صحيفة التغيير السودانية:
2025-06-13@17:10:33 GMT

وداعاً كمال الجزولي

تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT

وداعاً كمال الجزولي

وداعاً كمال الجزولي

عمر الدقير

كأنّنا على موعدٍ مع متوالية رحيل الأحبة والأحزان.. فقد أغمض الأستاذ كمال الجزولي عينيه وغفا غفوته الأخيرة مُرتحِلاً إلى حيث لا وجه إلّا وجه ربك ذي الجلال والاكرام. لكنه قال كلمته قبل أن تصطاده مخالبُ المنايا ويرحل، قالها عبر مسيرٍ باذخٍ ونافع في فضاءات النضال السياسي والانجاب الفكري والإبداع الشعري والمهنية القانونية الرفيعة الموسومة بالدفاع عن حقوق الانسان.

. لم يكن مسيراً سهلاً، إذ تخللته معاناة السجون والملاحقات، وعناء الكدح المعرفي و”شقاء الوعي”.. لكأنّ نعشه المحمولَ على أعواد المنايا إلى المثوى الأخير كان يتردد حوله قولُ أعمى المعرّة البصير: “ضَجْعَةُ الموتِ رقدةٌ يستريحُ الجسمُ فيها، والعيشُ مثلُ السُّهادِ”.

كان كمال الجزولي مثقفاً حُرّاً قبل أن يكون فاعلاً سياسياً لكنه لم يباعد المسافة بين المَوقِعَيْن.. ردم الفجوة بين الرأي والموقف وبين الثقافة والسياسة، لم يرهن الرأي والموقف لترهيبٍ أو ترغيب من سلطة استبدادية أو غوغاء اجتماعية، ولم يساوم على الثقافة والفكر لصالح السياسة وأحابيلها.

بجانب انحيازه لحقِّ شعبه في الحرية والعدالة الاجتماعية، كان الفقيد منحازاً لفكرة العدالة الانتقالية ومأخوذاً بنبل كلمات نيلسون مانديلا الشهيرة التي وصف بها لحظة خروجه من السجن: “بينما كنت أخطو إلى خارج زنزانتي، نحو البوابة التي ستقودني إلى الحرية، أدركت أنني لو لم أترك مراراتي خلفي فإنني سأظل سجيناً للأبد”، وتبعاً لذلك كتب وحاضَر – قبل الثورة وبعدها – عن ضرورة إطلاق عملية شاملة للعدالة والعدالة الانتقالية لإنصاف الضحايا ومداواة الجراح، والقطيعة النهائية مع إرث الماضي المثقل بالظلم والمرارات وتَجاوُزِهِ نحو مستقبلٍ واعدٍ بالأحسن في وطنٍ للجميع.

أسعدتني الأقدار بمعرفته في أول لقاءٍ لنا بسجن دَبَكْ أيام انتفاضة أبريل المجيدة- ولاحقاً في سجون النظام المباد في كوبر وسواكن وبورتسودان- ونَمَتْ بيننا صداقةٌ، رغم فارق السن، عامرة بالمحبة والاحترام، وتشرفت بطلبٍ منه أن أكون ضيفاً على رزنامته الشهيرة التي افترع بها فناً من فنون الكتابة الصحفية الشيقة .. ربما يصفه البعض بأنه كان حادّاً وراديكالياً في المواقف، لكنها راديكالية المثقف الملتزم حين تتداعى الأشياء وتُحْذَف الشعرة الدقيقة الفاصلة بين التسامح والاستسلام وتصبح السقوف الخفيضة بديلاً للشرفات العالية.. ومع ذلك كان ريحانةً في المجالس يعطرها بالطرفة وأحاديث الثقافة والأدب والفن والسياسة.

كان كمال كاتباً مجوِّداً جزل العبارة وشاعراً مبدعاً يصوغ المعاني مشرقات،  وإنْ أنسَ فلن أنسى تلك الليلة شديدة الرطوبة، في سجن سواكن، حين صحوت في منتصفها ووجدته واقفاً بمفرده قبالة الحائط المطل على البحر الأحمر، وبقية الرفاق نيام، فناداني وأسمعني مقطعاً من قصيدة – فرغ من نظمها للتو – يقول فيه:

وأنا لا أُبْصِرُ البحرْ ..

بحرَ العقيقِ الأُجاجْ ..

الذي ألْغَتْهُ من عيني ..

هذي الحوائطُ الصّمّاءْ ..

غير أني أحِسُّ أمواجَهُ ..

برغمِ السُّورِ في صدري وخاصرتي ..

وأحِسُّ زُرْقَتَهُ العميقةَ في شراييني ..

ولَسْعَهُ المِلْحِيَّ في شفتي ..

فمن ذا سيلغي المِلْحَ والزُّرْقَةْ ..

أو من تُراهُ سيلغي الآنَ ذاكرتي؟!

برحيل الأستاذ كمال الجزولي أُدْرِجَ في الكفن الأبيض رجلٌ ميراثه أخضر.. ولئن كان رحيله الموجع – في أيام الرُّصَاص والتشريد هذه – يجعل حياتنا أكثر حزناً وجفافاً، فإنه سيبقى بيننا وبعدنا بميراثه الأخضر اليانع.

نسأل الله الكريم أن يشمله بالرحمة والمغفرة، وأن يُوسِّع له في مراقد الصالحين .. العزاء لزوجته د. فايزة وابنه أُبَيْ وابنته أروى وكل الأسرة، ولزملائه في الحزب الشيوعي وأصدقائه ورفاقه في العمل العام.

