طوفان الأقصى ومعضلة العقل السياسي الحداثي
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
لقد جاء "طوفان الأقصى" برمزيته الدينية وبتداعياته السياسية والحضارية (قضية المنظومة الكونية لحقوق الإنسان والمؤسسات الدولية المشرفة على تطبيقها) ليمثّل لحظة مفصلية، لا في تاريخ الصراع ضد الكيان الصهيوني وما يحكمها ومن "أساطير" تتعلق بقوة "إسرائيل" أو بعلاقة أغلب الأنظمة العربية والإسلامية بها فحسب، بل أيضا في فهمنا للغايات الحقيقية لمحور الثورات المضادة (محور التطبيع) وكذلك لرهان إسقاط الربيع العربي وقاطرته الأساسية أو المستفيد الأكبر منه (الحركات ذات المرجعية الإخوانية).
فالسردية الأساسية في كل الثورات المضادة كانت تركز على التخويف من "الإخوان" الذين ارتضوا العمل القانوني والاحتكام للإرادة الشعبية باعتبارهم تهديدا للسلم الأهلية وللحقوق الفردية والجماعية التي وفرتها الفلسفات الحديثة للدولة-الأمة، مع التلميح أحيانا والتصريح أخرى إلى علاقة "الإخوان" بالقوى الإمبريالية بل بـ"الصهيونية". وهي سردية استطاعت النجاح في ضرب انبثاق حقل سياسي "طبيعي"، وأعادت السلطة إلى ممثلي "المنظومات القديمة" تحت مسميات مختلفة تراوحت بين "الثورة التصحيحية" (مصر) و"الإنقاذ" (تونس)، أو جعلت منهم شركاء في إدارة بلد منقسم (ليبيا) أو أخرجتهم من دائرة السلطة (المغرب).
السؤال الذي يطرحه طوفان الأقصى على العقل السياسي العربي والإسلامي هو سؤال مزدوج. ويتعلق السؤال في جزء منه بإعادة قراءة الرهانات الحقيقية للثورات المضادة باعتبارها في جوهرها -على خلاف ما تدعيه- خدمة للإمبريالية وللصهيونية، سواء أكانت تلك الخدمة مقصودة أم كانت نتيجة تقاطعات موضوعية لم يتدبر أصحابها ما تعنيه في المستوى الإقليمي أو الجيو-استراتيجي
بناءً على ما تقدم، فإن السؤال الذي يطرحه طوفان الأقصى على العقل السياسي العربي والإسلامي هو سؤال مزدوج. ويتعلق السؤال في جزء منه بإعادة قراءة الرهانات الحقيقية للثورات المضادة باعتبارها في جوهرها -على خلاف ما تدعيه- خدمة للإمبريالية وللصهيونية، سواء أكانت تلك الخدمة مقصودة أم كانت نتيجة تقاطعات موضوعية لم يتدبر أصحابها ما تعنيه في المستوى الإقليمي أو الجيو-استراتيجي المتجاوز لنصاب "الدولة الوطنية" (أي المتجاوز للرهانات المحلية و"القضايا الصغرى" للنخب "الحداثية" في كل دولة على حدة).
أما الجزء الثاني من السؤال فهو يرتبط ببعد مستقبلي مداره إمكانية أو استحالة بناء مشروع قومي للتحرير أو لمناهضة الامبريالية والصهيونية مع إقصاء المكون الإسلامي من "الرهان الديمقراطي" (وهو هنا "المكون الإخواني" الذي تشيطنه النخب العلمانية العربية بمختلف مرجعياتها الأيديولوجية وتتحالف ضده مع الوهابية السعودية ومع الإمارات باعتبارهما عرَّابي صفقة القرن من جهة وقاطرتي الثورات المضادة من جهة أخرى).
