الجزيرة:
2025-05-31@16:02:40 GMT

السلاح الاقتصاديّ وحرب غزّة.. رؤية تحليليّة

تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT

السلاح الاقتصاديّ وحرب غزّة.. رؤية تحليليّة

الاقتصادُ سلاحٌ يستخدم بتوسّع حاليًا على صُعُدٍ متعدّدة، وتتنوّع الأسلحةُ الاقتصاديّةُ ما بين العقوبات، والحظر التّجاريّ والمقاطعة. وقد ذهبت مراكز صناعة القرار، والأبحاث السياسيّة في الغرب إلى أنَّ السلاح الاقتصادي يعتبر تهديدًا لا يقاوم، ويمكن أن يركّع الطرف الآخر دون قطرة دم واحدة، واعتبره الغرب وسيلةً بديلة للحرب، لكنّها حرب خانقة قد تؤدّي إلى اليأس.

الآن ومن 7 أكتوبر وغزّة تحت حصار اقتصادي خانق من قبل إسرائيل، فمن أين أتى هذا وشُرعن لإسرائيل من قبل الغرب؟

بدأ هذا مع الحرب العالميّة الأولى، حينما حاصر الحلفاء ألمانيا عبر منع استيراد الأغذية والمنتجات الأوليّة؛ كمدخلات للصناعة الألمانيّة، مثل، المعادن كالمنجنيز، والتي كانت لندن مركزَ تجارتها دوليًا، هنا جرى استغلال نقاط الضعف الاقتصادي من قبل الخَصم الذي لا يرحم، فحُرمت ألمانيا وحلفاؤها من الكثير تحت الحصار، فكان ردّ فعلها عبر حرب الغواصات لشلّ حركة الشحن عبر ضفتَي المتوسط، لكنّ هذا كله كان يتم عبر حسابات مادية براجماتيّة بحتة، فغالبًا ما تكون العقوبات غير قابلة للتنبّؤ بعواقبها، فعندما صنّفت الولايات المتحدة الأميركية شركة روسال عملاق صناعة الألمنيوم الروسيّة والقريبة من دوائر الحكم في روسيا، لم تتوقّع كيف يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تعريض اقتصاد حلفائها في أوروبا الغربية للخطر، والأخطر من ذلك هو أنّ صنّاع السياسات الأميركيّين لا يعرفون كيف ستردّ روسيا، حيث إنّ فلاديمير بوتين حساباته مختلفة عن حسابات الغرب، فهو لا يضع المصلحة الاقتصادية فوق كل شيء طبقًا للبراجماتيّة الغربية، وموازنة العقوبات مقابل الخسائر الماديّة، بل يعتبر أنّ روسيا تتعرّض إلى تهديد وجودي يتطلب ردًا عسكريًا، هنا نرى دُوّامة من انعدام الأمن لا يمكن التنبّؤ بنهايتها. وهذا ما حدث في حرب غزّة الأخيرة بسبب الحصار الإسرائيلي لسنوات، فهناك انعدام للأمن والاستقرار في دُوّامة من العنف لا نهاية لها.

السلاح الاقتصادي في غزة

لقد أحدث السلاح الاقتصاديّ جراحًا في غزة ليس سهلًا علاجُها، ومن الصعب على الساسة في الغرب أن يتصوّروا كيف يؤثر هذا على الإنسان، وكيف يولّد غضبًا لا شفاءَ منه.

إنَّ سلاح العقوبات الاقتصاديَّة الصارم الذي دأب الغرب على استخدامه تبّنته إسرائيل ضد غزّة، وهو نظام يقومُ على قيود تفرضها الدول على تداول بعض المنتجات أو السلع أو الخدمات، وكل ذلك له آثار على الدول والشركات والأفراد على المدى البعيد، ما يفرض إعادة التفكير في هيكلة النظام الاقتصاديّ العالميّ مرّة أخرى لنزع هذا السلاح من يد الولايات المتحدة وأوروبا، للحدّ من نفوذهما دوليًا. إنّ خطورة الوضع الدوليّ الراهن تكمنُ في نظام مقاصّة الدولار، فبوسع الولايات المتّحدة إخراج الشركات الأجنبية متعدّدة الجنسيات، وحتى الدول متوسّطة الاقتصاد من الأنظمة المركزيّة للاقتصاد العالميّ، هنا سُلطة الدولة الواحدة باتت بحاجة لمُراجعة، وهذا ما ولّد تجمّع "البركس"، ومعاملات نقديّة مباشرة بين بعض الدول لتفادي هذا النّظام.

