عندما تخطط وكالات الفضاء العالمية لإرسال بعثات إلى القمر والمريخ، فإن التحدي الرئيسي هو إيجاد حل لإطعام أفراد الطاقم خلال الأسابيع والأشهر، وحتى السنوات التي يقضونها في الفضاء.

ويتناول رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية في المقام الأول الأطعمة المعبأة، والتي تتطلب إعادة إمداد منتظمة ويمكن أن تتدهور جودتها وتغذيتها، فضلا عن أن إرسالها مكلف للغاية، ويستكشف الباحثون فكرة قيام الطواقم بزراعة بعض طعامهم أثناء المهمة، عن طريق التغلب على بعض مشاكل الزراعة الفضائية.

ويقول راجكومار حساماني، من معهد التكنولوجيا الحيوية الزراعية بجامعة العلوم الزراعية بالهند -في تصريحات للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني- إنه وفقا لوكالة ناسا، فإن "شحن كيلوغرام واحد من المواد الغذائية المعبأة إلى محطة الفضاء الدولية، يكلف ما بين 20 إلى 40 ألف دولار، وسيحتاج كل طاقم إلى 1.8 كيلوغرام (من بينها مواد التعبئة) يوميا، وحيث إن  محطة الفضاء الدولية تبعد نحو 400 كيلومتر عن سطح الأرض، فيمكن الآن تخيل تكلفة وصعوبة إرسال أغذية معبأة إلى القمر والمريخ".

وأضاف حساماني أنه "وفقا لأحد التقديرات، يتطلب طاقم مكون من 4 أفراد يذهبون إلى المريخ في رحلة مدتها 3 سنوات ما بين 10 إلى 12 ألف كيلوغرام من الطعام، وهو أمر مستحيل لوجيستيا وغير قابل للتطبيق اقتصاديا على الإطلاق، وبالتالي، يعد إنتاج الغذاء داخل سفينة الفضاء أو سطح الكوكب أمرا ضروريا لمهام استكشاف الفضاء طويلة المدى".

نتائج أبحاث الزراعة الفضائية، يكون لها تطبيقات مباشرة على الزراعة الأرضية (ناسا) تحديان رئيسيان

وحتى يمكن إنتاج الغذاء في الفضاء، فإن هناك تحديين رئيسيين، يشير إليهما حساماني، وهما بناء نظام بيئي قوي وفعال يدعم نمو النباتات، وتحسين المحاصيل للتكيف مع البيئة الخاضعة للرقابة، حيث يمكن ضبط التمثيل الغذائي للنبات لتلبية مجموعة واسعة ومتغيرة من الاحتياجات.

ويوضح أن هناك بعض القيود المادية، التي تهيمن على رحلات الفضاء، وعلى أسطح الكواكب، في ما يتعلق بالتحدي الأول، ومن ثم من المهم أخذها في الاعتبار، مثل الطاقة، الماء، الضوء، درجة الحرارة، التحكم في الغلاف الجوي، إستراتيجيات تقليل النفايات، وتكلفة بناء الموائل التي يمكن أن تدعم نمو النبات.

يقول حساماني "هذه مشاكل هندسية، نجحنا بشكل جيد إلى حد ما في معالجتها لدعم نمو النبات في الفضاء، وعلى سبيل المثال، فإن مشروع نظام إنتاج الخضروات "فيجي"، التابع لناسا الموجود حاليا على محطة الفضاء الدولية، هو دليل على ذلك".

ومشروع نظام إنتاج الخضروات، الغرض منه توفير مصدر غذائي مكتف ذاتيا ومستدام لرواد الفضاء، بالإضافة إلى وسيلة للترفيه والاسترخاء من خلال الحدائق العلاجية.

والشاغل الرئيسي الذي تعمل عليه الفرق البحثية حول العالم حاليا، هو القيود الفسيولوجية التي تتعلق بالتحدي الثاني، والتي سيتم مواجهتها أثناء رحلات الفضاء، أو على أسطح الكواكب، وتدور الأبحاث حول هذه القيود، ومنها على سبيل المثال:

ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون، والحاجة إلى تصميم حل يسمح بتحمل ذلك المستوى المرتفع. مناطق استنفاد الأكسجين المحلية شديدة الانحدار، مما يؤدي إلى حالة نقص الأكسجين، فهل يمكننا تطوير نباتات يمكنها مكافحة انخفاض مستوى الأكسجين بكفاءة؟ تحسين بنية النبات، فهل من الممكن تطوير نمط أقل جذرية، حتى نتمكن من تكديس طبقات متعددة في مساحة صغيرة؟ تلف الحمض النووي وخلل الميتوكوندريا المتفشي في حالة رحلات الفضاء. إعادة التشكيل الشاملة للجدار الخلوي والتغييرات في تركيب وبنية السكريات ستؤثر بشكل مباشر على صحة الجهاز الهضمي لرواد الفضاء، فهل يمكننا تصميم نباتات ذات ألياف غذائية عالية لرواد الفضاء؟ فقدان مذاق الوجبة وملمسها وطعمها ونكهتها، فالشعور بالملل من قائمة الطعام مشكلة شائعة بين رواد الفضاء، فكيف يمكننا تقليل الشعور بالملل من القائمة؟ فقدان العديد من المعادن والمواد الكيميائية النباتية في الفضاء، فكيف يمكنك تجميع هذه المعادن والمواد الكيميائية النباتية والمغذيات الدقيقة في النبات نفسه لدعم الاحتياجات الغذائية لرواد الفضاء؟

ويقول حساماني "يعالج مختبرنا ومختبرات أخرى في العالم هذه الأسئلة، ونحن نعتقد أن من شأن أدوات التكنولوجيا الحيوية والبيولوجيا التركيبية والهندسة الأيضية أن تساعد في الإجابة عنها، وتصميم النباتات للزراعة الفضائية".

الزراعة الفضائية لها عدة مزايا، فهي توفر الأكسجين والرطوبة، وتزيل ثاني أكسيد الكربون (ناسا) الغذاء وأسباب أخرى

من جانبه، تحدث خافيير ميدينا، الذي يقود فرقة بحثية من مركز مارغريتا سالاس للأبحاث البيولوجية في إسبانيا، عن عدة مزايا للزراعة الفضائية، تتجاوز الدعم لغذائي لرواد الفضاء.

وقال ميدينا في تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني "يمكن للنباتات أن تؤدي دورا حاسما، في المقام الأول كغذاء عالي الجودة، إذ تزود رواد الفضاء بالعديد من العناصر الغذائية الأساسية، عبر توفير الأطعمة الطازجة، بدلا من عبوات المنتجات المجففة بالتجميد التي يستهلكونها حاليا، علاوة على ذلك، تسهم النباتات في جوانب أخرى من دعم الحياة من خلال توفير الأكسجين والرطوبة وإزالة ثاني أكسيد الكربون، وهو نتاج نفايات حياة الإنسان".

ولتسهيل الزراعة الفضائية التي تحقق هذه الأغراض، شارك ميدينا في سلسلة من التجارب في محطة الفضاء الدولية، لدراسة آثار غياب الجاذبية (الجاذبية الصفرية أو الجاذبية الصغرى) على نمو النبات وتطوره واستكشاف آليات تكيف النبات مع البيئة الفضائية التي يمكن أن تساعد على زراعة النباتات في هذه الظروف.

ويوضح أن "الجاذبية تعد عاملا بيئيا أساسيا للنباتات، لأنه يحدد اتجاه نمو النبات، على وجه التحديد، حيث تتسبب الجاذبية في نمو الجذور للأسفل (باتجاه التربة، التي تأخذ منها الماء والأملاح المعدنية)، وتنمو السيقان للأعلى (باتجاه ضوء الشمس، الضروري لعملية التمثيل الضوئي)، وهذا ما يسمى استجابة الجاذبية، ويتم قمعها تحت الجاذبية الصفرية، في حين يمكن للنباتات البقاء على قيد الحياة والنمو في بيئة الرحلات الفضائية ذات الجاذبية الصغرى".

ويضيف أنه "على الرغم من أننا وجدنا أن الجاذبية الصغرى تسبب تأثيرات ضارة على نمو النبات، مثل عدم توازن نمو الخلايا والتكاثر في الجذور، أو إعادة برمجة كبيرة للتعبير الجيني، والتي يتم من خلالها قمع بعض الجينات، ويتم تفعيل البعض الآخر، فإن حقيقة أن النباتات قادرة على البقاء وإكمال دورة الحياة في ظل الجاذبية الصغرى، تعني أن النباتات تملك آليات التكيف مع هذه الظروف البيئية الجديدة، ويتمثل أحد التحديات البحثية الرئيسية في تحديد الإشارات البيئية، مثل الضوء، التي يمكن أن تعوض الآثار السلبية للجاذبية الصغرى، ومن ثم تسهيل تكيف النبات".

