تشتد الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، برا وجوا وبحر، بالتزامن ترتفع أصوات تتحدث عن سيناريوهات غزة بعد تحقيق إسرائيل هدفها المعلن من الحرب وهو "القضاء على حركة حماس" التي تحكم القطاع.

أحد السيناريوهات تشير إلى إدارة قطرية مصرية سعودية إماراتية للقطاع، لقطع الطريق على إيران التي تدعم حركة حماس، وتشكل تهديدا أساسيا لإسرائيل، إلى جانب تقليم أظافر روسيا التي تسعى لاستغلال ما يجري لتوسع نفوذها في المنطقة.

الخارجية الأميركية: أرسلنا "رسالة ردع مدوية" إلى إيران قال فيدانت باتيل، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن حذرت إيران من تداعيات التعرض للقوات الأميركية في سوريا والعراق.

في تحليل نشرته فورين بوليسي، يقول، جيسون باك، وهو مقدم برنامج بودكاست (Disorder)، ومؤلف كتاب "ليبيا والاضطراب العالمي الدائم"، إن الغرب يجد في الحرب المستعرة في غزة، فرصة لا تعوض لإعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط السياسية. 

ويحاجج الكاتب بأن الفشل في اغتنام الفرصة الدبلوماسية التي توفرها هذه الأزمة من شأنه أن يزيد احتمالات نشوب حروب في المستقبل، خاصة أن الشهر الأول من الحرب لا يعطي بوادر تشير إلى إمكانية تحقيق نتائج عسكرية قادرة على توفير الأمن أو الرخاء سواء للإسرائيليين أو الفلسطينيين.

دخان يتصاعد من شدة القصف الإسرائيلي على غزة

وأعلنت إسرائيل، الثلاثاء، أن قواتها توغلت في عمق مدينة غزة في اليوم الثاني والثلاثين للحرب مع حركة حماس، بينما تعهد رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، باستمرار العمليات حتى إنهاء حكم حماس للقطاع.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في تصريحات نقلتها رويترز إن قوات الجيش باتت مساء الثلاثاء "في قلب مدينة غزة"، متعهدا بتدمير الحركة التي أطلقت هجوم السابع من أكتوبر داخل إسرائيل.

وأكد نتانياهو في كلمة أن الجيش قد توغل في غزة "بشكل أعمق مما تخيلته حماس"، متعهدا بأن "غزة لن تشكل بعد اليوم تهديدا لإسرائيل".

في غضون ذاك، قال الجناح العسكري لحركة حماس إن مقاتليه يلحقون خسائر وأضرارا فادحة بالقوات الإسرائيلية التي تتقدم.

ويرى باك أن حماس وإيران وروسيا يستخدمون الحرب القائمة لتعميق التوترات الإقليمية والعالمية، لإحداث شرخ بين خصومهم التقليديين كي يظهروا أكثر انقساما وضعافا.

ويعتقد أن نهاية الحرب في ظل غياب حل إقليمي، وتعقيد الانقسامات القائمة حاليا سيشكل "انتصارا لحماس وإيران وروسيا".

لذلك، فإن الدبلوماسيين الغربيين الذين يخططون لليوم التالي بعد انتهاء الحرب يجدون أنفسهم في مواجهة خيارين، إما استثمار الحرب لإضعاف أعدائهم فقط، أو السعي إلى إعادة تشكيل تكتلات القوى القائمة في المنطقة.

ويعتقد باك أن الخيار الأول، إذا تحقق، سيؤدي إلى تصلب المعسكرات الثلاثة الموجودة في المنطقة: المعسكر المؤيد لإيران وروسيا، وهم حزب الله وسوريا والحوثيون في اليمن، والمعسكر المستعد للعمل مع الإخوان المسلمين، في إشارة إلى قطر وتركيا وغرب ليبيا، والمعسكر المتشدد في معارضة الإخوان المسلمين، وتمثله الإمارات ومصر والسعودية وإسرائيل وشرق ليبيا.

