اندلعت حرب البلقان الثانية عام 1913، بعد نحو شهر من توقيع معاهدة لندن التي حصرت الأملاك العثمانية في المنطقة، لكن دول العصبة البلقانية الثلاث بدأت صراعا على مغانم حرب البلقان الأولى، فدخلت في حرب انتهت بعد 42 يوما بهزيمة بلغاريا وتنامي قوة صربيا، مع تزعزع مكانة النمسا عسكريا، لكنها في المقابل أشعلت فتيل توتر بالمنطقة أسهم في اندلاع الحرب العالمية الأولى.

الأسباب

نشبت حرب البلقان الثانية نتيجة أحداث الحرب الأولى؛ فقد رغبت بلغاريا في انتزاع إقليم مقدونيا الشمالي من صربيا لأنها لم تكن راضية عما حصلت عليه، لتجد نفسها وحدها في مواجهة اليونان والجبل الأسود والدولة العثمانية ورومانيا وصربيا.

وشهدت منطقة البلقان نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 نمو القومية الوطنية للبلدان في المنطقة، وأصبح سبب حرب البلقان الأولى السبب نفسه الذي جرّ إلى الحرب الثانية؛ فقد سعت كل دولة إلى توسيع أراضيها ونفوذها في المنطقة.

حرب البلقان الثانية نشبت بسبب استياء بلغاريا من قلة مكاسبها من حرب البلقان الأولى (غيتي) بداية الحرب

انتهت حرب البلقان الأولى في 23 مايو/أيار 1913 بتوقيع "معاهدة لندن"، بعد تنازل الدولة العثمانية عن جميع الأراضي الواقعة غرب خط إينوس ميدا لدول اتحاد البلقان، كما أعلنت المعاهدة قيام دولة ألبانيا المستقلة.

وبعد أقل من شهر من توقيع المعاهدة بدأ الصراع في المنطقة حول تقسيم مناطق مقدونيا بين دول العصبة البلقانية الثلاث، وطالبت بلغاريا بأراض من صربيا معبرة عن استيائها من قلة المكاسب التي خرجت بها من الحرب الأولى، لتجد نفسها في مواجهة حلفائها السابقين ورومانيا والدولة العثمانية.

وفي الأول من يونيو/حزيران 1913، شكّلت صربيا واليونان تحالفا سريا بينهما ضد بلغاريا، واندلعت الحرب في ليلة 29 يونيو/حزيران 1913 عندما أمر ملك بلغاريا حينها فرديناند بمهاجمة القوات الصربية واليونانية في مقدونيا، ودارت معركتا "بريغالنيكا" و"كاليمانجي" الطاحنتان.

أهم المعارك والمحطات

حققت القوات البلغارية مكاسب وتقدما في بداية هجومها، لكن القوات اليونانية والصربية قلبت الطاولة عليها؛ حيث شكّلتا دفاعا قويا أمام البلغاريين الذين تكبدوا خسائر فادحة.

شنّ الجيش الصربي هجوما مضادا في وجه بلغاريا في اليوم التالي، وانضمت له اليونان في الثالث من يونيو/حزيران، وإثر ذلك تأثر الجناح الأيسر من الجيش البلغاري.

وحاول البلغار رد الهجوم المضاد بهجوم آخر في محاولة يائسة لإنقاذ قواتهم من الانحصار، وحققوا تقدما بسيطا، لكنهم ما لبثوا أن أوقفوا هجومهم بحلول العاشر من يونيو/حزيران.

الجيش اليوناني في طريقه لدعم الصرب ضد بلغاريا عقب توقيعهم اتفاقية سرية (غيتي)

في اليوم التالي عبر الجيش الروماني الحدود البلغارية ووصل العاصمة صوفيا من دون اعتراض البلغار.

وبعدها بيوم دخل العثمانيون تراقيا مستغلين وضع بلغاريا ومتجاهلين الاتفاقية التي وقعوها معها حول "أدرنة".

وفي 15 يونيو/حزيران هجم الجيش اليوناني والصربي على بلغاريا. وفي 22 يونيو/حزيران أعاد الأتراك فتح "أدرنة" بعدما خسروها في الحرب الأولى. وفي الأيام الأخيرة أذعن البلغار لأعدائهم بعدما كان اليونانيون والصرب قد تمكنوا من صوفيا. وفي 30 يونيو/حزيران أبرم الطرفان هدنة لإيقاف إطلاق النار، ثم وقعت معاهدة سلام في العاشر من أغسطس/آب 1913. بموجب الاتفاقية الأخيرة قسمت اليونان وصربيا مقدونيا فيما بينهما، وتركت لبلغاريا جزءا صغيرا من المنطقة. مندوبون أتراك وبلغاريون خلال اختتام محادثات السلام التي أعادت أدرنة وتراقيا إلى تركيا (غيتي) النتائج السياسية

سيطر اليونانيون على عدد من الأراضي بمقدونيا التي كانت تحت سيطرة البلغار، وكسبت صربيا كوسوفو بالإضافة إلى شمال مقدونيا ووسطها، وظلت مناطق تراقيا الغربية تابعة للبلغار، وأصبحت ألبانيا دولة مستقلة يحكمها أمير ألماني.

