حرب البلقان الثانية.. انتهت في 42 يوما ومهدت للحرب العالمية الأولى
تاريخ النشر: 4th, July 2023 GMT
اندلعت حرب البلقان الثانية عام 1913، بعد نحو شهر من توقيع معاهدة لندن التي حصرت الأملاك العثمانية في المنطقة، لكن دول العصبة البلقانية الثلاث بدأت صراعا على مغانم حرب البلقان الأولى، فدخلت في حرب انتهت بعد 42 يوما بهزيمة بلغاريا وتنامي قوة صربيا، مع تزعزع مكانة النمسا عسكريا، لكنها في المقابل أشعلت فتيل توتر بالمنطقة أسهم في اندلاع الحرب العالمية الأولى.
نشبت حرب البلقان الثانية نتيجة أحداث الحرب الأولى؛ فقد رغبت بلغاريا في انتزاع إقليم مقدونيا الشمالي من صربيا لأنها لم تكن راضية عما حصلت عليه، لتجد نفسها وحدها في مواجهة اليونان والجبل الأسود والدولة العثمانية ورومانيا وصربيا.
وشهدت منطقة البلقان نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 نمو القومية الوطنية للبلدان في المنطقة، وأصبح سبب حرب البلقان الأولى السبب نفسه الذي جرّ إلى الحرب الثانية؛ فقد سعت كل دولة إلى توسيع أراضيها ونفوذها في المنطقة.
انتهت حرب البلقان الأولى في 23 مايو/أيار 1913 بتوقيع "معاهدة لندن"، بعد تنازل الدولة العثمانية عن جميع الأراضي الواقعة غرب خط إينوس ميدا لدول اتحاد البلقان، كما أعلنت المعاهدة قيام دولة ألبانيا المستقلة.
وبعد أقل من شهر من توقيع المعاهدة بدأ الصراع في المنطقة حول تقسيم مناطق مقدونيا بين دول العصبة البلقانية الثلاث، وطالبت بلغاريا بأراض من صربيا معبرة عن استيائها من قلة المكاسب التي خرجت بها من الحرب الأولى، لتجد نفسها في مواجهة حلفائها السابقين ورومانيا والدولة العثمانية.
وفي الأول من يونيو/حزيران 1913، شكّلت صربيا واليونان تحالفا سريا بينهما ضد بلغاريا، واندلعت الحرب في ليلة 29 يونيو/حزيران 1913 عندما أمر ملك بلغاريا حينها فرديناند بمهاجمة القوات الصربية واليونانية في مقدونيا، ودارت معركتا "بريغالنيكا" و"كاليمانجي" الطاحنتان.
أهم المعارك والمحطاتحققت القوات البلغارية مكاسب وتقدما في بداية هجومها، لكن القوات اليونانية والصربية قلبت الطاولة عليها؛ حيث شكّلتا دفاعا قويا أمام البلغاريين الذين تكبدوا خسائر فادحة.
شنّ الجيش الصربي هجوما مضادا في وجه بلغاريا في اليوم التالي، وانضمت له اليونان في الثالث من يونيو/حزيران، وإثر ذلك تأثر الجناح الأيسر من الجيش البلغاري.
وحاول البلغار رد الهجوم المضاد بهجوم آخر في محاولة يائسة لإنقاذ قواتهم من الانحصار، وحققوا تقدما بسيطا، لكنهم ما لبثوا أن أوقفوا هجومهم بحلول العاشر من يونيو/حزيران.
في اليوم التالي عبر الجيش الروماني الحدود البلغارية ووصل العاصمة صوفيا من دون اعتراض البلغار.
وبعدها بيوم دخل العثمانيون تراقيا مستغلين وضع بلغاريا ومتجاهلين الاتفاقية التي وقعوها معها حول "أدرنة".