حقيقة أن النباتات قادرة على البقاء وإكمال دورة الحياة في ظل الجاذبية الصغرى، تعني أنها تملك آليات التكيف (ناسا) التنشيط بالضوء الأحمر

وكان المشروع البحثي "نمو الشتلات" التابع لناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، والذي شارك فيه ميدينا، ويتكون من سلسلة من تجارب رحلات الفضاء على محطة الفضاء الدولية (2013-2018)، قد كشف عن تأثير إيجابي للتنشيط بالضوء الأحمر في مواجهة الضغط الناتج عن رحلات الفضاء.

وقد تمت مقارنة العلامات الخلوية والجزيئية المختلفة للنباتات في ظل الجاذبية الصغرى، ومستويات جاذبية القمر والمريخ، والجاذبية الأرضية، مع أو بدون التنشيط بالضوء الأحمر، فوجد الباحثون أن الضوء الأحمر أعاد التوازن بين تكاثر الخلايا ونمو الجذور، وهو أمر ضروري لتطور دقيق للنبات بأكمله، وأظهرت تعديلات التعبير الجيني استجابات تكيفية مختلفة لمستويات الجاذبية المختلفة، من بينها تغييرات في تنظيم مجموعات مختلفة من الجينات، وفي الحالات جميعها، بدا أنها معدلة عن طريق التنشيط بالضوء الأحمر.

يقول ميدينا "كانت الخلاصة أن جاذبية القمر يمكن أن تنتج تأثيرات أكثر خطورة في رحلات الفضاء، لكن جاذبية المريخ أظهرت تغييرا أكثر اعتدالا من الجاذبية الصغرى، وفي جميع الحالات، ظهرت الاستجابة التكيفية معززة بالتحفيز الضوئي للضوء الأحمر".

أنتجت أبحاث الفضاء تقدما كبيرا في معرفتنا باستجابة النبات ضد أنواع مختلفة من الضغوط (الأكاديمية الصينية للعلوم) فوائد بالجملة

وتقود هذه الأبحاث إلى توفير غذاء طازج لرواد الفضاء في رحلاتهم إلى القمر والمريخ، لكن مثل هذه الأبحاث ينظر إليها بعض الأشخاص باعتبارها "رفاهية"، وليست ذات قيمة عملية، وهو ما يرفضه الباحثان.

يقول ميدينا "أبحاث الفضاء تنتج عوائد مهمة جدا تتعلق بحياة الإنسان على الأرض، مما يسهم في تحسين حياتنا اليومية على كوكبنا، على سبيل المثال، نشأت سلسلة طويلة من التطورات التكنولوجية، مثل الأجهزة الإلكترونية والتقدم في مجال الاتصالات، من أبحاث الفضاء، واستفاد التقدم الطبي الموجه نحو مكافحة الأمراض من التجارب الفضائية، مثل الأمراض المرتبطة بالشيخوخة، وأمراض العضلات والهيكل العظمي، والتغيرات القلبية الوعائية والمناعية، ومن خلال التعامل على وجه التحديد مع بيولوجيا النبات والزراعة".

ويضيف "أنتجت أبحاث الفضاء تقدما كبيرا في معرفتنا باستجابة النبات ضد أنواع مختلفة من الضغوط، وكذلك في إجراءات زراعة النباتات، بحثا عن زراعة أكثر كفاءة واستدامة، ويعد تطبيق هذه التطورات على الأرض أمرا حاسما في سياقنا الحالي لتغير المناخ، إذ نحتاج إلى تغيير نماذجنا لاستخدام النباتات لغذاء الإنسان على الأرض".

ويركز حساماني على ترجمة نتائج أبحاث الزراعة الفضائية، لتطبيقات مباشرة على الزراعة الأرضية، وحصرها في النقاط التالية:

ستساعد أبحاث الزراعة الفضائية في تطوير التقنيات التي يمكن أن تكون مفيدة لمفهوم الاقتصاد الزراعي الدائري، إذ يمكن أن يكون هدر الموارد في حده الأدنى أو صفرا، وهذا له آثار مباشرة على الزراعة المحمية على الأرض. التربية في الفضاء، هو تطبيق آخر جاء مباشرة من أبحاث الزراعة الفضائية، ولدى الصين برنامج مخصص للتربية في الفضاء يساعد على تطوير أصناف أفضل بإنتاجية عالية ومقاومة للأمراض، وما إلى ذلك. سرعة التكاثر، هي نتيجة فرعية أخرى تساعد مربي النباتات على تطوير أصناف أفضل بسرعة، مما يقلل الوقت اللازم لتربية أصناف جديدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: محطة الفضاء الدولیة الجاذبیة الصغرى القمر والمریخ رحلات الفضاء لرواد الفضاء أبحاث الفضاء التی یمکن أن على الأرض فی الفضاء من خلال

إقرأ أيضاً:

بدء افتتاح 21 شادراً لبيع الخراف الحية في عدة محافظات| إليك الأسعار

أعلن الدكتور علاء ناجي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة القابضة للصناعات الغذائية بدء افتتاح 21 شادراً رئيسياً لبيع الخراف الحية في العديد من محافظات الجمهورية في ضوء توجيهات الدكتور شريف فاروق وزير التموين والتجارة الداخلية بتكثيف استعدادات الوزارة لاستقبال عيد الأضحى المبارك

 وذلك لتوفير الأضاحي بأسعار مناسبة للمواطنين وضمان توافرها بجودة عالية، حيث تُطرح الخراف الحية للأضاحي بسعر 225 جنيهًا للكيلوجرام قائم، والأبقار الحية بـ190 جنيهًا للكيلوجرام قائم .

وأوضح الدكتور علاء ناجى أنه بالإضافة إلى الشوادر، فقد وجه معالي السيد الدكتور شريف فاروق وزير التموين والتجارة الداخلية بتكثيف وزيادة معدلات ضخ كميات كبيرة من اللحوم الطازجة والمستوردة، وكذلك الدواجن المجمدة، عبر المجمعات الاستهلاكية التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية وشركاتها التابعة، وذلك لتلبية احتياجات المواطنين خلال فترة العيد.

وأكد الدكتور علاء ناجى بأن الشركة القابضة للصناعات الغذائية وشركاتها التابعة مستمرة في ضخ السلع يومياً، وتتابع بشكل مستمر حركة البيع والعمل بكافة فروع المجمعات الاستهلاكية والشوادر للتأكد من توافر السلع بكميات وأسعار مناسبة.

وتشمل الأسعار الرسمية المعتمدة من الشركة القابضة للصناعات الغذائية: لحم سوداني طازج بسعر 285 جنيهًا للكيلوجرام، ولحم بقري طازج بـ350 جنيهًا، ولحم جاموسي طازج بـ260 جنيهًا، بينما يبلغ سعر اللحم المجمد 210 جنيهات للكيلوجرام، كما يصل سعر الضاني البلدي المذبوح إلى 400 جنيهًا، والضاني المجمد إلى 390 جنيهًا.  
أما الدواجن المجمدة (1 كجم) فسعرها 110 جنيهات، وكيلو الكتف البتلو المجمد بالعظم بـ190 جنيهًا.

طباعة شارك القابضة الغذائية الدواجن السلع الغذائية

مقالات مشابهة

  • مركبة «بيرسيفيرانس» الفضائية تلتقط صورة سيلفي لـ «شيطان غبار مريخي»
  • التموين تطرح خرافا وأبقارا حية للأضاحي استعدادًا للعيد| اعرف الأسعار
  • حمدان بن محمد يشهد توقيع اتفاقية استراتيجية بين مركز محمد بن راشد للفضاء و«فايرفلاي أيروسبيس» الأميركية
  • طرق دمج النباتات الصناعية في التصميم الداخلي
  • حمدان بن محمد: بصمات الإمارات في الفضاء لن تقل إشراقاً عن إنجازاتها على الأرض
  • حمدان بن محمد: بصمات الإمارات في الفضاء لن تقلّ إشراقاً عن إنجازاتها على الأرض
  • الأجساد الحية تتوهج بضوء خافت يختفي حين تموت
  • بكين ترد على تصريحات واشنطن حول "التهديدات الفضائية"
  • بدء افتتاح 21 شادراً لبيع الخراف الحية في عدة محافظات| إليك الأسعار
  • رئيس اتحاد غرف الزراعة يبحث مع لجنة المصدرين الزراعيين المعوقات التي تعترض عملهم