د. زاهي حواس يكتب: جيش مصر وعظمة الشهداء.. الملك أحمس قهر الهكسوس ودمر جيوشهم وطارد فلولهم حتى معاقلهم في آسيا
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
منذ ما يقرب من أربعة آلاف ومئتي عام وبأوامر من الملك خرج رئيس الأركان والقائد العظيم ونى على رأس جيش من الجند المصري؛ منهم من ينتمي إلى الدلتا ومنهم من جاء من الصعيد وآخرون من النوبة. كانت الأوامر محددة؛ وهي استعادة السيطرة على سيناء وردع الجماعات المتمردة وتأمين طرق القوافل.
وبعد أن أدى الجيش المصري مهمته بنجاح؛ قدم القائد ونى تقريره المفصل إلى الملك، حيث بدأه بكيفية إعداده للجيش ليقوم بمهمته ثم التأكيد على مبادئ العسكرية المصرية ولخصها في الآتي: عدم قتل النساء والشيوخ والأطفال، عدم إتلاف المحاصيل والحقول، عدم ترويع المدنيين الآمنين، عدم القيام بأي أعمال سلب أو نهب.
وعلى جدران إحدى المقابر في منطقة مير بمصر الوسطى وترجع إلى نفس الفترة التاريخية لعصر القائد "ونى" نرى فرقة من الجند المصري وهم يهاجمون حصنًا للمتمردين في منطقة متاخمة للحدود المصرية في سيناء؛ ويصور المنظر تساقط الأعداء من على أسوار الحصن.
كما نرى معدات عسكرية حديثة تمثل اختراعات مصرية أصيلة ومنها أبراج خشبية تسير على عجلات؛ مكنت الجنود من الصعود ودخول الحصن والقضاء على المتمردين، ومن أجمل المناظر المعبرة منظر أحد الأعداء وهو يكسر قوسه بقدمه من شدة الغيظ، ومنظر زعيم المتمردين وهو يشد خصلات شعره من شدة اليأس والحزن من وطأة الهزيمة.
تمر مئات السنين قبل أن يحتل الحقاو خاسوت أو الهكسوس سيناء وجزء من الدلتا ويهب القائد الصعيدي الوطني سقنن رع ويعيد بناء الجيش المصري ويبدأ رحلة الكفاح لتحرير مصر ورد الكرامة والاعتبار لجيشها والانتقام للدم المصري المهدر. ويدفع سقنن رع حياته فداءً لمصر؛ وتتوج رأس الشهيد سقنن رع خمس ضربات ببلطة آسيوية ومومياءه معروضة بالمتحف المصري رمزًا للوطنية المصرية. يحمل ابن الشهيد سقنن رع القائد الشاب كامس لواء الكفاح والتحرير ويلقى نفس مصير أبيه بعد عدة معارك ناجحة مع العدو، وفى هذا الوقت العصيب تحافظ الملكة الجدة تتنى شرى أم البطل الشهيد سقنن رع والملكة الأم إياح حتب أم البطل الشهيد كامس وزوجة سقنن رع على وحدة وتماسك الجيش المصري ويعدان أحمس - الأخ الأصغر لكامس- لتولى مسئولية الكفاح والانتقام لأبيه ولأخيه ولكل دم مصري.
وبالفعل ينجح الملك العظيم أحمس في قهر الهكسوس وتدمير جيوشهم، بل ومطاردة فلولهم حتى معاقلهم في آسيا وحصارها حتى استسلمت له ليعود إلى مصر وقد وضع أول لبنة في تكوين الإمبراطورية المصرية وأول جيش نظامي عرفه التاريخ.
ويرجع الفضل إلى القائد العظيم تحتمس الثالث في اتساع ربوع الإمبراطورية المصرية من هضبة الأناضول شمالًا وحتى الشلال الرابع في قلب أفريقيا جنوبًا؛ وهو واضع أولي استراتيجيات الحروب العسكرية والتي تعتمد على علوم النفس ودراسة العوامل النفسية للعدو وتفكيره وما هو متوقع منه ولا تزال خطط تحتمس الثالث تدرس في الأكاديميات العسكرية إلى يومنا هذا.
ظل ظهور الجيش المصري في سيناء وما وراء الحدود العامل الوحيد لاستقرار سيناء، وكذلك الإمارات الآسيوية المتصارعة فيما بينها؛ وتأكيدًا للهيمنة المصرية على كامل أرضها.
وحدث عندما أقسم الملك الموحد إخناتون أنه لن يخرج من مدينته الفاضلة تل العمارنة وأنه سيظل بها متعبدًا لإلهه آتون أن حدث الانفلات الأمني في سيناء والمدن الآسيوية على حدود مصر الشمالية الشرقية؛ وتصارعت هذه الدويلات والمدن؛ وتنهال الرسائل على البلاط المصري تستصرخ الملك وترجوه أن يرسل الجيش المصري لضبط الأوضاع في سيناء وما وراءها.