وبسبب مكاسب اليونانيين بشمال شرق بحر إيجة زادت حدة التوترات بين القسطنطينية وأثينا، خاصة مع رفض العثمانيين الاعتراف بالجزر التي استولى عليها اليونانيون.

وتم توقيع معاهدة "بوخارست" في العاشر من أغسطس/آب 1913، وعدلت شروط "معاهدة لندن"، وأجبرت بلغاريا على التخلي عن أراض لكل دولة من دول البلقان.

وتم توقيع اتفاقية "القسطنطينية" بين العثمانيين واليونانيين في أغسطس/آب 1913، وإثرها اعترفت إسطنبول بسيادة أثينا على سالونيك ويوانينا والمناطق المحاذية لها وعلى جزيرة كريت التي كانت دولة بحكم ذاتي تحت النفوذ العثماني.

وزادت باقي جزر شمال بحر إيجة (لسبوس وخيوس وليمنوس وإمبروس وتينيدوس) التوترات بين الطرفين؛ فاحتكم الطرفان لجهة خارجية حكمت بأغلبيتها لصالح اليونان وأبقت للعثمانيين جزيرتي إمبروس وتيندوس، مما زاد حدة التوتر في الجهة البحرية بين البلدين وبدأ صراع التسلح البحري من يومها.

جثث جنود من ضحايا حرب البلقان الثانية في تراقيا (غيتي)

زادت التوترات في أوروبا بين الحلف الثلاثي (النمسا وهنغاريا-المجر وألمانيا) والوفاق الثلاثي (فرنسا وبريطانيا وصربيا والجبل الأسود وبلجيكا).

اعتبرت النمسا والمجر الخاسر الحقيقي في هذه الحرب، لأنها أثرت على العلاقة بين الأطراف، وجعلت تقسيم منطقة "سنجق نوفي بازا" بين صربيا والجبل الأسود حائلا بين دخول النمسا والمجر بالبلقان في الأزمة التي تلتها (يونيو/حزيران ويوليو/تموز 1914).

غيّرت هذه الحرب هيكل التحالفات في البلقان، حيث مالت بلغاريا للتحالف مع النمسا والمجر، وغيرت رومانيا انتماءها من التحالف الثلاثي نحو الوفاق الثلاثي.

وبعد حصول صربيا على الدعم من ألمانيا طالبت بأراض من ألبانيا، فأرسلت النمسا والمجر إنذارا في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1913 لصربيا متهمتين إياها بالاستيلاء على مناطق من ألبانيا "عدوانا سافرا"، ولإجبارها على الانسحاب من المناطق الحدودية الألبانية.

وجرّت هذه الأحداث إلى نشوب الحرب العالمية الأولى بعد اغتيال النمساوي فرانز فرديناند على يد صربي في 28 يونيو/حزيران 1914 بالبوسنة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

حروب من الدرجة الاولى

#حروب من #الدرجة_الاولى

#احمد_حسن_الزعبي

#خاص_سواليف

مقال الأحد .. 27 / 7 / 2025

مقالات ذات صلة إصابة 5 جنود إسرائيليين في خان يونس 2025/07/27

ولدتُ ولم تبصر أمي وجهي جيداً بسبب أدخنة #حرب_أكتوبر التي ظلت تعتمر أنفاس المكسورين  ، ومجرد أن صرخت للحياة اشتعلت #الحرب_الأهلية في #لبنان، تبعتها #الحرب_العراقية_الإيرانية ،تزامنت مع آخرها الانتفاضة الأولى ،  ثم اجتياح #الكويت ، وحصار #العراق ووجعه ، و #احتلال_بغداد وحرب #جنوب_لبنان، ورائحة #جسد_البوعزيزي_المحترق ، وأنّات #سوريا_الجريحة، وتيه #ليبيا ، وانشطار #السودان، واحتضار #اليمن، وأخيرا #مجزرة_غزة  التي ما زالت تضع منبّها لأوجاعي لأبكي عند رأس الساعة..

ثم تسألني ما هذه #الهالات_السوداء تحت عينيك؟

انها “حروب” من الدرجة الأولى يا صديقي

[email protected]

مقالات مشابهة

  • ترامب ينوي خفض مهلة الـ50 يوما الممنوحة لبوتين لوقف الحرب
  • ترامب: أنقذت العالم من 6 حروب.. وسأقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحتها لبوتين
  • من أين تحصل أوكرانيا على المال للحرب؟ وكيف ستسدد ديونها؟
  • حروب من الدرجة الاولى
  • أكدت أن مفاوضات التسوية لم تكن يوماً أولوية للغرب.. موسكو تشترط وقف تدفق الأسلحة لوقف الحرب
  • القهوة السريعة من الأزمة البرازيلية إلى الحرب العالمية!
  • رئيس الوزراء المجري: خطر الحرب العالمية الثالثة يتزايد
  • المرعاش: حكومات ليبية منحت الميليشيات مناصب ومهدت لإفلاتها من العقاب
  • إسطنبول تحتضن قممًا مصيرية.. تحركات دبلوماسية مكثفة ورسائل حاسمة من أنقرة
  • معبر رفح لم يُغلق يوماً منذ بدء الحرب.. ومصر تواصل إدخال المساعدات