شبكات وتحالفات مدنية، تطرح مشروعًا وطنيًا بديلًا يعيد تعريف الدولة، ويفكك الارتباط بين السلطة والثروة، وينقل الاقتصاد من يد المليشيات إلى يد المجتمع. هذا الطريق ليس خطة جاهزة، بل جبهة مفتوحة، تتطلب العمل اليومي، والمبادرة من داخل الشروخ التي فتحتها الحرب، لا انتظار نهايتها.

العمل وسط الحرب: لا وقت للانتظار

ورغم عسكرة الحياة واشتداد المعارك، لا ينبغي أن يكون الواقع ذريعة للتوقف عن الفعل أو الاستسلام للأمر الواقع. بل العكس هو الصحيح؛ المطلوب اليوم هو العمل من داخل الحرب، ومن بين شقوقها، لبناء بدايات جديدة تُمهّد لمسار تحوّل مدني حقيقي. فالتغيير في سياق مثل السودان لا يُنتظر حتى لحظة النصر، بل يُصنع من داخل المعركة، بخطوات واقعية ومدروسة، تستند إلى الفعل الجماهيري والإرادة الجمعية.

أدوات التغيير: من الوعي إلى التنظيم

هذا المسار يتطلب بناء أدوات جديدة، وخلق وعي جماهيري ناقد، يدرك أن المعركة ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل أيضًا اقتصادية وثقافية. ويبدأ ذلك بكشف البنية الاقتصادية للمنظومة المسلحة، وفضح العلاقة البنيوية بين السلاح والثروة، بما يتيح خلق ضغط داخلي وخارجي على مراكز النفوذ. كما ينبغي رصد نشاط السوق الموازي وتحليل آلياته، لتجهيزه للمواجهة لاحقًا بسياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تفكك احتكارات الظل وتستعيد الاقتصاد لحضن المجتمع.

في الوقت ذاته، يُعد توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، ضرورة لبناء ملفات قانونية وإعلامية يُمكن الرجوع إليها في لحظة المساءلة. وعلى الجانب الإعلامي، لا بد من دعم إعلام بديل، مستقل ومجتمعي، يواجه سرديات التضليل التي تُدار من غرف إعلامية في الخارج، ويقدم خطابًا مقاومًا ينبني على سردية الثورة، لا على خطاب الحرب.

وبالتوازي مع ذلك، يجب العمل على بناء تحالفات مدنية مرنة وواقعية، تطرح مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا بديلاً، يعيد تعريف علاقة الدولة بالمجتمع والموارد، ويفكك ارتباط السلطة بالنهب والاحتكار.

جبهة مفتوحة: بداية لا نهاية

إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل لحظة تاريخية تتطلب إعادة صياغة المشروع الوطني من جذوره. وهذه ليست خطة جاهزة بقدر ما هي جبهة مفتوحة للتغيير التدريجي، تُصاغ من داخل لحظة الانهيار، لا من خارجها. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في انتظار نهاية الحرب، بل في استثمار التصدعات التي خلقتها، وتحويلها إلى مسارات للمقاومة المدنية، وبدايات جديدة تُبنى فيها دولة ديمقراطية مدنية، عادلة ومنقذة، تعبّر عن طموحات الناس لا عن مصالح النخب المتغولة.

المصادر

1. Global Witness (2019). ‘The Ones Left Behind: Sudan’s Secret Gold Empire.’

2. International Crisis Group (2022). ‘The Militarization of Sudan’s Economy.’

3. Human Rights Watch (2020). ‘Entrenched Impunity: Gold Mining and the Darfur Conflict.’

4. United Nations Panel of Experts on the Sudan (2020–2023). Reports to the Security Council.

5. BBC Arabic & Al Jazeera Investigations (2021–2023). Coverage of Sudan’s illicit trade and media operations.

6. Radio Dabanga (2015–2023). Reports on drug trafficking and corruption during Al-Ingaz regime.

7. Sudan Tribune (2020). ‘Forex crisis and informal currency trading in Sudan.’

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسوماقتصاد الظل السودان تحالفات الخفاء تمويل الحرب عمر سيد أحمد

مقالات مشابهة

  • «الطيران المدني» تُصدر تقرير المطارات والناقلات الوطنية للشهر الماضي
  • الدفاع المدني يحذّر: تجاهل معايير السلامة مسؤولية قانونية وخطر داهم يهدد الأرواح والممتلكات
  • سلطة الطيران المدني تنفي تقارير عن عودة مطار الخرطوم الدولي لاستقبال طائرات الشحن
  • الطيران المدني تصدر تقرير التزام الرحلات لشهر أبريل
  • “مديرية الدفاع المدني” تعزز جهودها في موسم حج 1446 هـ لسلامة ضيوف الرحمن
  • المديرية العامة للدفاع المدني تعزز جهودها في موسم حج 1446 هـ لسلامة ضيوف الرحمن
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • هيئة الطيران المدني تصدر تقرير أداء المطارات لشهر أبريل 2025
  • مبارك الفاضل: تعيين رئيس وزراء مدني لا يغير واقع سيطرة العسكريين على الحكم
  • وزير الدولة لشؤون الطاقة يجتمع مع رئيس إدارة الطيران المدني الصيني