مدارس ومستشفيات غزة تتحول إلى مراكز إيواء للعائلات.. نزوح وصمود وأوجاع
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
وجوه حزينة يملؤها الأمل، نظرات ثاقبة تدل على الصمود والثبات، أعين باكية على ما فقدت من أطفال ونساء ورجال وشباب، أطفال ربما استعدوا لحمل حقائبهم للذهاب إلى مدارسهم، لكن غدر قوات الاحتلال الإسرائيلية حول أحلامهم إلى سراب ومنازلهم إلى ركام فباتت مدارسهم المخصصة للتعلم ملاجئ لهم، ظنوا أنها ستكون آمنة عن تلك القذائف التي قصفت البيوت وأخذت معها العائلات، لكنها أيضا قُصفت، هكذا هو حال أطفال وعائلات قطاع غزة في فلسطين.
أصوات متهدجة وقلوب ممزقة، هو حال الفلسطينيون الذين نزحوا من وسط قطاع غزة هربا من القصف، لكنهم ذهبوا إلى شظف العيش بعد نفاذ السلع الغذائية وندرة مياه الشرب، فاتخذوا من مدارس «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة، ملاجئ لهم، فالنساء حولن أسوار المدارس إلى مناشر لملابسهم، والأطفال حولوا المقاعد الدراسية إلى أسًرة لتستريح عليها أبدانهم الناجية من القصف الإسرائيلي، بينما حول الرجال الفصول الدراسية إلى غرف معيشة مشتركة، والسيدات اتخذن من فناء المدارس مطبخا لإعداد القليل من الطعام الذي يكفي كثيرا من الأسر، من بينهم أسرة علي فرينة، التي فقدت 7 افراد منها، لكن الباقون صمموا على النزوج رغما عنهم، وفق حديث محمود لـ«الوطن».
«راحت الذكريات، اغتالوا الطفولة والبراءة، قضوا على كل شيء لكنهم لم يستطعوا القضاء على الأمل والصمود داخلنا، سنصمد حتى نُدفن بجوار أحبتنا وأطفالنا، سنصمد حتى يرى العالم أننا نواجه وحدنا مصيرا مجهولا لانعلم إلى متى لكننا حتما سننتصر»، قالها فرينة، والدموع تملأ عينيه، راثيا شقيقه الذي توفي وعمته التي اشتهدت غدرا على يد قوات الاحتلال الغاشم، مؤكدا أنهم سيصمدون حتى الرمق الأخير.
فقدت عائلتها بالكامل، لم يتبق سوى حفيدتها «ليان»، لكنها لم تفقد الأمل في النصر، فالسيدة ميساء البر، المُلقبة بـ«أم أحمد»، التي عاشت في فلسطين نحو 72 عاما، وعاصرت كل الحروب التي حاولت تدمير وطنها، ما تزال على العهد باقية، ثابتة صامدة أمام رصاصات الغدر التي تطلقها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفق حديثها لـ«الوطن»: «والله رغم الدمار لن نترك أراضينا، لن نترك وطننا، فقدت كل أفراد عائلتي ما بين مفقودين وشهداء، لم أعثر إلا على حفيدتي ليان، أخذتها وهربت إلى المدرسة التي تحولت لملجأ، ما هو خوف من الاحتلال لكن خوفا من أن تطال رصاصات الغدر حفيديتي الوحيدة المتبقية».
على مقربة من ميساء البر، يقف رائف شاهين، شاب يبلغ من العمر 38 عاما، يحاول مساعدة البعض في ترتيب ما تبقى من أغراض داخل الفصول الدراسية التي تحولت إلى غرف معيشية تحت وطأة القصف الإسرائيلي المتواصل، لكنه يتشبث بالأمل ويثق في النصر القريب، رغم فقدانه عددا من أصدقائه، وفق حديثه لـ«الوطن»: «راحوا الأحبة، راحت الذكريات، ما بقى غير النضال والصمود والدعاء، نزحنا هنا حفاظا على ما تبقى من أحبتنا وعائلتنا فأنا فقدت والدي وشقيقتي وابنتيها، فقدت باسل وعمر ويامن، ونقص الخبز ومياه الشرب وانقطاع الكهرباء».