إنّ قرار أوروبا والولايات المتحدة بإخراج روسيا من النظام المالي العالميّ- من خلال حرمان البنوك المركزية من الوصول إلى "سويفت"، ومقاصة الدولار، وتجميد أصول البنوك المركزية- يؤدي إلى تشوهات في الاقتصاد الدولي، وحذر شديد من عدد من الدول الصاعدة من خارج التحالف الغربي، ما يولّد معاملات اقتصادية لتجاوز النظم المركزيّة الغربية الاقتصادية المهيمنة. ولكنْ هل هناك ردود فعل تجاه هذه العقوبات والحظر التجاريّ لبعض المنتجات؟

إنَّ سلاحَ العقوبات يواجهُه سلاح المقاطعة، وهو أسلوب نموذجي للمواجهة والمقاومة تستخدمه الشعوب كي تنال حريتها واستقلالها، والمقصود هنا المقاطعة بشكل عام مع الطّرف المطلوب مقاطعته، والتأثير عليه سياسيًا أو إضعافه عسكريًا واقتصاديًا، هذا ما أرساه المهتاما غاندي، حينما طلب من الهنود أن يقاطعوا المنسوجات البريطانية المصنوعة من القطن الهندي، وأن ينتجوا ملابسهم بأنفسهم، فكان سلاحًا ناجعًا، وهذا ما خنق إسرائيل لسنوات في ظلّ المقاطعة العربية من عام 1948م، ففي سنة 1948 م صدرت فتوى من الأزهر الشريف جاء فيها: (تحريم بيع أراضي فلسطين لليهود ووجوب مقاطعتهم..)، هذه الفتوى تلاها عدة بيانات ومواقف للأزهر تساند فلسطين في كل المواقف، لكن كان الإجماع العربي في الخمسينيات بمقاطعة إسرائيل ومن يتعاون معها اقتصاديًا بدايةً لشهْر هذا السلاح، وكان أبرز إنجازاته قرار مجلس جامعة الدول العربية في عام 1975 بمقاطعة خطوط طيران أيرفرانس بسبب استثماراتها في مشروعات تنموية إسرائيليّة، وتوقفت أنشطة الشركة في القاهرة ودمشق وهو ما أدَّى إلى رضوخها للمطالب العربيّة.

أكبر أداة ضغط عربية

لعلّ قطع البترول عن الدول الأوروبية التي تدعم إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة إبان حرب أكتوبر 1973، كان أكبر أداة ضغط عربية استخدمت ضد إسرائيل، لكن بعد عام 1977 شهدت المقاطعة العربية لإسرائيل حالة تراخٍ متصاعدة، ليعود مرة أخرى سلاح المقاطعة للواجهة منذ انتفاضة سنة 2000 في الضفة الغربية، وما ترتّب عليها من مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، فالسوق الفلسطيني ثاني أكبر سوق لها، وقد صدر تقرير إسرائيليّ في مارس 2001 يشير إلى انخفاضٍ قدره 50% على الصادرات الإسرائيلية إلى مناطق السلطة الفلسطينية. هذا ويمكن أن نقدّر في هذا السياق موقف الاتحاد الأوروبي من مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، فقد امتنع عن استيرادها باعتبارها لا تخضع لاتفاقية التجارة الحرّة مع إسرائيل، فلجأت إسرائيل لتزييف شهادة المنشأ.

