مسؤول عن ثلث عمليات التلقيح.. العث الليلي يواجه تحديات التحضر
تاريخ النشر: 27th, June 2023 GMT
العث مجموعة كبيرة من الحشرات القريبة من الفراشات، وهي من أكثر الكائنات الحية شيوعا في العالم، حيث توجد في مختلف الأقاليم والمناخات حتى الثلجية منها.
وتعتبر العث من الكائنات الليلية، أي أنها لا تخرج إلا في الليل أو الفجر، وهي مسؤولة عن ثلث إجمالي عمليات التلقيح في النباتات المزهرة والمحاصيل والأشجار.
وبالرغم من أهمية دورها الإيكولوجي، فإن الدراسات المعنية بتأثيرات التحول الحضري لم تولها نفس الأهمية التي أولتها للنحل على سبيل المثال.
تتناقص الحشرات الملقحة بسبب فقدان الموائل وتغير المناخ، وقد تكون المدن ذات الموائل المحدودة وموارد الأزهار معرضة بشكل خاص، إلا أنه لا تزال تأثيرات المناظر الطبيعية الحضرية على شبكات التلقيح غير مفهومة جيدًا، ولا توجد دراسات مُقارِنة للأنواع ذات البيئات المتباينة.
وفي دراسة جديدة نشرت بدورية "إيكولوجي ليترز" Ecology Letters في الخامس من يونيو/حزيران الجاري -وتقارن في وقت واحد بين العث الليلي وشبكات نقل حبوب اللقاح النهارية باستخدام عملية التسلسل المتعدد للحمض النووي- وجد الباحثون أن العث تحت ضغط التحضر قد تكون أقل قابلية للتكيف من النحل، بسبب دورة حياتها الأكثر تعقيدا وحاجتها لنباتات محددة.
غير أنه -وبالرغم من ذلك- فإن العث تلعب دورا حاسما في دعم المجتمعات النباتية الحضرية.
تقول الدكتورة إميلي إليس، المؤلف الرئيسي للدراسة من معهد جرانثام للمستقبل المستدام بجامعة شيفيلد University of Sheffield ومركز أبحاث التغيير البيئي (REC) بجامعة هلسنكي University of Helsinki في بيان صحفي نشره موقع يورك ألرت Eurek Alert "وجدت دراستنا أنه في المناطق الأكثر تحضرا يتناقص تنوع حبوب اللقاح التي يحملها العث والنحل، مما يعني أن الملقحات قد تكون لديها موارد أقل من الزهور المتاحة لها".
وتكمل الدكتورة إليس "نظرا لأن العث والنحل تعتمد على النباتات للبقاء على قيد الحياة، فإن مجموعات النباتات تعتمد أيضا على الحشرات في التلقيح".
وتضيف "حماية المساحات الخضراء الحضرية والتأكد من تطويرها بطريقة تتجاوز حماية النحل فقط لكنها تدعم أيضا مجموعة متنوعة من الحياة البرية، ستضمن بقاء مجموعات النحل والعث مرنة، وستظل المدن والبلدات أماكن أكثر صحة وخضرة".
تقدير متزايد للعثوأظهرت الدكتورة إليس والباحثون المشاركون أيضا بالدراسة أن النحل والعث تزور مجتمعات نباتية مختلفة بشكل كبير، إلا أنه بالإضافة إلى الأنواع المعتادة من الزهور الباهتة التي تعتاد العث زيارتها، فقد أظهرت الدراسة أن العث تحمل حبوب لقاح أكثر مما كان يعتقد سابقا، كما أنها تزور أنواعا من الأشجار ومحاصيل الفاكهة أكثر مما تم تحديده سابقا.
وتقول إليس "لا يقدّر الناس العث بشكل عام لذلك تم التغاضي عنها في كثير من الأحيان مقارنة بالنحل عند الحديث عن الحماية والحفظ، لكن أصبح من الواضح أن هناك حاجة إلى بذل جهد أكثر تركيزا لزيادة الوعي بالدور المهم للعث الذي تلعبه في إنشاء بيئات صحية، خاصة وأننا نعلم أن أعداد العثة قد انخفضت بشكل كبير على مدار 50 عاما الماضية".
