الخليل – منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لا يستطيع المواطن الفلسطيني عماد أبو شمسية، مثل 750 عائلة فلسطينية، إحضار أسطوانة غاز إلى منزله الواقع في حي تل الرميدة في الطرف الجنوبي الغربي من البلدة القديمة وسط مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية.

قبل ذلك التاريخ، كان على كل مواطن أن ينسق مسبقا مع جيش الاحتلال الإسرائيلي لإحضار أسطوانة الغاز كلما احتاج إليها، لكن ذلك لم يعد قائما الآن.

وبين 7 و18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عاشت عائلة أبو شمسية وباقي العائلات الفلسطينية حظرا كاملا للتجوال، دون أن يسمح لهم بالحركة داخل أحيائهم أو حتى الجلوس في حدائق أو شرفات منازلهم.

الناشط الحقوقي عماد أبو شمسية أمام حاجز عسكري بمدخل شارع الشهداء لا يستطيع دخوله رغم أن بيته يبعد عنه عشرات الأمتار فقط (الجزيرة)

 

6 آلاف محاصر

طالت إجراءات الحظر عدة أحياء يسكنها نحو 6 آلاف فلسطيني، وتحيط بالمسجد الإبراهيمي، ومحاطة بالحواجز العسكرية المأهولة.

وبعد 18 أكتوبر/تشرين الأول السابق، يوضح أبو شمسية للجزيرة نت أن جيش الاحتلال وضع للسكان جدولا للحركة بموجبه رفع حظر التجول لمدة ساعتين لثلاثة أيام في الأسبوع، وقال "قسّم الاحتلال أحياء وحارات وشوارع المنطقة المغلقة إلى مناطق، وعلى سكان كل منطقة استخدام حاجز عسكري محدد للمغادرة خلال 45 دقيقة بعد السابعة صباحا، والعودة بين الخامسة والسادسة مساء ولثلاثة أيام فقط في الأسبوع".

ويضيف أبو شمسية، وهو ناشط في "تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان المحلي"، أن جميع المدارس في منطقة حظر التجول مغلقة، إضافة إلى المدارس المحاذية للمنطقة المغلقة والتي يقدر تعداد طلابها بالمئات.

إسرائيل تفرض منذ شهر حظر تجوّل على 750 أسرة من سكّان منطقة H-2 في الخليل كعقاب جماعيّ:https://t.co/FewgGHTIZy pic.twitter.com/zkDrg8LIqd

— B'Tselem בצלם بتسيلم (@btselem) November 10, 2023

ويبين أبو شمسية أن "برنامج الحركة يعرض الناس للذل والإهانة خلال عودتهم إلى بيوتهم، حيث تخضع أغراضهم الخفيفة حتى لو كانت طعاما لتفتيش دقيق من قبل عشرات الجنود المتمركزين على الحواجز، كما يتعرض السكان لتفتيش إلكتروني تتخلله إهانة خاصة للنساء".

ويلفت أبو شمسية إلى أن تلك القيود واستمرار حظر التجول، وإن خففا جزئيا عزل المنطقة فقد حولاها إلى "غيتو" (معزل) الحركة فيه ممنوعة على الفلسطينيين مع حرية مطلقة للمستوطنين.

وأضاف المتحدث نفسه أن هذا الوضع دفع بعض العائلات، وخاصة التي لديها مرضى بحاجة إلى مراجعات طبية وخاصة مرضى الفشل الكلوي والسرطان، إلى البحث عن سكن خارج حدود المنطقة المغلقة، مبينا أن طلب سيارة الإٍسعاف يحتاج تنسيقا أيضا ويستغرق عدة ساعات.

حظر التجول مستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وسط البلدة القديمة من الخليل (الجزيرة) صعوبة في التدخل

من جهتها، لا تستطيع بلدية الخليل تقديم خدماتها المعتادة من صيانة وبنية تحتية في المنطقة المعلقة طوال فترة حظر التجول.

وبحسب أسماء الشرباتي نائبة رئيس بلدية الخليل، فإن "الاحتلال، وفي ظل الحرب على غزة، استفرد بالأحياء المغلقة في محيط المسجد الإبراهيمي، ويتعامل بعنف مع السكان بما في ذلك إطلاق النار لأقل الأسباب، مما جعل حياة السكان قاسية ومخيفة".