ولو شئنا التعبير عن جزئي السؤال في صياغة واحدة لقلنا: هل يمكن بناء مشروع للتحرير الوطني أو للديمقراطية أو لمقاومة الصهيونية والإمبريالية دون القبول بالمكون الإسلامي/ الإخواني ذي القاعدة الشعبية الواسعة، بعد أن رضي هذا الفصيل بالتحول من موقع البديل إلى موقع الشريك لباقي القوى "الوطنية" (بدءا من فلسطين ذاتها)، على خلاف "الوهابية السعودية" بجميع مدارسها "العلمية" و"الجهادية"؟ وهل يمكن لأي مشروع سياسي يقوم على إقصاء الإسلاميين من أن يمنع نفسه من الالتقاء موضوعيا -وأحيانا التنسيق- مع المشروع الصهيوني في المنطقة العربية والإسلامية؟ بل هل يمكنه أن يجنب نفسه التحول إلى مجرد "وكيل" للصهاينة كما هو شأن كل الأنظمة التي تؤسس شرعيتها على محاربة الإخوان أو التحريض على تصنيفهم "حركة إرهابية"؛ بدعوى مقاومة التطرف والإرهاب (وهي الحجة التي أسقط بها العسكر المصري المطبع مع الكيان أول تجربة ديمقراطية في البلاد، وهي كذلك الحجة ذاتها التي يستعملها الصهاينة وحلفاؤهم في توصيف المقاومة الإسلامية الإخوانية في غزة)؟
في تونس وفي غيرها من الدول العربية، نجحت الثورات المضادة في التغطية على الرهانات الحقيقية من إفشال الانتقال الديمقراطي وذلك بإظهار صراعاتها ضد "الإخوان" صراعا ضد التطرف والإرهاب، وليس صراعا ضد انبثاق حقل سياسي "طبيعي" يقوم على الشراكة بين الإسلاميين والعلمانيين. لقد حرص القائمون على الثورات المضادة على إظهار أنفسهم منقذين للشعوب، بل للديمقراطية ذاتها، والحال أنهم لم يكونوا إلا مجرد بيادق في خدمة المشاريع الانقلابية المرتبطة بمنظومات الاستعمار/ الاستحمار الداخلي وحلفائها الإقليميين والدوليين.
ورغم وجود أدلة قاطعة على وجود أياد خارجية (أموال/ استخبارات) تتلاعب بالوضع العام وتدفع به نحو اتجاهات معينة، فإن الأذرع الإعلامية للمنظومات القديمة حرصت على تهميش هذا المعطى وتتفيه الخطابات المشيرة إليه وشيطنتها.
حسب سرديات "الإنقاذ" و"التصحيح" المهيمنة على الثورات المضادة، لا يكمن "الشر" في "الوهابية" التي ترتبط بالمخابرات السعودية والغربية "الحليفة"، فضلا عن أنها لا تطرح نفسها شريكا للنخب العلمانية في المشروع الديمقراطي. كما لا يوجد شر جوهري -حسب تلك السرديات- في منظومات الاستعمار الداخلي ولا في "محور الثورات المضادة" رغم أنه هو ذاته "محور التطبيع".
إن الشر المطلق هو في "الإخوان" بحكم قاعدتهم الشعبية الواسعة، تلك القاعدة التي دفعت بهم إلى السلطة بعد "الربيع العربي" على كُره من النخب "الديمقراطية"، مما جعلها تمثل تهديدا وجوديا لمصالح "النخب الوظيفية" ماديا ورمزيا في المستوى المحلي، وتهديدا وجوديا للنظام العالمي المتصهين في المستوى الإقليمي.
ولكنّ السماح بالربط بين هذين الخطرين الوجوديين في الوعي الجمعي للتونسيين أو لغيرهم من العرب كان يعني تهاوي مشاريع الانقلاب و"التطبيع"، كما كان يعني فقدان النخب "الوظيفية" الدائرة في فلك المنظومات القديمة لشرعيتها ولامتيازاتها. وهو ما حرصت النخب "العلمانية" على منعه بطريقتين: أولا، تضخيم خطر "الإخوان" باعتماد مقاربة هوياتية ثقافوية للصراع (حرف الصراع عن مداره الاقتصادي والاجتماعي)، ثانيا، حجب الرهانات الدولية والإقليمية للثورات العربية والتغطية على علاقات "محور الثورات المضادة" بمشروع صفقة القرن والتطبيع، بحيث يبدو وكأن السعودية والإمارات وغيرهما من بلدان "محور الثورات المضادة" معنية حقا بملف الديمقراطية أو مساندة لمشاريع التحرير الوطني أو مناهضة للإمبريالية والصهيونية.
رغم مسارعة أغلب النخب الانقلابية في تونس إلى المساندة الخطابية لطوفان الأقصى، فإن الطوفان قد وضعها في مأزق سياسي وأيديولوجي كبير. فالمقاومة التي كسرت أساطير الكيان هي في جوهرها مقاومة "إخوانية" خالصة بقيادة حركَتي حماس والجهاد الإسلامي. ولا شك في أن هذا الوضع سيضع "الانقلابيين" أمام مفارقة يصعب إيجاد المخرج منها دون حدوث "أضرار جانبية" في أفضل الحالات.