ويقول باك إن  المعسكري الأخير، الذي يعارض تيار الإخوان المسلمين، يمكنه أن يحقق إعادة صياغة مفاهيمية للمنطقة إلى محور يتكون من المعسكرين الآخرين متحدين بناء على رغبة في التعاون لمواجهة الاضطرابات.

وهنا يأتي دور القوى الغربية، كما يرى باك، إذ أن بإمكانهم دبلوماسيا إزالة الدوافع الإقليمية للصراع من خلال سحب التجمع الحالي من الدول العربية الراغبة في العمل مع الإخوان المسلمين، وتحديدا قطر وتركيا، بعيدا عن مغازلة إيران والحركات المسلحة السنية المزعزعة للاستقرار مثل حماس.

الجيش الإسرائيلي توغل بريا في قطاع غزة منذ أسبوعما يمكن لقطر فعله

وكي تتحقق هذه الرؤية، فإن قطر يجب أن تشكل العمود الفقري لعملية إعادة التنظيم هذه، لأنها تحتل موقع الدولة المتأرجحة المحورية لنظام الشرق الأوسط بأكمله. 

ويقول باك إن قطر وحدها هي القادرة على التحدث مع المتطرفين السُنة وآيات الله، فضلا عن السعوديين والأتراك وإسرائيل والولايات المتحدة.

ويدلل على ذلك بأن كل صفقات إطلاق سراح الرهائن تتم عبر الدوحة حصريا، لذلك فإن تشجيع القطريين على هذا السيناريو يمكن المنطقة من الخروج من الصراع الحالي وهي مستعدة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي، وفي وضع يمكنها من طرد وكلاء إيران من المنطقة.

أمير قطر يجري مباحثات مع وزير الخارجية الأميركي بشان غزة

ويؤكد باك في تحليله أن دور الدبلوماسية الناضجة في مثل هذه الأوقات يتلخص في تجنب مزيد من المعاناة، واحتواء الفوضى، والسعي لدفع المقاتلين نحو الخيار الأقل سوءا. 

ويعتقد الكاتب أن "الطريق إلى السلام الإقليمي يمر عبر الدوحة، فهي ليست فقط مكان إقامة الجناح السياسي لحماس، بل إن قطر بالنسبة لحماس نقطة دخول إلى النظام المالي الدولي.

وعلى هذا النحو، فإن قطر "وحدها هي القادرة على كبح جماح حماس، وضمان عدم نهوض حماس المهزومة مرة أخرى، وضمان توحيد القوى العربية السنية في مواجهة وكلاء روسيا وإيران المزعزعين للاستقرار"، يقول باك.

ويشير باك إلى أن كثيرين في اليمين الإسرائيلي والأميركي لا يثقون بالقطريين ويتهمونهم بالرغبة في بقاء حماس بسبب التقارب الأيديولوجي والرغبة في أن تكون هناك حاجة إليهم كوسيط. 

وينتقد هذا التوجه بالقول إن هذه قراءة "عفا عليها الزمن"، يغذيها الهوس اليميني بمعاقبة الدول التي تعمل مع الحركات الإسلامية.

وفي أوائل فترة ما بعد الربيع العربي، "مول القطريون للأسف مجموعات من المسلحين السنة في مصر وليبيا وتونس وغزة. ولا تبدو بعض خيارات سياستهم الخارجية خلال تلك الفترة حكيمة، والآن حان الوقت لكي يسمح الغرب للقطريين بطي الصفحة"، بحسب باك.

خصوم قطر

وربما يكره خصوم قطر التقليديون في دول مجلس التعاون الخليجي أن يلعبوا دورا ثانويا بعد القطريين أو يشاهدوا القطريين ينالون المديح باعتبارهم منقذي فلسطين، وفق باك. 

ويقترح الكاتب أنه "يجب تحفيزهم (خصوم قطر التقليديون ) بجزرة الدعم الشامل ضد إيران وعصا عدم بيع الأسلحة الأنغلو-أميركية في المستقبل إذا لم يمتثلوا".

ومن وجهة النظر السعودية، فإن بدء الرباعية يمكن أن ينعش ويضفي الشرعية على محادثات السلام مع إسرائيل. ومن وجهة النظر الإماراتية، فإنها تمثل فرصة للتأكيد على كونهم قادة لعملية اتفاقات إبراهيم التي تتم فيها معالجة القضية الفلسطينية بشكل مناسب.