لكن حرب غزّة الأخيرة أفرزت لأوّل مرة جبلًا شابًا لم يكن يعلم من قبل ما هي فلسطين وما هي مأساتها، غير أن مشاهد الدم جعلت الشعور بمأساة فلسطين يتدفّق في شرايينه، وما زاد الأمر تدفقًا هو العجز العربيّ عن إنقاذ غزة، فتعالت أصوات المقاطعة في الدول العربية الإسلامية. وبتحليل خطاب المقاطعة في وسائط التواصل الاجتماعيّ سنجد أنّ الشريحة من 20 عامًا إلى 45 عامًا هي الأكثر تفاعلًا من الأجيال الأكبر، وخاصة من تعدوا الستين عامًا والذين عاصروا حرب 1973، وحصار بيروت واجتياح لبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، وكأن الحرب الأخيرة خلقت جيلًا يرى إسرائيل عدوًا حقيقيًا يجب مواجهته، وظهر سلاح المقاطعة كحلّ يمكن من خلاله دعم القضية الفلسطينية، ليبقى التساؤل: هل هذه المرّة حملات المقاطعة مختلفة؟

في حقيقة الأمر مختلفة، فهي تتجاوز فكرة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ومقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل إلى مقاطعة بضائع الدول التي أعطت غطاءً لإسرائيل لقتل المدنيين في غزة، بدءًا من الولايات المتحدة الأميركيّة إلى دول أوروبية، مثل: بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، ويبدو في الأفق في بعض هذه الدعوات اتجاهٌ إلى إعادة النظر في مكانة هذه الدول في المنطقة العربية فبعد أن كانت تحظى بمكانة وتقدير، بات هذا محلّ تساؤلات، ليبقى التساؤل: كيف ستنظر هذه الأجيال مستقبلًا لها؟، إنّ من المثير أيضًا وجود دعوات في مجموعات خليجيّة في وسائط التواصل الاجتماعي (مجموعات واتساب) لمقاطعة السيّاح الخليجيين زيارة لندن؛ عقابًا لبريطانيا على دعمها إسرائيل الذي شمل أسلحة لقتل المدنيين في غزة، بل ذهب البعض لرصد حجم إنفاق السياح الخليجيين في لندن وأعدادهم، ليذهب البعض بعيدًا إلى ضرورة سحب الاستثمارات العربيّة في بريطانيا، أو وقف ضخّ استثمارات جديدة، قد يكون هذا كله نتاجَ الحماس والضغط الذي تسبّبه المشاهد الدموية المنقولة من غزة.

إرادة قوية

إنَّ العديد من الدراسات المسحيّة تبين أنَّ أي دعوات للمقاطعة قد تراوح مكانها، وبالتالي يظل تأثيرها لا يعدو كونه تهديدًا، وعادة لا يكون للمقاطعة تأثير اقتصادي كبير على المدى القصير؛ بسبب التعقيد في السوق العالميّ، وتنوع الصادرات في معظم الدول، الأمر الذي يجعل التأثير عليها صعبًا. وعلى جانب آخر تمثل استمرارية المقاطعة باعتبارها إرادة قوية سلاحًا مؤثرًا. من هنا فإنَّ سلاح المقاطعة لابدّ أن تكون له قوّة الاستمرار، وهذا ما قد يغيّر مواقف الدول المساندة لإسرائيل.

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة سلاح المقاطعة وهذا ما من قبل سلاح ا هذا ما فی غزة

إقرأ أيضاً:

البنتاغون في حالة تأهب: موقع إيطالي يكشف عن سلاح صيني “شبح” يتجاوز أقوى دفاعات أمريكا

شمسان بوست / متابعات:

كشفت الصين عن تطور مذهل قد يقلب موازين سباق التسلح، ويهدد فعالية درع القبة الذهبية الأميركي الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب لمواجهة التهديدات الصاروخية.

ونشر موقع “شيناري إيكونومتشي” الإيطالي في تقرير أعده الكاتب فابيو لوغانو، أن الصين أعلنت، بعد أيام قليلة من الإعلان عن القبة الذهبية، عن تطويرها سلاحًا شبحيًا “متعدد الأطياف” قادرًا على التهرب من أجهزة الاستشعار الحرارية والرادارية.

وأوضح الكاتب أن فريقا صينيا بقيادة البروفيسور “لي تشيانغ” من جامعة تشنغيانغ، طور هذا السلاح الذي قد يقّوض فاعلية نظام الدفاع الصاروخي الأميركي الجديد، القبة الذهبية، الذي أعلنه ترامب في 20 من الشهر الجاري.

وأشار إلى أن القبة الذهبية هي نسخة أميركية من القبة الحديدية الإسرائيلية الشهيرة، وتهدف إلى مواجهة التهديدات الصاروخية المتقدمة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، والفرط صوتية، وصواريخ كروز، من خلال أجهزة استشعار تتبع فضائي تعتمد على تكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء

خصائص مذهلة
وقال إن السلاح الصيني الجديد، قادر على التهرب من الأشعة تحت الحمراء والميكروويف والموجات القصيرة والمتوسطة والطويلة والموجات الدقيقة مع الحفاظ على خصائصها حتى في درجات حرارة قصوى تصل إلى 700 درجة مئوية.

بالإضافة إلى ذلك، يتميز هذا السلاح بكفاءة عالية في تبديد الحرارة: ففي ظروف مماثلة للطيران بسرعة تفوق ضعف سرعة الصوت، يظل سطحها أكثر برودة بمقدار 72.4 درجة مئوية مقارنة بالمواد التقليدية مثل الموليبدينوم. وهذا يجعلها مثالية للتطبيقات في البيئات القاسية، مثل الطائرات والصواريخ عالية السرعة، وهي جميعها أدوات تهديد للقبة الذهبية.

تعزيز موقف الصين
ولفت الكاتب إلى أن الصين عبّرت مسبقا عن انتقاداتها للقبة الذهبية، ووصفتها بأنها دليل على هوس الولايات المتحدة بـ”الأمن المطلق”، واعتبرتها عاملا محتملا لزعزعة الاستقرار العالمي.

وعلق بأن هذه المادة الجديدة تعزز موقف بكين، من خلال تقديم ميزة تكنولوجية قد تعادل جهود الدفاع الأميركية.


وأفاد الكاتب بأن هذا التطور الصيني لا يمثل بالنسبة للولايات المتحدة تحديا تكنولوجيا فقط، بل جيوسياسيًا أيضا. فالمنافسة مع الصين في مجال تقنيات التخفي والدفاع الصاروخي قد تؤدي إلى تصعيد التوترات العسكرية، مع تبعات على الأسواق العالمية والاستقرار الاقتصادي.

المصدر : الصحافة الإيطالية

مقالات مشابهة

  • فيروسات المستقبل.. السلاح الخفي في معركة البقاء
  • وفد امني فلسطيني الى بيروت لبحث ترتيبات سحب سلاح المخيمات
  • رأي.. عمر حرقوص يكتب: حزب الله.. سلام مع إسرائيل وحرب على سلام
  • العباني: لا حكومة مستقرة دون نزع سلاح الميليشيات وبناء جيش موحد
  • رسائل متشددة تحملها اورتاغوس الى لبنان.. لا آلية بعد لنزع السلاح الفلسطيني
  • بدعم استخباراتي إسرائيلي.. هل يبدأ لبنان في تفكيك سلاح حزب الله؟
  • برئاسة مصر.. منظمة الثمانى النامية للتعاون الاقتصادي تبحث تنفيذ إعلان القاهرة
  • البنتاغون في حالة تأهب: موقع إيطالي يكشف عن سلاح صيني “شبح” يتجاوز أقوى دفاعات أمريكا
  • العيون العربية على سلاح حزب الله قبل المخيمات
  • لماذا تستعرض إسرائيل حجم المساعدات العسكرية الأمريكية المقدرة بـ 940 سفينة؟