جريدة الوطن:
2025-12-14@05:47:16 GMT

كلفة الحرب

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

من الصعب تقدير كلفة حرب وهي لا تزال دائرة، وبالطبع لا يُمكِن على الإطلاق تقييم الأرواح التي تزهق ولا تبعات الإصابات. حتَّى التدمير المادِّي للمنشآت وغيرها في ظلِّ الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على قِطاع غزَّة لا يُمكِن حساب كلفته. فقَدْ سُوِّيت أحياء بكاملها بالأرض، ناهيك عن الأضرار الإنسانيَّة والصحيَّة الناجمة عن الحصار الكامل لأكثر من مليونَي إنسان في مساحة ضيِّقة مِثل قِطاع غزَّة.

فتلك كلفة لا تُقدَّر ويمتدُّ أثَرها لسنوات قادمة. كذلك الخسائر البَشَريَّة والمادِّيَّة على الجانب الإسرائيلي يصعب حساب كلفتها أيضًا. حتَّى التعبئة العامَّة الجزئيَّة التي أعلنتها تكلف ميزانيَّتها الكثير، فضلًا عن تضرُّر الاقتصاد نتيجة استدعاء الاحتياط وأغلبهم يعملون بالفعل. مع ذلك، لا تتوقف الأسواق وشركات الاستشارات والبنوك الاستثماريَّة عن تقدير الكلفة المباشرة، المتعلِّقة بالأسواق الماليَّة وبالاقتصاد بشكلٍ عامٍّ.
كان التأثير المباشر هو سرعة ضخِّ البنك المركزي الإسرائيلي عشرات مليارات الدولارات في السُّوق لدعم العملة الرسميَّة التي هوَتْ بشدَّة مقابل الدولار. وفي اليوم التالي لهجوم الفلسطينيِّين طرح البنك ما يصل إلى خمسين مليار دولار من الاحتياطيَّات الأجنبيَّة لدَيْه لوقفِ تدهوُر العملة. إلَّا أنَّ العملة واصلت الهبوط ما أدَّى إلى مزيدٍ من التدخل ببضعة مليارات أخرى. ذلك التأثير الأوَّلي المباشر على الاقتصاد الإسرائيلي، لكنَّ الكلفة النهائيَّة ربَّما تكُونُ أضعاف ذلك حين تُحصى كلفة التعبئة العامَّة وتراجع النشاط في قِطاعات متعدِّدة من الاقتصاد من السِّياحة إلى الطيران وغيره. ولأنَّه لا يوجد اقتصاد دَولة للفلسطينيِّين، فيصعب على الاقتصاديِّين ومُحلِّلي السُّوق تقدير أيِّ خسائر مباشرة مِثل تلك التي تعرَّضت لها «إسرائيل». لَمْ تقتصر الخسائر المباشرة، التي يُمكِن حسابها على الفَوْر من الأسواق، على «إسرائيل» والفلسطينيِّين بل تردَّد صداها في دوَل الجوار وحتَّى الاقتصاد العالَمي كُلِّه.
كان أهمّ ردِّ فعل هو ما شهدته أسواق السندات في دوَل مِثل مصر والأردن، وتعطُّل عمليَّة إعادة جدولة ديون لبنان التي تخلَّف عن سدادها قَبل نَحْوِ ثلاث سنوات. ومع ما تعانيه مصر والأردن من مُشْكلة ديون كبيرة، ارتفع العائد على سندات الدَّيْن السِّيادي للبَلدَيْنِ بشدَّة مع بداية الحرب، وزاد التدهوُر مع قرب نهاية الأسبوع مع الهجوم الضَّاري لـ»إسرائيل» على غزَّة ومخاوف الأسواق من احتمال اتساع رقعة الحرب في المنطقة لتنسكبَ على دوَل الجوار. وشهدت أسواق السندات عمليَّات بيع كبيرة لسندات الدَّيْن السِّيادي الدولاريَّة للبَلدَيْنِ، ما أدَّى إلى هبوط سعرها بشدَّة وارتفاع نسبة العائد عَلَيْها. ووصل سعر سندات الدَّيْن السِّيادي المستحقَّة بعد نهاية العقد الحالي إلى ما يقرب من نصف قِيمتها. بَيْنَما اقتربت نسبة العائد على بعضها من حاجز عشرة في المئة، وهو ما يضاعف من أزمة خدمة الدَّيْن لكلا البَلدَيْنِ. كما أنَّه يُصعِّب مُهمَّة مصر في إعادة تمويل ديون بالمليارات لإطالة أمَدِ استحقاقها.
