السقوط الأخلاقي والديني والإنساني لواشنطن وعواصم بلدان حِلف شمال الأطلسي في معركة طُوفان الأقصى
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
نَقلت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وعبر شبكة التواصل الاجتماعي، أنه في يوم الجمعة الموافق 3 نوفمبر 2023م، وصل العالم نبأ وخبر همجي صاعق، وغير مسبوق، ولا يصدقه إنسان عاقل، مفاده بأن طيران الكيان الإسرائيلي الصهيوني شن غارات حربية عِدآئية متتالية على عدد من المنشآت الصحية والتربوية في قطاع غزّة المحاصرة، ونتج عنها:
_قصف مستشفى الشِفاء.
_قصف مستشفى الأندنوسي.
_قصف مستشفى القدس.
_قصف مدرسة تديرها الأمم المتحدة ( للأونروا ) بمنطقة الصفطاوي شمال مدينة غزّة راح ضحيتها عشرات الشهداء وكذلك عدد غير قليل من الجرحى، وكذلك مدرسة الفآخورة، وكِلا المدرستين تؤوي آلاف النآزحين من الأطفال والنساء والشيوخ، في منطقة جباليا وهي تدار من قبل الأمم المتحدة. على إثر هذا الخبر الصادم صرح السيد أنطونيو غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة في يوم السبت بتاريخ 4 نوفمبر 2023م من مقر إقامته في نيويورك بأنه شعر بصدمة إنسانية مروٍعة منذُ سماعه ذلك الخبر الدآمي المروع . المستر انتوني بلينكن قطع مسافة عشرات آلاف الكيلو مترات جوّاً بين واشنطن وتل أبيب ليصل يوم الجمعة بتاريخ 3نوفمبر، بالساعة التاسعة صباحاً بتوقيت القدس الشريف، واتجه على الفور إلى مقر إقامته تحت الأرض في إحدى الملاجئ الآمنة بمدينة تل أبيب لسلامته وسلامة وفده الأمريكي المتصهين المرافق له، لأن المدينة تتعرض لوابل من صواريخ المقاومة الفلسطينية وتحديداً من صواريخ حماس، وصواريخ الجهاد الإسلامي، وصواريخ الجمهورية اليمنية من صنعاء، لأنها ساهمت خلال الأسبوع الماضي بعدد من الدفعات الصاروخية الهجومية الدقيقة، كجهة تضامنية في جبهة المقاومة. تلك الصواريخ الموجهة من المقاومة لا تدع سكان مدينة تل أبيب ينامون بهدوء مع أحلامهم الهادئة المعتادة ولا يشعرون بالاطمئنان النفسي ولا السلم العائلي، تركتهم تلك الصواريخ في خوف ورعب دائمين، منذ انطلاقة شرارات حرب التحرير الشعبية الفلسطينية المعنون “بطوفان الأقصى” لتحرير كامل التراب الفلسطيني. بعد أن أخذ المستر انتوني بلينكن وزير خارجية أميركا راحته التامة، وهو الزائر الأحدث من عواصم بلدان الغرب الأطلسي، وفي زيارته الثالثة الحالية للكيان الإسرائيلي منذ انطلاقة شرارات طُوفان الأقصى، ذهب لوزارة الحرب الصهيونية ليلتقي بأركان دولة العدوان الصهيوني والمجتمعين هم الآخرون في أحد الملاجئ العسكرية المحصنة تحت الأرض، وهم رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الإرهابي / بن يامين نتنياهوه ووزير دفاعه الإرهابي يوآف غالانت والبقية الباقية من المجرمين قتلة أطفال فلسطين الأبرياء. اجتمع بهم المستر انتوني بلينكن لساعات طويلة، وكان الرأي العام العالمي ينتظر بحذر شديد لنتائج تلك الاجتماعات، وما سيتمخض عنها، خاصة وأن آلة القتل الإسرائيلية الصهيونية المروّعة تحصد أرواح الأبرياء في فلسطين وجنوب لبنان من الأطفال والنساء والشيوخ وحتى المرضى، نعم كان الرأي العام العالمي ينتظر رُسل العاصمة الأمريكية واشنطن بأن تطبق الحد الأدنى والمتواضع من ما يتشدقون به من مفردات، حقوق الإنسان، حرية حق الحياة للأطفال والنساء المدنيين الآمنين والعزل من