غزَّة والمال السياسي
الثقافة السوداء لدى بعض الإسرائيليين تترجم نفسها إلى سرعة إطلاق الرصاص وقتل الأطفال والأبرياء. وما يدفعهم لذلك هو الاحتقار الدفين للأمم الأخرى.
المال السياسي في أميركا يتدخل حتى النخاع في الانتخابات وكذلك بدرجة أقل في أوروبا والمال اليهودي سخي في دعم مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
حين علم أوباما أن الإسرائيلي/ الأميركي شيلدون أديلسون صاحب كازينوهات القمار تبرع بمائة مليون دولار ليمنع أوباما من الفوز بانتخابات الرئاسة، رد عليه أوباما: يا شيلدون لو أنك عرضت علي مبلغ المائة مليون دولار لما ترشحت للانتخابات أصلاً.
* * *
لقد دُرِب الجندي الإسرائيلي على القتل، ويقال إن من وسائل التدريب التي يخضع لها المجندون في إسرائيل، ذكوراً أم إناثاً، هي وضع حيوان أليف مثل كلب أو قطة داخل كيس من الخيش ويطلب من المُجند أن يتخيل أن هذا ليس حيواناً بل هو شخص عربي أو فلسطيني، ويعطونه سنجة على بارودة، ويطلبون منه طعنه حتى الموت.
وهم يغسلون دماغه بأن هذا الطفل الفلسطيني سوف يقتلك إن لم تقتله أولاً، وأن دم ذلك الطفل حِلٌ لك سفكه لأنك إن لم تقتله وهو طفل، فسوف يكبر ويقتلك وهو شاب يافع.
صحيح أن كثيراً من التدريبات التي يخضع لها الجنود في مختلف دول العالم فيها قسوة. وقد رأينا العديد من الأفلام الأجنبية منها والعربية تظهر ضابط التدريب وهو يقسو على المجندين ليخلق منهم رجالاً ونساء أقوياء، لكن أن يدربوه على قتل الحيوانات الحية، فهذا لم نألفه إلا في الدول الهمجية غير المتحضرة. لقد غسل الإسرائيليون عقول جنودهم ومجنداتهم حتى صاروا بشعين في خُلقهم، وصاروا يصدقون أنهم كذلك ويتصرفون على أنهم كذلك.
إنهم يدرسون مفهوم العنف والقسوة والاستهانة بالآخر على أنها حق مشروع كما تصرف بعض الأنبياء حسب ما هم يقولون ويدعون. فالنبي يعقوب القاسي والعاتي والعنيف حسب الفهم التلمودي، يرد في القرآن على أنه شخص متسامح صبور وذو بصيرة، ويفهم كل ما يحاك حوله، ويترك الأمور تجري في أعنتها حتى يتحقق أمر الله وقضاؤه. وهو رجل مكلوم ابيضّت عيناه من الحزن على يوسف وأخيه. فكيف لرجل بهذه الصفات أن يكون سفاحاً؟
أما النبي موسى العنيف الجبار، فهو قاتل ولا يأبه كما تصوره التوراة، وقد صدرت عام 2018 حسب ما أتذكر رواية للكاتب المغربي حسن رياض بعنوان "أسفار يعقوب الأربعة"، وفي تعليق على الكتاب يقول نزار الفراوي من الرباط إن الرواية الصادرة في بيروت عن المركز الثقافي العربي "تطرق باباً نادراً في السرد العربي".
ويتعلق الأمر بتفكيك مقولات الفكر الديني اليهودي في تحريف التعاليم السماوية نحو تبرير التسلط على الشعوب الأخرى وفقاً لفكرة "شعب الله المختار".
ولذلك نرى أن النبي موسى "وكز" أحد الرجلين الذي كانا يقتتلان، وبحسب الآية الكريمة "فوكزه موسى فقتله"، أي دفعه وقتله عن غير قصد ولا نية مبيتة.
وهذا ما يسمى في علم الجريمة اليوم Involuntary manslaughter أو القتل بدون قصد أو بدون سبق إصرار. وهذه لا تتفق مع الرواية التلمودية عن ذلك القتل.
وقد رأينا أثر هذه الثقافة السوداء لدى بعض الإسرائيليين تترجم نفسها إلى سرعة في إطلاق الرصاص وقتل الأطفال والأبرياء. وما يدفعهم لذلك هو الاحتقار الدفين للأمم الأخرى (Goyim)، علماً أن المعنى الأصلي لكلمة (Goy) وجمعها (Goyim)، قد يعني عند بعض الإسرائيليين الأمم الأخرى أو أمة اليهود أنفسهم. ويعتبر بعضهم من المتباهين بأنفسهم أن الأمم الأخرى مُسخرة لخدمتهم.
