دور الخصخصة في تحريك الاقتصاد
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
تمثّل الشركات الحكومية أو المؤسسات العامة العمود الفقري لمعظم اقتصادات دول العالم، خاصة الدول التي تصنّف ضمن الاقتصادات صغيرة الحجم. وتسعى هذه الدول لإجراء تعديلات اقتصادية شاملة بين فترة وأخرى بهدف إجراء إصلاح اقتصادي شامل للتعامل مع المتغيرات التي تواجه الاقتصاد العالمي، لاسيما عند حدوث أزمة تؤدي إلى إرباك الأسواق العالمية، وتحد من النمو الاقتصادي مثل أزمة تفشي فيروس كوفيد-19 وأزمة انخفاض أسعار النفط العالمية بأكثر من 70% عام 2014م.
ومن بين الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها بعض الدول «أسلوب الخصخصة» الذي يساعد على إعادة جدولة الديون ومواجهة مشكلات ميزان المدفوعات عبر هيكلة الاقتصاد، ووضع سياسة نقدية ومالية إضافة إلى اعتماد برنامج للتكيف الهيكلي مع أسلوب الخصخصة التي تتطلب وضع برنامج يبدأ بإجراء عملية مسح كامل لمشاريع القطاع العام وتحدياته ودراسة أوضاع كل مشروع على حدة لمعرفة المشروع المراد خصخصته، وينطبق كذلك على الشركات الحكومية التي تواجه تحديات في الجوانب الإدارية والمالية وحالت دون تحقيق أهدافها الاستثمارية والربحية، وهذا ما يقوم به جهاز الاستثمار العماني في سلطنة عمان عبر تخارجه من بعض الشركات الحكومية؛ فالخصخصة عموما هي «عملية نقل الملكية العامة إلى الملكية الخاصة ونقل إدارة الخدمة أو النشاط من الحكومة إلى القطاع الخاص كليا أو جزئيا»، ولإدراك أهمية الخصخصة في تحريك الاقتصاد ودورها في النمو الاقتصادي، فسنقوم في هذا المقال باستعراض بعض الدراسات حول الموضوع لعلّ أبرزها دراسة الباحث الاقتصادي Samuel Adams الذي ركّز في دراسته على معرفة أثر الخصخصة الإيجابي في النمو الاقتصادي رغم عدم تحقيقها للمساواة في الدخل؛ إذ اكتشف مساهمة الأداء المحسن على مستوى الاقتصاد الكلي في حال كانت الخصخصة واسعة بما فيه الكفاية وكانت لها تأثيرات محفزة على الكفاءة، وأنه إذا تحققت الآثار الإيجابية للخصخصة في الأداء المالي والإنتاجية للشركات وفقا لنظرية الاقتصاد الجزئي microeconomic theory، فيجب أن يكون لها تأثير إيجابي في الاقتصاد الكلي يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي. وفي رأيي الداعم والمساند لنظرية Samuel Adams أن المنافسة الجيدة بين الشركات في القطاع الخاص والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة بكفاءة عالية وتأثير إيجابي في الأداء المالي للشركات يمثلان عاملين محفّزين على الابتكار المستمر وتحسين الكفاءة وتقديم خدمة عالية الجودة، وبالتالي نستطيع أن نستفيد من خدمات أقل تكلفة وجودة أعلى وأكثر ابتكارا. كذلك من النتائج المهمة والمحرّكة للاقتصاد في حال استخدام أسلوب الخصخصة بطريقة صحيحة هو تقليل الديون المعيقة لاستكمالات مشاريع القطاع العام إضافة إلى قدرة القطاع الخاص على الاستفادة من الموارد المتاحة واستخدامها في التطوير والتحسين بالشراكة مع القطاع العام، وبوجود الخصخصة وتنمية البنى الأساسية وانعكاساتها إيجابا على بعض البرامج لاسيما الاجتماعية سيسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والإنتاجية عموما مما سيساعد على استقرار الاقتصاد الكلي.