أي سلاح، وشعارات الأخلاق الإنسانية والدينية والعرقية، والتي على أساسها أنشئت دساتير ولوائح وهياكل الأمم المتحدة وأجهزتها المتعددة. وكذلك تأسست المنظمات الحقوقية والإنسانية، وكيفية التعامل مع الإنسان المدني في النزاعات والحروب والاقتتال، كل تلك المراجع التاريخية الحقوقية والقانونية والأخلاقية مليئة بكل تلك النصوص، ولذلك ترقّب الإعلام العالمي والرأي العام العالمي والمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية لهذا الضيف الجديد القادم من واشنطن المدعو المستر انتوني بلينكن، إلى مدينة تل أبيب، عاصمة الدولة الإسرائيلية، البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط كما يسموها مفكري وسياسيّ ومثقفيّ أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ومن لف لفهم من عواصم حلف شمال الأطلسي، نعم.. كل هؤلاء النخب الغربية الأطلسية، يرددون ليل نهار بأن دولة الكيان الإسرائيلي هي وحدها واحة الديمقراطية والسلام والحب . والغريب أن من يردد مثل كل تلك الأقاويل هم من خريجيّ و من طلاب مدرسة فكر التنوير الباريسي الفرانكفوني وصالوناته الفارهة، ومن خريجي مدرسة هيجل وفوباخ ونيتشه السكسونية البروسية الآرية، وآخرين يتناسلون من النوع والمدرسة الأنغلوساكسونية العريقة. هذه الغرابة الصادرة منّا هي ناتجة عن التناقض الحاد بين القول بالفعل في الثقافة الأوروبية المنحازة للهمجية الصهيونية، والتي يضع مفكروها وعلماؤها ومثقفوها الحواجز السميكة بين بصرهم وبصيرتهم، بين القول المنمّق وبين الفعل الإجرامي، بين نظريات عصر التنوير الأوروبي وبين همجية وبربرية الفعل الصهيوني التي تجاوزت بربرية ووحشية النازيين الشوفينيين والفاشيين المتطرفين. وللتأكيد على قولنا أعلاه، تعالوا لنفهم الحدث الدآمي الذي وقع في غزة وذكرناه في مطلع مقالنا، وهو أن الآلة العسكرية الإسرائيلية الصهيونية، قد دكت ثلاث مستشفيات مدنية على رؤوس مرضاها وزوّارها وأطبائها، قصف وحشي لمدرستين يؤيان مواطنين هاربين من جور ووحشية الآلة الصهيونية ليلوذوا بأنفسهم إلى مدرستين تديرهما منظمة الأمم المتحدة الأونروا، ومع ذلك لا حصانة لأحد من البشر أمام عنجهية ووحشية آلة الدمار العسكرية الإسرائيلية الصهيونية، المدعومة من شركائها في واشنطن وبقية العواصم الأطلسية. هذا الفعل الإجرامي بحق المواطنين الآمنين الأبرياء يحدث والمستر الأمريكي اليهودي انتوني بلينكن وزير خارجة أمريكا يتجول في مدينة تل أبيب، ويزمع بالسفر إلى مدينة عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية كي يلتقي بعدد من وزراء الخارجية ( العرب ) المطبعين مع الكيان الإسرائيلي . هنا يتساءل المواطن العربي الحر من الخليج ( الثائر ) إلى المحيط ( الهادر )، ويقول في ذاته، منهم قتلة أطفال فلسطين ونسائها وشيوخها، ونحن وغيرنا يردد ذات السؤال، أين العرب الأحرار ؟
ملحوظة أخيرة لمقالنا هذا، وهو التوجه بالتحية والتقدير لكل أحرار العالم الذين خرجوا بالملآيين الحاشدة ينددون بالفعل الإجرامي للعدو الإسرائيلي الصهيوني بحق قطاع غزة وأهلها المسالمين. التوجه بالتحية والتقدير للأحرار والحرائر في عالمنا الإسلامي من جاكرتا شرقاً وحتى آخر مسلم على الشواطئ الغربية للمحيط الهادئ، والذين خرجوا بالملآيين ينددون بهمجية الكيان الإسرائيلي الصهيوني وشركائها في واشنطن وبقية عواصم دول حلف شمال الأطلسي.
