المفتي لأهل فلسطين: اصبروا ورابطوا فأنتم على الحق والنصر بعد الصبر
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم إنه لا يخفى على أحد ما يمر به العالم من اختلاط في المفاهيم، ومنها قيمة الوطن، وما تبعه من محاولات لزعزعة الثقة بالدولة الوطنية، متوهمة أنه لا قيمة ولا فائدة لهذه الدولة ما دام الإنسان ينتمي إلى دين.
الدفاع عن الوطنوأضاف المفتي، أن الاعتقاد بأن الوطن مجرد حفنة من التراب لا قيمة لها هو تغييب للأجيال وإبعاد للناس عن جزء مهم من شعورهم الإنساني الغريزي الذي يحملهم على حب أوطانهم والدفاع عن بلادهم، وأنَّى لهم أن يضادوا الفطرة والغريزة بهذه الأكاذيب والأوهام!
وتساءل فضيلة المفتي: «كيف يفسر هؤلاء موقف النبي صلى الله عليه وسلم ودفاعه عن المدينة وحفر خندق حولها؟ ألا يُعد هذا دفاعًا عن الوطن؟ الحفاظ على الأوطان من أهم السبل لتحقيق مقاصد الله الكلية، التي جاء الشرع للحفاظ عليها».
وأكد مفتي الجمهورية أن دعوات فصل محبة الدين عن محبة الوطن هي دعوات خارجة عن صحيح الدين، وأن إقامة شعائر الدين وتحقيق معانيه ومبادئه وقِيَمِه لا ترتفع دون وطن قوي ثابت وراسخ، مشددًا على أن حب الوطن ودعمه وانتماء أبنائه إليه من حقائق الإيمان، أما الوطن الضعيف المضطرب فإنه يحل فيه الخراب والفتنة وتختفي منه شعائر الدين ومبادئه.
وأشار إلى أنه لا فرق بين قيمة حب الوطن وقيمة حب الدين، ولا تعارض بينهما بل هما متجذران في أعماق النفس البشرية، وحب الوطن والدين دوائر ليست متقاطعة بل دوائر متكاملة، والدين يحث على حب الوطن والدفاع عنه.
الحفاظ على الدولة الوطنية واجب شرعيوشدد على أن الحفاظ على الوطن والدولة الوطنية واجب شرعي ومقدس ولذا علينا الوقوف بإجلال وإرسال رسالة تحية وتعظيم للرئيس عبد الفتاح السيسي، ولكل أفراد الجيش والشرطة.
وأوضح المفتي أننا نحن المصريين لن نفرط في حبة رمل واحدة من أرضنا، وهي عقيدة راسخة عند الشعب المصري على مر العصور سواء كانوا حكامًا أو جنودًا أو شعبًا.
رسالة إلى الشعب الفلسطينيوتوجَّه فضيلته بالتحية والتقدير والثناء للشعب الفلسطيني الصامد الأبيِّ على موقفه الصامد ورفضه التهجير من أرضه بأي وضع من الأوضاع قائلًا: «اصبروا وصابروا ورابطوا فأنتم على الحق ولا تقبلوا تحت أي مبرر ترك الأرض، فتركها انسلاخ عن الهوية والذات، عليكم البقاء، أبشروا فإن شهداءكم في الجنة، والنصر بعد الصبر ولا تحزنوا ولا تيأسوا، فالرسول انتصر بعد الصبر».
وأكَّد مفتي الجمهورية أن للشهيد فضلًا كبيرًا لا يُقاربه فضل؛ فإن له الشفاعة في سبعين من أقاربه، كما جاء في السنن عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ -وذكر منها: وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ».
وقف الاعتداءات البشعة على الفلسطينيينوطالب مفتي الجمهورية عقلاء العالم والمجتمع الدولي بمنظماته وهيئاته المعتبرة، أن يتدخلوا بشكل فوري وحازم لوقف الاعتداءات البشعة على الفلسطينيين والمنشآت المدنية، ووضع حد للعقاب الجماعي الذي يمارسه هذا الكيان المحتل تجاه أهالي غزة.
التبرع لأهل غزةوعن حكم التبرع لأهل غزة، قال: «يجوز التبرع ونقل أموال الزكاة والصدقات لأهل غزة ولكن عن طريق القنوات الرسمية والقانونية والمعتمدة، وهذا الدعم ليس من باب التفضل والمنة ولكن من حقوقهم علينا انطلاقًا من واجبنا الإنساني والوطني.