أيضا ينظر المستثمرون والأسواق إلى انتهاج أسلوب الخصخصة بأنه إشارة على وجود إصلاح اقتصادي على هيكلية الاقتصاد وأنه التزام من الحكومة بسداد الديون؛ مما يتيح فرصا لزيادة نسبة الاستثمار الأجنبي في الدولة، وهذا بدوره عامل مهم لتحسين التكنولوجيا عبر استيراد تقنيات جديدة متطورة يستفيد منها السوق والمستثمرون المحليون، وتعلّم مهارات جديدة ومتطورة في التسويق والإدارة التي تتميز بالكفاءة والمهارات، إضافة إلى الانفتاح على الأسواق العالمية.
إن انتهاج أسلوب الخصخصة في الشركات المملوكة للدولة ساعد على إيجاد حلول لمشاكل ضعف الأداء وضبط الإنفاق وخفف أعباءً مالية على الميزانية العامة للدولة مثل التكاليف التشغيلية، وساعد على إخضاع الإدارة التنفيذية للرقابة والمحاسبة عند التقصير في أداء المهام، وذلك لأن في القطاع العام تكون الحكومة هي الضامن للشركة ولا تتعرض للإفلاس والعكس صحيح. أيضا تعد الخصخصة أحد الحلول الفاعلة في تطوّر أسواق المال، خاصة في الدول النامية؛ إذ إن ازدياد حجم التداول اليومي في سوق المال يعكس حجم تحسّنها وتحولها من سوق مال ناشئة إلى سوق مال متطوّرة. وعموما فإن للخصخصة أهدافا رئيسية، أبرزها تأمين الكفاءة والإنتاجية، وتقوية دور القطاع الخاص في الاقتصاد، ومعالجة التحديات المالية في القطاع العام إضافة إلى الاستفادة من الموارد المتاحة لتوظيفها في قطاعات أخرى تمتاز بالإنتاجية والكفاءة في الإدارة، ولتحقيق هذه الأهداف لابد من تفعيل عدد من السياسات الاقتصادية التي تساعد على إنجاح الخصخصة، ولا سيّما السياسات النقدية والمالية مثل تطوير الأسواق المالية، وإصلاح النظام الضريبي، ورغم نجاح أسلوب الخصخصة في عدد من الدول وساعدها في تجاوز أزماتها الاقتصادية، إلا أنه لا يعني فاعلية الخصخصة في كل الاقتصادات، فهناك دول أجرت عمليات اقتصادية غير الخصخصة وتمكّنت من تجاوز الأزمات الاقتصادية، ولذلك ينبغي التفكير في إيجاد حلول مبتكرة للتعامل مع التحديات المالية المستمرة وأن تكون الخصخصة آخر الحلول بحيث تتناسب مع وضع الاقتصاد في الدولة من حيث هيكله وحجمه، وباستمرار ضعف النمو الاقتصادي وثقل حجم الديون ستظل الخصخصة هي الحل السريع والناجح لكثير من الدول خاصة ذات الأسواق الناشئة لتوفير سيولة مالية ومحاولة إنعاش الاقتصاد.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النمو الاقتصادی القطاع العام القطاع الخاص إضافة إلى
إقرأ أيضاً:
التبسيل.. احتفاء بالنخلة وتعظيم للعائد الاقتصادي
تشهد بعض قرى ولايات سلطنة عُمان وبخاصة محافظات الشرقية والباطنة والداخلية موسم التبسيل (حصاد ثمار نخيل المبسلي)، من خلال عمليات متنوعة بداية من الحصاد إلى الفرز ثم الطبخ والتجفيف ثم التخزين تمهيدا للتسويق. مراحل تتجدد كل عام بين بساتين النخيل في جعلان والرستاق ومنح وبهلا ونزوى وولايات أخرى، حيث يجد الجميع نفسه أمام تجربة تتكرر سنويا واحتفالية يشارك فيها الجميع الصغار والكبار والنساء كل حسب الوظيفة والحاجة موسم يختلط فيه الجانب الاجتماعي بالاقتصاد ليشكل لوحة بملامح القرية العمانية.