فعلاقة "الديمقراطيين" في تونس مع "الإخوان" بصفة عامة (أي مع حركة النهضة أو حتى مع إخوان مصر وليبيا أو فلسطين ذاتها) هي علاقة عدائية يحكمها منطق "التناقض الرئيس" ويمثّله الإخوان أو الرجعية الدينية، و"التناقض الثانوي" الذي تمثله البرجوازيات اللا وطنية الحاكمة، كما يحكم تلك العلاقة منطق "الاستئصال الصلب" (تحويل "الإخوان" إلى ملف أمني قضائي وحرمانهم من العمل السياسي القانوني) ومنطق "الاستئصال اللّين" (إخراج "الإخوان" من الحكم وتهميشهم سياسيا دون إقصائهم والدفع بهم إلى العمل السياسي السري). ومن الواضح أن هذا العقل السياسي لا يمكن أن يتماهى مع "حماس" أو الجهاد، أو يعتبر "الإخوان" شريكا في الوطن أو في تشكيل الفضاء العام.
يطرح طوفان الأقصى العديد من الإشكالات والإحراجات على منطق "التناقض الرئيس والتناقض الثانوي" المسنود بـ"منطق الاستئصال" (في صيغتيه الناعمة والصلبة). ولكن يبدو أنّ الطوفان الميداني لم يؤثر على المياه الراكدة في العقل السياسي "العلماني" في تونس وغيرها، فنحن لا نرى أي مؤشرات على وجود نية لمراجعة المفاهيم التوليدية للعقل السياسي المُعلمن بمختلف مداسه الليبرالية واليسارية (الماركسية والقومية)
يطرح طوفان الأقصى العديد من الإشكالات والإحراجات على منطق "التناقض الرئيس والتناقض الثانوي" المسنود بـ"منطق الاستئصال" (في صيغتيه الناعمة والصلبة). ولكن يبدو أنّ الطوفان الميداني لم يؤثر على المياه الراكدة في العقل السياسي "العلماني" في تونس وغيرها، فنحن لا نرى أي مؤشرات على وجود نية لمراجعة المفاهيم التوليدية للعقل السياسي المُعلمن بمختلف مداسه الليبرالية واليسارية (الماركسية والقومية). ومصداق ذلك أننا لم نجد إلى حدود كتابة هذا المقال رمزا من رموز "العلمانية" ومعاداة الإخوان قدم نقدا ذاتيا أو دعا إلى مراجعة تحالفاته الإقليمية والدولية، أو اعتبر أن التناقض الرئيس هو مع الصهيونية والغرب وليس مع الإخوان، أو أقرّ باستحالة بناء مشروع التحرير الوطني للتحرير أو تأسيس ديمقراطية "طبيعية" بإقصاء المكون الإسلامي. كما لا نجد أي رمز "حداثي" أقرّ بأن مشروع الثورات المضادة هو أحد وجهي العملة في مشروع التطبيع وصفقة القرن، فأقصى ما يفعله "الديمقراطيون" في تونس هو احتلال المنابر الإعلامية لمناصرة مقاومة هم أعدى أعداء مرجعيتها "الإخوانية".
إذا كان طوفان الأقصى قد أكّد الطبيعة "الوظيفية" لأغلب الأنظمة العربية في خدمة المشروع الصهيوني، فإنه قد أكّد أيضا عجز النخب "الحداثية" بمختلف مدارسها الفكرية عن قراءة هذا الحدث قراءةً تأسيسية، أي قراءةً تؤسس لعقل سياسي جديد سواء في علاقته بمفاهيم "الحداثة الغربية" (خاصة اللائكية الفرنسية) أو في علاقته بشركائه في الوطن والمصير من خلال الانفتاح على المدارس ما بعد الاستعمارية أو لاهوت التحرير وغيرهما من السرديات التي حاول الانعتاق من العقل الغربي ومشاريعه الاستعمارية الجديدة.
ولذلك، فإن محصول القول في تأثيرات طوفان الأقصى على العقل السياسي "اللائكي" التونسي هو أنها ظلت في مستوى السطح وخضعت لتلاعبات واعية وغير واعية؛ هدفها الدفاع عن السرديات التقليدية دون خسارة الرأي العام المتعاطف مع المقاومة. فتلك التأثيرات لم تبلغ عمق السرديات "الانقلابية" ولم تجعلها تتساءل عن دورها الحقيقي في مشاريع التطبيع وتأبيد وضعية الاستبداد والتبعية والتخلف، ولا التساؤل أيضا عن دورها في التمهيد للوضعية التاريخية الحالية التي تضع "المقاومة" في مواجهة "طوق عربي" متصهين؛ هو في أغلبه حليفٌ استراتيجي للقوى "الديمقراطية" وللقوى التي تدعي مناهضة التطبيع في تونس.