ولي العهد الشعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد

ويشير التحليل إلى أنه حتى الآن، كان التمويل الإماراتي والقطري للحركات السياسية المعارضة في جميع دول ما بعد الربيع العربي هو "المحرك الرئيسي للفوضى الإقليمية التي يواجهها العالم الآن، لكن هذا يمكن، بل ويجب، أن يتغير".

ووبناء على ذلك، فإن باك يعتقد أن الدبلوماسية "الأنغلو-أميركية الناضجة" تحتاج إلى التركيز على إنشاء حكومة مشتركة قطرية وإماراتية وسعودية ومصرية لإدارة الشؤون الخارجية والحدود والرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم في غزة بعد الحرب لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات أثناء إعادة البناء والإصلاح.

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في بيان في بداية جولة بالمنطقة يزور خلالها معبر رفح من الجانب المصري: "مر شهر كامل من المذبحة والمعاناة المتواصلة وإراقة الدماء والدمار والغضب واليأس".

ويُسمح لمئات من سكان غزة، الذين يحملون جوازات سفر أجنبية، منذ الأسبوع الماضي، بمغادرة القطاع عبر معبر رفح إلى مصر، لكن الغالبية العظمى من سكان غزة محاصرون داخل القطاع، وأولئك الذين تمكنوا من الفرار يتحدثون عن معاناة بعدما تركوا ذويهم وراءهم.

ولتحقيق الاستقرار وإعادة بناء غزة، لا يمكن التوصل إلى ترتيب عربي بقيادة قطر  لتحقيق ذلك إلا عندما يكون القطريون والإماراتيون على نفس الجانب على المستوى الإقليمي ويعملون معا لطرد النفوذ الإيراني من غزة وأماكن أخرى في الشرق الأوسط العربي، مثل اليمن وسوريا والعراق وسوريا ولبنان.

وبمجرد تشكيله بعد الحرب والانسحاب الإسرائيلي اللاحق، يجب أن يكون "الرباعي" القطري السعودي المصري الإماراتي مسؤولا عن الحفاظ على نزع السلاح الكامل لغزة ومراقبة الواردات للتأكد من عدم إمكانية دخول المواد ذات الاستخدام المزدوج إلى القطاع، وفق ما يرى باك.

ويشير التحليل إلى ضرورة أن يشارك الأردن في الدبلوماسية من وراء الكواليس، ولكن ليس في إدارة غزة، حتى يتسنى التمييز بين الترتيبات في غزة وتلك القائمة في الضفة الغربية، والوصاية الهاشمية على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني - صورة أرشيفية.

كما أن باك يؤكد على مسألة مهمة وهي الاعتراف رسميا بالسيادة الفلسطينية على غزة في نهاية المطاف وفق القانون الدولي. ولتأمين التأييد الفلسطيني الرسمي، يجب أن لا يؤثر هذا المقترج على التطورات المستقبلية في الضفة الغربية، كما لا بد من دعوة ممثلي السلطة الفلسطينية وشخصيات بارزة من غير حماس في غزة إلى الدوحة لحضور مؤتمر دولي للإعلان عن الفكرة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الإخوان المسلمین فی غزة إن قطر

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم

تدخل الحرب في السودان مرحلة جديدة، ليس على مستوى القتال على الأرض داخل حدوده الترابية، ولكن بوصول شظايا الحرب وتداعياتها إلى دول جوار السودان والإقليم.

وهذا ما حذّر منه قادة سودانيون غداة اندلاع الحرب، إلى جانب قادة إقليميين ومنظمات دولية يتابعون من كثب تطورات الصراع المسلح وآثاره. وبدا واضحًا خلال الأشهر الماضية أنّ تلك التحذيرات قد لامست الواقع لتقف المنطقة كلها على شفير الهاوية.