ومع التراجع النسبي في الاهتمام بالتبسيل لأسباب مختلفة يشرحها محمد بن خلف بن خلفان المسروري قائلا: التبسيل مهنة الآباء والأجداد نجد أنفسنا في قلب التجربة والمشهد وموسم يتجدد كل عام في هذه الفترة من أيام الصيف حيث تشهد بعض قرى ولاية منح حركة نشطة في عمليات التبسيل التي تشتمل على مراحل تبدأ بالجداد أي (الحصاد) حين تبدأ بسرة المبسلي (الثمرة) بالاصفرار وبداية تكون الرطب ثم الفرز والتنقية بعدها يتم الطبخ ثم التجفيف وصولا إلى التخزين تمهيدا للتسويق والتصدير مراحل يتداخل فيها الجانب الاجتماعي بالاقتصادي في مشهد يحرص الجميع هنا على معايشته.
محمد المسروري منذ الصغر عايش هذا المشهد سنويا وعلى مدى أسبوعين أشبه بالاحتفالية الموسمية التي تحتشد فيها الأسرة لهذا الحدث المتكرر الذي يسهم في رفع العائد المادي من النخلة ويحفز المزارع على الحفاظ على هذا الموروث.
ويضيف محمد المسروري قائلا: هذا اللون من النشاط الاقتصادي يرفع من قيمة النخلة ويعظم العائد الاقتصادي للمشتغلين في هذا الجانب ويعدّ قيمة مضافة للنخلة حيث الوضع يخضع لقانون العرض والطلب في السوق.
وعن تجربته يقول : نعمل في التبسيل منذ الصغر وهي فرصة لتجمع الناس وتآلفهم وتقاربهم إضافة إلى مشاركة الأطفال وتبدأ عملية التبسيل بتجميع البسور من بساتين النخيل بعد حصادها في الصباح الباكر وتنقيتها وفرزها ثم تنقل إلى أماكن الطبخ في مرجل الفاغور مدة من الزمن حتى يستوي ثم ينقل إلى "المسطاح" للتجفيف لمدة خمسة إلى سبعة أيام حسب قوة سطوع الشمس ثم ينقل إلى مكان التخزين إلى أن تطلبه وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار.
ويتحدث محمد المسروري عن ذكريات موسم التبسيل حيث تحتفظ بها ذاكرته منذ الصبا يقول: كنا نحرص على تجميع نوع من الثمر يسمى "بوشخيط" هذا النوع في الغالب يكون مائلا إلى اللون الأصفر مخطط بالخطوط الحمراء فنحرص على تجميع أكبر قدر ممكن من هذا النوع نتنافس في ذلك كمسابقة فيما بيننا.
وعن التسويق يتحدث محمد المسروري قائلا: يتم تسويق حصاد المبسلي والبسور بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وأغلب الناتج يصدر إلى الهند، حيث يدخل المنتج في صناعات تحويلية من خلال طحنه ليكون بديلا للسكر ويدخل في صناعة المواد الغذائية المختلفة كالحلويات والكعك والبسكويت ومعظم المخبوزات وغيرها وبالتالي يدخل في السوق المحلي كبديل عن السكر الأبيض لأن ثمار نخلة المبسلي تمتاز بنسبة سكر عالية وخاصة حين يكون مع النوى يستمر تخزينه لثلاث سنوات محتفظا بجودته وسلامته، مشيرا إلى أن الهند والصين وصلوا إلى مرحلة إدخال هذا المنتج ضمن الصناعات الدوائية فإذا ما تم الالتفات إلى هذا المنتج يمكن أن تقوم عليه صناعات تحويلية بعائد اقتصادي جيد ومنه ندعم المزارع في الثبات على هذه المهنة والمحافظة على الموروث.
ويقول المسروري: لدينا خطط بالتحول إلى عمل صناعات تحويلية لمزيد من قيمته وتعظيم العائد الاقتصادي منه وإدخاله في صناعه الحلويات والبسكويت والمخبوزات لحاجة السوق المحلي لبديل صحي عن السكر الأبيض ويمكن تسويقه كمنتج نستخدم عند الطبخ مخلفات النخيل في النار من الزور والكرب والليف والسعف والعراجين.