واختتم المفتي حواره بتوجيه رسالة للقوات المسلحة المصرية الشامخة وللشرطة المصرية الباسلة قائلًا: «إن ما تقوم به قواتنا المسلحة الشامخة، وشرطتنا الباسلة هو من الواجبات الشرعية التي تحمي بها العِرض والوطن والدين، وهي تمثل حائط صد منيعًا لحماية الوطن، وأن ما تقوم به من صميم الدين وصميم مقاصد الشريعة فالتاريخ يسجل لكم بحروف من نور جهودكم، أنتم على الحق، لأنكم تخوضون معركة فاصلة وحاسمة في تحقيق الأمن والأمان، ويكفي شهادة الرسول الكريم لكم بأنكم خير أجناد الأرض».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المفتي دار الافتاء غزة فلسطين الوطن مصر مفتی الجمهوریة حب الوطن
إقرأ أيضاً:
كربلاء.. وتخاذل الأمة
الأسرة /متابعات
الجذور العميقة للمأساة: كيف وصلنا إلى كربلاء؟
إن واقعة كربلاء لم تكن وليدة يومها، بل هي نتاج لانحراف سياسي وديني بدأ عقب وفاة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) مباشرة، حين أُقصي أهل البيت عن موقع القيادة، وبدأ تسلل المفاهيم القَبَلية والمصلحية إلى كيان الأمة.
عشق السلطة: كما أشار الشهيد القائد، فإن عشق المناصب والمال هو من أخطر الأمراض التي تنخر في جسد الأمة، والتي كانت من الأسباب المركزية في الانحراف الكبير الذي أدى إلى مأساة كربلاء “عشق المناصب هو ما يمكن أن يضحي بالدين، ويضحي بالأمة، ويضحي بكل شيء”.
الترهيب والترغيب: تم استخدام سلاح المال والوعيد للسيطرة على الناس، وتحويلهم إلى أدوات في يد السلطة، بينما ظل القليل من الأحرار رافضين للبيع.
تخاذل الأمة: أحد أخطر أسباب فاجعة كربلاء هو سكوت العامة، وتخاذلهم عن نصرة الحق. فالمجرمون لم يكونوا وحدهم من تسببوا بالمأساة، بل أيضاً من فرّطوا في مسؤوليتهم كما قال الشهيد القائد: “الجرائم ليست في العادة هي نتيجة عمل طرف واحد فقط، المجرمون من جهة، المضلون من جهة يجنون، والمفرِّطون والمقصرون والمتوانون واللامبالون هم أيضاً يجنون من طرف آخر.” يضاف إلى ذلك نقص الوعي وضعف الإيمان.
الحل والمخرج.. التحرك الواعي بالثقة بالله
للخروج من هذه الأوضاع المتردية، يتطلب الأمر تحركًا جادًا وفعالًا، قائمًا على الوعي والبصيرة، مع استشعار كامل للمسؤولية. والأهم من ذلك، الثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى، والتوكل عليه. فبالثبات والصبر، والوعي والعمل، والاستجابة لله تعالى، يتحقق النصر الذي وعدنا به الله في كتابه الكريم: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
وإن الثقة بالله ليست حالة شعورية عابرة، بل هي منهج متكامل يرتكز على الإيمان بوعد الله، والعمل في سبيله، واليقين بأنه سبحانه لن يخذل عباده إذا نهضوا بحقهم، وأخذوا بأسباب القوة والعزة. إن التحرك الواعي يبدأ من الداخل، من إصلاح النفوس وتزكية القلوب، ثم يمتد إلى الخارج عبر التفاعل مع قضايا الأمة، ونصرة المظلوم، ومواجهة قوى الاستكبار بكل الوسائل المتاحة.
فالتحرك الواعي يعني أن ندرك طبيعة المعركة، وأن نميّز بين العدو والصديق، وأن لا ننخدع ببريق الشعارات الزائفة، ولا نغتر بالدعايات التي تخدر الشعوب وتثبط العزائم. كما يعني أن ننطلق من الثوابت الدينية والأخلاقية، وأن لا نُساوم على الحق، ولا نُفرّط في المبادئ مهما بلغت التحديات.
إن النصر لا يأتي بالركون ولا بالتمنيات، وإنما بالعمل، كما قال تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وإن الثقة بالله تدفعنا إلى أن نثق بأننا – رغم قلّة الإمكانات، وشدة الحصار، وقوة العدو – قادرون بعون الله على تحقيق النصر، متى ما التزمنا بطريق الهداية، وتحركنا بوعي، وأخلصنا في الموقف، وتوكلنا على الله حق التوكل.
وهكذا يكون الحل والمخرج في زمن الفتن والانحراف، هو: تحركٌ مؤمنٌ بالله، ثابتٌ في المبدأ، واعٍ بالواقع، واثقٌ بوعد الله، لا ينهزم أمام التهويل، ولا يستسلم للضغوط، ولا يساوم على الدين.
أبعاد كربلاء.. الصراع الأبدي بين الحق والباطل
لم تكن كربلاء مجرد واقعة تاريخية تجمدت في زمانها، بل كانت وما تزال لحظة مفصلية تختزل جوهر الصراع الأزلي بين قوى الخير والشر، بين نهج الرسالة ونهج الانحراف، بين الإسلام المحمدي الأصيل ومشاريع الطغيان والتحريف.