ولا يساورنّ أحدًا شكٌ في أن المواجهة السودانية مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا باتت حتمية، بعد تورط قوات حفتر التي تعمل في الجنوب الشرقي لليبيا، عندما هاجمت مع قوات الدعم السريع نقطة حدودية سودانية عند (جبل العوينات)، واحتلت مثلث الحدود المشتركة بين السودان، ومصر، وليبيا.

 كما توغلت قوات من مليشيا الدعم السريع داخل الحدود المصرية يوم 10 يونيو/ حزيران 2025، الأمر الذي خلّف ردود أفعال قوية داخل مصر، وأصبح الوضع مفتوحًا على كل الاحتمالات، مع بدء الطيران السوداني شن غارات جوية لاستعادة المنطقة.

يجاور السودان سبع دول هي: مصر، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وإريتريا، ويبلغ طول حدوده مجتمعة مع هذه الدول حوالي 7.500 كيلومتر، بينما يصل طول الساحل السوداني إلى ما يقارب 700 كيلومتر على البحر الأحمر، حيث تُضاف المملكة العربية السعودية كدولة لها جوار بحري مع السودان عند الساحل الشرقي.

وتتداخل أوضاع الدول السبع مع بلدان أخرى تتأثر بما يدور في السودان، وهي: أوغندا، وكينيا، والكونغو الديمقراطية، وهي دول كانت لها حدود مباشرة مع السودان حتى عام 2011 قبل انفصال جنوب السودان، وتقع ضمن دائرة التأثيرات الجانبية للحرب السودانية.

وتُعتبر كينيا متورطة بالكامل في الحرب، إذ تؤوي قيادات مليشيا الدعم السريع وحلفاءها السياسيين والحركات المسلحة المتحالفة معها، كما تشارك السلطات الكينية في عمليات نقل العتاد الحربي عبر مطاراتها وأجوائها لمليشيا التمرد في مطار نيالا غربي السودان.

إعلان

 بينما طالت أوغندا اتهامات بدعمها للتمرد السوداني، إلى جانب دخول قواتها جنوب السودان لقتال المناهضين لحكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، ويُقدّر عدد القوات الأوغندية في جنوب السودان بأكثر من عشرة آلاف جندي.

في دول الساحل وغرب ووسط أفريقيا، وصلت شظايا حرب السودان لبعض البلدان، خاصة النيجر، ومالي، ونيجيريا، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وغينيا كوناكري، باعتبارها منبعًا وموردًا رئيسًا للمقاتلين المرتزِقة العابرين للحدود.

وتتقاطع الأوضاع في هذه البلدان مع نشاطات أخرى لحركات مسلحة معارضة داخلية، وتفاعلات صراع دولي يعلو أواره ويخفت باستمرار، مما ينذر بمستقبل قريب محفوف بالمخاطر.

عقب الهجمات التي تمّت مطلع مايو/ أيار الماضي على مدينة بورتسودان، وجهت حكومة السودان اتهاماتها لأطراف إقليمية باستخدام قواعد تابعة لها في جمهورية أرض الصومال لإطلاق المسيرات التي نفذت الهجوم، الأمر الذي يضيف بُعدًا إقليميًا آخر يضم منطقة القرن الأفريقي.

وتقف الخلافات الإثيوبية – الصومالية، والكينية – الإثيوبية، والإريترية – الإثيوبية، شاخصةً تنتظر قدح زنادها في أي وقت، وتنشأ معها تحالفات وتدابير إقليمية من خارج منطقة القرن الأفريقي لها صلة بما يدور في السودان، أيضًا بسبب الاصطفافات وتداخل المصالح في المنطقة مع مصالح قوى أخرى.

وتشير معلومات في العاصمة الكينية نيروبي خلال الأيام الماضية إلى أن قائد القوات الأميركية المخصصة لأفريقيا (AFRICOM – القيادة الأميركية في أفريقيا) قد أبلغ عددًا من وزراء الدفاع في المنطقة بأن بلاده تطلب منهم الاعتماد على أنفسهم في مكافحة الإرهاب، وأن الدعم الأميركي سيتوقف عدا تبادل المعلومات الاستخبارية.