أعرف أنا وكثيرون غيري ممن أتموا دراساتهم بالجامعات الغربية أن كثيراً من الأساتذة الذين درَّسونا كانوا من أتباع الديانة اليهودية. وقد كان يقال لي وأنا طالب أن أحرص ألا آخذ مساقات معهم وأن أتجنب صفوفهم، لكنني وللحقيقة لم أجد أستاذاً يهودياً يظلمني في العلامات، أو يعاملني بغير مساواة داخل الصف أو خارجه، وقد وجدت هذا صحيحاً حتى من الأساتذة الصهاينة المتعصبين لإسرائيل والذين كانوا لا يتفقون مع رأيي في إسرائيل وفي عدم شرعيتها كدولة ظالمة محتلة.
وكذلك، فإن بعض اليهود يسعون نحو العرب مصالحين لهم. وأذكر أنني لما وصلت إلى واشنطن في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1991 للمشاركة في مفاوضات السلام أن جاءني كاتب يهودي اسمه ألفرد ليلينثال وطلب مقابلتي. وقد كنت وأنا طالب في الثانوية قد قرأت كتابه الموسوم "ثمن إسرائيل" أو بالانكليزية What Price Israel مترجماً للغة العربية.
وألح علي في النصح ألا أفاوض "الصهاينة"، فهم ليسوا أهلاً للثقة، وهم لن يفوا بوعودهم ومعاهداتهم، ولا يحق لهم أن يكون لهم دولة على حساب الشعب الفلسطيني، لقد مضى على الكتاب حوالي سبعين عاماً منذ نشره في شيكاغو عام 1953، وما زال يحدث صدى حتى الآن.
إذن في رأيي أن الدماء التي تتدفق على ثرى غزة الطهور وفي مدن ومخيمات غزة والضفة الغربية وقُراها، لا تجعلنا ننظر إلى اليهود نظرة تعميم بهدر دم كل واحد فيهم كما يفعل جيشهم وطائراتهم، وبتأييد أحمق من الأميركان والأوروبيين المتصهينين.
والواقع ان استسلام كثير من السياسيين في الغرب لإغراءات المال والنصب والملذات التي يوفرها الصهاينة أمر مخز. ولكن المشكلة أن هؤلاء الواقعين تحت التأثير، سواء عن عقيدة أم عن طمع أو عن ضعف هم الذين يأخذون القرارات المتعلقة باقتصاداتنا، وأموالنا، والهجوم علينا.
آن لنا نحن العرب أن ندرك أن الديمقراطية مهمة، ولكن الأهم هو أن المرشحين الذين يترشحون للمناصب العليا في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في الدول النافذة هم فئة مختارة من بين 3-5% من السكان، والذين ينتمون إلى الأحزاب الرئيسية في هذه الدول.
ونحن في وطننا العربي نتحدث عن المال السياسي وضرورة تجريمه ومتابعته. ولكن ليقل لي أي واحد كيف لأي مرشح في الولايات المتحدة أن ينجح بدون تمويل.
وكيف ننسى قصة ما قاله الرئيس الأسبق باراك أوباما حينما علم أن شيلدون اديلسون صاحب كازينوهات القمار الإسرائيلي/ الأميركي قد تبرع بمائة مليون دولار ليمنع أوباما من الفوز بانتخابات الرئاسة، فرد عليه أوباما: يا شيلدون، لو أنك عرضت علي مبلغ المائة مليون دولار لما ترشحت للانتخابات أصلاً.
المال السياسي في الولايات المتحدة يتدخل حتى النخاع في الانتخابات ويصنع النجاح فيها. وكذلك الحال وبدرجة أقل في دول أوروبا. والمال اليهودي سخي في دعم المرشحين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ولعل أجمل اللقطات السينمائية التي توضح تأثير ذلك المال هو المشهد الشهير بين سيناتور أميركي أبيض يخاطب رجل المافيا مايكل كورليوني في فيلم العراب أو Godfather I.
يقول السيناريو: اسمع أيها الإيطالي ذو الشعر اللامع بزيت الزيتون. أريد منك ربع أرباحك كل شهر من أموال كازينوهات القمار، وإلا سأستخدم نفوذي ضدك. فيجيب مايكل كورليوني قائلاً: اسمع جوابي، لن أعطيك شيئاً وافعل ما تشاء.
وبعد فترة، نرى هذا السيناتور وقد أفاق من النوم وبجانبه إحدى بنات الهوى مذبوحة وغارقة في دمائها، وتصدمه المفاجأة، فيدخل عليه رجال العراب، وينقذونه بعد أن يصوروه، ويعدونه بالتكتم على الجريمة التي ارتكبوها هم، ويصبح طوع بنانهم. ولما أحيل العراب للمحاكمة أمام إحدى لجان الكونغرس، كان هذا السيناتور هو الذي يدافع عنه داخل اللجنة.
لو غيرنا شخصية العراب من إيطالي إلى صهيوني، لكان المشهد أكثر صدقاً. ومعركتنا في غزة، تبدأ من هناك.
*د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق.