وفي 15 يونيو/حزيران هجم الجيش اليوناني والصربي على بلغاريا. وفي 22 يونيو/حزيران أعاد الأتراك فتح "أدرنة" بعدما خسروها في الحرب الأولى. وفي الأيام الأخيرة أذعن البلغار لأعدائهم بعدما كان اليونانيون والصرب قد تمكنوا من صوفيا. وفي 30 يونيو/حزيران أبرم الطرفان هدنة لإيقاف إطلاق النار، ثم وقعت معاهدة سلام في العاشر من أغسطس/آب 1913. بموجب الاتفاقية الأخيرة قسمت اليونان وصربيا مقدونيا فيما بينهما، وتركت لبلغاريا جزءا صغيرا من المنطقة.سيطر اليونانيون على عدد من الأراضي بمقدونيا التي كانت تحت سيطرة البلغار، وكسبت صربيا كوسوفو بالإضافة إلى شمال مقدونيا ووسطها، وظلت مناطق تراقيا الغربية تابعة للبلغار، وأصبحت ألبانيا دولة مستقلة يحكمها أمير ألماني.
وبسبب مكاسب اليونانيين بشمال شرق بحر إيجة زادت حدة التوترات بين القسطنطينية وأثينا، خاصة مع رفض العثمانيين الاعتراف بالجزر التي استولى عليها اليونانيون.
وتم توقيع معاهدة "بوخارست" في العاشر من أغسطس/آب 1913، وعدلت شروط "معاهدة لندن"، وأجبرت بلغاريا على التخلي عن أراض لكل دولة من دول البلقان.
وتم توقيع اتفاقية "القسطنطينية" بين العثمانيين واليونانيين في أغسطس/آب 1913، وإثرها اعترفت إسطنبول بسيادة أثينا على سالونيك ويوانينا والمناطق المحاذية لها وعلى جزيرة كريت التي كانت دولة بحكم ذاتي تحت النفوذ العثماني.
وزادت باقي جزر شمال بحر إيجة (لسبوس وخيوس وليمنوس وإمبروس وتينيدوس) التوترات بين الطرفين؛ فاحتكم الطرفان لجهة خارجية حكمت بأغلبيتها لصالح اليونان وأبقت للعثمانيين جزيرتي إمبروس وتيندوس، مما زاد حدة التوتر في الجهة البحرية بين البلدين وبدأ صراع التسلح البحري من يومها.
زادت التوترات في أوروبا بين الحلف الثلاثي (النمسا وهنغاريا-المجر وألمانيا) والوفاق الثلاثي (فرنسا وبريطانيا وصربيا والجبل الأسود وبلجيكا).
اعتبرت النمسا والمجر الخاسر الحقيقي في هذه الحرب، لأنها أثرت على العلاقة بين الأطراف، وجعلت تقسيم منطقة "سنجق نوفي بازا" بين صربيا والجبل الأسود حائلا بين دخول النمسا والمجر بالبلقان في الأزمة التي تلتها (يونيو/حزيران ويوليو/تموز 1914).
غيّرت هذه الحرب هيكل التحالفات في البلقان، حيث مالت بلغاريا للتحالف مع النمسا والمجر، وغيرت رومانيا انتماءها من التحالف الثلاثي نحو الوفاق الثلاثي.
وبعد حصول صربيا على الدعم من ألمانيا طالبت بأراض من ألبانيا، فأرسلت النمسا والمجر إنذارا في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1913 لصربيا متهمتين إياها بالاستيلاء على مناطق من ألبانيا "عدوانا سافرا"، ولإجبارها على الانسحاب من المناطق الحدودية الألبانية.
وجرّت هذه الأحداث إلى نشوب الحرب العالمية الأولى بعد اغتيال النمساوي فرانز فرديناند على يد صربي في 28 يونيو/حزيران 1914 بالبوسنة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
طائر الفينيق
جاء تفكك يوغسلافيا الدولة الموحدة إلى سبع دول هي صربيا ، كرواتيا، البوسنة والهرسك ، الجبل الأسود، كوسوفو وسلوفينيا ومقدونييا لعدة أسباب منها وأهمها:
– عدم تجذر الهوية اليوغوسلافية الجامعة في مخيال ووجدان المواطن اليوغسلافي ،فكان هناك هويات متعددة أقوى من المواطن اليوغسلافي مثل الصربي والبوسني والكرواتي والسلوفيني والكوسوفي وأبناء الجبل الأسود والمسادوني.
– تفكك الاتحاد السوفيتي الحليف القوي لدولة يوغسلافيا الموحدة.
– سيطرة الصرب على أكثر من 60 % تقريبا من مقدرات الدولة مما خلق شعورا بالغبن عند باقي الأقاليم.