6 نوفمبر 2023

الوسومالسودان الشعر عمر الدقير كمال الجزولي كوبر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: السودان الشعر عمر الدقير كمال الجزولي كوبر کمال الجزولی

إقرأ أيضاً:

يحيى الفخراني يكشف أسرارا من حياته الفنية في لقائه مع أسامة كمال

كشف الفنان يحيى الفخراني أسراراً من حياته الفنية خلال لقائه في برنامج «مساء DMC» مع الإعلامي أسامة كمال، الذي أجرى الحوار معه على خشبة المسرح القومي.

وقال الفخراني، إن الدور الحيوي للمسرح القومي، هو صون وتقديم الأعمال الكلاسيكية، سواء كانت عربية أو غربية، كجزء أساسي من الهوية الثقافية.

وأضاف أن الأعمال الكلاسيكية، رغم انتمائها إلى زمن مختلف، تظل ذات صلة وثيقة بالواقع العربي المعاصر، خاصة مع التغيّرات التي طرأت على العلاقات الأسرية في الغرب، ولا تزال هذه الملامح راسخة في الثقافة العربية، وهذا التلاقي بين الماضي والحاضر يمنح النص المسرحي حيوية دائمة.

الفنان يحيى الفخراني

وأكد الفخراني أن التمثيل، يعد الضحكة التي لا تترك أثرًا عند المتفرج، فهي وقتية وعابرة، مشيرا إلى أن هناك ضحكة تُغيّر حياة بني آدم إذا كان لها معنى حقيقي.

وأعرب عن امتنانه لتنوع أعماله الفنية في المسلسلات والمسرح والأفلام والإذاعة والدوبلاج، مشيرًا بشكل خاص إلى نجاح برنامج «قصص القرآن»".

وتابع الفخراني أن مسرحيته الملك لير، تتيح فرصة استثنائية للجمهور لتذوّق اللغة العربية الفصحى، وهذا العمل الكلاسيكي نجح في جذب حتى الأطفال في عمر الثامنة، مما يدل على قدرة اللغة العربية على الوصول لمختلف الأعمار.

وأوضح أن العرض الجديد سيضم فنانين جدد، مع التركيز على تسهيل الفصحى للممثلين، مؤكدًا أنها "أقصر الطرق من أجل الإيضاح" وأنها ممتعة وثرية.

يحيى الفخراني

وعلق على مسألة تجسيد الشخصيات الشريرة، قائلاً إن كراهية الناس لهذه الشخصيات لا تُقلقه على الإطلاق، وأن الجمهور أصبح أكثر وعيًا وتقديرًا لموهبة الممثل، بخلاف الماضي.

وكشف يحيى الفخراني أن العصا التي ترافقه بدأت منذ حوالي عامين، وتحديدًا مع مسلسل الليل وآخره، وأنها توفر له سندًا، ويرفض تقديم أدوار سينمائية للاستهلاك، مشبّهًا السينما بـ الكتاب، الذي يبقى مع الممثل طوال حياته.

وأعرب الفخراني عن عدم قدرته على الابتعاد عن المسرح، وقد اعتذر هذا العام عن مسلسل رمضاني من أجل الملك لير، وأبدى شفقته على المؤلفين، موضحًا أنه لم يجد السيناريو المناسب لتقديمه، وأن معظم المسلسلات الحديثة بهدف التسلية ومسروقة من الغرب.

يحيى الفخراني

وروى الفخراني موقفًا طريفًا وصعبًا أثناء تصوير فيلم إعدام ميت، حيث اضطر لتعلّم السباحة من أجل أحد المشاهد، وكيف صارح مهندس الصوت بأنه لا يجيد العوم قبل القفز من الباخرة.

وأشار إلى تجربته في مسلسل طيور بلا أجنحة مع الفنان صلاح منصور، الذي أبدى إعجابه الشديد بأدائه، وعرض عليه سلسلة أعمال بعنوان أب وابنه، لم يتم تنفيذها.

وتطرق الفخراني في حديثه إلى الزعيم عادل إمام قائلًا: «طبعًا هو مش واخد حقه، لكن الأهم إنه يتشاف كويس وخلاص، ووصول أعمال الفنان للجمهور هو الأهم».

ووصف الفنان الراحل نبيل الحلفاوي بأنه أصدق الأصدقاء، متابعا أنه «ما بيقولش حاجة مجاملة يكذب فيها، وما بيجرحش، وحقّاني، وكان قريبًا مني، وافتقدته كثيرًا».

أحمد عزمي: تعلمت احترام العمل من يحيى الفخراني

يحيى الفخراني يسترجع موقف إنساني لـ نبيل الحلفاوي

عادل إمام ويحيى الفخراني في وداع صلاح السعدني.. أسرار لم تُروَ قبل رحيله

مقالات مشابهة

  • كمال مولى يجتمع مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية
  • أسامة كمال : إسرائيل ستكون دولة منبوذة ومصدر عار لليهود
  • افتتاح منفذ البو كمال الحدودي بين العراق وسوريا
  • أسامة كمال: الكنيست الإسرائيلي يصوت على حل نفسه.. ونهاية محتملة لنتنياهو
  • كاريكاتير كمال شرف
  • ضوابط الزيارة مهمة.. أسامة كمال: مصر هي من ستكون مسؤولة عن حماية الزوار على الحدود
  • كمال حسنين: معركتنا الحقيقية ستكون على المقاعد الفردية ولدينا كوادرنا التي تحظى بثقة الشارع المصري
  • كمال مولى يُثمّن قرار تغيير وضع فلسطين داخل منظمة العمل الدولية
  • المخرج هاني كمال يطالب بمعالجة مشكلة الاستحقاق لدى الجيل الصاعد
  • يحيى الفخراني يكشف أسرارا من حياته الفنية في لقائه مع أسامة كمال