ومن أجمل التعبيرات ما بعث به أمير آسيوي مخاطبًا الملكة الأم تى طالبًا منها أن تحث ابنها إخناتون ليرسل الجيش المصري قائلًا لها: مولاتي لقد مر زمان منذ كان مجرد ظهور جيش مصر ببلادنا كفيلًا ببث الأمن والأمان في البلاد وردع المتمردين والمتصارعين.. المجد للشهداء من جند مصر.
زاهي حواس: من أهم الأثاريين المصريين، وزير سابق للآثار، يحاضر فى العديد من الدول الغربية حول الآثار الفرعونية وتاريخ قدماء المصريين. له مؤلفات بالعربية والإنجليزية فى هذا المجال.. يكتب عن صفحة ناصعة من صفحات الفخر المصرى على مر التاريخ.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: زاهي حواس الهكسوس التاريخ المصري الجیش المصری فی سیناء
إقرأ أيضاً:
تحرّك برلماني لاستعادة آثار مصر المنهوبة.. ودعم كامل لمُبادرة زاهي حواس
أعلن المهندس عبد السلام خضراوي، عضو مجلس النواب، تأييده التام للمبادرة التي يقودها عالم الآثار الكبير الدكتور زاهي حواس، ومعه عدد من الأثريين المصريين والدوليين، للمطالبة بعودة الآثار المصرية الموجودة في الخارج، وعلى رأسها حجر رشيد، مؤكدًا أن الوقت أصبح مواتيًا لبدء تحرك دولي واسع يعيد لمصر حقوقها التاريخية.
وقال «خضراوي» إن النجاحات الضخمة وغير المسبوقة التي تحققت في ملف تطوير وتحديث منظومة الآثار، وفي مقدمتها إنشاء المتحف المصري الكبير، جاءت نتيجة الاهتمام الكبير الذي يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا الملف، مما يجعل مصر مستعدة لاسترداد آثارها المعروضة في المتاحف العالمية وإعادة توثيق تاريخها بالحجم الذي تستحقه.
وأكد أن التطوير الكبير الذي شهده القطاع الأثري، والبنية المتحفية الأكثر تطورًا في الشرق الأوسط، يعززان قدرة مصر على إدارة آثارها المستردة بأعلى المستويات العلمية والتقنية، وهو ما يستوجب تحركًا منسقًا ومدروسًا لإعادة ما تمت سرقته أو ما خرج بطرق غير شرعية خلال القرون الماضية.
وطرح المهندس ثلاثة تساؤلات في سؤال موجَّه إلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والمهندس شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، وهي:
لماذا لا يتم تشكيل لجنة وطنية عليا تضم الخارجية والعدل والآثار وخبراء القانون الدولي لتتولى ملف الاسترداد بخطة موحدة؟
ولماذا لا تُطلق حملة دولية موثقة عبر السفارات المصرية للتعريف بالقطع المستحقة للعودة وتاريخ خروجها؟
ولماذا لا يتم إعداد ملفات قانونية كاملة لكل قطعة أثرية بما يتوافق مع اتفاقية اليونسكو 1970 واتفاقيات مكافحة تهريب الآثار؟
مطالبًا بالتعاون مع مراكز بحثية وجامعات أجنبية لدعم المطلب المصري علميًا وإعلاميًا.
كما طالب المهندس عبد السلام خضراوي بالتفاوض المباشر مع المتاحف الكبرى لإعادة القطع التي خرجت بطرق غير شرعية أو في فترات الاحتلال، وإطلاق منصة إلكترونية رسمية توثق القطع المصرية في الخارج، وتتيح المعلومات للباحثين والإعلام والمواطنين، فضلًا عن تنظيم معارض دولية متنقلة تبرز عظمة الآثار المصرية وتؤكد حق مصر في استعادتها.
ودعا إلى استخدام الدبلوماسية البرلمانية عبر مخاطبة برلمانات الدول التي تحتفظ بقطع أثرية مصرية لإعادة النظر في وضعها القانوني، مؤكدًا أن تنفيذ هذا الملف سيحقق لمصر مكاسب كبرى، من بينها استعادة الهوية التاريخية، وتعزيز رواية مصرية خالصة لتاريخ الحضارة الفرعونية، وتقوية القوة الناعمة المصرية، ورفع مكانة الدولة دوليًا، وتحقيق عوائد اقتصادية ضخمة نتيجة جذب ملايين الزوار لمشاهدة القطع المستردة داخل مصر، وتعزيز دور المتحف المصري الكبير كمركز عالمي لعلوم الآثار والحضارة، ورفع الوعي العالمي بقضية الآثار المنهوبة، وتحويل مصر إلى نموذج دولي في حماية التراث، وتحريك الرأي العام العالمي لدعم الحق المصري في استعادة مقتنياته التاريخية.
وأعرب المهندس عبد السلام خضراوي عن ثقته التامة في الاهتمام الكبير من الحكومة بصفة عامة، ومن المهندس شريف فتحي وزير السياحة والآثار بصفة خاصة، بهذا الملف، مؤكدًا أن عودة آثار مصر ليست حلمًا، بل حق تاريخي وقانوني تدعمه الإرادة السياسية والدبلوماسية المصرية، مشددًا على أن مصر لن تتخلى عن مساعيها في استرداد موروثها الحضاري مهما طال الزمن.