وتضيف "عند التخطيط للمساحات الخضراء، يجب التأكد من أن الزراعة متنوعة وصديقة للعث وكذلك صديقة للنحل، لضمان بقاء نباتاتنا وحشراتنا مرنة في مواجهة أزمة المناخ والمزيد من الخسائر".
تسلسل الحمض النووييشرح الدكتور ستيوارت كامبل، من كلية العلوم البيولوجية بجامعة شيفيلد، وكبير مؤلفي الدراسة قائلا "تعتمد معظم النباتات على الحشرات في التلقيح، لكن معرفة الحشرات التي تقوم بالتلقيح في الواقع سؤال يصعب الإجابة عنه".
ويضيف "يوجد حوالي 250 نوعا من النحل في المملكة المتحدة، ونحن نعرف القليل عن بعض هذه الأنواع، لكن لدينا أيضا أكثر من 2500 نوع من العث التي تزور الأزهار غالبا في الليل. لذا، فنحن لا نعرف الكثير عنها".
ويستطرد "ما تمكنا من القيام به في هذه الدراسة هو استخدام تسلسل الحمض النووي لتحديد حبوب اللقاح التي تلتصق بالفراشات التي تطير ليلا عند زيارتها للزهور. ووجدنا أن العث ربما تقوم بتلقيح مجموعة من أنواع النباتات، العديد منها برية، والتي من غير المحتمل أن يتم تلقيحها بواسطة النحل، والعكس صحيح".
ويضيف "يتضح من هذه الدراسة أن التلقيح يتم عن طريق شبكات معقدة من الحشرات والنباتات، وقد تكون هذه الشبكات دقيقة وحساسة للتوسع الحضري. ويمكننا أيضا معرفة أنواع النباتات التي قد تكون أفضل مصادر الغذاء للحشرات المختلفة، بما في ذلك الأنواع الليلية مثل العث البالغة، واستخدام هذه المعلومات لصالح الملقحات".
في المناطق الحضرية، يمكن أن يكون هناك في بعض الأحيان وفرة في الأنواع النباتية غير المحلية، أو مجرد انخفاض عام في تنوع الأنواع النباتية، وقد يؤدي هذا إلى انخفاض تفاعلات الحشرات مع الأنواع النباتية الأقل جاذبية لها، مما يكون له آثار سلبية على كل من النباتات والحشرات.
ومن المؤكد أن هذه الدراسة ستكون لها آثار على مبادرات البستنة الصديقة للحياة البرية، وعلى المخططين الحضريين وصانعي السياسات المسؤولين عن تطوير المساحات الخضراء الحضرية للحدائق أو البستنة الحضرية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن
يمانيون/محسن علي
على سفوح جبل شمسان الشاهق، وفي قلب مدينة كريتر التاريخية بمحافظة عدن جنوبي اليمن (الخاضعة حاليا تحت سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لدويلة الإمارات)، تقف “صهاريج الطويلة” كشاهد صامت على عبقرية هندسية يمنية فريدة تمتد جذورها لآلاف السنين، ونظام متكامل لإدارة الموارد المائية وحماية المدينة من الكوارث الطبيعية، مما يجعلها واحدة من أروع الأعمال المعمارية المائية في العالم، وتحفة فنية منقوشة في الصخر، تروي حكاية حضارة أمة أدركت قيمة الماء ونعمته في مواجهة تحديات الزمن وضرورة التكيف مع بيئة قاسية.
جدل النشأة وعبقرية البناء
يحيط الغموض بتاريخ بناء صهاريج عدن، حيث تتعدد آراء المؤرخين والباحثين تشير بعض التقديرات إلى أن تاريخها يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد مملكة سبأ، بينما ترجح دراسات أخرى أن من شيدها هم الحميريون، وهناك من يرى أنها نتاج تطور عبر مراحل زمنية متلاحقة، بدءًا من العصور القديمة مرورًا بالعصر الإسلامي، ورغم غياب النقوش التي تحدد تاريخًا دقيقًا، يتفق الجميع على أن هذه المنظومة هي نتاج تراكم معرفي وهندسي فريد.
خطط عبقرية لأهداف استراتيجية
تقع الصهاريج في وادي الطويلة، وهي منحوتة في الصخور البركانية الصلدة لجبل شمسان، أو مبنية بالحجارة والجص المقاوم للماء، وقد صُممت بطريقة عبقرية تضمن تجميع مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل على الجبل، وتوجيهها عبر سلسلة من القنوات والسدود إلى الصهاريج المتتابعة.