التحية والشكر والتبجيل لقادة وشعوب محور المقاومة العظيم، الذين قاوموا المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة من عواصم بلدان المقاومة من طهران، وبغداد، ودمشق، بيروت، وفلسطين وصنعاء .
{وَفَوقَ كُلَّ ذِيْ عِلْمٍ عَلِيمْ}
*رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مآلات التوحش الصهيوني والخذلان العربي والدولي
يشن الكيان الصهيوني، منذ أكثر من عام ونصف، حرباً على قطاع غزة لا تشبه أياً من الحروب التي شهدها النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. لا لأنها تشكل انتهاكاً غير مسبوق للقوانين والأعراف الدولية فحسب، وهو ما يبدو واضحاً من إصرار الكيان على ممارسة جريمة الإبادة الجماعية لإجبار الشعب الفلسطيني على الرحيل قسراً عن وطنه، وإنما لأنها تعد حرباً على النظام الدولي نفسه، وهو ما يبدو واضحاً من إصرار هذا الكيان على شل إرادة المؤسسات الأممية التي تحاول اعتراض طريقه أو منعه من تحقيق أهدافه غير المشروعة.
بل إنه ذهب إلى حد الإصرار على تدمير بعض هذه المؤسسات، وحرص على إزاحتها كلياً من طريقه، حين اكتشف أن مجرد وجودها أو استمراها في أداء مهامها يعرقل خططه الموضوعة، أو يحول دون تمكينه من تحقيقها، وهو ما حدث بالفعل مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينين (الأونروا).
شواهد كثيرة تثبت تعمد الكيان الصهيوني انتهاك قواعد القانون الدولي في حربه المستمرة على قطاع غزة، منها:
1- إقدام محكمة العدل الدولية على إصدار أوامر تلزمه باتخاذ إجراءات احترازية محددة لوقف أعمال يُعتقد أنها تنطوي على إبادة جماعية تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني، منها على سبيل المثال لا الحصر، أوامر تلزمه بوقف الهجوم العسكري على رفح، وأوامر أخرى تلزمه بفتح المعابر لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لكن الكيان تجاهل كل هذه الأوامر ولم يعرها أي اهتمام.
2- إقدام المحكمة الجنائية الدولية على إصدار أوامر اعتقال في حق كل من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ويوآف غالانت، ووزير الدفاع السابق، حين اقتنعت بوجود أدلة تثبت تورطهما في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أما الشواهد التي تثبت تعمد الكيان تجاهل وازدراء كل ما يصدر عن مؤسسات الأمم المتحدة، بل والعمل بكل همة لعرقلة نشاط هذه المؤسسات ومنعها من أداء مهامها، حتى ولو تطلب الأمر ارتكاب أعمال عدائية مباشرة ضدها، مثلما حدث مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينيين “الأونروا”، فهي كثيرة أيضاً ويصعب حصرها.
