الكتابة على الجسد.. سلاح الفلسطينيات لمواجهة شبح الكفن المجهول
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
غزة- تركت رجاء هاتفها المحمول بعد مشاهدتها جملة من المقاطع المصورة التي تُظهر جثامين لأطفال فلسطينيين مجهولي الهوية، وتناولت قلما سميكا وعلى بطون أطفالها خطّت أسماءهم كاملة "لئلا يكونوا في عداد المجهولين"، كما تقول.
توضح رجاء محمد وهي أم 3 أطفال -للجزيرة نت- دوافع لجوئها لهذه الطريقة وتقول، "وجدت نفسي مضطرة لكتابة أسمائهم على أجسادهم في ظل استهداف الاحتلال المتعمد للمدنيين والأطفال والنساء، فلا أحد محصنا".
اختارت الأم بطون أبنائها لتكون مكانا لكتابة أسمائهم، لأن "الأطراف أول ما يفتته الصاروخ على الأغلب"، وفق تصريحها.
كتبوا أسمائهم على أقدامهم، حتى لا يقولوا عند استشهادهم "شهيد مجهول الهوية".
تخيل شعور الطفل في غزة وعائلته، عندما يُكتب اسمه على جسده استعدادا لهذه اللحظة… pic.twitter.com/FxrViLDick
— رضوان الأخرس (@rdooan) October 22, 2023
فعل روتينيلم يكن إخبار الأبناء بأهمية كتابة هوياتهم على أجسادهم سهلا على رجاء، لكن صور الأكفان المكتوب عليها "مجهول" كانت مرعبة بشكل أكبر، فأعلمتهم أن هذا فعل روتيني تقوم به الأمهات في غزة احترازا من التفرقة في حالة الغارات، وكي يتعرف عليهم الناس ويجتمعوا مرة أُخرى، خاصة بعدما قصف الاحتلال منزلهم الواقع في حي تل الهوا غرب مدينة غزة.
من جهته، قال صالح الجعفراوي ناشط دائم الوجود في مستشفى الشفاء المركزية -للجزيرة نت- إنه رأى عددا من الأطفال وصلوا إلى المستشفى، وقد خُطت أسماؤهم أو أرقام هويّاتهم أو أرقام هواتف للتواصل على أياديهم وأجسادهم، مما سهّل فعلا التعرف عليهم.
وأضاف، "خلال دقيقة واحدة يمكن أن يتدفق إلى المستشفى عشرات الشهداء، وتختلط الجثامين ولا يُعرف منها شيء، كما أن بعض الأطفال لا يستطيع نطق اسمه لخوفه الشديد أو لصغر سنه".
بينما يرى كثيرون جدوى كتابة الأسماء على الأجساد، ترى بعض الأمهات أنهن لا تمتلكن القدرة على فعل ذلك مع إيمانهن بأهميته، فتقول ربى العجرمي -للجزيرة نت- إن خوف الأمهات من فقد أبنائهن يدفعهن للتفكير غير المنطقي أحيانا من دون اعتبار للبعد النفسي لهذه المسألة.
ورغم أن الفكرة راودتها مرارا، فإنها لم تمتلك القدرة على مواجهة أطفالها بها، وتتابع ربى، "لا مكان في الجسد محميا من الصواريخ التي تُذيب اللحم وتحيله أشلاء كما يظهر في المقاطع المصورة".
وتستغرب ربى من الصمت العالمي على المذابح التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال والنساء وتؤكد، "نحن لا ننتظر مناصرة من أحد، لكني أطلب من أمهات العالم أن يعلموا أبناءهم كيف يدفع الفلسطينيون أرواحهم ثمنا للذود عن كرامة المسلمين ومقدساتهم".
مقابر جماعية للمجهولين
وتم دفن 136 جثمانا لأشخاص مجهولي الهوية في مقابر جماعية بعد استشهادهم جراء الهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، حسب وزارة الصحة الفلسطينية.
وأوضح المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة -للجزيرة نت- أن هذه الخطوة تأتي في ظل تكدس عشرات الشهداء ممن لم يتسن التعرف عليهم خلال الأيام الماضية، لافتا إلى وجود 83 جثة مجهولة الهوية تضج بهم ثلاجة الشهداء في مستشفى الشفاء، بينما ما زال يتوافد عشرات الشهداء يوميا من الأطفال الرضع، والنساء، والرجال، والشيوخ.
تتولى الجهات المختصة تصوير الضحايا وتوثيق العلامات المميزة لهم، ليتسنى للعائلات التي فقدت بعض أفرادها أن تتفقدهم لاحقا.