كربلاء حقد جاهلي بثوب أموي: لم تكن المعركة ضد الإمام الحسين عليه السلام إلا امتدادًا للحقد المتراكم في نفوس الجاهليين الذين حاربوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنهم عادوا هذه المرة برداء السلطة والخلافة، فكان استهداف الحسين استهدافًا لرسول الله نفسه، ولمشروعه الإلهي النقي.
كربلاء إعادة إنتاج لجذور الصراع: أعادت الواقعة فتح الجرح القديم بين التوحيد والشرك، بين قيم السماء التي جاء بها محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وبين جاهلية أموية متجددة تسعى للهيمنة تحت شعارات دينية زائفة. هي تذكير دائم بأن الانحراف يبدأ حين يُلبَس الباطل لبوس الحق.
كربلاء بوصلة الأمة نحو النور: لم تكن كربلاء مجرد مواجهة بالسيف، بل كانت صرخة هداية مدوّية في وجه التزييف والانحراف. الإمام الحسين عليه السلام مثّل الامتداد النقي للنبوة، وكانت علاقته بالأمة علاقة قيادة روحية وأخلاقية، كما قال عنه جده المصطفى: “حسين مني، وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينًا”.
كربلاء ذروة الإجرام الأموي: بلغت قوى الباطل الأموية قمتها في عهد يزيد بن معاوية، الذي لم يكتفِ بطمس معالم الدين، بل سعى لإحياء قيم الجاهلية بقوة الحديد والنار. وقد تصدّى له الإمام الحسين عليه السلام بنهضة واعية أرست قواعد الرفض والثبات.
كربلاء مدرسة الإسلام المحمدي الأصيل: كانت ملحمة كربلاء أعظم نموذج للتجسيد العملي لقيم الإسلام، حيث قدّم الحسين ورفاقه أنموذجًا راقيًا في الإيثار والصبر والتضحية، والثبات على المبادئ رغم قسوة الظروف ووحشية العدو.
كربلاء مرآة للحق والباطل: كما وصفها الشهيد القائد، فإن كربلاء كانت تجسيدًا حياً لصراع متكامل الأبعاد: “هي حديث عن الحق والباطل، عن النور والظلام، عن الخير والشر، عن السمو في أرفع صورِهِ والانحطاط في أبشع تجلياته.”
إنها ليست مجرد واقعة في الماضي، بل هي مرآة تنعكس فيها معارك اليوم، وتمنحنا البصيرة لفهم الحاضر، واستشراف المستقبل بثباتٍ وهدى.
موقف الحق وموقف الباطل.. رؤية واضحة لمستقبل الأمة
موقف الحق:
هو الحصن الحصين لمنعة الأمة وحمايتها من الباطل بكل أشكاله من ظلم ومنكر وفساد. الحق هو الركيزة التي يمكن للأمة، بل وللبشرية جمعاء، أن تستند إليها. إنه الذي له فاعليته المؤكدة في إزهاق الباطل: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. الحق نجده في مصدره الحقيقي ومنهجه الأصيل: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}. وهو يمتد مع حملته الصادقين: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}.
الحق يدعو إلى وحدة المسلمين وأخوتهم وتعاونهم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. وهو يتجلى في المبادئ والقيم، في المنهج والمسيرة، وفي المواقف والولاءات، وعلى مستوى القول والفعل، والخيار والقرار. يتجسد الحق اليوم في نصرة الشعب الفلسطيني، ودعم مقاومته، وطرد الاحتلال الصهيوني، واستعادة المقدسات، والتصدي للخطر الإسرائيلي. كما يتجلى في الوقوف مع شعوب أمتنا المظلومة في لبنان، وسوريا، والعراق، والبحرين، وفي كافة أنحاء المعمورة. وهو مع شعبنا اليمني العزيز في التصدي للعدوان الأمريكي الصهيوني الغاشم: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}. الحق يدعونا لتعزيز كل عوامل القوة والثبات: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}. إن التمسك بالحق والثبات عليه يؤدي إلى تحقق الوعد الإلهي: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
موقف الباطل:
يتمثل في جر الأمة إلى الولاء لأمريكا و”إسرائيل”، والخضوع لسيطرتهما والتبعية العمياء لهما. الباطل كل الباطل في القبول بالعدو الصهيوني وسيطرته على فلسطين والمقدسات، والتطبيع معه وتبرير جرائمه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. يتجلى الباطل أيضًا في التآمر على الشعوب بكل أشكال المؤامرات، ونشر البغضاء والعداوة والكراهية بين المسلمين والسعي لتفرقتهم: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
الباطل هو في الوقوف مع العدوان، أو تبريره، أو السكوت عن إدانة جرائمه بحق شعبنا. وهو يكمن في الإخلال بالمسؤولية، وخلخلة الصف الداخلي، والتثبيط، والتفتيت من عضد الأحرار والأوفياء. إن موقف المتخاذلين والمترددين واليائسين والجبناء المحبطين لم يكن منشؤه الالتباس في تحديد الحق من الباطل، بل ضعف الإيمان والبصيرة والوعي، والخضوع للمخاوف والأطماع، والتقديرات الخاطئة.