ويكفي أن نشير هنا إلى أن الكيان الصهيوني لم يكتفِ بعرقلة نشاط الأونروا ومنعها من أداء مهامها، وإنما ذهب إلى حد إعلان الحرب عليها، حين أقدم على تدمير معظم المدارس والمستشفيات والمراكز الخدمية التابعة لها، وقام بقتل أكثر من 300 من كوادرها والعاملين فيها، وذلك في تحدٍ سافر وغير مسبوق لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن الكيان الصهيوني لم يكتفِ بتدمير قطاع غزة بالكامل وإحالته إلى مكان غير قابل للحياة، أو بقتل وجرح ما يزيد على مئتي ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وإنما قام كذلك بمنع دخول الغذاء والدواء منعاً باتاً لأكثر من شهرين متتاليين، وذلك لإجبار ما يقرب من مليوني ونصف مليون فلسطيني على مغادرة وطنهم إلى الأبد، ليتبين لنا بوضوح أن الجرائم التي تُرتكب في قطاع غزة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية، بل وفاقت أكثر الجرائم التي ارتكبها النظام النازي وحشية، خصوصاً وأنها تجري علناً أمام سمع العالم وبصره، وتتناقلها على الهواء مباشرة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
يدّعي الكيان الصهيوني أن الحرب التي يشنها على قطاع غزة هي ردة فعل طبيعية على الهجوم الذي قامت به حماس في 7 /10 /2023، وبالتالي فهي حرب دفاعية مشروعة، وفقاً لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لأنها تستهدف تقويض الطرف المعتدي وتخليص الرهائن من براثنه. غير أنه ادعاء أبعد ما يكون عن الحقيقة.
فالحكومة الإسرائيلية الحالية، الأكثر تطرفاً في تاريخ “إسرائيل”، تولت السلطة قبل عام من هجوم حماس، وشرعت في تنفيذ برنامج سياسي يقوم على: تكثيف الاستيطان، وضم أجزاء واسعة من الضفة، وتهويد المسجد الأقصى تمهيداً لهدمه وإقامة الهيكل مكانه. ولأن العناصر الأكثر يمينية وتطرفاً وعنصرية هي التي تتحكم في حكومة يقودها يميني متطرف أيضاً، فقد اتخذت من “طوفان الأقصى” ذريعة للدفع بطموحات المشروع الصهيوني إلى أقصى مداه.
لذا يمكن القول أن أهدافها الحقيقية لا تقتصر على هزيمة حماس واستعادة الأسرى، وإنما تتسع لتشمل إلى جانب ذلك: إخلاء قطاع غزة من سكانه وإعادة احتلاله واستيطانه، وضم الضفة الغربية، ونزع سلاح حزب الله في لبنان، وإسقاط النظام الإيراني بعد تدمير برنامجه النووي والصاروخي، وإبرام معاهدات “سلام” مع لبنان وسوريا والسعودية، لتكتمل بذلك إقامة “الدولة اليهودية الكبرى” في منطقة الشرق الأوسط، الحلقة النهائية في المشروع الصهيوني. وهذا هو بالضبط ما قصده نتنياهو حين كان يتحدث عن “خرائط شرق أوسطية جديدة” حمل معه صورة منها أثناء توجهه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلقاء خطابه هناك قبل أيام قليلة من “طوفان الأقصى”.
لم يكن بمقدور الكيان الصهيوني أن يرتكب كل ما اقترفه من جرائم بشعة في حق الإنسانية، ولا أن يطلق العنان لطموحاته الفاجرة، لولا ما قدمته له الولايات المتحدة من دعم غير مشروط، سواء عبر الإدارة السابقة بقيادة بايدن أم عبر الإدارة الحالية بقيادة ترامب.
فقد ضمن له هذا الدعم حصوله لا فقط على كل ما يحتاج من مال وسلاح لتحقيق الأهداف التي سعى إليها في مختلف المجالات وعلى كل الجبهات فحسب، وإنما تمكينه أيضاً من الإفلات من العقاب، وذلك من خلال الفيتو الأميركي المشرع دوماً في مجلس الأمن لحماية الكيان الصهيوني من العقاب، بل ومن الإدانة أيضاً، وأحيانا من مجرد توجيه اللوم أو العتاب، وهو وضع لم تحظَ به دولة أخرى منذ نشأة الأمم المتحدة. غير أن المشكلة الحقيقية التي يواجهها الشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية لا تكمن في انحياز الولايات المتحدة غير المشروط للكيان الصهيوني، بقدر ما تكمن في تخاذل جميع الأطراف الآخرين، أي سلطة رام الله والعالم العربي والعالم الإسلامي والمجتمع الدولي.