هذا الضَّرر الذي لحقَ بالسندات المصريَّة والأردنيَّة واضطراب سُوق السندات في دوَل الجوار، قابلَه تحسُّن في سُوق سندات الخزانة الأميركيَّة الذي شهد تدهورًا شديدًا في الأسابيع السابقة. فمع مطلع أسبوع التداول الماضي، أقْبَلَ المستثمرون على شراء سندات الخزانة الأميركيَّة كملاذٍ آمنٍ بعدما كانت عمليَّات البيع الهائلة شِبه يوميَّة. وأدَّت عودة الإقبال على الشراء إلى ارتفاع أسعار سندات الخزانة الأميركيَّة والتراجع الطفيف في نسبة العائد عَلَيْها. لكنَّ الاضطراب في الاقتصاد العالَمي لَمْ يكُنْ فقط في سُوق السندات، بل إنَّ ارتفاع أسعار النفط وتجاوزها تسعين دولارًا للبرميل أعاد المخاوف من احتمال ارتفاع معدَّلات التضخُّم مجددًا. وحسب تقديرات الأسواق تقليديًّا فإنَّ ارتفاع أسعار النفط بنسبة عشرة في المئة يُمكِن أن يزيلَ نصف نقطة مئويَّة من نسبة نُموِّ الناتج المحلِّي الإجمالي العالَمي. يتضافر ذلك مع مؤشِّرات أخرى على أنَّ الاقتصاد العالَمي يُمكِن أن يتباطأَ أكثر، ومن بَيْنِ تلك المؤشِّرات استمرار مُشْكلة الدَّيْن العالَمي، خصوصًا مع رفع أسعار الفائدة من قِبَلِ البنوك المركزيَّة بغرض وقف ارتفاع معدَّلات التضخُّم.
حتَّى الآن، يبدو احتمال اتساع رقعة الحرب في المنطقة متواضعًا، لكنَّ الأزمات الكبرى تبدأ بشرارة صغيرة أحيانًا. ولأنَّ الشرر موجود، ليس أقلّه ما يخطف أرواح الفلسطينيِّين في غزَّة، فإنَّ كُلَّ شيء وارد. وإذا احتدَّ الصراع أو اتَّسعت رقعته فإنَّ أسعار النفط مرشَّحة للزيادة أكثر، وبالتَّالي انخفاض توقُّعات نُموِّ الاقتصاد العالَمي. تعتمد كلفة تأثير الحرب بالنسبة للأسواق والاقتصاد العالَمي على زمن ونطاق العمليَّات الحاليَّة. صحيح أنَّ عدد دوَل الخليج وغيرها التي طبَّعت العلاقات مع «إسرائيل» ازداد، لكنَّ الواقع الفعلي يظهر أنَّ العلاقات الاقتصاديَّة تتأثر أيضًا بالتوتُّرات الجيوسياسيَّة. وتبدو الآن مشروعات طموحة للتطوير والتنمية بالتعاون مع «إسرائيل»، على الأقلِّ مؤجلة إنْ لَمْ يكُنْ بعضها يتراجع بالفعل. ليس القصد هنا مشروعات التعاون الثنائي بَيْنَ «إسرائيل» والدوَل التي لدَيْها علاقات معها، وإنَّما حتَّى مشروعات إقليميَّة ودوليَّة طموحة دعمتها الولايات المُتَّحدة مِثل الممرِّ الاقتصادي الجديد.
وربَّما تستفيد من ذلك مشروعات أخرى منافسة مِثل مبادرة الحزام والطريق، كما استفادت سُوق السندات الأميركيَّة من الحرب بَيْنَما تضرَّرت المصريَّة والأردنيَّة. ومرَّة أخرى، كُلُّ تلك المليارات، ولا حتَّى التريليونات، لا تُساوي روحًا واحدة تُزهق بالطبع.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
[email protected]

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذين ما زالوا في غزة

نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" تقريرا بعد مزاعم الاحتلال حول اغتيال القيادي في القسام رائد سعد عن قادة حماس الذين ما زالوا في غزة.

