الإجادة ليست عزفًا منفردًا
تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT
عباس المسكري
في عالم الإدارة، لا يُقاس النجاح الحقيقي بعدد الكلمات الرنانة، ولا بشهادات التقدير المُعلّقة على الجدران، بل يُقاس بما يتركه القائد من أثر في من حوله. فالإدارة، في جوهرها، هي فن صناعة الفرق وتشكيل الفارق. وإذا كانت القيادة بلا أتباع ناجحين، فهي أشبه بسفينة شراعية تبحر وحدها في عرض البحر، دون طاقم، ودون وجهة.
من هذا المنطلق، تستوقفنا أحيانًا مفارقات يصعب تبريرها، مثل أن يحصل مدير أو مدير عام على تقييم "ممتاز" في برنامج أداء وقياس مثل "إجادة"، بينما معظم موظفي إدارته يتراوح تقييمهم بين "ضعيف" و"جيد". فهنا يُطرح سؤال جوهري: ما قيمة إجادة المدير إذا لم تنعكس في أداء فريقه؟ وأين هو أثر القيادة إذا لم تظهر نتائجها في تطور وتقدّم من يقودهم؟
إن من أبرز أدوار المدير الناجح ليس فقط إدارة المهام وتحقيق الأرقام، بل بناء الإنسان المهني، وصقل مهارات فريقه، وتحفيزهم للوصول إلى أقصى طاقاتهم. فنجاح القائد الحقيقي لا يُقاس فقط بما ينجزه بيده، بل بما يستطيع أن ينجزه عبر الآخرين، وبما يزرعه فيهم من ثقة وكفاءة وروح عمل.
المدير الذي يكتفي بالتميّز الفردي دون أن ينعكس ذلك على منظومته، ربما ينجح كفرد، لكنه يفشل كقائد. فالقيادة مسؤولية جماعية في جوهرها، لا تقبل بالأنانية، ولا تُبرّر العزلة. وإن تميّز المدير يجب أن يكون مظلة تُظلّل موظفيه، لا سقفًا يعلوهم بلا أثر؛ بل إن أحد مؤشرات القائد الفاعل هو قدرته على تحويل الضعف إلى قوة، وتوجيه الموارد البشرية من حالة الأداء المتواضع إلى التميّز، عبر التوجيه، والمتابعة، والتدريب، والتمكين. أما إذا بقي الموظفون في مواقعهم الراكدة، رغم تميّز من يقودهم، فهنا يجب إعادة النظر في أدوات القياس، وفي مفهوم "الإجادة" ذاته.
كثيرٌ من أدوات التقييم تعتمد على تقارير مكتبية، ومؤشرات جامدة، وأرقام صامتة لا تُعبّر دائمًا عن الواقع. وقد يحصل المدير على تقييم مرتفع لأنه أنجز متطلبات شكلية، أو أتقن كتابة التقارير، بينما تغيب الجوانب الجوهرية، كالروح في فريق العمل، ومعدّلات التحفيز، ومدى شعور الموظف بأنه جزء من نجاح حقيقي، لا مجرّد رقم في جدول. وهنا تتّسع الفجوة بين التقييم الورقي، والتأثير الفعلي على الأرض.
ومن جهة أخرى، لا يمكن فصل القائد عن بيئة العمل التي يصنعها. والمدير الفعّال هو من يخلق بيئة يشعر فيها الموظف بالاحترام، والأمان الوظيفي، والرغبة في التعلّم والتطوّر. بيئة يشعر فيها الموظف أن صوته مسموع، وجهده مُقدّر، وخطأه فرصة للتعلّم لا للّوم. وهذه البيئة لا تُبنى بالأوامر، بل بالمثال الشخصي الذي يُقدّمه القائد، وبالعدل، والتواضع، والإنصاف في المعاملة.
من الضروري – إذن – أن تتحرر أدوات التقييم من نظرتها الضيّقة التي تقتصر على الإنجاز الفردي، لتتبنّى معيار الأثر الجماعي. فالقائد الناجح ليس من يعلو فوق فريقه، بل من يرتقي بهم. وعليه، فإن نجاح المدير لا يُستكمل إلا حين تنعكس تلك "الإجادة" في نضج موظفيه، وتقدّمهم، وتحسّن نتائجهم.
