[email protected]
يأتي مفهوم التأطير كأحد المفاهيم المعيقة في الثقافة الاجتماعية، وبقدر إعاقته لكثير من مشروعات الحياة، حيث يبقي الفكرة في إطارها الضيق، ولا يفسح لها المجال للانطلاق والتحرر «التفكير خارج الصندوق» وبقدر معرفة الكثيرين بهذه الإشكالية التي يوجدها التأطير، ومع وجود نتائج ملموسة لإشكالية ممارسة التأطير، إلا أن هناك من يرى أن التأطير أحد المفاهيم الاجتماعية المهمة، انطلاقًا من فهم مفاده أن الإطار الذي يحيط بالأشياء يحافظ على أصالتها، وعلى كينوناتها، وعلى صفاتها الأصلية، حيث لا تتعرض للتغريب الذي يبعدها عن هويتها، وعن بيئتها، وعن شكل الإطار الاجتماعي الذي تربت عليه الأجيال، وبقدر هذه الوجاهة عند البعض، إلا أن المسيرة الزمنية لا تتوافق مع هذه النظرة، بل تتصادم معها بصورة مباشرة، فتربك حساباتها، وتناقض ثوابتها، وتذهب بعيدًا إلى حيث التوغل في بنيانها «تركيبتها البنائية» بحيث تظهر على السطح شيئا مختلفا، وإن كان ممسوخًا في بعض الأحيان، لا هو مع الأصل، ولا هو ما التقليد، والمهم هو أن هناك شيئًا آخر غير مرتبط بأصله بصورة مطلقة.
تذهب الفكرة هنا إلى أن للزمن عوامل للتغيير، والإنسان؛ انطلاقًا من حاجياته المتجددة، والمستمرة؛ هو الذي يطالب بالتغيير، وعدم الثبات عند نقطة معينة أو مستوى واحد من الحياة، ولذلك فهناك صوتان جوهريان متضادان في كثير من نقاط التلاقي، صوت يذهب إلى التغيير المطلق، وآخر يذهب إلى بقاء الأشياء على ما هي عليه، وهذا التوجس من الجانبين هو الذي يؤثر على عمليات التغيير في المجتمع، فالأول ينطلق من مخزون قيمي يتحكم في كثير من قراراته، والثاني ينطلق من منظور مستقبلي يوجد فيه كمية من الحوافز الذاهبة إلى التغيير، وكما هو ملاحظ أن العامل الزمني هو الفاعل في حقيقة الطرفين، حيث يراكم من قناعات الطرف الأول، ويعمل على تأسيس بناءات جديدة عند الطرف الثاني، ويبقى النزاع قائما.
تعمل الحدود الثابتة -وهي حدود معنوية- على تأطير الأنشطة الإنسانية، وقد لا يصرح بها الفرد، ولكنه يسقطها على كثير من ممارساته اليومية، بصورة متعمدة، أو بصورة لا إرادية، فجل ممارساتنا في هذه الحياة تنضم تحت هذه العباءة الشفافة، وهي ليست وحيا طارئا، وإنما تأصيلا لمجمل القناعات التي نصل إليها مع تراكم خبرة الحياة، وتراكم العمر، ومن تجربة الخطأ والصواب التي نمر عليها، بعمد أو بغير عمد، وعلى الرغم من تأثيراتها على وضع بعض المطبات لمسيرات الحياة اليومية، إلا أنها تبقى ضرورة لقياس الوعي أو الفهم الاجتماعي لمجمل ما يدور حوله من أنشطة الحياة اليومية، كما يعكس ذلك القدرة على التفريق بين الخطأ والصواب، فليس كل قديم سيء، ولا يمكن أن ينعتق أيضا من أي عيب، وكذلك الحديث يمر بنفس الحكم، والحياة بطبيعة حركتها اليومية، لا يمكن أن تتأطر في قوالب وفق أهواء الناس وإراداتهم الشخصية المطلقة، فالكم الكبير من الأعداد البشرية التي تتقاسم ما يتيسر لها من وسائل وأدوات لتسيير حياتها اليومية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتوافق على نمط محدد في العيش، ولا الآمال ولا الطموحات، حيث يغذي كل ذلك مجموعة من العوامل الذاتية المتسلسلة عبر شجرة الأنساب العميقة.
«لا شيء يشبه شيئا
ولا أحد يعوّض غياب أحد
أشياؤنا المختلفة إن ضاعت ليس لها بديل». نص للشاعر محمود درويش
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
حقوق الأرملة .. حقوق مالية ثابتة لا تسقط بوفاة الزوج
قدّمت هبة إبراهيم، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، توضيحًا شاملًا حول الحقوق المالية التي تضمنها الشريعة الإسلامية للأرملة عقب وفاة زوجها، مؤكدة أن الإسلام حفظ للمرأة حقوقها في مختلف أوضاعها، سواء كانت زوجة أو ابنة أو أختًا، ومن ذلك وضع الأرملة الذي حدده الشرع بدقة.
وأوضحت أن أول هذه الحقوق المؤخر، باعتباره دينًا ثابتًا في ذمة الزوج، يجب سداده من تركته قبل توزيع الميراث، باعتباره جزءًا من المهر تم تأجيل قبضه، سواء كان محددًا بأجل أو مرتبطًا بالوفاة أو الطلاق. وفي حال لم يُسدّد في حياة الزوج، فإنه يصبح حقًا واجب السداد للأرملة.
الميراث.. حق ثابت بنصوص القرآن
وأكدت عضو الفتوى أن ميراث الأرملة يُقدّر وفق نصوص الشرع القطعية، ويُصرف بعد سداد الديون والحقوق المتعلقة بالتركة، موضحة أن الشريعة قدّرت نصيب الزوجة بدقة لضمان كرامتها واستقرارها بعد رحيل الزوج.
قائمة المنقولات.. دين واجب السداد
وأشارت إلى أن قائمة المنقولات المكتوبة تُعد دينًا على الزوج، لأنها بمثابة إقرار منه أثناء الزواج أو عند العقد، يضمن للأرملة حقها الكامل فيها بعد وفاته. ويجوز لها المطالبة بقائمة المنقولات من التركة قبل توزيعها، سواء كانت أثاث منزل أو منقولات أخرى.
أما ما يملكه الزوج داخل المنزل من أثاث وأساسات دون وجود قائمة مكتوبة، فيعدّ من ممتلكاته الخاصة، ويُقسّم على جميع الورثة بعد وفاته، ما لم توجد إثباتات أو اتفاقات أخرى تُغيّر من هذا الحكم.
ضمانات شرعية لحماية حقوق الأرملة
وشددت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى على أن الشريعة الإسلامية منحت الأرملة ضمانات قوية للحصول على حقوقها المالية كاملة، سواء من مؤخرها أو ميراثها أو قائمة منقولاتها، مؤكدة أن وفاء ذمة الزوج بدينه مقدم على توزيع الميراث، حفاظًا على العدل ورفعًا للضرر عن المرأة في مرحلة حساسة من حياتها.