جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-02@04:24:22 GMT

الإجادة ليست عزفًا منفردًا

تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT

الإجادة ليست عزفًا منفردًا

 

 

عباس المسكري

 

في عالم الإدارة، لا يُقاس النجاح الحقيقي بعدد الكلمات الرنانة، ولا بشهادات التقدير المُعلّقة على الجدران، بل يُقاس بما يتركه القائد من أثر في من حوله. فالإدارة، في جوهرها، هي فن صناعة الفرق وتشكيل الفارق. وإذا كانت القيادة بلا أتباع ناجحين، فهي أشبه بسفينة شراعية تبحر وحدها في عرض البحر، دون طاقم، ودون وجهة.

من هذا المنطلق، تستوقفنا أحيانًا مفارقات يصعب تبريرها، مثل أن يحصل مدير أو مدير عام على تقييم "ممتاز" في برنامج أداء وقياس مثل "إجادة"، بينما معظم موظفي إدارته يتراوح تقييمهم بين "ضعيف" و"جيد". فهنا يُطرح سؤال جوهري: ما قيمة إجادة المدير إذا لم تنعكس في أداء فريقه؟ وأين هو أثر القيادة إذا لم تظهر نتائجها في تطور وتقدّم من يقودهم؟

إن من أبرز أدوار المدير الناجح ليس فقط إدارة المهام وتحقيق الأرقام، بل بناء الإنسان المهني، وصقل مهارات فريقه، وتحفيزهم للوصول إلى أقصى طاقاتهم. فنجاح القائد الحقيقي لا يُقاس فقط بما ينجزه بيده، بل بما يستطيع أن ينجزه عبر الآخرين، وبما يزرعه فيهم من ثقة وكفاءة وروح عمل.

المدير الذي يكتفي بالتميّز الفردي دون أن ينعكس ذلك على منظومته، ربما ينجح كفرد، لكنه يفشل كقائد. فالقيادة مسؤولية جماعية في جوهرها، لا تقبل بالأنانية، ولا تُبرّر العزلة. وإن تميّز المدير يجب أن يكون مظلة تُظلّل موظفيه، لا سقفًا يعلوهم بلا أثر؛ بل إن أحد مؤشرات القائد الفاعل هو قدرته على تحويل الضعف إلى قوة، وتوجيه الموارد البشرية من حالة الأداء المتواضع إلى التميّز، عبر التوجيه، والمتابعة، والتدريب، والتمكين. أما إذا بقي الموظفون في مواقعهم الراكدة، رغم تميّز من يقودهم، فهنا يجب إعادة النظر في أدوات القياس، وفي مفهوم "الإجادة" ذاته.

كثيرٌ من أدوات التقييم تعتمد على تقارير مكتبية، ومؤشرات جامدة، وأرقام صامتة لا تُعبّر دائمًا عن الواقع. وقد يحصل المدير على تقييم مرتفع لأنه أنجز متطلبات شكلية، أو أتقن كتابة التقارير، بينما تغيب الجوانب الجوهرية، كالروح في فريق العمل، ومعدّلات التحفيز، ومدى شعور الموظف بأنه جزء من نجاح حقيقي، لا مجرّد رقم في جدول. وهنا تتّسع الفجوة بين التقييم الورقي، والتأثير الفعلي على الأرض.

ومن جهة أخرى، لا يمكن فصل القائد عن بيئة العمل التي يصنعها. والمدير الفعّال هو من يخلق بيئة يشعر فيها الموظف بالاحترام، والأمان الوظيفي، والرغبة في التعلّم والتطوّر. بيئة يشعر فيها الموظف أن صوته مسموع، وجهده مُقدّر، وخطأه فرصة للتعلّم لا للّوم. وهذه البيئة لا تُبنى بالأوامر، بل بالمثال الشخصي الذي يُقدّمه القائد، وبالعدل، والتواضع، والإنصاف في المعاملة.