وحين تهيئ أمهات العالم أطفالهن لنوم هانئ مع حلول الليل، تهيئ الأم في غزة أبناءها لتجتمع معهم في قبر واحد وتحضرهم لاستقبال الشهادة والنوم الأبدي حيث لا خوف ولا ظلم ولا إسرائيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
إرضاء القارئ العجول.. تأثير في شكل الكتابة وطريقة النشر ونوعية التلقي
طارق عسراوي: الكاتب لا يجب أن يخضع للقارئ -
أمجد ياسين: نفكر بالقارئ المتعدد وبعقلية المكتبة -
سلطان ثاني: النفس القصير مشكلة قرائية وليست كتابية -
محمد الشحري: الكتابة وفق ما يطلبه القارئ ابتذال -
أحمد عبد القادر: وهم القراءة يضغط على دور النشر -
أحمد البلوشي: القارئ النزق صنيعة أدب الترند -
في كتابه «رسائل إلى روائي شاب»، يكتب الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا: «الكاتب الذي يختار ببرود شؤونًا أو موضوعات بطريقة عقلانية معتقدًا أنه يتوصل بهذه الطريقة إلى النجاح بصورة أفضل، هو كاتب غير حقيقي، وسيكون في الغالب -بسبب ذلك- روائيًّا سيئًا حتى لو حقق النجاح: قوائم أكثر الكتب مبيعًا». ويؤكد يوسا أن الكاتب الذي يشعر في أعماقه بأن الكتابة هي أفضل ما حدث له، وما يمكن أن يحدث له، وأنها أفضل طريقة ممكنة للعيش، سيصرف النظر عن النتائج الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية التي يمكن أن يحققها، باعتبار أن الكتابة -في نظره- أكبر بكثير من كل المكافآت الأخرى التي قد ينالها.
وانطلاقًا من هذا القول، نتوقف عند أحد الإشكالات الجوهرية في علاقة الكاتب بالقارئ، خاصة في عصر يتسم بالتشظي الرقمي، والتلقي السريع، والقراءة المتعجلة أو السطحية؛ وهي سمات قد تدفع القارئ إلى الحكم على العمل الأدبي من الصفحة الأولى، أو المطالبة بأن تكون الرواية «سلسة وسريعة وسهلة»، وإلا تركها جانبًا. في هذه السطور، رصدنا مواقف عدد من الكتّاب والقرّاء والناشرين حول هذه المسألة: كيف يتعامل كل منهم مع القارئ العجول/ النزق، ذلك الذي يهجر الكتاب من أول صفحة أو يطالب بنص سريع الهضم؟ وهل يؤثر ذلك في القرارات السردية للكاتب، أو في خيارات النشر والترويج لدى الناشر؟ أما القارئ، فهل يرى في نفسه هذه الصفة؟ وما الذي يدفعه لمواصلة القراءة أو التخلي عن كتاب؟ وهل على الكاتب أن يجاري هذا النمط من التلقي، أم يتمسك بمشروعه الإبداعي، حتى لو خسر شريحة واسعة من القرّاء؟
متطلبات السوق
وصدق المشروع الإبداعي
يرى الكاتب الفلسطيني طارق عسراوي أن القارئ النزق لا يستحق الخضوع، بل يعتبر أن «نزقه» مجرد أداة من أدوات ضغط السوق، وهو ما لا يعني الكثير له ككاتب. ويقول: أول ما يتبادر إلى ذهني حين أفكر بهذا الأمر بأنني حقا لا ألقي بالا للقارئ، والحقيقة أنَّ بي عنادا ما لعدم الخضوع له، رغم إدراكي أن نزق القارئ هو إحدى أدوات ضغط السوق، وأكثرها استحقاقا، ولكن التجربة تثبت دوما أن الخضوع لنزق القارئ ورغباته يطيح بالضرورة ببقاء الكاتب وديمومة عمله.
ويُضيف عسراوي، مستشهدا بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش: أعرف أن درويش أدار ظهره لرغبات القارئ واستمر في سياق مشروعه حتى خضع له القارئ، وبهذا بقيت أعماله حاضرة رغم مرور الزمن.
ويختم: الخضوع لهذا النزق يعني أننا سنقرأ أعمالا متشابهة كثيرة بأسماء مختلفة، وسوف يختفي التنوّع، وسيبدو المشهد تراجيديا حين يقوم الكاتب بما يقوم به الذكاء الصناعي.
من جانبه، يرى الكاتب العُماني محمد الشحري أن التحديات التي يواجهها الكاتب في زمن الصورة والذكاء الاصطناعي لا تبرر له الانصياع للنزق القرائي. ويقول: لا أفكر في القارئ لأنني لا أخاطب شريحة معينة من الناس، بل أفكر في الفكرة وكيفية صياغتها وصيانتها، أُعاينها كما يُعاين الجوهرجي جواهره.
ويؤكد أن الكتابة هي خطاب إعلان رأي لا وسيلة نيل إعجاب: الكتابة وفق ما يطلبه القارئ، أيا كان مستوى القارئ، فهي ابتذال، ومحاولة يائسة وبائسة من الكاتب الباحث عن جمع الإعجاب وليس عن خلق وتكوين الأفكار. لكنه في الوقت ذاته لا يُعفي الكاتب من مسؤولياته الفنية، إذ يقول: على الكاتب ألا يتنكر لأدوات السرد ومهارات رواية الأحداث، فالتشويق عمود الحكاية، وأداة مهمة لجذب القارئ إلى إنهاء المادة المقروءة.