وظيفة مزدوجة الحماية والتخزين
تكمن العبقرية الهندسية لصهاريج عدن في وظيفتها المزدوجة والحيوية للمدينة، فكانت تعد المصدر الرئيسي لتزويد سكان عدن بالمياه العذبة للشرب والزراعة، وكذلك لتزويد السفن العابرة في الميناء، خاصة في مدينة عانت تاريخيًا من شح المصادر المائية،
والأهم من ذلك، أنها كانت تعمل كمنظومة دفاعية لحماية مدينة كريتر من السيول الجارفة التي تتدفق من جبل شمسان، فبدلاً من أن تجتاح السيول المدينة وتدمرها، كانت الصهاريج تستقبلها وتخفف من اندفاعها وتخزنها، مما يجنب المدينة كوارث دمار الفيضانات الطبيعية.
الأرقام تتحدث.. السعة والترميم الحديث
تشير التقديرات التاريخية إلى أن العدد الأصلي للصهاريج كان يتراوح بين 50 إلى 55 صهريجاً، لكن معظمها طُمر أو أصابه الخراب والأضرار عبر العصور، أما الصهاريج القائمة والمكتملة حالياً، فيبلغ عددها نحو 18 صهريجاً، بسعة تخزين إجمالية تصل إلى حوالي 20 مليون جالون (ما يعادل تقريباً 75,700 متر مكعب، و90مليون لتر ).
وبعد أن اندثرت الصهاريج وأصبحت مطمورة بالكامل تقريبًا، أعيد اكتشافها بشكل كبير من قبل الغزو والاحتلال البريطاني لمدينة عدن عام 1856م، يؤكد بعض المؤرخين أن التعديلات التي تمت حينها من قبل مهندسين بريطانيين تحت مزاعم الترميم غيرت من وظيفتها الأساسية كمصارف لتوجيه المياه إلى خزانات لتجميعها.
مخاطر البناء العشوائي والبسط
وبينما تؤكد التقارير والأخبار المتداولة أن صهاريج عدن تواجه خطر الانهيار ليس بفعل القذائف، بل بفعل معاول الإهمال والبناء العشوائي منذ العام 2015م، تشير بعض المصادر إلى أن عمليات البسط والتجريف تتم بشكل علني على أيدي قيادات وعناصر مدعومة من قبل متنفذين يتبعون ما يسمى بالمجلس الانتقالي الممول من دويلة الاحتلال الإماراتي، مما يعيق محاولة أي جهود للحماية والترميم جراء الاعتداءات من المتنفذين، وقد أثارت ظاهرة الإهمال والبناء العشوائي حفيظة المواطنين والمثقفين، مما أدى إلى إطلاق نداءات وبيانات لإنقاذ الموقع من التدمير الممنهج لهذا المعلم الأثري.
بين القيمة التراثية وتحديات الواقع
على الرغم من صمودها لآلاف السنين ومن أبرز المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في اليمن، تواجه الصهاريج اليوم عدة تحديات خطيرة تهدد بقاءها ووظائفها على رأس ذلك: الإهمال وغياب الصيانة وتراكم النفايات والأوساخ، مما يهدد بانسداد قنوات التصريف ويؤثر على سلامة المنشآت التاريخية التي لم تخضع لترميم شامل منذ عقود، بالإضافة إلى انتشار البناء والتوسع العمراني غير المنظم في محيطها، إلا أن التهديد الأكبر الذي واجهته بعد عام 2015 تمثل في الإهمال المتعمد من قبل حكومة الفنادق وأدواتهم واستمرار التعديات العشوائية التي تفاقمت حتى اليوم.
واقع صهاريج عدن اليوم تعد صورة مصغرة لتحديات الحفاظ على التراث في مناطق الغزو والاحتلال، فبعد أن صمدت المنظومة الهندسية لآلاف السنين في وجه الطبيعة، أصبحت مهددة بالزوال بسبب الإهمال والفوضى العمرانية والدمار المتعمد منذ أن جثم تحالف العدوان في السيطرة العسكرية الميدانية عليها تحت مزاعم التحرير، وكذلك يفعلون.
#صهاريج_عدن#معالم_تاريخية_وأثرية_يمنية