twitter.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية فلسطين الإسلاميين المقاومة فلسطين المقاومة الإسلاميين العلمانيين طوفان الاقصي سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العقل السیاسی طوفان الأقصى فی المستوى فی تونس
إقرأ أيضاً:
عدوى القلاع تتحول لكابوس صحي.. لهذا السبب
تواجه عدوى القلاع، التي يسببها فطر الكانديدا، تحديًا متزايدًا بسبب قدرة الفطريات على تطوير مقاومة الأدوية المضادة للفطريات، الظاهرة التى تجعل علاج العدوى أكثر صعوبة، خاصة للأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة.
ونشر موقع "كونفيرزيشن" مقالا للمحاضرة في علم الأحياء الدقيقة، في جامعة وستمنستر، منال محمد قالت فيه إن مرض القلاع يُعد من أكثر أنواع العدوى شيوعا في العالم، يُسببه فطر كانديدا - وتحديدا خميرة كانديدا البيكانس. على الرغم من سهولة علاج عدوى الخميرة عادة بالأدوية المضادة للفطريات، إلا أن عددا متزايدا من أنواع الكانديدا يُطوّر مقاومة لهذه الأدوية - بما في ذلك النوع المُسبب لمرض القلاع.
وأضافت أنه وفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، فإن حوالي 7% من جميع عينات دم المبيضات المُختبرة تُقاوم دواء الفلوكونازول المُضاد للفطريات، وهو دواء الخط الأول المُستخدم لعلاج مُعظم أنواع عدوى الكانديدا.
وذكرت أن هذا يعني أن خيارات العلاج حتى لعدوى القلاع الروتينية أقل، مما يزيد من صعوبة علاجها هذا يعني أيضا أن عدوى الكانديدا الأكثر شدة، والتي قد تصيب الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة أو يتناولون جرعات طويلة من المضادات الحيوية، ستصبح أكثر صعوبة في السيطرة عليها.
وأشارت إلى أن مقاومة مضادات الفطريات قد تساهم أيضا في زيادة حالات القلاع المتكررة (عدوى القلاع التي تستمر في العودة). يؤثر هذا على حوالي 138 مليون امرأة حول العالم، ولكن من المتوقع أن يرتفع إلى 158 مليون شخص بحلول عام 2030.
لماذا تتزايد المقاومة؟
وقالت إن ظاهرة مقاومة مضادات الفطريات شهدت تغيرا جذريا خلال العقود القليلة الماضية، مشيرة إلى أنه في أوائل ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت مقاومة مضادات الفطريات نادرة. كان الفلوكونازول فعالا في معظم حالات عدوى كانديدا البيكانس، حيث كانت أقل من 5% منها مقاومة له.
لكن كانديدا البيكانس كائن حي دقيق شديد التكيف، ويمكنه بسهولة تطوير مقاومة لمضادات الفطريات في ظل الظروف المناسبة.
وأشارت إلى أن الأبحاث تُظهر أن مقاومة كانديدا البيكانس كانت في اتجاه تصاعدي خلال السنوات الثماني الماضية على الأقل. وجدت دراسة صغيرة أُجريت على مرضى في مصر أنه في عام 2024، كان ما يقرب من 26% من عزلات فطريات كانديدا البيكانس المأخوذة من عينات الدم مقاومة للفلوكونازول. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم ما إذا كانت هذه الصورة متماثلة عالميا.
وذكرت أنه يمكن أن تُطور الكانديدا مقاومة للأدوية المضادة للفطريات من خلال طفرات جينية تجعلها أقل تأثرا بمضادات الفطريات، أو تُساعدها على تقليل فعاليتها.
وأنه يمكن للكانديدا حماية نفسها من الأدوية المضادة للفطريات بتكوين أغشية حيوية صلبة. تمنع هذه الطبقات اللزجة من الخلايا الفطرية الأدوية من الدخول، وتساعد الفطر على ضخ أي أدوية اخترقت الحاجز مرة أخرى، وتسمح لبعض الخلايا بالاختباء في حالة راحة حتى انتهاء العلاج. كما يمكن للكانديدا أيضا تغيير بنية الجزيئات التي تستهدفها مضادات الفطريات لمنع ارتباط الأدوية بفعالية.
