يمن مونيتور/ تعز/ وحدة التقارير

يستيقظ الحاج فؤاد كل صباح حاملًا على عاتقه تبعات الظروف القاسية وهم توفير متطلبات أسرته المعيشية كل يوم، منذ خمس سنوات وهو يعول أسرته الوحيد المكونة من تسعة أبناء بالإضافة إلى والديه واثنين من إخوته المعاقين.

يخرج فؤاد من منزله الكائن في قرية المبهاق التابعة لمديرية جبل حبشي غرب مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، حاملًا معه حزم المشاقر الفواحة، يقطع مسافة تزيد على سبعة كليو متر سيرًا على قدميه المتشققة من طول المسير، معاناة يعيشها كل يوم بذات التفاصيل، فالظروف المعيشية القاسية المحيطة به جعلته على كبر عمره يزاول مهنة لا تكاد تكفي لشراء قوت يومه.

خمس سنوات والحاج فؤاد يقف كل يوم في مكانه المعتاد وسط شارع بير باشا غرب المدينة، وفي يديه أصناف عديدة من المشاقر ذات الروائح العطرية الزكية، حتى أنه بات جزء من ذلك المكان بسحنته الريفية وتجاعيد وجه، حتى أن المارة في الشارع يفتقدون وجوده إن غاب يومًا، كما يقول أحدهم.

“معاناة وسط ظروف قاسية”

لم يجد الحاج فؤاد أمامه سبيلًا آخر يوفر من خلاله قوت يومه لأسرته، فاختار بيع المشاقر في شوارع مدينته المحاصرة منذ بداية الحرب التي ألقت بظلالها على المواطنين وأثقلت معاناتهم، والحاج فؤاد ليس سوى قصة معاناة واحدة لعشرات القصص التي يعيش أصحابها معاناة تتكرر كل يوم بذات التفاصيل.

“تراث عريق”

وللمشاقر الفواحة تراث عريق ومناسبات خاصة توارثها الأجيال في اليمن، فهي عطور طبيعية كان لها حضور في الطقوس الدينية، والمناسبات المجتمعية المختلفة والافراح، ناهيك عن اقترانها بشكل كبير بهندام المرأة والرجل وباتت جزء من الزي الشعبي الأصيل على امتداد العصور.

يقول الحاج فؤاد غالب، إنه يمارس هذه المهنة منذ خمس سنوات، وذلك بسبب الوضع المأساوي الذي يعيشه، وبسبب الحرب التي جعلته عاطلًا عن العمل، فقد كان قبل ذلك يعمل في مجال النجارة، ولكن العمل تراجع بشكل كبير، بالإضافة إلى عامل السن وسقوطه من الدور الثالث، كل هذه الأسباب فاقمت معاناته وبات غير قادر على تحمل الأشياء الثقيلة، فاختار بيع المشاقر، والتي يعتبرها مهنة بسيطة وسعيدة، على الرغم من التعب الذي يلقاه كل يوم، عند حد قوله.

يضيف الحاج فؤاد في حديث لـ”يمن مونيتور”، بأن “المشاقر موروث حضاري توارثه الأجداد، ولست وحدي من يبيع المشاقر، هناك العشرات من أمثالي يزاولون هذه المهنة، على الرغم من المعاناة التي أعيشها، لكني مضطر لذلك لأشتري الطعام لأسرتي”.

“عائدات لا تفي بالغرض”

تعد مهنة بيع المشاقر من المهن البسيطة التي لا تدر عائدا كبيرا، وقد لا تكفي لشراء متطلبات الحياة المعيشية ليوم واحد فقط، كما أن هذه المهنة مؤقتة إلى حد كبير، إذ أن المشاقر التي يتم قطفها لا بد أن تباع في نفس اليوم وإلا فإنها تفقد رونقها وعطريتها في اليوم الثاني، الأمر الذي قد يكلف بائعها خسائر كبيرة، لكن مع ذلك يزاولها الحاج فؤاد كل يوم.

يقول الحاج فؤاد: ” أشتري رزمة المشاقر الواحدة 150 ريالاَ وأبيعها بـ200 فقط بعد الرزمة 50 ريالا (الدولار= 1200)، أحيانا أبيع بخمسة ألف أو أربعة ألف، وبعض الأيام لا أبيع شيء، وعندما يكون هناك مناسبات أبيع الكثير، جربت أزرع المشاقر من قبل ولكني فشلت لذا اشتريها الآن وأبيعها”.

يبيع الحاج فؤاد مختلف أنواع المشاقر المنتشرة في مدينة تعز وخارجها، من الكاذي إلى الشذاب إلى الريحان والأوزاب (أشجار عطرية)، أما الكاذي فيتم جلبه من محافظة لحج لأنه لا يتم زراعته في مدينة تعز، يقول الحاج فؤاد بأن الاقبال في المدينة ليس بالشكل المطلوب إلا في حالة وجود مناسبات أما في أغلب الأيام لا يشتري مني المواطنين.