وقالت الصحيفة إنه بعد اغتيال رعد سعد، "الرجل الثاني" في "الجناح العسكري" لحماس، بقي عدد من قادة الحركة وعلى رأسهم:

1. عز الدين الحداد: القائد الحالي للجناح العسكري، الذي وصل إلى السلطة بعد اغتيال محمد ضيف ونائبه مروان عيسى ومحمد السنوار بحسب الصحيفة. 

وكان الحداد قائداً للواء مدينة غزة، ووفقاً لتقارير عربية، كان من بين القلائل الذين علموا بتوقيت هجوم 7 أكتوبر. حيث كان شريكا رئيسيا في التخطيط للعملية.

وأوضحت أنه مع كل عملية تصفية، ارتقى في التسلسل القيادي، حتى أصبح مسؤولا عن قضية الأسرى الذي ذكروا أن الحداد كان يتحدث العبرية ويتواصل معهم. 

وخلال الحرب، قُتل اثنان من أبنائه، اللذين كانا يعملان في صفوف نخبة القسام النخبة.

محمد عودة: رئيس مقر استخبارات حماس في غزة. لا يُعرف الكثير عن عودة، لكن بحكم طبيعته، كان متورطًا بشكل كبير في التخطيط لعملية ٧ أكتوبر. 

وفي وثائق نُشرت قبل الحرب، يظهر اسمه إلى جانب محمد ضيف والمتحدث باسم القسام أبو عبيدة. 

ووفقًا لتقارير ، أُجبر عودة على تولي قيادة لواء شمال غزة، بعد اغتيال القائد السابق أحمد غندور كما زعمت الصحيفة العبرية.

وبينت "إسرائيل اليوم" أنه إلى جانب كبار قادة الجناح العسكري، بقي اثنان من الشخصيات البارزة في حماس على قيد الحياة، واللذان كانا في السابق ضمن أعلى مستويات نظامها في غزة. 

الأول هو توفيق أبو نعيم، الذي ترأس جهاز الشرطة وكان يُعتبر من المقربين من السنوار. أما الثاني فهو محمود الزهار، عضو المكتب السياسي في غزة وأحد أعضاء الفصائل المؤسسة لحماس. 

وأشارت إلى أن هناك أيضاً قادة كتائب مخضرمون في حماس لم يُقتلوا بعد أولهم حسين فياض ("أبو حمزة")، قائد كتيبة بيت حانون، الذي نجا من محاولتي اغتيال على الأقل حيث أسفرت المحاولة الأخيرة عن مقتل أفراد من عائلته. 

وفي وقت سابق من الحرب، أعلن جيش الاحتلال أنه قُتل، لكن فياض ظهر بعد فترة من وقف إطلاق النار.

ولفتت الصحيفة إلى قائد كتيبة آخر هو هيثم الحواجري، المسؤول عن كتيبة مخيم الشاطئ. 

وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي اغتياله، لكنه ظهر خلال وقف إطلاق النار في إحدى المراسم الدعائية لإطلاق سراح الأسرى.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، برز اسم قائد بارز آخر في حماس وهو  مهند رجب. وبحسب تقارير عربية، عُيّن رجب قائداً للواء مدينة غزة خلفاً للحداد، الذي أصبح قائداً للجناح. كما ورد أنه، على غرار رجب، عُيّن قادة ميدانيون آخرون ليحلوا محل من قُتلوا خلال الحرب.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذين ما زالوا في غزة
  • تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
  • المفوضية الأوروبية: دعم أوكرانيا يتواصل ورسالة حازمة لروسيا بشأن كلفة الحرب
  • سياسي: خطة المفوضية الأوروبية تجاه أموال روسيا المجمدة تهدد الاقتصاد الأوروبي
  • حين يسقط العالِم في فخ التبسيط .. خطيئة جمال حمدان حين أفتى في الأدب
  • تقرير أممي يكشف ارتفاع وفيات مواليد غزة بنسبة 75 بالمئة في الأشهر الأخيرة
  • غزة .. ارتفاع عدد وفيات الأطفال في يوم ولادتهم والآلاف يعانون من سوء تغذية حاد
  • ارتفاع وتيرة العمليات النوعية التي تنفذها أوكرانيا ضد روسيا
  • البنك المركزي الروسي يحذر: الاقتصاد يواجه خطر الركود وسط ضغوط الحرب
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