 وهذا يعني أن قدرات هذه الدول، بدون الولايات المتحدة التي كانت تتحكم وتضبط الأوضاع في الإقليم، ستتجه إلى حالة من الفوضى والاضطراب إذا تصاعدت الاضطرابات الداخلية والخلافات بين هذه الدول المتخمة بالحركات المعارضة والجماعات المسلحة.

على كل، تقفز الآن تداعيات الحرب السودانية على جوارها إلى الواجهة، مقرونة بالتورط المباشر لليبيا حفتر في الصراع السوداني، وتُجرى عملية تصنيع حرب إقليمية شاملة، لا بدّ من النظر إليها عبر عنصرين أساسيين:

انحسار الحرب وتمركزها في غرب السودان

يتقدم الجيش السوداني نحو تلك المناطق، مع نذر الانهيار العسكري والمعنوي لمليشيا التمرد وحلفائها، بجانب فشل المشروع السياسي بتكوين حكومة موازية وإنشاء سلطة في غرب البلاد، وتراجع الدعم القبلي لصالح مليشيا الدعم السريع.

 كما أسفر ذلك عن هروب أعداد كبيرة من المرتزِقة الأجانب، ما جعل داعمي المليشيا يستعجلون فتح جبهات قتال أخرى، خاصة على بعض النقاط الحدودية لتأمين تدفق الإمداد، وإشعال المنطقة، وتخفيف الضغط على مسارح العمليات الحالية في غرب البلاد، وتحقيق نصر عابر وسريع عند منعرج الحرب الضيقة.

استشعار دول الجوار دقة الأوضاع

تراجع الدعم السريع، وفشلها في إدارة الحرب، وخطر تمددها غربًا أو شرقًا، دفع ذلك دولًا مثل أفريقيا الوسطى، وإثيوبيا إلى إرسال مديري مخابراتها إلى السودان؛ (زيارة مدير مخابرات أفريقيا الوسطى كانت في 29 مايو/ أيار الماضي، وزيارة مدير المخابرات الإثيوبي ومستشار رئيس الوزراء في 2 يونيو/ حزيران الجاري).

إعلان

كما وردت إشارات إيجابية من تشاد، اعتبرها بعض المراقبين محاولة لتدفئة الخطوط، وتلمس الطريق نحو تطبيع العلاقات. تمثل هذه التحركات انتكاسة للتمرد قد تدفعه نحو الهروب إلى الأمام، ونقل حريق الحرب إلى الجوار وَفقًا لتحالفاته المريبة مع جماعات وحركات متمرّدة على السلطة في بلدانها.

تعود التوقعات بتدهور الأوضاع في المنطقة إلى أن حرب السودان أنعشت الكثير من المجموعات المسلحة المتمردة في هذه البلدان، وفتحت شهية بعضها لتقوم بدور مماثل لما قامت به الدعم السريع في السودان. خاصة أن دولًا مثل تشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا تضم عددًا كبيرًا من الحركات المتمردة (تشاد: 9 حركات مسلحة أساسية – ووقّعت 34 حركة على اتفاق الدوحة عام 2022. أفريقيا الوسطى: 12 حركة. جنوب السودان: 5 حركات. إثيوبيا: 7 حركات من الأقاليم الأخرى).

وتعيش ليبيا بدورها تحت نذر الحرب والمواجهات في الجنوب والشرق والغرب، وسط تفاعلات سياسية وعسكرية دقيقة قد تجرّ ليبيا كلها إلى دُوامة عنف.

بين هذا وذاك، تبرز نذر حرب إقليمية سيكون جنوب السودان المرشح الأقرب لاندلاعها، ومسرح عملياتها الأول، وذلك بسبب التنافس بين إثيوبيا وأوغندا حول النفوذ في المنطقة الأفريقية، وهو تنافس قديم.

بيدَ أنه، مؤخرًا، رفضت إثيوبيا تدخل الجيش الأوغندي في أراضي جنوب السودان في مارس/ آذار الماضي، ووصوله إلى ولايات أعالي النيل المتاخمة للحدود الإثيوبية (أعالي نهر السوباط)، ضمن صراع قوات حكومة جوبا مع فصائل النوير، وهي قبيلة مشتركة بين جنوب السودان وإثيوبيا.