الناشر بين مطرقة
السوق وسندان الجودة
من جهة النشر، يرسم أحمد عبدالقادر، المسؤول عن مشاركة دار المتوسط في معرض مسقط الدولي للكتاب، صورة مركّبة للمشهد، ويقر بأن الناشر في النهاية مؤسسة تعتمد على المبيعات.
ويقول: الناشر قد يضطر لنشر عمل يلاقي قبولا لسبب ما، حتى يغطي بعض المصاريف، وهنا يكمن دور القارئ في هذه المسألة.
ويصف القارئ المعاصر بـ«العجول» أحيانا، بل ويذهب إلى وصف ما يحدث بـ«وهم القراءة»: القارئ نفسه الآن (ليس عموما) قارئ عجول، يريد أن يقرأ لسبب ما؛ للنشر في مواقع التواصل أو للمباهاة، وهذا بالإمكان تسميته وهم القراءة.
ويحذر من أن بعض دور النشر تماشت مع هذه النزعة: دور النشر الحديثة تماشت بشكل مفرط في توجيه القارئ للكتب الركيكة من خلال تبنّي بعض المشاهير لإصدارات متنوعة.
لكنه في المقابل يرى بصيص أمل: بعض دور النشر تحافظ على القرّاء النوعيين، وولاؤهم للأعمال الفكرية الحقيقية هو ما سينافس الغثاء المنتشر.
يرى الناشر أمجد ياسين أن الساحة الأدبية لا تخلو من ظاهرة (القارئ النزق أو العجول)، وقال: على ما يبدو أنها في ازدياد الآن، ربما لكثرة الإصدارات على مختلف تنوعاتها، فضلا عن تأثير الأمور الحياتية والاجتماعية والسياسية في منطقتنا على مزاجية القارئ، واتجاه بوصلة القراءة إلى مؤلفات تُعنى بكتب التنمية البشرية المؤلفة أو المترجمة على حساب الأدب الكلاسيكي.
وأضاف: عُموما نحن كدار نشر نفكر بالقارئ المتعدد، وبمعنى أوضح نحن نفكر بعقلية المكتبة التي يجب أن تتوفر فيها كل الأجناس الأدبية مع المحافظة على طبيعة دار النشر واهتماماتها التي أُنشئت من أجلها، لذلك قد يغلب صنف أدبي على غيره حسب اهتمامات القائمين على الدار، وبالتالي لا نقف كثيرا عند نوعية محددة مثل القارئ النزق، الذي يصعب إرضاؤه؛ لأنه يبحث ربما عن شيء خاص جدا، ولا يُتعب نفسه بالبحث في طيات الكتاب عنه، هو يبحث عن ضالته ويريدها مباشرة وكأنها مكتوبة له، وأحيانا كثيرة يشتكي من عدد صفحات الكتاب، لماذا هي كثيرة أو قليلة.. أو أن هذا الكتاب لا يوفر المعلومة كاملة عن الموضوع الذي يريده.. وكأنه يبحث عن عذر، لتجد نفسك لا تستطيع مجاراته.. لا أُخفيكم سرا أن الكثير منهم قد يشير إلى أن موضوعات مهمة مطلوب توفيرها للقارئ عبر التأليف أو الترجمة.. يبقى في النهاية هو قارئ له الحق في ما يبحث عنه أو ما يقوله.
القراءة كزمن وتراكم
أما من جهة القرّاء، فيصف سلطان ثاني تجربته مع القراءة على أنها «وسيلة تفكير لا وسيلة إقناع».
ويرى أن صعوبة النص ليست عيبا، بل احتمال لاكتشاف شيء مخفي. ويقول: «حين يصعب عليّ كتاب ما، أظن أن فيه شيئا مخفيا لا بد من اكتشافه». ويُرجع سلطان ظاهرة «النزق القرائي» إلى نمط الحياة الراهن، وأن ما يعانيه الكثير من القراء هو النفس القصير، وهذا النفس القصير نتاج تطبيع قوي مع الاستهلاك المفرط والمتع اللحظية.
ويشدد على أن القراءة الواعية عمل تراكمي، وأن: «القارئ حين يقرأ كتابا ما، فهو يقرؤه بكل خبراته وقراءاته السابقة، ويحتاج إلى تقاطعات ذهنية بينه وبين النص.
أما أحمد بن محمد البلوشي، فيرى أن القارئ النزق ليس نتاجا فرديا بل ثقافي، أفرزته موجات «كتّاب الترند» على وسائل التواصل الاجتماعي. يقول: وجود القارئ النزق هو نتاج كتّاب السوشيال ميديا وكتّاب الترند، الذين يستهدفون هؤلاء النوعية من القرّاء بلغة سريعة وسهلة الهضم». ويُقابل هذا النوع بـ«القارئ الصبور»، الذي يمنح الكاتب أكثر من فرصة: «القارئ الصبور وصاحب التجربة القرائية الطويلة يعرف ما يقرأ، وقد يقرأ العمل أكثر من مرة لمنحه فرصة أخرى».
ويختم البلوشي باعتبار أن الكاتب هو من يحدد جمهوره: فالجيد يبقى دائما على مر السنين، وأما ما دون ذلك فيُنسى ولا يُعد له قيمة مع الوقت.