أكثر من 10 فلسطينين ارتقوا شهداء في قصف إسرائيلي لمدرسة تابعة لمنظمة «الأونروا» بمخيم المغازي للاجئين في غزة، حيث قالت جولييت توما، مديرة التواصل في الوكالة الأممية، إن ما يقدر بنحو مليون شخص نزحوا في الأيام السبعة الأولى من القصف الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة، وفق وكالة «أوفا الفلسطينية» أمس.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فلسطين قصف مستشفى المعمداني قوات الاحتلال قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
استقالة مدير مؤسسة غزة الإنسانية قبل بدء عملها بتوزيع المساعدات في القطاع
أعلن المدير التنفيذي لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، المثيرة للجدل ومدعومة من الولايات المتحدة، والتي كانت تتحضر لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، استقالته "بمفعول فوري"، وفق بيان صادر عن المنظمة.
وقال المدير التنفيذي للمنظمة جيك وود في البيان إنه تولى منصبه القيادي قبل شهرين لأنه شعر بأنه "مدفوع لأفعل ما باستطاعتي للمساعدة في تخفيف المعاناة" في غزة، لكنه أضاف أنه بات من الواضح عدم امكانية تنفيذ خطة المنظمة "مع الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية".
في وقت سابق، ادعت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن آلية توزيع المساعدات الإنسانية الجديدة في قطاع غزة، ستبدأ العمل غدًا الاثنين، بوجود "ثغرات كبيرة"، وذلك بالتعاون مع شركات أمريكية خاصة.
وقالت الإذاعة الرسمية إن "آلية المساعدات الإنسانية الجديدة في قطاع غزة، ستبدأ بالعمل يوم غد الإثنين، بعد تأخير ليوم واحد، بالتعاون مع شركات أمريكية خاصة".
لكنها نوهت إلى أن الآلية الجديدة "تعاني من ثغرات كبيرة ولن تكون قادرة على تلبية احتياجات جميع سكان القطاع"، دون مزيد من التفاصيل.
وادعت الإذاعة أن "آلية توزيع المساعدات الجديدة، تشمل إنشاء 4 مراكز توزيع: 3 في رفح وواحد وسط القطاع"، دون تحديد المحافظة.
وقالت الإذاعة إنّ "هذه المراكز ستغطي احتياجات 1.2 مليون نسمة فقط، أي سكان جنوب ووسط القطاع، فيما سيبقى قرابة مليون شخص في الشمال دون تغطية".
وبحسب الإذاعة، فإنه "على عكس ما كان مخططاً، لن يمر المدنيون عبر نقاط تفتيش قبل دخولهم مراكز التوزيع، ما يعني أن عناصر حماس يمكنهم دخول هذه المراكز واستلام المساعدات أيضاً".
وتروج إسرائيل والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة لمخطط من أجل توزيع المساعدات بنقاط محددة جنوب غزة، من خلال منظمة غير ربحية سُجلت حديثا في سويسرا تحت اسم "مؤسسة غزة الإنسانية"، والتي تشير تقارير إعلامية عبرية إلى أن مؤسسها هو المبعوث الرئاسي الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
فيما أقرت إذاعة الجيش بأن هذا المخطط يهدف إلى تسريع إخلاء الفلسطينيين من مناطق شمال القطاع إلى جنوبه، تمهيدا لتهجيرهم وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنها باتت ضمن أهداف الحرب.
والاثنين الماضي، نشرت "يديعوت أحرونوت"، لأول مرة، صورا لموظفين تابعين للشركة التي ستتولى توزيع المساعدات وهم يرتدون سترات واقية ومدججين بالسلاح.
ووقتها، ادعت الصحيفة أن الشركة تابعة لصندوق إنساني أسسه حديثا ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط ويحمل اسم "مؤسسة غزة الإنسانية" ويعرف اختصارا بـ "GHF".
لماذا ستفشل الخطة الإسرائيلية؟
رفض المؤسسات الأممية التعاون مع الخطة
عبرت المؤسسات الأممية المعنية بتوزيع المساعدات عن رفضها المشاركة في الخطة الإسرائيلية، باعتبارها، غير شفافة وتحتمل أهدافا عسكرية.
وقالت الأمم المتحدة إن خطة التوزيع المدعومة من الولايات المتحدة لا تفي بمبادئ المنظمة الراسخة المتمثلة في النزاهة والحياد والاستقلالية.
وصرح توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في إفادة أمام مجلس الأمن الدولي مؤخرا، إن "المشكلات في الخطة التي طرحتها "إسرائيل" أنها تفرض مزيداً من النزوح، وتعرض آلاف الأشخاص للأذى، وتقصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة، ولا تلبي الاحتياجات الماسة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، وتجعل التجويع ورقة مساومة.
كما حذرت منظمات إغاثية وحقوقية بريطانية دولية من أن "مؤسسة غزة الخيرية" المدعومة أمريكيا "مسيسة"، وليس لها جذور من العمل الإغاثي في غزة.