سارعت أديس أبابا إلى تعزيز قواتها على الحدود مع جنوب السودان، وراجت معلومات عن نية الجيش الإثيوبي التدخل عسكريًا في مناطق أعالي النيل إذا لم تنسحب القوات الأوغندية. كما أرسلت أديس أبابا وفدًا أمنيًا عسكريًا رفيعًا مطلع يونيو/ حزيران الجاري إلى السودان، وجنوب السودان، وأبلغت موقفها من التواجد الأوغندي في الجنوب، وتركت الباب مواربًا أمام أي رد فعل من جانبها.

كذلك أبلغت إثيوبيا العواصم المجاورة بتطورات الأوضاع بينها وبين جارتها إريتريا بشأن جبهة التيغراي، حيث تقول أديس أبابا إن نشاطًا مزمعًا لمتمردي التيغراي المدعومين من أسمرا قد يقود إلى نزاع مسلح طاحن، بينما تستضيف إثيوبيا حاليًا جماعات من المعارضة الإريترية.

كما أن التنافس الكيني – الأوغندي حول جنوب السودان، سيعقد الأوضاع، وقد يدفع بمزيد من التوترات. ولكل من البلدين حلفاؤه في جوبا، الملبدة سماؤها بغيوم سوداء، تحدد نوع تطوراتها حالة الاستقطاب الحالية والتنافس الإقليمي.

في ذات الإطار، تجري في أوساط المعارضة التشادية المسلحة والسياسية اتصالات مكثفة ما بين عدة عواصم في بلدان الساحل، تمهد لانطلاق موجة جديدة من الصراع المسلح في تشاد. فقد استفادت بعض حركات المعارضة المسلحة التي شاركت في القتال بالسودان لصالح الدعم السريع من العتاد الحربي، والسيارات القتالية، والأموال المتدفقة، والتجهيزات المختلفة، وستنتهز الفرصة لبدء معركتها الرئيسية في تشاد.

لم تكن حرب السودان سوى فرصة للتحضير لهذه المعركة. وبدأت هذه المعارضة تجهيز معسكرات لها غربي أفريقيا الوسطى وجنوبها، وربما داخل إقليم دارفور، بينما تنشط حركات أخرى في اتصالات سياسية وتحركات دبلوماسية في عواصم أفريقية وأوروبية.

وعلى ضوء ما يجري على الأرض، والخسارة الفادحة لمليشيا الدعم السريع لأعداد هائلة من قواتها، وخاصة المرتزِقة القادمين من الجوار السوداني وأفريقيا جنوب الصحراء، فإن انتقال الحرب، لعوامل موضوعية، إلى هذه المناطق لم يعد احتمالًا مستبعدًا، بل أصبح واقعًا يتجسد في وقائع بعينها، تصدّق ما كان يُقال عن الأبعاد والامتدادات الإقليمية لحرب السودان، وعوامل تمددها السياسية والاجتماعية والجيوسياسية في بيئة عامة لا تقبل المراهنات.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • إعلان الطلاب الفائزين في مسابقتي مواهب مصرية والمسابقة الخضراء بتعليم قنا
  • تعرف على شبكة تنوع.. مبادرة قطرية لتعزيز التعاون العالمي في علم الجينوم والصحة الدقيقة
  • مشاورات مصرية سعودية بحرينية عراقية لبحث تسوية سياسية لحرب إيران
  • الاحتلال يدرس مقترحا أمريكيا جديدا بشأن صفقة تبادل الأسرى في غزة
  • "حماس" تحذر من "تورط" أميركا عسكريا في الحرب ضد إيران
  • حالة الجمود التي يعاني منها خريجي مدرسة الحركات المسلحة في فهم وتفسير الأحداث
  • حماس تكشف حقيقة وجود "تقدّم" في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة
  • الاستثمار بكوردستان والعراق على طاولة لقاء نيجيرفان بارزاني ودبلوماسية إماراتية
  • الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم
  • إنهاء الحرب - يديعوت تكشف آخر مستجدات مفاوضات غزة