كان بمقدور سلطة رام الله أن تخفف كثيراً من الضغوط الهائلة على الشعب الفلسطيني لو أنها قامت باغتنام الفرصة وسعت لتذليل العقبات التي تحول دون إنهاء حالة الانقسام الفصائلي التي طالت، ولإعلان قيام حركة وطنية فلسطينية موحدة تعبر عن طموحات هذا الشعب.
وكان بمقدور العالم العربي أن يلعب دوراً أكثر إيجابية لو أن الدول العربية التي تقيم علاقات مع “إسرائيل” قد اجتمعت واتخذت قراراً جماعياً بقطع علاقاتها مع الكيان ما لم يقم الأخير بوقف الحرب فوراً وفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية.
وكان بمقدور العالم الإسلامي أن يمارس تأثيراً مختلفاً على مسار الأحداث لو أن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي كانت قد اتخذت موقفاً جماعياً جادّاً لحمل الولايات المتحدة على اتخاذ مواقف أقل انحيازاً لـ”إسرائيل”.
وكان بمقدور القوى الكبرى التي تدّعي تأييدها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها روسيا والصين، اتخاذ قرار بمنع تصدير السلاح لدولة تشن حرب إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً في مواجهة شعب احتلت أرضه ويتطلع لنيل استقلاله. ولأن جميع هؤلاء الأطراف تقاعسوا عن القيام بدور كان بمقدورهم القيام به من دون تكلفة باهظة، فمن الطبيعي أن يستحق الدور المتفرد والمتميز الذي تقوم به حالياً جماعة أنصار الله في اليمن تقديراً خاصاً، لأنه يعد بالفعل أقوى الأدوار الحالية الداعمة للقضية الفلسطينية وأكثرها إخلاصاً وتعبيراً عن العروبة والإسلام في آن.
لم تضع الحرب على غزة أوزارها بعد، لكن الشعب الفلسطيني ما يزال صامداً لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء، رغم مرور أكثر من عام ونصف، وتلك إحدى التجليات التي ترقى إلى مستوى الإعجاز.
غير أن هذه الحرب ستنتهي حتماً يوماً ما، سواء عاجلاً أم آجلاً، ولن يكون حال العالم بعدها مثلما كان عليه قبلها. فسوف تعلو راية القضية الفلسطينية وترفرف خفاقة، ولن يكون بمقدور أحد، بعد كل ما جرى، التنكر لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه، أما الكيان الصهيوني فلن يكون بمقدوره أن يلعب دور الضحية أو يدّعي بعد الآن أنه الواحة الوحيدة للديمقراطية في صحراء الاستبداد العربي، والأرجح أن تنظر إليه شعوب العالم باعتباره كياناً عنصرياً غير قابل للبقاء وآيلاً حتماً للزوال والسقوط، مثلما سقط وزال نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.
ولن يكون بمقدور الولايات المتحدة أن تدعي بعد الآن أنها المدافع الحقيقي عن حقوق الإنسان أو عن القيم الليبرالية، أو أنها الدولة الوحيدة التي ما تزال مؤهلة لقيادة عالم سيكون بحاجة ماسة إلى “أمم متحدة” جديدة وحقيقية تعبّر عن نظام دولي متعدد القطبية.
أما العالم العربي فلن يكون بوسعه بعد الآن أن يدعي أنه ما زال يشكل نظاماً إقليمياً قادراً على التفاعل الحر مع الآخرين، والتأثير بإيجابية في من حوله، إلا إذا استطاع إصلاح نفسه من الداخل، وتمكن من إقامة أنظمة حكم تمثل شعوبها وتعبّر عن آمالها وطموحاتها الحقيقية.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة