لجريدة عمان:
2025-05-21@01:29:36 GMT

نوافذ: نسخة كئيبة من العجز البشري!

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

قد لا يتمكن الأجداد من فهم ما يردده الأحفاد عندما يصفون أنفسهم بكلمة: «تعب!»، فلديهم تصوّر جاهز بأنّ هذا الجيل المدلل لم يُكابد «تعبًا» مُماثلا لما عايشوه هم في عقود مضت، عندما كانت أياديهم العارية تنسجُ تفاصيل علاقتهم الشاقة بالحياة وبلقمة العيش.

قد يبدو الأمر عسيرا على الفهم حقا، إلا أنّ الحياة ـ شئنا أم أبينا ـ تختلقُ صنوفا من المعاناة لم تكن موجودة من قبل! فالتعب -وإن تغير الزمان والظروف والمفردات والأعراض والتفسيرات- لا يخفت ولا ينطفئ بتغير الأعمال الخشنة، «يبدو أنّه مترسخٌ في الأجساد مسجلٌ أيضا عبر القرون في الوعي وفي البنيات الاجتماعية إلى أن يصيبنا في العمق».

في الحقيقة لفتني أن يكون «التعب» موضوعا ومادة دراسة. قرأتُ هذا في فصول كتاب «تاريخ التعب» للكاتب جورج فيغاريلو،ت : محمد نعيم، دار: صفحة ٧، فتراجع الأعمال المُنهكة التي حلّت محلها الآلة، لا يعني بالضرورة أنّنا قلصنا العقبات المحتملة وصنوف الهشاشة وقابلية العطب البشري.

يتتبع الكتاب تاريخ التعب من العصر الوسيط وحتى أيامنا هذه، فعلى سبيل المثال يتبدى «المحارب» كأنموذج مركزي في العصور الوسطى، يُقاس تعبه بعدد الطعنات التي يتلقاها في ساحات المبارزة. يتحدث فيغاريلو عن العصر الوسيط الذي عظّم التعب المرتبط بالقتال وليس المرتبط بالعمل، فما يثيرُ التقدير هو الزبد الخارج من الفم، قصص المنهكين التائهين في الصحاري، الأرجل الدامية، ولأنّ الخارج يفرض نفسه كأولوية، فقيمة المعركة تكمن في أن تكون طويلة وطاحنة. ولكي يتكثف معنى النصر ينبغي أن يكون المحارب صلبا، فالأشياء تُقدر قيمتها بمشقتها. أمّا المتفرجون في العصور الوسطى فيثمنون الضراوة وعدد الضربات. ولا أدري لماذا أحالني هذا المشهد من الكتاب إلى الحرب على «غزة»، حيث يتحول بعضنا إلى مجرد «مشجعين» في حلبة مصارعة، مُتناسين الحيوات التي تُهدر والدماء التي تُراق دون ذرة عاطفة واحدة! بل إنّ حماسهم يدفعهم لأن ينتظروا من الأبطال أن ينجزوا مهمتهم كما يفعل الخارقون في الأساطير دون توجع أو تفجع، وكأنّهم بذلك -أي المشجعون- يعوضون خرابهم الداخلي ووضاعة أحوالهم!

في القرن السابع عشر ظهرت مفردات جديدة، من قبيل كلمة «فتور» التي أثارها الأثرياء الذين بدأوا يشكون من أوجه ضعف وهشاشة. وأيضا ثمّة آلام لم تكن تسترعي انتباه الإنسان القديم ولكن في القرن الثامن عشر أطلق عليها «تصلب عضلي»، ثمّ تناسلت كلمات العياء ودلالاتها. أمّا السفر في وقت كان بلا خرائط، فقد كان يعني ملء الفراغات بمزيد من التعب. فالمسير بقدر ما يصنع التقدم، بقدر ما يمد أشكال المعاناة. فالخارج الجغرافي يؤكد «ألم» الداخل الجسدي.

لقد تأكد «العياء العام وهيمنته أكثر من أي وقت مضى، بل وتحول إلى بداهة يومية». ففي القرنين 20-21 ارتبط التعب بالهم والقلق، وتلك الفكرة التي تطارد الجميع بضرورة تحقيق الذات، فالظروف المعيشية الحديثة تحرض على التنافس، والاعتراف المهني يغدو أشبه بمكافأة عاطفية، الأمر الذي يُضاعف أرباح منتجي مضادات الاكتئاب، وكأنّ «لا شيء من رؤية العياء والإنهاك سيتغير مع الوقت»!

كنا نظن أنّ الحياة اليوم بدخول الألفية الجديدة ستلغي مفردة «التعب» من قاموسها إلا أنّ المفردات تتزايد! إذ «يحل العبء المعلوماتي محل العبء الجسدي، وتظهر التمزقات الشخصية أو الجماعية» بصور لا يمكن إنكارها، فيبطل الإحساس بالقوة والحماسة في ظل اجتياح النفايات الكيميائية للأجساد كما يصورها فيغاريلو.

فهذا العالم في فوران حواسه المحتدمة، من الأكيد أن يترك انطباعا على الأبدان، فها نحنُ على سبيل المثال محاطون برعب المشاهدة التي تخترق بيوتنا، الرسائل والمشاهدات التي تعصف بنا بكثافة مرعبة فتضع عدسة مكبرة على حوادث الزمان، بينما لم يكن الإنسان فيما سبق محاطا بثورة معلوماتية كما هو الحال الآن والتي رغم أهميتها: «تجفف الأبدان البشرية وتؤدي إلى خراب الأرواح الحية».

إننا في حقيقة الأمر نتمرغُ في القلق! بسبب السيلان الإخباري الذي يقض مضجعنا فلا نروم التخلي عنه ولا نروم الاتصال اليومي المعذب به! الأمر الذي يُؤكد أنّ التعب لن يغادرنا أبدا، فهو «نسخة كئيبة وحتمية من العجز البشري».

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

ثورة تكنولوجية.. ابتكار جهاز عصبي يحاكي عمل الدماغ البشري

طور مهندسون في جامعة RMIT الأسترالية جهازاً عصبياً صناعياً متقدماً قادرًا على محاكاة وظائف الدماغ البشري، حيث يستطيع التعرف على حركات اليد، تخزين الذكريات، ومعالجة البيانات المرئية في الوقت الفعلي، مما يعد نقلة نوعية في مجالات الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة وأنظمة التفاعل البشري.

قاد البروفيسور سوميت واليا، رئيس مركز المواد والمستشعرات البصرية الإلكترونية، نتائج البحث التي نشرت في مجلة Advanced Materials Technologies، فريق البحث الذي استخدم مادة فائقة الرقة من ثنائي كبريتيد الموليبدينوم (MoS₂)، وهي مادة تلتقط الضوء وتحوله إلى إشارات كهربائية مشابهة لتلك التي تصدرها الخلايا العصبية في الدماغ. يعمل الجهاز بطريقة تشبه الدماغ، حيث يخزن الإشارات ويطلق نبضات عند تراكمها، مما يمكنه من الاستجابة الفورية للتغيرات المحيطة دون استهلاك كبير للطاقة أو وقت المعالجة.

وأوضح البروفيسور واليا أن الجهاز “يحاكي قدرة العين على التقاط الضوء وقدرة الدماغ على معالجة المعلومات البصرية، مما يجعله يشعر بالتغيرات البيئية فوراً ويكوّن ذكريات دون الحاجة إلى كم هائل من البيانات أو الطاقة.”

خضع الجهاز لاختبارات أظهر فيها دقة 75% في التعرف على الصور الثابتة بعد 15 دورة تدريب، و80% في المهام الديناميكية بعد 60 دورة، كما تمكن من اكتشاف حركة اليد عبر تقنية الإدراك الكنتوري، مما يقلل الحاجة لمعالجة كل إطار على حدة ويوفر الطاقة. هذه “الذكريات” المخزنة تجعله أقرب إلى طريقة عمل الدماغ البشري.

ويؤكد الباحثون أن لهذه الأنظمة العصبية الصناعية إمكانات كبيرة في تطوير تقنيات ذكية موفرة للطاقة، وقال أحد مؤلفي الدراسة، الحوراني، إن “التقنية تسمح للروبوتات بالتعرف على سلوك الإنسان بسرعة ودقة، وهو أمر بالغ الأهمية في البيئات الصناعية والمنزلية عند العمل بجانب البشر.”

وأشار واليا إلى أن “الجهاز يعمل بطريقة تماثلية تشبه الدماغ على عكس الأنظمة الرقمية التي تستهلك طاقة عالية لمعالجة البيانات، ما يجعله مثالياً لتنفيذ مهام في الوقت الحقيقي، خصوصًا في المركبات الذاتية القيادة حيث رد الفعل السريع أمر حاسم لإنقاذ الحياة.”

كما يتفوق الجهاز على الأنظمة السابقة التي تعتمد على الأشعة فوق البنفسجية، إذ يعمل في الطيف المرئي ويدعم إعادة ضبط الذاكرة لمهام جديدة، مما يفتح المجال أمام تطبيقات معقدة مثل الرؤية بالأشعة تحت الحمراء لمراقبة الانبعاثات والكشف عن السموم.

واختتم واليا بالقول: “نعتبر هذا العمل مكملًا للحوسبة التقليدية وليس بديلاً عنها، حيث تقدم التقنية العصبية ميزات في معالجة البيانات المرئية مع كفاءة طاقة ومعالجة فورية ضرورية.”

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • نسخة عربية من كتاب «الشيخ التنفيذي»
  • تعرف على أسباب نحافة الوجه وطرق علاجها
  • العجوز مودريتش ضمن قائمة كرواتيا في تصفيات مونديال 2026
  • ثورة تكنولوجية.. ابتكار جهاز عصبي يحاكي عمل الدماغ البشري
  • وقفة في ساحة كلية الطب البشري بجامعة حلب إحياءً لذكرى المظاهرة الكبرى التي شهدتها الجامعة ضد ممارسات النظام البائد وتقديراً لتضحيات الشهداء.
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • التعب المزمن.. مرض خفي ينهك الجسد والعقل
  • خط السيطرة في كشمير فاصل الأمر الواقع الذي فرضته الحروب
  • هل تشعر بالتعب طوال الوقت ؟ إليك السبب