من الضروري – إذن – أن تتحرر أدوات التقييم من نظرتها الضيّقة التي تقتصر على الإنجاز الفردي، لتتبنّى معيار الأثر الجماعي. فالقائد الناجح ليس من يعلو فوق فريقه، بل من يرتقي بهم. وعليه، فإن نجاح المدير لا يُستكمل إلا حين تنعكس تلك "الإجادة" في نضج موظفيه، وتقدّمهم، وتحسّن نتائجهم.

قائدٌ بلا أثر، كمن يسير في صحراء بلا رمال، خطواته لا تُرى، وتأثيره لا يُشعر. وإن بدا متقدمًا في الظاهر، فجوهر القيادة لا يكمن في الحضور الشكلي، ولا في تقييمات صامتة، بل في القدرة على صناعة أثر باقٍ في من حولك، وعلى تمكين الآخرين من الوقوف على أقدامهم بثقة وكفاءة. فالقائد الذي يمرّ دون أن يُغيّر، يُعد راعيًا لا قائدًا، وشاغل منصب لا صانع أثر.

وحين نمنح تقييم "ممتاز" لقائد، علينا أن ننظر خلفه: ماذا حقق فريقه؟ كيف تطور أداؤهم؟ كم موظفًا ألهم؟ كم موهبة اكتشف؟ وكم إنسانًا مكّنه من أن يثق في نفسه ويُحقق فرقًا؟

وأخيرًا... الإجادة ليست وسامًا يُعلّق على صدر المدير، بل مسؤولية تُترجم إلى تغيير، وتطوير، ونموّ في كل فرد يعمل تحت قيادته. وما لم يحدث ذلك، فكل تقييم يظل ناقصًا، مهما بدا لامعًا.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المدير الفني لمنتخب كولومبيا للشباب: سعيد بالتواجد في مصر

أكد سيزار توريس، المدير الفني لمنتخب كولومبيا للشباب، سعادته بالتواجد في مصر خلال الاستعدادات النهائية لبطولة كأس العالم للشباب المقرر إقامتها سبتمبر المقبل.

وأشاد توريس بالمستوى الفني لبطولة خوفو الدولية للشباب لما تضمه من منتخبات قوية ومصنفة على مستوى العالم ومشاركة في بطولة كأس العالم المقبلة.

اشوفك على خير.. رسالة مؤثرة من محمد عبدالمنعم لـ علي معلولريبيرو يبدأ مشواره مع الأهلى بقيادة التدريبات لأول مرةأحمد حسن: روجيرو ميكالي مرشح لتدريب الزمالك الموسم القادمالعوضي يدعم لاعبي سلة الأهلي قبل مواجهة الإتحاد السكندري


وعبر المدير الفني الكولومبي عن تمنياته بتحقيق أقصى استفادة فنية من المعسكر المقام في القاهرة قبل كأس العالم.

وتشارك في البطولة ٦ منتخبات عالمية بجانب آيسلندا استعدادا لكأس العالم للشباب وهي البرازيل والسعودية وكوريا والنرويج وكوريا، إلى جانب كولومبيا.

طباعة شارك بطولة كاس العالم للشباب كولومبيا السعودية

مقالات مشابهة

  • ميتا تستبدل البشر بالذكاء الاصطناعي في تقييم الخصوصية والمخاطر
  • هكذا علق النجم المغربي حكيمي على تتويج فريقه سان جيرمان بدوري الأبطال
  • الصحة: تقييم الأداء الخاصة بمديري ووكلاء مديريات الشئون الصحية
  • “ابن زكري ويايسلة” وأحقية التقييم
  • «أكاديمية العلوم الشرطية» تطلق ورشة حول أدوات التقييم
  • توقعات النجوم للفائز بنهائي دوري أبطال أوروبا بين سان جيرمان وإنتر
  • المدير الفني لمنتخب كولومبيا للشباب: سعيد بالتواجد في مصر
  • أطعمة الحجاج تحت المجهر.. البعثات تشارك في تقييم الوجبات قبل التصعيد
  • الحشود تتوافد الى الساحات للمشاركة في مسيرات نصرة غزة