الحاج فؤاد متجولاً في شوارع تعز لبيع النبات العطري

صعوبات ومعاناة

يواجه فؤاد العديد من الصعوبات في حياته اليومية، فقريته تقع في منطقة تماس بين الحوثيين والجيش الوطني، بالإضافة إلى صعوبة الحفاظ على المشاقر أطول فترة ممكنة، وصعوبة إقبال المواطنين على الشراء، والمسافة الكبيرة التي يقطعها سيرًا على الأقدام والمقدرة بسبعة كليو متر، ويحتاج إلى دراجة نارية تساعده على التنقل من قريته إلى المدينة وفي شوارع المدينة ذاتها كما يقول.

على الرغم من كبار سنه إلا أن الظروف أجبرته على الوقوف بين حرارة الشمس وسط شارع بير باشا وفي يديه تفوح مختلف الروائع العطرة، وبصوته الجهوري ينادي الناس للشراء منه، وبملامحه ذات الـ58 عامًا لا يتأخر عن موعده كل يوم، هي قصة واحدة ومعاناة مماثل لعشرات القصص في المدينة.

 

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: اليمن تعز قصة كفاح مسن يمني کل یوم

إقرأ أيضاً:

مخرجة فيلم الخرطوم: نجاحنا فخر لصانعات الأفلام والسينما السودانية

مخرجة فيلم الخرطوم راوية الحاج، أشارت إلى تطور الملحوظ في الحضور السوداني بالأفلام في المهرجانات العالمية.

الدوحة: التغيير

شهد مهرجان الدوحة للأفلام حضورًا سودانيًا لافتًا هذا العام، حيث برزت مجموعة من الأفلام التي تعكس تنامي دور السينما السودانية وصعود أصوات المخرجات والمخرجين في توثيق قضايا المجتمع وتقديم سرديات جديدة تلامس الواقع الإنساني.

ومن بين هذه الأعمال، لمع فيلم “ملكة القطن” الفائز بجائزة الجمهور، إلى جانب الفيلم الوثائقي الطويل “الخرطوم” الذي قدّم رحلة صادقة في قلب معاناة المدنيين خلال الحرب وتشارك إخراجه 5 مخرجين بينهم راوية الحاج، و”فيلا 187″ لإيمان ميرغني الذي حاز على جائزة أفضل مخرج، و”سودان يا غالي” للمخرجة هند مؤدب.

“ملكة القطن”

فازت المخرجة السودانية سوزانا ميرغني بجائزة الجمهور عن فيلمها “ملكة القطن” (السودان/ ألمانيا/ فرنسا/ فلسطين/ مصر/ قطر)، ويتناول الفيلم قصة المراهقة نفيسة التي تصبح محور صراع حول بذور معدّلة وراثياً قد تحدد مستقبل قريتها، جامعاً بين النقد البيئي والدراما الاجتماعية والتحولات المرتبطة بالنضوج.

حضور الفيلم في المهرجان شكّل تأكيدًا على قدرة السينما السودانية على تقديم قصص محلية بمعالجة فنية تجذب الجمهور العالمي.

فيلم “الخرطوم”

إلى جانب هذا الفوز، خطف الأنظار أيضًا فيلم “الخرطوم” (السودان/ المملكة المتحدة/ ألمانيا/ قطر)، الذي اجتمع على إخراجه خمسة مخرجين هم: أنس سعيد، راوية الحاج، إبراهيم سنوبي أحمد، تيماء محمد أحمد، وفيليب كوكس.

يوثّق الفيلم صراع البقاء والسعي نحو الحرية، من خلال أحلام خمسة من سكان الخرطوم الذين نزحوا بسبب الحرب، مقدماً صورة إنسانية دقيقة لمعاناة المدنيين وسط واقع يمتلئ بالفقد والتشرد.

وفي حديث خاص لـ(التغيير)، قدّمت المخرجة راوية الحاج، إحدى صانعات الفيلم، روايتها للتحديات التي واجهتها خلال صناعة هذا العمل الممتد زمنيًا وإنسانيًا.

تحديات

راوية الحاج قالت إن أصعب التحديات كانت جمع قصص خمس شخصيات داخل فيلم واحد مع الحفاظ على إيقاع العمل دون إطالة أو ملل.

وأوضحت: “أحد التحديات كان كيفية لملمة قصص الخمس شخصيات في فيلم واحد بحيث لا يكون طويلًا ومملًا”.