وأوضحت أن السبب الرئيسي وراء صعوبة علاج عدوى الكانديدا هو تكيف الفطريات للبقاء على قيد الحياة في مواجهة الأدوية المضادة للفطريات. لكن هذه المقاومة ليست وليدة الصدفة. فهناك العديد من العوامل التي تُسهم في هذه المشكلة، بما في ذلك سوء استخدام الأدوية المضادة للفطريات والإفراط في استخدامها (ليس فقط من قِبل البشر، بل في الزراعة أيضا) ومحدودية عدد الأدوية المضادة للفطريات الفعّالة المتاحة (والتي يصعب تطويرها وتكلفتها).
كما أن ارتفاع درجات الحرارة البيئية، والإجهاد البيئي، واستخدام مبيدات الفطريات تُهيئ ظروفا تُشجع على ظهور سلالات من الكانديدا المقاومة للحرارة والمقاومة للأدوية - مثل كانديدا أوريس، التي تتميز بمقاومة شديدة لفئات متعددة من الأدوية المضادة للفطريات، ويمكن أن تُسبب عدوى شديدة لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
منع مقاومة مضادات الفطريات
وقالت إن الكانديدا تنتقل بشكل رئيسي من شخص إلى شخص أو عن طريق الاتصال الجنسي، وملامسة الأشياء أو الأسطح الملوثة. وفي مرافق الرعاية الصحية، يمكن أن تنتشر الكانديدا أيضا من خلال المعدات والأجهزة الطبية الملوثة.
وبينت أن انتقال المبيضات عبر الهواء لا يُعد شائعا. ومع ذلك، أفادت دراسة حديثة مثيرة للقلق باكتشاف أنواع من فطريات الكانديدا المقاومة للأدوية المضادة للفطريات الشائعة في عينات هواء المناطق الحضرية في هونغ كونغ. وشمل ذلك فطريات كانديدا البيكانس.
ولفتت إلى أن وجود فطريات الكانديدا في الهواء قد يزيد من احتمالية انتشارها في المجتمع ويزيد من خطر استنشاقها، لا سيما في المستشفيات أو المناطق المزدحمة أو دور الرعاية التي تضم أشخاصا يعانون من نقص المناعة. ويمثل هذا مسارا محتملا للتعرض لم يمنح القدر المستحق من قبل. وستكون هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات للتحقيق في مصدر فطريات الكانديدا في المناطق الحضرية ومدى قدرتها على العدوى.
وذكرت أن فطريات الكانديدا لا تُسبب عموما أي ضرر في الظروف العادية، وإذا كان لديك جهاز مناعة سليم. يُعد الحفاظ على ميكروبيوم صحي أمرا أساسيا لحماية نفسك: فالبكتيريا المفيدة في جسمك تُساعد في الحفاظ على مستويات الكانديدا تحت السيطرة، وتمنعها من النمو المفرط والتسبب في مشاكل صحية.
ومع ذلك، عندما يضطرب توازن البكتيريا النافعة في جسمك - على سبيل المثال، بسبب المضادات الحيوية، أو سوء التغذية، أو ضعف جهاز المناعة، أو ارتفاع مستوى التوتر - فقد تنمو فطريات الكانديدا بشكل خارج عن السيطرة، مما يؤدي إلى الإصابة بالأمراض.
وأشارت إلى إمكانية أن يؤدي اضطراب الميكروبيوم أيضا إلى خلق ظروف تُمكّن الكانديدا المقاومة للمضادات من النمو المفرط، وتكوين أغشية حيوية مقاومة، مما يجعل علاجها أصعب.
وأوضحت أنّ العناية بالميكروبيوم لديك يمكن أن تُحدث فرقا كبيرا في تقليل خطر الإصابة بالكانديدا وغيرها من الالتهابات. يتضمن ذلك اتباع نظام غذائي متنوع وغني بالألياف - بما في ذلك الأطعمة المخمرة - والحد من الأطعمة فائقة التصنيع.
وبينت أن تناول المضادات الحيوية فقط عند وصفها طبيا. قد تساعد البروبيوتيك والبريبايوتكس أيضا في الحفاظ على توازن الميكروبيوم لديك، خاصة بعد استخدام المضادات الحيوية أو تكرار الالتهابات.
وخلصت إلى أنه في حين أن معظم التهابات الكانديدا قابلة للعلاج، إلا أن السلالات المقاومة للأدوية والالتهابات لدى الأشخاص المعرضين للخطر قد تكون خطيرة. ومع ذلك، يمكننا جميعا القيام بدورنا لمنع تطور السلالات المقاومة - بما في ذلك من خلال تناول الأدوية المضادة للفطريات فقط وفقا للوصفة الطبية، وإكمال الدورة العلاجية كاملة، والحفاظ على النظافة الجيدة.