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة أميركا إسرائيل المال السياسي أوباما جيش الاحتلال الإسرائيلي المال السیاسی ملیون دولار
إقرأ أيضاً:
"المال ليس كافيا".. هل يستطيع ماسك تأسيس حزب جديد في أميركا؟
في فصل آخر من فصول الصراع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون وماسك، تبادل الطرفان الاتهامات والتهديدات، بعد عرض قانون خفض الضرائب للتصويت في مجلس الشيوخ.
ولوح ماسك بإمكانية إنشاء حزب ثالث منافس للحزب الديمقراطي والجمهوري، إذ قال: "إذا تم تمرير القانون الإنفاقي الجنوني، فسيتم تشكيل حزب أميركا في اليوم التالي".
وقد تم في الكونغرس تمرير قانون خفض الضرائب والإنفاق، بعد جلسة تصويت ماراثونية.
هل سيؤسس ماسك حزبا جديدا؟
ليست هذه المرة الأولى التي يلوّح فيها ماسك بإمكانية إنشاء حزب ثالث، فقد قال في مايو 2022 على منصة "إكس": "حزب أكثر اعتدالا في كل القضايا من الجمهوريين أو الديمقراطيين سيكون مثاليا".
وكان يعبر عن رغبته في الانفصال السياسي عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلا إنه لا يشعر بالانتماء إلى أي من الحزبين.
وبعد تجدد خلافه مع ترامب، نشر الملياردير على الأقل 8 منشورات هذا الأسبوع يروّج فيها لفكرة الحزب الجديد.
وقال إن "حزب أميركا" سيركز على خفض الدين الوطني، وهو أمر لا يستطيع الديمقراطيون أو الجمهوريون فعله، وفقا لإيلون ماسك.
هل يستطيع ماسك تأسيس حزب منافس؟
ذكر تقرير لشبكة "إن بي سي نيوز"، أن شعبية ماسك منخفضة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي في جامعة كوينيبياك أن 59 بالمئة من الناخبين المستقلين ينظرون إلى ماسك بشكل سلبي، مقابل 29 بالمئة يرونه بشكل إيجابي.
وأشار التقرير إلى أن شعبية ماسك تراجعت منذ أن غادر منصبه في إدارة ترامب قبل أشهر.
لكن في المقابل، يمتلك ماسك موارد كبيرة، فهو أغنى رجل في العالم ويمتلك منصة "إكس"، وهذه الأصول قد تساعده في إطلاق حزب سياسي جديد، وفقا لـ"إن بي سي نيوز".
ويسيطر الجمهوريون والديمقراطيون على السياسة الأميركية، لكن هناك أحزابا صغيرة مثل "الحزب الليبرتاري" و"الحزب الأخضر"، وتشغل مناصب معدودة.
وقال برنار تاماس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فالدوستا في جورجيا، إن ماسك سيواجه العديد من العقبات من أجل تأسيس حزب ثالث.
وأضاف: "الأمر ليس كتشغيل شركة، يجب أن يكون أكثر اجتماعية، يجب أن تكون لديه قاعدة شعبية ومناصرون متحمسون ومندفعون للنضال".
وأوضح: "حتى لو تمكن من ضخ الأموال، لا يمكنه تكرار حجم الهيكل المؤسسي الذي يملكه هذان الحزبان. السؤال مفتوح إذا كان يستطيع ذلك أم لا، لكن المال ليس كافيا. المال ليس العقبة الوحيدة أمام الأحزاب".
وأشار التقرير إلى أن أحد منظمي "حزب الأمام"، من الأحزاب الثالثة، أندرو يانغ، الذي خاض الانتخابات التمهيدية الديمقراطية الرئاسية عام 2020 دون نجاح، أبدى اهتمامه بالتحالف مع ماسك.
وكان ماسك قد دعم يانغ في 2022، لكن من غير الواضح ما إذا كان ماسك لا يزال مهتما.
وتختلف قوانين تأسيس الأحزاب من ولاية إلى أخرى، ولكن عموما تنص القوانين على جمع آلاف التوقيعات.
وفي تكساس، حيت يسكن ماسك، يحتاج حزب جديد إلى جمع 81,000 توقيع، وهو أمر يمكن تحقيقه بالمال والوقت، وفقًا للمصدر.
وقال أستاذ العلوم السياسية، تاماس، إنه حتى لو أسس ماسك حزبا ثالثا، فسيتم امتصاصه من قبل حزب كبير يتنافس على نفس قاعدة الناخبين.
وأشار التقرير إلى أن إيلون ماسك ليس أول من طرح فكرة تأسيس حزب سياسي ثالث في الولايات المتحدة. ففي بداية الألفينات، أبدى دونالد ترامب رغبته في تأسيس حزب ثالث، لكنه تراجع عن ذلك.
كما توجد شخصيات سياسية أخرى حاولت تأسيس أحزاب ثالثة لكنها لم تحقق نجاحا كبيرا، مثل الملياردير روس بيروت الذي أسس حزبا ثالثا لكنه لم يصمد لفترة طويلة.