ودعت المنظمات الحكومات والمنظمات الإنسانية إلى رفض نموذج المؤسسة الجديد والمطالبة بالوصول إلى القطاع لجميع مقدمي المساعدات "وليس فقط أولئك الذين يتعاونون مع قوة احتلال".
خلافات إسرائيلية
كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"عن خلافات عميقة داخل جيش الاحتلال والمنظومة الأمنية بشأن الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات في غزة.
فيما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" نقلت عن ضابط إسرائيلي قوله، إن ضباطا في الجيش لا يريدون لخطة توزيع المساعدة في غزة أن تنجح، ويفضلون الاستمرار في الوضع الحالي بإشراف الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى.
بدوره، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء احتياط تمير هايمان: "مطالبة الغزيين بالسير لمسافات طويلة إلى مراكز التوزيع لحمل طرود غذائية ثقيلة عدة مرات أسبوعيا هذا قد ينجح في ملعب غولف، لكنه لن ينجح في غزة".
مسافات بعيدة ومراكز قليلة
يتضح من إعلان قوات الاحتلال أن مراكز التوزيع تبعد بمسافات طويلة عن الأماكن المأهولة بالسكان والتي يفترض أن يتحرك الناس منها وإليها عدة مرات أسبوعيا للحصول على طرود غذائية محدودة، لا تكفي سوى لأيام قليلة.
وفي ظل غياب وسائل النقل إثر الحصار المطبق ومنع دخول الوقود، فضلا تدمير آلاف السيارات والشاحنات المخصصة للنقل منذ بدء الحرب، سيصبح من الصعوبة نقل المواد والمساعدات من تلك المراكز.
كما أن تخصيص 4 مراكز فقط لأكثر من 2 مليون فلسطيني يحتاجون إلى المساعدات، يمثل ضربا من الخيال، إذ كيف لهذه الأعداد الهائلة أن تتلقى المساعدات من منافذ لا تتعدى عدد أصابع الكف الواحدة، بينما تحتاج إلى مئات المراكز، إن لم يكن آلافا لتسريع عمليات تلقى المساعدات.
وقالت مصادر ميدانية لـ"عربي21"، إن قوات الاحتلال تعمل منذ فترة طويلة على إنشاء مناطق محاطة بسواتر ترابية، تشبه معسكرات الاعتقال في منطقة مواصي مدينة رفح.
وأكدت المصادر أن المناطق التي يعتقد أنها ستكون مخصصة لتوزيع المساعدات تحاذي شاطئ البحر، وتخضع لسيطرة أمنية تامة، محذرة من خطط قد ينفذها الاحتلال للتهجير وإجراء عمليات "تصفية" للأسماء تحت غطاء توزيع المساعدات.
أما بالنسبة لنقطة توزيع المساعدات الخاصة بالمحافظات الوسطى من قطاع غزة، فتقع جنوب محور نتساريم والذي يسيطر جيش الاحتلال على أجزاء واسعة منه، ما يعني أنه لن يكون أي مركز أو نقطة للتوزيع في مناطق شمال القطاع.
الوعي بحقيقة الخطة
أصبح واضحا لدى الفلسطينيين في قطاع غزة أن خطة توزيع المساعادت مبنية على هدف خطير، يتمثل في تهجير الفلسطينيين من مناطقهم، إلى أخرى حددتها وأنشأتها قوات الاحتلال بغرض دعم خط التهجير وتفريغ شمال قطاع غزة على وجه الخصوص.
وبينما تتعزز القناعة أكثر من أي وقت مضى لدى الفلسطينيين أنه لا مكان آمن في قطاع غزة، ولا حصانة لأحد فيه، رفض فلسطينيون عدة تحدثوا لـ"عربي21"، التحرك جنوبا لاستلام المساعدات، وقالوا إن هدف الاحتلال أصبح واضحا، ويتمثل في قتلهم وتهجيريهم.
ومعظم من تحدث إليهم "عربي21" كانوا ممكن غادروا شمال قطاع نحو جنوبه في أيام الحرب الأولى، تنفيذا لتعليمات قوات الاحتلال، ومزاعمه حول المناطق الآمنة، لكنهم اكتشفوا لاحقا أن المناطق الآمنة ما هي إلا كذبة وفخا نصبته قوات الاحتلال لتهجيرهم وقتلهم.
ويصر الفلسطينيون في شمال القطاع، على البقاء فيه بعد أن عادوا إليه على إثر اتفاق وقف إطلاق النار الذي سرى في كانون الثاني/ يناير الماضي، قبل أن تخترقه قوات الاحتلال في آذار/ مارس.