وأشارت في حديثها للجزيرة نت إلى تعقيدات كثيرة في الخليل تتعلق بـ"مناطق مغلقة تماما، ومناطق مفتوحة لكنها خاضعة لسيطرة الاحتلال، ومناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية".

وعن المناطق المغلقة التي تمتد من حي تل الرميدة إلى شارع الشهداء فالمسجد الإبراهيمي وصولا إلى مستوطنة كريات أربع، قالت المتحدثة ذاتها إن "السكان  يتحركون بقيود مشددة ويخضعون للتفتيش على الحواجز المنتشرة والتي لا تبعد عن بعضها سوى عشرات الأمتار، في حين لا يسمح للفلسطينيين من خارج المنطقة بالدخول".

وأضافت أن فرق البلدية لا تستطيع تقديم خدماتها المعتادة في المناطق المغلقة منذ 40 يوما "حتى سيارات النفايات تتم إعادتها ولا يسمح لها بالدخول في كثير من الأحيان".

وقالت إن المخاوف تتزايد من وقوع حدث مفجع قد تحول فيه إجراءات الاحتلال دون وصول الفرق المختصة في الوقت المناسب، مشيرة إلى حريق وقع سابقا دون أن تتمكن سيارات الإطفاء من الوصول مع أن المسافة تحسب بالدقائق.

وتابعت المسؤولة الإدارية أن أي خدمة أو حركة لفرق البلدية في المنطقة المغلقة تحتاج تنسيقا مسبقا مع جيش الاحتلال، مشيرة إلى دور للمنظمات الدولية وخاصة الصليب الأحمر في هذا السياق.

ولفتت الشرباتي إلى عقبات أخرى تواجه البلدية خارج المناطق المغلقة "وخاصة تهديد حياة العاملين بسبب استنفار جيش الاحتلال وسهولة إطلاق النار".

وأشارت إلى أن "البلدية تحاول مع جهات أهلية وبالتعاون مع لجان محلية توفير الاحتياجات الأساسية وخاصة الغذائية للسكان".

حاجزان عسكريان يحولان دون حرية الحركة بين المناطق المغلقة وباقي أحياء الخليل (الجزيرة) عقوبات جماعية

من جهته، يقول مسؤول وحدة البحث الميداني في منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية كريم جبران للجزيرة نت إن فرق المنظمة ترصد الوضع واستمرار القيود الإسرائيلية وسط الخليل منذ 40 يوما، مشيرا إلى تضرر "نحو 750 أسرة من سكّان المنطقة "إتش 2″ في عقاب جماعي ومخالف لأبسط الأعراف والقوانين".

ويشير المصطلح "إتش 2" أو "خ 2" إلى الجزء الذي ظل خاضعا للسيطرة الإسرائيلية وفق اتفاق الخليل عام 1997 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ويشكل 20% من المدينة وفيه تقع المنطقة المغلقة والمسجد الإبراهيمي و5 بؤر استيطانية.

ووفق جبران، فإن خطورة الوضع في قلب الخليل تكمن في "تعطيل حياة الناس بشكل كامل، آلاف الأشخاص يعيشون في سجن منذ 40 يوما، تم تعطيل أعمالهم ومدارسهم وحياتهم الطبيعية، ساعة صباحا وساعة مساء، يوما بعد يوم، يعني انقطاعهم عن حياتهم الطبيعية، وهذه عقوبة جماعية لا مبرر لها اتخذها الاحتلال بحق مواطنين عزل".


وعن مبررات جيش الاحتلال لاتخاذ تلك الإجراءات، يقول المسؤول في بتسيلم "لا يحتاج الجيش لمبرر لما يقوم به، هو يقوم بأي إجراء ويعتبره إجراء أمنيا، وكما أغلق جميع شوارع الضفة الغربية، تم إغلاق هذه المنطقة".

وعما إذا كان باستطاعة منظمته فعل شيء إزاء هذا الوضع، قال جبران "لا نستطيع فعل شيء، فقط إصدار البيانات والتحذير من هذه السياسة التي تمس حياة مواطنين أبرياء بمن فيهم مرضى لا يستطيعون الحصول على العلاج".

في المقابل، يقول كريم جبران إن "الإغلاق على الفلسطينيين يقابله حرية كاملة للمستوطنين، وبالتالي هو انتقام من الفلسطينيين لإرضاء المستوطنين".

ووفق معطيات فلسطينية، يوجد أكثر من 100 عائق مادي وحاجز عسكري وسط الخليل، إضافة إلى نحو 700 مستوطن إسرائيلي موزعين على عدد من البؤر الاستيطانية وسط المدينة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول جیش الاحتلال حظر التجول أبو شمسیة

إقرأ أيضاً:

عنوان ما بعد الحرب العدوانية؟

بينما تتصاعد حالة التفاؤل بقرب التوصّل إلى اتفاق، تصعّد دولة الاحتلال حربها الإبادية بكلّ الأشكال والوسائل المعتمدة، لحصد أكبر عدد ممكن من الأرواح. التصعيد الإسرائيلي الذي تتجاوز ضحاياه الـ 100 يومياً، ومئات المصابين لا علاقة له بالمفاوضات تحت النار، وإنّما هو تعبير عن عقلية الانتقام، وجزء من محاولات دولة الاحتلال لتقليل عدد سكان قطاع غزّة إلى أدنى حدّ ممكن.

البعد الديمغرافي يشكّل واحداً من أهمّ هواجس السياسة الإسرائيلية وبأفق تهجير مئات الآلاف من القطاع، وأكثر منها في الضفة الغربية، بما يؤدّي على الأقل وفي المدى القريب إلى الإخلال الفادح بالميزان الديمغرافي على أرض فلسطين.

إذا حاولنا الوقوف مبدئياً على تطوّرات المشهد الديمغرافي، فإنّ الوقائع تشير إلى أن القطاع فقدَ حتى الآن ما يقرب من 300 ألف من سكانه، نحو 100 ألف غادروه، و200 ألف تقريباً بين شهيد ومصاب، وإذا توقّفت الإبادة وفُتح المجال لتلقي المصابين العلاج في الخارج، ومع مرافقيهم فإن العدد قبل الحديث عن هجرة أعداد أخرى، سيتجاوز نصف المليون.

في الضفة تواصل دولة الاحتلال تدمير المخيمات على نحو منهجي، للتخلص من أي مؤشرات واقعية للجوء الفلسطيني واستكمال تقويض دور «الأونروا»، وقد تجاوز عدد المهجّرين فيها الـ 60 ألفاً. غير أنّ هذه مجرّد مؤشّرات على ما ينتظر القضية الفلسطينية، فيما يُعرف بخطّة «اليوم التالي» للحرب العدوانية. في واقع الأمر لا يوجد عملية تفاوضية على خلفية صفقة التبادل، فالولايات المتحدة تتفاوض مع نفسها، ووفق خطّتها التي تتجاوز موضوع الإفراج عن الرهائن، ووقف الحرب الدموية إلى ما يتصل بالترتيبات المقبلة في الإقليم.

في أميركا يتصدّر دونالد ترامب المشهد التفاوضي والإعلامي وينتظر خضوع الأطراف، مع نافذة محدودة، لتعديل بعض البنود التي ينقلها الجانب القطري نيابةً عن حركة حماس.

دولة الاحتلال وافقت على ما يسمّى بـ»ورقة ويتكوف» ولكنها لم تعلن رسميا عن موافقتها، وهي تكتفي بإعلان ترامب عن موافقتها بعد محادثات مع الوزير الإسرائيلي رون دريمر.

قبل وصوله إلى أميركا، كان دريمر قد حصل على موافقة بنيامين نتنياهو وأغلبية وزراء حكومته، بعد أن اتضح للقاصي والداني، أنه ورئيس حكومته لا يملكون القدرة على معارضة ترامب.

ويتضح أن ترامب يدير الحرب الإبادية، ويدير «السلام»، وفق ما يخدم الرؤية والمصلحة الأميركية، وأنه لا يترك مجالاً حتى لأقرب حلفائه، فرصة إفساد رؤيته وأهدافه.

بالنسبة للفلسطينيين لا يتمتّع ترامب بالحدّ الأدنى من المصداقية، ولا يمكن المراهنة على ضمان أي اتفاق يتعارض ولو جزئياً مع رؤيته. في تصريح نادر قال الأخير إنه يسعى لوقف دائم للحرب، وأن إسرائيل لا يمكنها بعد ذلك العودة إلى القتال.

نتنياهو حاول المراوغة وكسب المزيد من الوقت وربما تجنُّب الظهور على أنه خضع لأوامر ترامب، إذ كان يرغب في أن يؤجّل زيارته للبيت الأبيض حتى نهاية الشهر، لكنه لم يفلح أمام استعجال ترامب، الذي لا يهتم لأية مشاعر يبديها نتنياهو.

سيحتفل الرجلان في البيت الأبيض، بتحقيق «النصر» في إيران للتغطية على الفشل في غزّة، ولإقناع نتنياهو بأنه يحقق «انتصاراً» تاريخياً، انطلاقاً بما ستحمله مرحلة ما بعد توقّف القتال في قطاع غزّة.
الصحافة الإسرائيلية تضجّ بنشر المخطّطات التي جرى ويجري تحضيرها لما بعد الحرب الهمجية على القطاع.

لو حاولنا قراءة المشهد العام للاضطراب في المنطقة، فإن نتائج الحرب على إيران، لا تعطي لأي طرف حقّ الادعاء بتحقيق الانتصار، على الرغم من أن الطرفين الأميركي والإسرائيلي لا يتوقّفان عن الاحتفال بالنصر.

تلقّت الدولة العبرية ضربات موجعة لم تعهدها في تاريخها، وتلقّت إيران، أيضاً، ضربات موجعة وخسائر هائلة، لكن النظام الإيراني صمد، ومشروعه النووي باقٍ رغم الأضرار الكبيرة ومنظوماته الصاروخية باقية وتأكّدت فعاليّتها.

أعتقد أن أميركا، لم ترغب ولم تعمل جدّياً من أجل إسقاط وتفكيك النظام الإيراني، وهي لا تزال تبالغ في خطورة ما تملكه إيران. السبب خلف ذلك، هو أن بقاء النظام الإيراني، واستمرار رغبته في تطوير قدراته النووية سيشكّل الذريعة لتخويف دول المنطقة، وتبرير الوجود الأميركي وإقامة التحالفات، التي تشكل حاجة ماسّة ووجودية لحماية أنظمة الخليج العربي، طبعاً ثمّة أسباب أخرى، من نوع عدم استدراج الصين وروسيا إلى الصراع عن قرب إلى المنطقة.

اليوم يجري الحديث عن «درع ابراهام»، واستعداد عدد من الدول العربية لـ»تطبيع» علاقاتها مع دولة الاحتلال.

«درع ابراهام» يتجاوز «التطبيع» إلى التدرُّج في إقامة حلف على غرار «الناتو»، بقيادة أميركا ومشاركة فاعلة لدولة الاحتلال. إقامة هذا الحلف ينطوي على أبعاد إقليمية ودولية خطيرة، في إطار صراع أدوار بعض دول المنطقة، وأيضاً الصراع والتنافس الدولي على قيادة النظام الدولي، وبالتأكيد على القضية الفلسطينية، التي تتعرّض إلى حصار مختلف وعملية تقزيم. باختصار، ما بعد الحرب العدوانية ثمّة اضطرابات واسعة في الإقليم.

الأيام الفلسطينية

مقالات مشابهة

  • تحذيرات فلسطينية من تنفيذ مشروعات استيطانية ضخمة بالضفة الغربية
  • مجزرة جديدة في خانيونس.. الاحتلال يقصف خيمة ويقتل 4 أطفال من عائلة واحدة
  • مستوطنون يجبرون 500 عائلة فلسطينية قرب أريحا على الرحيل
  • تهجير 50 عائلة بدوية فلسطينية قسراً جراء اعتداءات المستوطنين
  • الاحتلال يقتحم بلدات بالضفة ويهجر 30 عائلة من أريحا
  • فصائل فلسطينية: نستهدف قوات الاحتلال شمال خان يونس بقذائف هاون
  • “لقمة مغمسة بالدم”.. فلسطينية تروي صعوبة الحصول على الدقيق بغزة
  • عنوان ما بعد الحرب العدوانية؟
  • وسائل إعلام فلسطينية: 92 شهيدا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة بينهم 42 من منتظرى المساعدات
  • الاحتلال يمهل 22 عائلة بإخلاء منازلها للسيطرة على أراضيهم في صور باهر