وأضافت أن التحديات لم تتوقف عند انتهاء التصوير:

“لم تنته قصة الفيلم بعد نهاية التصوير، بل كنا نفكر في تحدي أنه لو دُعينا للمشاركة في أحد المهرجانات كيف سنسافر؟ وكيف سنحصل على تمويل للسفر؟ وكيف سنجتمع مجددًا؟”.

كما كان مصير الأطفال المشاركين في الفيلم أحد التعقيدات الإنسانية البارزة. تقول راوية:

“العقبات أيضًا أن الشخصيات من الأطفال.. هل يعودون للسودان أم يستمروا؟ وقررت أن يواصلوا تعليمهم، وهم الآن معي وملتحقون بالمدرسة”.

وتؤكد المخرجة أنها شعرت بمسؤولية كبيرة تجاه نقل صوت السودانيين.

تقول: “شعرتُ بمسؤولية أن يكون الفيلم صوتًا للشعب السوداني كله، وتكلموا من قلوبهم ليصل ألمهم للناس”.

وأضافت أن ردود الفعل القوية من الجمهور الأمريكي والعربي والأفريقي كانت دافعًا للاستمرار: “ردود أفعال الفيلم جعلتنا لا نتوقف، بل نواصل”.

كما أتاح الفيلم لهم فرصة لقاء مسؤولين وبرلمانيين في أوروبا وأمريكا للتحدث عن الحرب وطلب الدعم:

“الفيلم في بعض الدول أتاح لنا في أمريكا وأوروبا ملاقاة البرلمانيين والمسؤولين هناك.. ونحكي لهم عن الحرب ونوضح أننا نحتاج العالم لإيقافها”.

مهرجان الدوحة

تصف راوية مشاركتهم في المهرجان بأنها لحظة فخر كبير: “شعوري أنني أشعر بالفخر مع فريقي ومع الشخصيات”.

وفي بُعد شخصي أكثر عمقًا، تكشف أن الفيلم حقق لها حلمًا طال انتظاره:

“على المستوى الشخصي، الفيلم حقق لي حلمي.. التبني. كان نفسي من زمان أتبنى أطفال غيروا حياتي الآن فعلاً”.

وتضيف: “وكان نفسي أتكلم عن السودان وأعمل حاجة للبلد.. أصبحت أحس أن الشعوب ردود أفعالها مهمة وتصل المسؤولين”.

صعود السينما السودانية

وتشير راوية إلى التطور الملحوظ في الحضور السوداني بالمهرجانات العالمية وتقول:

“في أول مهرجان خارجي، وهو صنداونز بأمريكا، شارك السودان بفيلم واحد فقط. الآن في الدوحة أربعة أفلام سودانية”.

وتضيف بفخر:

“فيها مخرجات سودانيات مثل سوزانا ميرغني، وهند بفيلم سودان يا غالي، وفيلم الخرطوم فيه أنا راوية.. وهذا اعتبره إنجازًا وفخرًا لصانعات الأفلام السودانيات وللشعب”.

وتختتم بقولها:

“أتمنى التوفيق والسلام لبلادي، وأتمنى سودان سلام وديمقراطية وحب”.

الوسومألمانيا إيمان ميرغني السينما السودانية المخرجة راوية الحاج المملكة المتحدة سوزانا ميرغني فرنسا فلسطين فيلا 187 فيلم الخرطوم فيلم سودان يا غالي قطر مصر مهرجان الدوحة للأفلام هند مؤدب

مقالات مشابهة

  • وفيات الخميس .. 4 / 12 / 2025
  • «مادورو» يحمى أسرته وهواتفه وسط تهديد «ترامب» بالتدخل العسكرى
  • فتاوى وأحكام.. هل ابتلاع بقايا الطعام في الصلاة يبطلها؟.. ماذا يقول السامع عند قول المؤذن الصلاة خير من النوم؟..وهل ذهب الزينة غير المستعمل عليه زكاة؟
  • من مكوجي إلى أسطورة الغناء الشعبي.. رحلة كفاح شعبان عبد الرحيم في ذكرى رحيله
  • ماذا يقول السامع عند قول المؤذن الصلاة خير من النوم؟.. اعرف رأي الفقهاء
  • 16 ألف دولار حد أقصى مع الحاج المسافر للأراضي المقدسة
  • 2044 مستفيد يمني من مشروع مركز الملك سلمان لمكافحة الكوليرا
  • مخرجة فيلم الخرطوم: نجاحنا فخر لصانعات الأفلام والسينما السودانية
  • مصر: تقرير حكومي يكشف ارتفاع نسب الطلاق وانخفاض عقود الزواج.. ماذا يقول الخبراء؟
  • النائب حسين الحاج حسن: حملة التهويل التي تشن على لبنان هي لتخويفنا