– التدخل الأجنبي، خاصة أمريكا والأفغان العرب في حرب إقليم كوسوفو.
– المجازر والمعارك التي حدثت وأهمها مجزرة سريبرينيتسا.
كل هذه العوامل لم تدع مجالا لبقاء يوغسلافيا دولة موحدة وكان إجباريا الانفصال الذي طالب به الجميع.. فكان على الشعوب السبعة المكونة السابقة لدولة يوغسلافيا إفراز قيادات تقود سفينتها في الظروف الصعبة والأمواج العالية المتلاطمة.
ولأن الشعوب تلجأ في الأزمات العميقة الي المثقف، وليس إلي السياسي، لأن المثقف هو من ينتج قيمة مضافة للمجتمع والدولة، وهو من يؤمن بالقضية وهو من يزرع الأمل ويخاف التاريخ ولا يساوم على المبدأ.. عكس السياسي الذي يميل الي عقد الصفقات.
فكل شعب التف حول مثقف ومفكر وطني منهم:
الصرب التفوا حول رادوفان كاراديتش وهو شاعر رغم تحوله إلى دكتاتور، ولكنه، في نظر شعبه يعتبر بطلا قوميا.
والبوسنيون لجؤو إلى علي عزت بيغوفيتش، وهو مثقف ومفكر.
أما في كوسوفو فقد اختاروا روائي هو إبراهيم روجوفا. والكروات اختاروا الكاتب والمثقف المعروف فرانيو توجمان.
وبالمثل وليس بعيدا عن البلقان في دولة تشيكا الوليدة بعد تفكك دولة تشيكوسلوفاكيا، اختارت الجماهير الكاتب المسرحي فاتسلاف هافل من خلال الانتخابات أول رئيس لدولة تشيكيا هافل؛ الذي قيل عنه في مماته “كان الراحل رجل دولة عظيما وكان لكلمته وزن في السياسة والمجتمع”.
كتب هافل مسرحية شهيرة بعنوان “المغادرة” تدور السخرية التي تمتليء بها هذه المسرحية حول زعيم سياسي استقال من منصبه لكنه رفض مغادرة مسكنه الحكومي، ووصف بعض النقاد المسرحية بأنها أفضل أعماله.
هذه هي سيرة بعض الشعوب التي شعرت أن كيانها مهدد في الوجود، لذلك اختارت خيار صعبا وموجعا وهو الانفصال من اجل البقاء ودفعت بالمثقف العضوي لقيادتها في هذه المهمة العظيمة.
وها هي دول البلقان ودولتي تشيكيا وسلوفاكيا تُبعث من جديد مثل طائر الفنيق الذي يبعث من الرماد.
هكذا هي الشعوب العظيمة التي لا تستسلم للمحن وتقاوم الضعف والوهن بإيمانها بنفسها وقيادة أبطالها التي يلتف حولهم الشعب في مهمة كبيرة ولكنها ليست مستحيلة.
لقد نجحت شعوب البلقان، بقيادة مثقفيها في لحظات الحسم، في انتزاع حقها في الوجود المستقل وكتابة فصول جديدة لهويتها. لقد نهض طائر الفينيق من رماد الحرب والاضطهاد، مُظهراً قدرة هائلة على الصمود والتجدد. لكن الرحلة لم تنتهِ. التحول من ثورة التحرير إلى بناء دولة ديمقراطية مزدهرة وعادلة للجميع، ومن الهوية القومية الدفاعية إلى هوية وطنية جامعة ومتصالحة مع الجوار، هو التحدي الأكبر الذي لا يزال يواجه هذه الدول الفتية. إنها رحلة تتطلب ليس فقط شجاعة الحرب، بل حكمة البناء، وصبر المصالحة، واستمرار دور المثقف الناقد البناء، حارساً للضمير الجمعي ومرشداً نحو مستقبل لا يكرر أخطاء الماضي.
إن قدرة هذه الدول على تجاوز مخلفات الصراع وبناء مستقبل مشترك في قلب أوروبا ستكون الدليل الحقيقي على أن طائر الفينيق لم ينهض من الرماد فحسب، بل استطاع أن يحلق عالياً في سماء الحرية والاستقرار والازدهار الحقيقي
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.