قائدٌ بلا أثر، كمن يسير في صحراء بلا رمال، خطواته لا تُرى، وتأثيره لا يُشعر. وإن بدا متقدمًا في الظاهر، فجوهر القيادة لا يكمن في الحضور الشكلي، ولا في تقييمات صامتة، بل في القدرة على صناعة أثر باقٍ في من حولك، وعلى تمكين الآخرين من الوقوف على أقدامهم بثقة وكفاءة. فالقائد الذي يمرّ دون أن يُغيّر، يُعد راعيًا لا قائدًا، وشاغل منصب لا صانع أثر.
وحين نمنح تقييم "ممتاز" لقائد، علينا أن ننظر خلفه: ماذا حقق فريقه؟ كيف تطور أداؤهم؟ كم موظفًا ألهم؟ كم موهبة اكتشف؟ وكم إنسانًا مكّنه من أن يثق في نفسه ويُحقق فرقًا؟
وأخيرًا... الإجادة ليست وسامًا يُعلّق على صدر المدير، بل مسؤولية تُترجم إلى تغيير، وتطوير، ونموّ في كل فرد يعمل تحت قيادته. وما لم يحدث ذلك، فكل تقييم يظل ناقصًا، مهما بدا لامعًا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إجتماع وزير الصناعة مع مسؤولي مجمع “فيروفيال”.. تقييم إعادة بعث المشاريع المدرجة ضمن الأملاك المصادرة
أجرى وزير الصناعة يحيى بشير اليوم لقاء عمل مع مسؤولي مجمع “فيروفيال” المتخصص في صناعة معدات وتجهيزات السكة الحديدية.
اللقاء يندرج في إطار اللقاءات المنتظمة التي يشرف عليها الوزير وكذا لتقييم أداء المجمعات الصناعية العمومية ومرافقة المؤسسات الإنتاجية في مسار تطويرها وتحديثها.
وحضر اللقاء مسؤولي المجمع الصناعي “فيروفيال”، المؤسسة العمومية الاقتصادية المتخصصة في صناعة معدات وتجهيزات السكة الحديدية.
وخلال اللقاء تم تقديم عرض مفصل الوضعية الإنتاجية ومؤشرات الأداء الصناعي للمجمع، وأيضا إلى العراقيل التي يواجهها المجمع. وكذا المشاريع الجديدة والمنتظر أن تسهم في رفع رقم أعماله وتعزيز مردوديته.
كما تضمّن العرض تقييماً لمدى تقدم عملية إعادة بعث المشاريع المندرجة ضمن الأملاك المصادرة.
من جهته شدد الوزير على ضرورة الإسراع في إعادة تشغيل ما تبقّى منها، مع الإشادة باستئناف الإنتاج على مستوى وحدة سيدي بلعباس لصناعة قواعد السكك الحديدية التي كانت متوقفة عن النشاط.
وأكد الوزير على أهمية رفع نسب الإدماج المحلي في المنتجات المصنعة لتقليص التبعية للاستيراد، داعياً إلى إبرام شراكات صناعية قائمة على نقل التكنولوجيا وتطوير القدرات التقنية للمجمع.
وفي السياق ذاته، دعا الوزير إلى تعزيز اليقظة التكنولوجية، واستكشاف فرص جديدة في السوقين الوطنية والدولية، مع تنويع المنتجات الصناعية.
واسدى تعليمات بإدماج تقنيات التحكم الرقمي وتطوير أساليب التصنيع الحديثةضمن خطوط الإنتاج.
كما شدّد يحيى بشير على ضرورة مرافقة المشاريع الوطنية الكبرى، على غرار مشروع استغلال وتحويل منجم الحديد بغار جبيلات، الذي يحظى بمتابعة خاصة من طرف رئيس الجمهورية.
وأكد يحيى بشير على أهمية مواصلة تحديث خطوط الإنتاج ورفع معايير الجودة بما يتماشى مع المواصفات الدولية، لتعزيز القدرة التنافسية للمجمع على المستويين الوطني والدولي.